شعار الموقع

شرح كتاب الصوم من سنن أبي داود_21

00:00
00:00
تحميل
84

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وآله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه والمسلمين. 

(المتن) 

قَالَ أبو داود رحمه الله تعالى في سننه: 

باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها. 

2458- حدثنا الحسن بن علي،قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوم امرأة وبعلها شاهد، إلا بإذنه غير رمضان، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه». 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها) المراد بالصوم هنا صوم النفل, لا صوم الفريضة, الحديث صحيح أخرجه مسلم و أخرج البخاري فقرة الصوم دون الإذن, والحديث فيهِ نهي المرأة أن تصوم وزوجها حاضر في البلد إِلَّا بإذنه. 

قوله: «لا تصوم» نفي, وروي: «لا تصم» بالنهي, والنفي أبلغ من النهي, المعنى: لا تصوم نفلًا لئلا تفوت عَلَى الزوج الاستمتاع, »وزوجها حاضر» يَعْنِي: حاضر في البلد, فيخرج ما إذا كَانَ غائبًا, إذا كَانَ غائبًا فلا بأس أن تصوم. 

قوله: «إِلَّا بإذنه» إما إذنٌ صريح أو إذنٌ تلويح, وَكَذَلِكَ أيضًا إذا كَانَ في معنى الإذن العلم برضاه, إذا كانت تعلم برضاه فلا بأس, فعلى هذا الصوم الواجب كصوم رمضان هذا ليس فيهِ إذن فهذا فرض, وَكَذَلِكَ صوم القضاء وصوم الكفارة إذا كَانَ محدد, صوم القضاء يكون موسع, لَكِنْ صوم النذر إذا كَانَ محدد وصوم الكفارة؛ المراد: صوم النافلة. 

والحديث دل عَلَى هاتين المسألتين: 

المسألة الأولى: أَنَّه يحرم عَلَى المرأة أن تصوم تطوعًا وزجها حاضرًا في بلدها إِلَّا بإذنه تصريحًا أو تلويحًا. 

المسألة الثانية: أَنَّه يحرم عَلَى المرأة أن تأذن لأحدٍ من الأجانب أو الأقارب في دخول بيت زوجها إِلَّا بإذنه, وفي معنى الإذن: العلم برضاه, إذا كانت تعلم برضاه فهذا في معنى الإذن, تكلم عندك عَلَى الحديث؟. 

الطالب: قَالَ: إسناده صحيح, عبد الرزاق هو: الصنعاني, ومعمر هو: اِبْن راشد, وهو عند عبد الرزاق في مصنفه ومن طريقه أخرجه مسلم, وأخرجه البخاري من طريق عبد الله بْنُ المبارك عن معمر بِهِ واقتصر عَلَى ذكر الصوم. 

قوله: «وهو شاهدٌ إِلَّا بإذنه» قَالَ الحافظ في الفتح: وهذا القيد لا مفهوم له, بل خرج مخرج الغالب وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته, بل يتأكد حينئذٍ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول عَلَى المغيبات؛ أي من غاب عنها زوجها. 

وقال النووي: في هذا الحديث إشارة إِلَى أَنَّه لا يُفتات عَلَى الزوج بالإذن في بيته إِلَّا بإذنه وهو محمولٌ عَلَى ما لم تعلم رضا الزوج بِهِ, أما لو علمت رضا الزوج بِذَلِكَ فلا حرج عليها, كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعًا معدًا لهم سواءً كَانَ حاضرًا أم غائبًا فلا يفتقر إدخالهم إِلَى إذن خاص لذلك. 

الشيخ: هذا معلوم, يَعْنِي: لو كَانَ هناك مجلس خاص أو ملحق خاص بالضيوف هذا معروف, قوله: «وبعلها شاهد» هذا خاص بالصوم, أما الإذن هذا عام سواء حاضر ولا غير حاضر. 

الطالب: «وهو شاهد إلا بإذنه». 

الشيخ: صحيح كلمة شاهد هَذِه فيها إشكال, وهذه خاصة بالصوم ما فيها إشكال, لَكِنْ في الإذن فيها إشكال, ماذا قَالَ الحافظ بْنُ حجر؟. 

الطالب: قَالَ الحافظ في الفتح: وهذا القيد لا مفهوم له, بل خرج مخرج الغالب وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته, بل يتأكد حينئذٍ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول عَلَى المغيبات؛ أي من غاب عنها زوجها. 

الشيخ: المقصود أن الحديث دل عَلَى مسألتين:  

المسألة الأولى: أَنَّه يحرم عَلَى المرأة أن تصوم تطوعًا وزجها حاضرًا إِلَّا بإذنه تصريحًا أو تلويحًا, وفي معنى الإذن العلم برضاه. 

المسألة الثانية: أَنَّه يحرم عَلَى المرأة أن تأذن لأحدٍ من الأجانب أو الأقارب في دخول بيت زوجها إِلَّا بإذنه سواءً كَانَ حاضرًا أو غائبًا. 

قوله: (ولا تأذن) مطلقًا وعام. 

الطالب: وإذا صامت؟ 

الشيخ: صومها صحيح مع الإثم، وله أن يمنعها من الصوم. 

(المتن) 

2459- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي صفوان بن المعطل، يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله، أما قولها يضربني إذا صليت، فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها، قال: فقال: «لو كانت سورة واحدة لكفت الناس»، وأما قولها: يفطرني، فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شاب، فلا أصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: «لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها»، وأما قولها: إني لا أصلي حتى تطلع الشمس، فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: «فإذا استيقظت فصل». 

قال أبو داود: رواه حماد يعني ابن سلمة، عن حميد، أو ثابت، عن أبي المتوكل. 

(الشرح) 

هذا الحديث فيهِ كلام لأهل العلم, تكلم عليه اِبْن القيم رحمه الله ونقل كلام عن المنذري وغيره, وقال غير المنذري: ويدل عَلَى أن الحديث وهمٌ لا أصل له, أما في حديث الإفك المتفق عَلَى صحته قالت عائشة: «إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان الله, فوالذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط», قَالَ: «ثم قُتل بعد ذلك في سبيل الله شهيدًا» يَعْنِي: كيف الآن تكون له امرأة وهو ما كشف عن كنف أنثى؟! ما تزوج يَعْنِي, ثم قُتل في سبيل الله شهيدًا. 

اِبْن القيم يقول: في هذا نظر فلعله تزوج بعد ذلك, الحديث ضعيف شاذ منكر المتن ولا يصح عن النَّبِيِّ r كما قَالَ أبو بكر البزار: هذا الحديث كلامه منكر عن النَّبِيِّ r, والحديث في سنده الأعمش وهو مدلس وقد عنعن لَكِنْ الشارح قَالَ: لم ينفرد عن الأعمش, ولم يصرح بالسماع فقد يكون قد دلس عن غير أبي صالح, لَكِنْ المؤلف قَالَ: (رواه حماد يعني ابن سلمة، عن حميد، أو ثابت، عن أبي المتوكل) يَعْنِي: متابعة لأبي المتوكل, وقال: الأعمش ليس منفردًا أيضًا بل تابعه حميد أو ثابت وكذا جرير ليس بمنفرد بل تابعه حماد بْنُ سلمة, قَالَ: وفي هذا كله رد عَلَى الإمام أبي بكر البزار, يَعْنِي: حين قَالَ هذا الحديث كلامه منكر عن النَّبِيِّ r, قَالَ: ولو ثبت يُحتمل أن يكون إِنَّمَا أمرها بِذَلِكَ استحبابًا, وكان صفوان من خيار أصحاب رسول الله r وَإِنَّمَا أتى نكرة هذا الحديث أن الأعمش لم يقل: حدثنا أبو صالح, فأحسب أَنَّه أخذه من غير ثقة وأمسك عن ذكر الرجل فصار الحديث ظاهر إسناده حسن وكلامه منكر لما فيهِ, ورسول الله r كَانَ يمدح هذا الرجل ويذكره بخير وليس للحديث عندي أصل؛ كلام البزار. 

الحديث شاذ منكر المتن ولا يصح عن النَّبِيِّ r كما قَالَ أبو بكر البزار, ومن جهة السند ففي سنده الأعمش وهو مدلس لَكِنْ كما ذكر الشارح أَنَّه لم ينفرد بالأعمش بل تابعه حميد أو ثابت, ويقول المنذري: ويدل عَلَى أن الحديث وهمٌ لا أصل له, أن في حديث الإفك المتفق عَلَى صحته قول صفوان: «ما كشفت عن كنف أنثى قط» لَكِنْ علق اِبْن القيم قَالَ: يحتمل أَنَّه تزوج بعد ذلك. 

قول عائشة: «ثم قُتل بعد ذلك في سبيل الله شهيدًا» وعلى كل حال فالحديث لا يصح لنكارة متنه وشذوذه, وتدليس الأعمش, ومن نكارة متنه قوله: «إنها تقرأ بسورتين» قد ثبت أن النَّبِيِّ r قرأ بثلاث سور: البقرة, آل عمران, النساء, في صلاة الليل, ومن نكارة متن هذا الحديث: أن النَّبِيِّ r أقره عَلَى صلاة الفجر بعد الشمس, قَالَ: «فإذا استيقظت فصل» مع أن النصوص تدل عَلَى أنه يَجِبُ عَلَى الإنسان أن يعالج نفسه بالأسباب الَّتِي تجعله يستيقظ لصلاة الصبح من أهلٍ أو رفقة أو منبه يوقظه من النوم, كذلك أيضًا ينام مبكرًا, وليس له أن يستسلم للنوم من دون إحساس ولا اهتمام ولا شعور بأداء فريضة الله في الوقت. 

فعلى هذا فالحديث حتى لو صح السند يكون في متنه نكارة, يَعْنِي كونه يضربها إذا قرأت بسورتين؛ لا بأس أن تقرأ بسورتين أو ثلاث. 

قولها: (يفطرني، فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شاب), وقولها: (إني لا أصلي حتى تطلع الشمس) وأن النَّبِيِّ لم يأمره أن يعالج نفسه ويقول له: عليك أن تنام مبكرًا وأن تهتم بالصلاة, النصوص دلت عَلَى أَنَّه يَجِبُ أن يقوم بالصلاة في وقتها, قولها: (فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك) هذا ليس بعذر. 

بعض الشراح تكلم عَلَى هذا قَالَ: قوله: «فإذا استيقظت فصل» ذاك أمرٌ عجيب من لطف الله سبحانه وتعالى بعباده ولطف نبيه ورفقته بأمته, ويشبه أن يكون ذلك منه عَلَى معنى ملكة الطبع واستيلاء العادة فصار كالشيء المعجوز عنه, وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يُغمى عليه فعُذر فلم يترتب عليه شيء, ويحتمل أن يكون ذلك إِنَّمَا كَانَ يصيبه بعض الأوقات دون بعض ذلك إذا لم يكن بحضرته من يوقظه ويبعثه من المنام, فيتمادى بِهِ النوم حتى تطلع الشمس دون أن يكون ذلك منه في عامة الأحوال. 

لكن هذا يخالف ظاهر الحديث، الحديث يقول: (فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك) ما قَالَ في بعض الأحيان دون بعض, فَإِنَّهُ يبعد أن يبقى الإنسان عَلَى هذا في دائم الأوقات, فلا يصلح هذا القدر من شأنه ولا يراعي مثل حاله, ولا يجوز أن يُظن بِهِ الامتناع عن الصلاة في وقتها ذلك ما عزاه أهل العذر لوقوع التنبيه والإيقاظ وما نحوه وهو شاهده. 

عَلَى كل حال: الحديث شاذ منكر ضعيف من جهة المتن, أما من جهة السند فيهِ تدليس الأعمش لَكِنْ له متابع, ماذا قَالَ عليه عندك؟. 

الطالب: صحيح. 

الشيخ: صحيح من جهة السند لكنه ضعيف من جهة المتن, ولو استقام السند مثل الشمس والمتن منكر صار ضعيف, ماذا قَالَ عليه؟. 

الطالب: قَالَ: إسناده صحيح وقد صحح إسناده الحافظ في الإصابة, جرير هو: اِبْن عبد الحميد بْنُ قرطب ضبي, والأعمش: هو سليمان بْنُ مهران, وأبو صالح هو: زكوان السمان, وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار, والحاكم في المستدرك, والبيهقي في السنن من طريق عثمان بهذا الإسناد. 

الشيخ: لِأَنّ الأعمش له متابع كما قَالَ, تابعه حميد وثابت فيصح فيكون من باب الحسن من جهة السند, لَكِنْ لابد من صحة المتن أيضًا, شرط صحة الحديث ألا يكون شاذًا. 

الطالب: ثم ذكر نفس الكلام الذي ذكرتموه ونسبه للخطابي, قَالَ: وفي هذا الحديث من الفقه أن منافع المتعة والعشرة من الزوجة مملوكة للزوج في عامة الأوقات, وأن حقها في نفسها محصور في وقت دون وقت, وفيه: دليل عَلَى أنها لو أحرمت بالحج كَانَ له منعها وحصرها؛ لِأَنّ حقه عليها معجل, وحق الحج متراخٍ وإلى هذا ذهب عطاء بْنُ أبي رباح ولم يختلف العلماء في أن له منعها من الحج أو من حج التطوع. 

الشيخ: هذا ما فيهِ إشكال, لَكِنْ هذا فيهِ نظر فإذا أحرمت يحللها, إذا كانت فريضة فيهِ نظر, أما إذا كَانَ نافلة نعم, حج الفريضة قد يقال: ليس له أن يحصرها وتأثم وحجها صحيح كالصيام, صوم النفل له أن يحللها ولو صامت صح, لَكِنْ إذا تركها ولم يأذن لها صومها صحيح مع الإثم. 

الطالب: ما يقاس عَلَى صيام الفرض لو حجت فرضًا أن تأثم؟. 

الشيخ: نحن نقول هذا, نقول: مع الإثم لكونها لم تستأذنه, لَكِنْ هنا يقول: له أن يحللها حتى في صوم الفريضة هذا فيهِ نظر. 

الطالب: صيام رمضان؟. 

الشيخ: صيام رمضان ما فيهِ إثم, هذا فريضة الله عَلَى عباده. 

الطالب: ثم ذكر قَالَ أبو داود: رواه حماد يَعْنِي أبو سلمة عن حُميد, ذكر هنا: أخرجه الحارث بْنُ أبي أسامة في مسنده كما في زوائده للهيثمي عن روح بْنُ عبادة, عن حماد بْنُ سلمة, عن ثابت, عن أبي المتوكل أن امرأة صفوان بْنُ المعطَل, ثم قَالَ الهيثمي: هذا مرسل, قلنا: وقد رد الحافظ في الفتح عَلَى من أعل حديث أبي سعيد الخدري بهذا المرسل. 

الشيخ: عَلَى كل حال أهم شيء نكارة المتن. 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد