شعار الموقع

فضائل القرآن للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب_1 باب فضائل تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه

00:00
00:00
تحميل
399

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إِلَّا عَلَى الظالمين وَأَشْهَدُ ألا إله إِلَّا الله وحده لا شَرِيك له، إله الأولين والآخرين وَأَشْهَدُ أن سيدنا وَنَبِيّنَا محمد عبد الله ورسوله، خاتم النبيين وإمام المرسلين، صلى الله وبارك عَلَيْهِ وَعَلَى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إِلَى يوم الدين؛ أَمَّا بَعْد: ... 

فنحمد الله أن وفقنا لعقد هَذِهِ المجالس العلمية ونسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح.  

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بْنُ عبد الوهاب رحمه الله تعالي  في كتابه " فضائل الْقُرْآن " :  

بسم الله الرحمن الرحيم 

باب فضائل تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه 

وقول الله يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة/11]. 

 وقوله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران/79]. 

(الشرح) 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب فضائل تلاوة الْقُرْآن وتعلمه وتعليمه).  

هَذِهِ الترجمة الأولى من تراجم هَذَا الكتاب وَهُوَ كتاب " فضائل الْقُرْآن " فضائل جمع فضيلة، وفضيلة هِيَ المزية الَّتِي تكون للشيء كالأجر والثواب، فضائل الْقُرْآن أيْ مزايا الْقُرْآن، من المزايا تلاوة الْقُرْآن؛ فَإِنّ من تلا الْقُرْآن آجره الله، وجاء في حديث ابْنُ مسعود أن من قرأ حرف من كتاب الله فله بِهِ حسنة والحسنة بعشر أمثالها كما سيذكره المؤلف رحمه الله.

هَذِهِ من المزايا من الفضائل أن تلاوة الْقُرْآن عبادة فِيهَا أجر وثواب من الله، بخلاف تلاوة غير الْقُرْآن لا يكون نفس التلاوة فِيهَا أجر؛ وَلَكِن قَدْ تكون الفائدة مثلاً في استنباط الأحكام أو فيما ينشأ من التلاوة من المعاني؛ لَكِن الْقُرْآن له مزية هُوَ أن تلاوته عبادة، التلاوة عبادة من العبادات بكل حرف يتلوه اَلْمُسْلِم أجر وثواب محدد. 

والمسألة الثانية الَّتِي تضمنتها الترجمة: تعلم الْقُرْآن، تعلمه حينما يتعلم الإنسان يتعلم المعاني ويتعلم ما فِيهِا من الأحكام، كَانَ الصحابة إِذَا تعلموا عشر آيات من النَّبِيّ ﷺ لَمْ يجاوزوها حَتَّى يتعلموها حَتَّى يعلموا ما فِيهَا من العلم والعمل. 

والمسألة الثالثة: التعليم، التعليم له مزية، خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ، الترجمة اشتملت عَلَى هَذِهِ الرسائل الثلاث:  

فضل تلاوة الْقُرْآن. 

وفضل تعلم الْقُرْآن. 

وفضل تعليم الْقُرْآن . 

بدأ المؤلف رحمه الله هَذَا الباب بذكر آيتين من كتاب الله:  

الآية الأولى: آية المجادلة وَهِيَ قوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة/11]. 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا؛ يَعْنِي ارتفعوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ  [المجادلة/11]. 

الآية فِيهَا فضل وجه دلالة الآية عَلَى فضل تلاوة الْقُرْآن وتعلمه وتعليمه، أن الله تعالى أخبر سبحانه أَنَّهُ يرفع أهل العلم الْمُؤْمِنِينَ درجات، يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة/11]. 

الإيمان إِنَّمَا يكون بالعمل والعلم لَابُدَّ فِيهِ من إيمان، فالعلم بدون إيمان لا يسمى علمًا شرعيًا، والإيمان الصحيح لَابُدَّ فِيهِ من العلم؛ ولا يصح الإيمان إِلَّا بعلم.

ولهذا بوب الإمام البخاري في صحيحه: بابٌ العلم قبل القول والعمل. 

أولًا: العلم. 

ثُمَّ القول. 

ثُمَّ العمل. 

حَتَّى يكون القول عَلَى بصيرة والعمل عَلَى بصيرة، العلم قبل القول والعمل، ثُمَّ استشهد بقوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد/19]. 

 فَاعْلَمْ، بدأ بالعلم ثُمَّ قَالَ: وَاسْتَغْفِرْ(.....)، العلم الأول، فهذا القول ينبني عَلَى العلم والعمل ينبني عَلَى القول(.....)، كَذَلِكَ قَالَ: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة/11]. 

فالإيمان مرتبط بالعلم والعلم مرتبط بالإيمان، لا ينفك أحدهما عَنْ الآخر، يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ؛ ما صح إيمانهم إِلَّا بالعلم، ما صح الإيمان إِلَّا بالعلم، والعلم يسبق الإيمان، فيكون الإيمان مبني عَلَى العلم فيكون صحيحًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد/19].  وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة/11]. 

والعلم إِنَّمَا يؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وَهَذَا وجه الدلالة عَلَى الآية، فضائل تلاوة الْقُرْآن وتعلمه؛ لِأَنَّ الله تعالى أخبر أَنَّهُ يرفع الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أوتوا العلم درجات. 

وَالَّذِينَ أوتوا العلم انما جاءهم العلم و إِنَّمَا أخذوا العلم من الْقُرْآن ومن السُّنَّة أساس العلم الْقُرْآن أساس العلم الصحيح الْقُرْآن والسنة يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة/11]. 

بهذه الآية يتبين فضائل تعلم العلم وتعليمه، وذلك أن الله يرفع الْمُؤْمِنِينَ أهل العلم درجات، درجات في الآخرة؛ كما سيأتي في الحديث يقال لقارئ الْقُرْآن: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُهَا». 

إذًا درجات يرتقي قارئ الْقُرْآن يرتقي في الْجَنَّةَ درجات، وقارئ الْقُرْآن أوتي العلم والصحابة كَانُوا لا يتجاوزون عشر آيات حَتَّى يتعلموا ما فِيهَا من العلم والعمل. 

إذًا الَّذِينَ أوتوا العلم يرفعهم الله درجات في الآخرة، وَكَذَلِكَ أَيْضًا يرفعهم في الدنيا، فلهم الرفعة في الدنيا ولهم الرفعة في الآخرة، فَإِنَّهُمْ أئمة يقتدى بهم في الدنيا، وهم أولوا الْأَمْرِ الَّذِينَ أمر النَّاس بطاعتهم. 

فأولي الْأَمْرِ طائفتان:  

العلماء. 

والأمراء. 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [محمد/33]. 

فإذًا أهل العلم يرفعهم الله درجات في الدنيا وفي الآخرة، ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بْنُ الخطاب  عَنْ النَّبِيّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ؛ أيْ الْقُرْآن. 

فالحديث أخبر أَنَّهُ يرفع بالقرآن أقوام، والآية بين الله فِيهَا أَنَّهُ يرفع الْمُؤْمِنِينَ وَالَّذِينَ أوتوا العلم درجات، درجات في الآخرة وفي الدنيا، في الدنيا فهم أئمة يقتدى بهم في الخير، وهم أهل الْأَمْرِ ولهم الرفعة وهم ورثة الأنبياء، ولهم التقدير والاحترام، وفي الآخرة درجات في الْجَنَّةَ، نسأل الله العظيم من فضله. 

والآية الثانية هُوَ قول الله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران/79]. 

في هَذِهِ الآية بين الله أن من أتاه الله الكتاب والحكم والنبوة فَإِنَّهُ لا يصح له أن يأمر النَّاس بعبادته من دون الله، لا يصح هَذَا ممتنع، لا يصح ولا يمكن أن يصدق هَذَا، هَذَا أمر ممتنع مستحيل أن يكون بشر آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة ثُمَّ يأمر النَّاس بعبادة نفسه؛ هَذَا مستحيل ممتنع ولايصح. 

وَلَكِن يأمرهم أن يكونوا ربانيين وَهُوَ يربي النَّاس ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأن يأمرهم أن يعلموا النَّاس العلم وَلَكِن يكونوا ربانيين، قِيلَ في تفسير رباني: هُوَ العالم الَّذِي يربي النَّاس بصغار العلم قبل كباره. 

قَالَ: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران/79]. 

لا يصح لبشر أعطاه الله الكتاب والحكم و النبوة أن يأمر النَّاس بعبادته؛ وَلَكِن يأمرهم بأن يكونوا ربانيين يتعلمون ويعلمون، بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران/79]. 

فَهَذِهِ الآية فِيهَا فضل تلاوة الْقُرْآن وتعلمه وتعليمه، وذلك أن الرباني هُوَ الَّذِي يعلم نفسه الكتاب وَهُوَ الَّذِي يدرس الكتاب، قوله: وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران/79]؛ هَذِهِ دراسة الْقُرْآن وتلاوة الْقُرْآن،  بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ[آل عمران/79]؛ هَذَا تعلم وتعليمه.

ففيه فضل تعلم الكتاب وتعليمه وأن هؤلاء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء يأمرون النَّاس بأن يكونوا ربانيين، وأن ورثة الأنبياء هم العلماء الربانيون الَّذِينَ يدرسون الكتاب ويتعلمونه ويعلمونه. 

يدرسون الكتاب ويتعلمونه ويعملون بِهِ ويعلمونه، فهذا دليل واضح عَلَى فضل تلاوة الْقُرْآن وتعلمه وتعليمه. 

(المتن) 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ. اخرجاه 

(الشرح) 

هَذَا الحديث أخرجه البخاري ومسلم كما ذكره المؤلف، أخرجه البخاري في الصحيح في باب التفسير بلفظ: مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ، وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ، وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ.

وأخرجه مسلم بهذا اللفظ أَيْضًا في صلاة المسافرين باب فضل الماهر بالقرآن وَالَّذِي يتتعتع فِيهِ.

وأخرجه ابْنُ ماجة أَيْضًا في الأدب في باب فضل الْقُرْآن وَفِيهِ: وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وفي لفظ أحمد: إِنَّ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ الْمَاهِرَ بِهِ، مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ تَشْتَدُّ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ.

وأخرجه أَيْضًا أبو داود في ثواب قراءة الْقُرْآن والترمذي في باب ما جاء في فضل الْقُرْآن، والدارمي في باب فضل من يقرأ الْقُرْآن ويشتد عَلَيْهِ.  

هَذَا الحديث حديث عائشة يَقُولُ النَّبِيّ ﷺ: الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ

 الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ يَعْنِي الَّذِي يقرأ الْقُرْآن بسهولة ويسر وحذق، يَعْنِي الحاذق في القراءة، الحاذق الَّذِي يجيد قراءة الْقُرْآن، هُوَ يقرأه بقراءة جيدة فصيحة واضحة يخرج الحروف من مخارجها، قراءة واضحة لا إشكال فِيهَا، قَدْ جود الْقُرْآن وحذقه.

 مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وهم الملائكة. 

وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ.، أجر القراءة وأجر المشقة، أيهما أفضل الماهر أو الَّذِي يتتعتع وله أجران؟ هَذَا أعطي أجرين والماهر ما ذُكر أَنَّهُ أعطي أجران، الَّذِي يتتعتع له أجران والماهر ما ذكر له أجران. 

الجواب: أن الماهر تجاوز هَذِهِ المرحلة، الماهر كَانَ يتتعتع في الأول، الأول في قراءته كَانَ يتتعتع، وَكَانَ له أجران ثُمَّ تجاوز هَذِهِ المرحلة ووصل إِلَى درجة الحذق والإجادة فالتحق بالملائكة الكرام. 

فله أجر أعظم أجر غير محدد، الَّذِي يقرأ الْقُرْآن ويتتعتع فِيهِ له أجران أجر المشقة وأجر القراءة، والماهر له أجر غير محدد، تجاوز هَذِهِ المرحلة، فصار يقرأه بحذق مهارة قراءة جيدة فأجره غير مضاعف، إِنَّمَا يعطى اجره بغير حصد عدد وَهَذَا فضل عظيم في تلاوه الْقُرْآن. 

والتلاوة تلاوة الْقُرْآن نوعان:  

تلاوةٌ لفظية. 

وتلاوةٌ حكمية. 

التلاوة اللفظة هَذِهِ هِيَ الَّتِي فِيهَا الأجر بعدد الحروف، كما في حديث ابْنُ مسعود مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ

هَذِهِ التلاوة اللفظية عبادة مستقلة تتلوا كتاب الله تتعبد بتلاوة كتاب الله، لَكِن لا تتعبد بتلاوة مثلاً الأحاديث أو تتعبد بتلاوة قصائد شعرية أو تتعبد بكلام أهل العلم لا، إِنَّمَا تقرأها مرة واحدة للاستفادة فقط، لَكِن الْقُرْآن تقرأه للاستفادة والتعلم والتفقه والتبصر واستبناط الأحكام وتقرؤه أَيْضًا قراءة مستقلة للعبادة، هَذِهِ من مزايا الْقُرْآن. 

فالتلاوة اللفظية هِيَ تلاوة الْقُرْآن بالتعبد وَهِيَ وسيلة إِلَى النوع الثاني. 

والثاني تلاوة حكمية وَهِيَ تنفيذ أحكامه وتصديق أخباره وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي عليها مدار السعادة والشقاوة، مدار السعادة والشقاوة عَلَى التلاوة الحكمية، وَهِيَ تصديق الأخبار وتنفيذ الأحكام، فالمؤمن الَّذِي يصدق الأخبار وينفذ الأحكام، ينفذ الأحكام يَعْنِي يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، يتعظ من المواعظ، وينزجر بالزواجر، هَذِهِ هِيَ الَّتِي عليها مدار السعادة والشقاوة. 

قَالَ الله تعالى في كتابه العظيم: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ [البقرة/121]؛ يَعْنِي يعملون بِهِ حَقّ العمل الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة/121]. 

أُولَئِكَ الَّذِينَ يؤمنون بِهِ، الَّذِينَ يؤمنون بِهِ يعملون بمحكمه ويصدقون أخباره ينفذون أحكامه، أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة/121]. 

والتلاوة اللفظية وسيلة إِلَى التلاوة الحكمية، في حديث عائشة: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ. أخرجاه البخاري ومسلم في الصحيحين. 

وَهَذِهِ مزية للماهر بالقرآن، التحق بالكرام البررة بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ۝ كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس/15-16]؛ وهم الملائكة. 

(المتن) 

 وللبخاري عن عثمان أن رسول الله ﷺ  قال: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ

(الشرح) 

نعم وللبخاري عن عثمان أن رسول الله ﷺ قال: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ.

هَذَا هُوَ الَّذِي رواه البخاري في صحيح، في مسلم الَّذِي ذكرناه في الأول تخريج الحديث هَذَا، التخريج الأول حديث عائشة هَذَا في البخاري عَنْ عثمان أن رسول الله ﷺ قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ.

ولما سمع هَذَا الحديث أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل في موت عثمان جعل يُقرئ النَّاس الْقُرْآن أربعين سنة رغبةً في هَذَا الفضل، ولهذا قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. قَالُوا: أقرأ أبو عبد الرحمن في موت عثمان حَتَّى كَانَ الحجاج، أيْ في زمن الحجاج. 

وَقَالَ: وذلك الَّذِي أقعدني مقعدي هَذَا، يَعْنِي أقعده (.....)هَذَا المقعد يعلم النَّاس الْقُرْآن أربعين سنة هَذَا الحديث خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ.

ورواه أَيْضًا بلفظ: إن أفضلكم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ

ورواه الترمذي في ثواب الْقُرْآن باب ما جاء في تعليم الْقُرْآن بهذا اللفظ، وبلفظ: خَيْرُكُمْ أو أفضلكم، ورواه ابْنُ ماجة في المقدمة باب فضل من تعلم الْقُرْآن وعلمه. 

ولفظه قَالَ شعبة:  خَيْرُكُمْ، وَقَالَ سفيان: أفضلكم، وأبو داود أَيْضًا الصلاة.

ورواه الدارمي في فضائل الْقُرْآن باب خياركم من تعلم الْقُرْآن وعلمه، عَنْ علي بلفظه، وَعَنْ عثمان ومصعب بْنُ سعد بمعناه مَعَ زيادة يسيرة. 

فهذا الحديث فِيهِ أن خير الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يتعلمون الْقُرْآن ويعلمونه، والمعنى الَّذِي يتعلمون الْقُرْآن ويعملون بِهِ ويعلمونه، هم خير النَّاس؛ الَّذِينَ يتعلمون ويعملون بِهِ، يصدقون أخباره وينفذون أحكامه، يمتثلون الأوامر ويجتنبون النواهي. 

أَمَّا الَّذِي لا يعمل بعلمه فَلَيْسَ له هَذِهِ الخيرية؛ بَلْ هُوَ في شر المنازل، الَّذِي لا يعمل بعلمه يتعلم ولا يعمل هَذَا من الغاوين نسأل الله السلامة والعافية. 

هَذَا من المغضوب عَلَيْهِمْ الَّذِين أمر الله في كُلّ ركعة من ركعات الصلاة في سورة الفاتحة أن نسأل الله أن يجبنا طريقهم، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة/6-7]. 

بَعْدَ هَذِهِ الفاتحة الَّتِي هِيَ أعظم سورة في الْقُرْآن فَإِن الله في أول هَذِهِ السورة ابتدأها بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة/2]؛ ثناء عَلَى الله، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة/3]، تكرار للثناء، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة/4]؛ تمجيد، ثُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة/5]؛ سؤال الله الاستعانة بالله وتخصيص الله بالعبادة والاستعانة.

ثُمَّ جاء هَذَا الدعاء آخره، الَّذِي هُوَ أفضل دعاء وأنفع دعاء وأجمع دعاء، وحاجة العبد إليه أعظم من حاجته إِلَى الطعام والشراب، بَلْ أهم من حاجة النفس الَّتِي تتردد بين جنبيه؛ فَإِن الإنسان إِذَا فقد الطعام والشراب مات الجسد، والموت لَابُدَّ منه، ولا يضر الإنسان الموت إِذَا كَانَ عَلَى استقامة وَعَلَى توحيد وإيمان وعمل صالح. 

لَكِن إِذَا فقد الإيمان مات روحه وجسده وصار إِلَى النَّارِ مات روحه وقلبه وصار إِلَى النَّارِ إِذَا فقد الهداية، ومن هنا يتبين أن حاجة الإنسان إِلَى الهداية أعظم من حاجته إِلَى الطعام والشارب، بَلْ أعظم من حاجته للنفس الَّذِي يتردد بين جنبي الإنسان. 

ومن رحمة الله بنا أن أوجب عَلَى كُلّ مسلم أن يدعو بهذا الدعاء في اليوم والليلة سبع عشرة مرة في كُلّ ركعة ما عدا النوافل، وَهَذَا الدعاء تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم صراط المنعم عَلَيْهِمْ،   اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[الفاتحة/6]؛ وَهُوَ الإسلام وَهُوَ الْقُرْآن. 

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ؛ صراط الَّذِينَ أنعمت عَلَيْهِمْ يا الله الَّذِينَ عبدوا الله بالعلم والعمل، المنعم عَلَيْهِمْ من هم؟ أنعم الله عَلَيْهِمْ بالعلم والعمل، وهم أربع طبقات أربعة أصناف الأنبياء ثُمَّ الصديقون ثُمَّ الشهداء ثُمَّ الصالحون، كما قَالَ تعالى في سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء/69]. هؤلاء المنعم عَلَيْهِمْ تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم صراط الَّذِينَ أنعم عَلَيْهِمْ.

ثُمَّ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؛ غير صراط المغضوب عَلَيْهِمْ، والمغضوب عَلَيْهِمْ من هم؟ الَّذِينَ يعلمون ولا يعملون، حل عَلَيْهِمْ الغضب، ويدخل في ذَلِكَ دخولًا أوليًا الأمة الغضبية اليهود، يعلمون ولا يعملون، ومن فسد من علماء هَذِهِ الأمة التحق باليهود. 

وهم الَّذِينَ قَالَ الله فيهم: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الجمعة/5]. 

الحمار الَّذِي يحمل أسفار العلم هَلْ يستفيد منها؟ لا يستفيد منها، فوق ظهره ولا يستفيد منها، كَذَلِكَ الَّذِي يحمل العلم ولا يعمل بِهِ لا يستفيد لا يزده إِلَّا وبالًا. 

وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة/7]؛ ولاطريق الضالين، والضالون هم الَّذِينَ يعملون بدون علم بدون بصيرة يعملون عَلَى جهل يتخبطون في الظلمات، ويدخل في ذَلِكَ دخولًا أوليًا النصارى؛ الَّذِينَ يعبدون الله عَلَى جهل وضلال. 

ومن فسد من عباد هَذِهِ الأمة التحق بهم، كالصوفية والزهاد الَّذِي يتعبدون عَلَى غير بصيرة، ولهذا قَالَ سفيان بْنُ عيينة رحمه الله: من فسد من علمائنا فله شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا فله شبه بالنصارى. 

 إذًا خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. المراد بهم من تعلم الْقُرْآن وعمل بِهِ وعلمه؛ أَمَّا الَّذِي لا يعمل بِهِ فَهُوَ كاليهود مغضوب عَلَيْهِ نسأل الله السلامة والعافية. 

خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. الَّذِينَ يتعلمون ويعملون، يعلمون ويعملون ويعلمون. 

(المتن) 

ولمسلم عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ

(الشرح) 

هَذَا الحديث قوله: ولمسلم عن أبي أمامة  قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:  اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ.  

هَذَا الحديث فِيهِ فضل الْقُرْآن وأن الْقُرْآن يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه؛ المراد بأصحابه الَّذِينَ يعملون بِهِ، المراد بأصحابه الَّذِينَ يتلونه ويعملون بِهِ، أَمَّا الَّذِينَ لا يعملون بِهِ فَإِن الْقُرْآن يأتي يخاصمه ويجادله أمام ربه، وكما في الحديث الآخر أن الْقُرْآن يأتي يقوم القيامة يتمثل لصاحبه حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فالذي يعمل بالقرآن يكون الْقُرْآن شفيعًا له يوم القيامة ويشفع له عِنْد ربه ويحاج عنه ويجادل ويذكر ما هُوَ عَلَيْهِ من العلم والعمل؛ حَتَّى يَقُولُ الله: ما شأنك بِهِ، فلا يزال بِهِ حَتَّى يدخله الْجَنَّةَ، ويحلى ويلبس تاج الوقار. 

وإن كَانَ لا يعمل بِهِ انتصب خصمًا له، جعل يجادل عنه، ويقذفه بالحجج تعدى حدودي وركب معصيتي حَتَّى يَقُولُ الله: ما شأنك بِهِ، فلا يزال بِهِ حَتَّى يقوده ويسوقه إِلَى النَّار ويكبه عَلَى وجهه في النَّارِ نعوذ بالله هكذا جاء في الحديث. 

إن كَانَ مؤمن فَإِنَّهُ يدافع عنه حَتَّى يدخله الْجَنَّةَ، وإن كَانَ لا يعمل بِهِ ينتصب خصمًا له حَتَّى يلقيه في النَّارِ، قَالَ: سمعت رسول الله ﷺ يَقُولُ: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ.

والحديث الآخر: يأتي ينتصب له حين يَنشقُّ عنهُ قبرُه كالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، كيف يكون هذا الْقُرْآن كيف يكون  يأتي رجل يجادل وكيف يكون شفيعًا لأصحابه؟ الْقُرْآن كلام الله، كيف يكون مخلوق يأتي يجادل عنه أو يدافع عنه ويأتي شفيعًا؟. 

الجواب: المراد العمل، العمل بالقرآن؛ الْقُرْآن كلام الله منزل عَلَى ، المراد العمل بالقرآن يمثل لصاحبه هكذا، العمل بِهِ، عمله إن كَانَ صالحًا فَهُوَ يجادل عنه، وإن لَمْ يكن يعمل بالقرآن ينتصب خصمًا له، هَذَا عمله. 

مثل ما ثبت في الحديث حديث البراء وغيره حينما يوضع الإنسان في قبره ويسأله الملكان يمتحنانه عَنْ ربه وَعَنْ دينه وَعَنْ نبيه وَأَنَّهُ الْمُؤْمِن يفسح له في قبره مد البصر، ويفتح له باب إِلَى الْجَنَّةَ ويأتي رجلٌ حسن المنظر طيب الريح يَقُولُ: من أنت فوجهك الَّذِي يجيء بالخير، فيقول: أن عملك الصالح، والرجل الَّذِي عمله سيئ تسأله الملائكة عَنْ الأسئلة الثلاثة فلا يجيب، يَقُولُ: ها ها سمعت النَّاس يَقُولُونَ شيء فقلته، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمرزبة من حديد يصيح صيحة يسمعها كُلّ من خلق الله إِلَّا الإنسان، ويضيق له في قبره حَتَّى تختلف أضلاعه، ويفتح له بابًا إِلَى النَّار ويأتي رجل قبيح الوجه، قبيح المنظر، منتن الريح، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الَّذِي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث

إِذًا العمل تمثل، العمل الصالح تمثل في صورة رجل صالح، والعمل السيئ تمثل في رجل قبيح الوجه قبيح المنظر، كَذَلِكَ العمل بالقرآن العمل بالقرآن يمثل له، أَمَّا الْقُرْآن كلام الله، صفة من صفاته، اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ. أيْ العمل، العمل يشفع لصاحبه يوم القيامة. 

اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ؛ لماذا سميت الزهراوين؟ لما فيهما من النور، وكما سبق العمل المراد العمل لما فِيهِ من النور، الزهر أي النور.  

اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا.  

فرقان في اللفظ الآخر كما سيأتي حِزْقَانِ، فرقان أو حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، والحزقان والفرقان معناهما واحد وهما قطيعان وجماعتان، إذًا البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عَنْ صاحبهما، هَذَا الأصل يحاجان عَنْ صاحبهما، لَكِن في صحيح مسلم تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا.

كيف تكون البقرة وآل عمران غمامتان وغيايتان تحاجان عن صاحبهما وكأنهما فرقان من طير صواف؟ كما سبق المراد العمل، العمل يكون هكذا كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عَنْ أصحابهما. 

اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ. البطلة السحرة، المراد بالبطله السحرة يَعْنِي لا تستطيعها السحرة.

ولهذا في حديث أبي هريرة في جمعه للصدقات وأخذه الشيطان الَّذِي يتمثل يأكل من الطعام ثلاث مرات، المرة الأخيرة قَالَ له: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، إِذَا أويت إِلَى فراشك فاقرأ آية الكرسي؛ فَإِنَّهُ لَمْ يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حَتَّى تصبح، فَقَالَ النَّبِيّ ﷺ: لَقَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ

إذًا من قرأ آية الكرسي لا يقربه الشطيان وأخذ البقرة بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة يَعْنِي السحرة، ما تستطيع؛ لِأَنَّ فِيهَا آية الكرسي؛ بَلْ آيات الْقُرْآن تبطل سحر السحرة، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، في فضل للبقرة، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ. لاشك أن من تركها مدة فِيهَا حسرة، ولا تستطيعها البطلة أيْ السحرة. 

(المتن) 

وله عن النواس بن سمعان قال: سمعت النبي ﷺ يقول: يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ

(الشرح) 

قَالَ: قدم يقدمه إِذَا ورد البلد، أَمَّا قدُم يقدُم إِذَا تقدم القوم، مثل قوله تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [هود/98]. فرعون يعني تقدم يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هود/98]. 

قدُم يقدُم، إِذَا تقدم، وَأَمَّا قدَم يقدَم إِذَا ورد البلد، إِذَا ورد تقدمه سورة البقرة. 

(المتن) 

سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَآلُ عِمْرَانَ.  

وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا

(الشرح) 

هَذَا المراد هنا تقدمه من القدوم أو من التقدم، من الورود أو من التقدم؟ إذا كَانَ تقدم تقدُمه مثلما قرأت، وإذا كانت تقدَمه قدم إِذَا ورد أيْ ورد كذا ووصل إِلَى كذا محتمل، يَعْنِي تتقدمه سورة البقرة تتقدم، يؤتى بالقرآن وأهله تتقدم سورة البقرة،  يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، اذا قلنا ان البقرة هي تكون متقدمة عَلَى الْقُرْآن ستقدُمه سورة البقرة وآل عمران. 

يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ،المراد العمل كما سبق، الْقُرْآن كلام الله، وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَآلُ عِمْرَانَ

وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، معروف الغمامة سحابتان، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ، يَعْنِي سودان  من كثافتهما؛ الَّتِي بسببها حالتا بين من تحتها وبين حرارة الشمس وشدة اللهب، يَعْنِي ظلتان سودوان. 

ضرب لهم ثلاثة أمثال:  

المثل الأول: غَمَامَتَانِ 

المثل الثاني: ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ، سوداوان من كثافتهما الَّتِي بسببهما حالتا بين من تحتهما وبني حرارة الشمس.  بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، الشرق هُوَ شرق الأنوار.

أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، هَذَا الثالث. 

يقول ضرب لهما رسول الله ثلاثة أمثال:  

المثل الأول ماهو : غَمَامَتَانِ

المثل الثاني: ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ.

المثل الثالث: حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ

فرقان وحزقان معناهما واحد، وهما قطيعان وجماعتان، حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ.

المثال الأول كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، المثال الثاني كأنهما ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ، المثال الثالث كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ، يَعْنِي قطيعان وجماعتان مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، معنى صواف جماعه حزقان يعني جماعه من طير صواف يَعْنِي باسطة أجنحتها ملتصق بعضها ببعض، كما كَانَت تظل سليمان عَلَيْهِ الصلاة والسلام، كانت الطير تظل سليمان صواف، كأنهما حزقان من طير صواف؛ يَعْنِي كأنهما قطيعان أو جماعتان من طير صواف، باسطة أجنحتها ملتصق بعضها ببعض. 

تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا. يعني  تجادلان عَنْ صاحبهما الَّذِي يعمل بهما، كما في الحديث الآخر: يؤتى بالقرآن حين ينشق القبر عَنْ صاحبه كالرجل الشاحب يدافع عَنْ الَّذِي يعمل بِهِ، تحاجان عَنْ صاحبهما يدافعان عنه، وجاء في الحديث أَنَّهُ لا يزال يَقُولُ الحجج حَتَّى يَقُولُ الله: ما شأنك بِهِ، فلا يزال بِهِ حَتَّى يدخله إِلَى الْجَنَّةَ ويحلى بتاج الكرامة. 

(المتن) 

وعن ابن مسعود  قال: قال رسول الله ﷺ: مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث رواه الترمذي من قال حديث ابْنُ مسعود قَالَ قَالَ رسول الله ﷺ: مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ رواه الترمذي، في ثواب القراءة باب ما جاء في من قرأ حرفًا من الْقُرْآن له من الأجر، ورواه الدارمي في فضائل الْقُرْآن باب فضل من قرأ الْقُرْآن، وَهَذَا الحديث فِيهِ فضل التلاوة، وأن تلاوة الحرف بعشرة،  مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا

وَقَدْ بين النَّبِيّ ﷺ أن قراءة الم ثلاثة حروف وليست حرف واحد، الم، وإن كانت كأنها حروف مقطعه كانها حرف الم، ثلاثة حروف لزيادة الحسنات إِذا تقبل الله الم​​​​​​​، مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ​​​​​​​. رواه الترمذي وَقَالَ حديث حسن. 

هَذَا فِيهِ فضل تلاوة الْقُرْآن وأن تلاوة الْقُرْآن عبادة مستقلة، فتلاوة الْقُرْآن مطلوبة والعمل بِهِ مطلوب، وتعلمه مطلوب. 

(المتن) 

وله، وصححه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا

(الشرح) 

هَذَا حديث عبد الله بْنُ عمرو بْنُ العاص عَنْ النَّبِيّ ﷺ، قَالَ: يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا​​​​​​​.

(المتن) 

 ولأحمد نحوه ومن حديث أبي سعيد  وفيه: فَيَقْرَأُ وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَهُ.  

ولأحمد أيضًا عن بريدة مرفوعًا: تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فذكر مثل ما تقدم في الصحيح في البقرة وآل عمران، وفيه: وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا كَانَ، أَوْ تَرْتِيلًا

(الشرح) 

هَذَا الحديث فيه ان حديث عبد الله بْنُ عمرو بْنُ العاص ظاهر في فضل تعلم الْقُرْآن وأن صاحب الْقُرْآن الَّذِي يقرأ الْقُرْآن ويرتل ويعمل بِهِ يرتقي في درج الْجَنَّةَ يصعد في غرفها، ولا يزال يصعد حَتَّى يصل آخر آية قرأ بها. 

يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا​​​​​​​.

هنا في رواية أبي داود باب استحباب الترتيل في القراءة وفي آخرها: فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُهَا​​​​​​​.

ولأحمد: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ.

يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا​​​​​​​. هَذَا فِيهِ فضل تعلم الْقُرْآن والعمل بِهِ وتعليمه فَإِنَّهُ لا يزال يترقي ويصعد في درج الْجَنَّةَ حَتَّى يصل إِلَى آخر آية يقرأ بها. 

ولأحمد نحوه من حديث أبي سعيد وفيه: فَيَقْرَأُ وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَهُ. هَذَا فضل عظيم أَنَّهُ لا يزال يصعد ويترقي حَتَّى يقرأ آخر آية معه، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا​​​​​​​.

ولأحمد نحوه من حديث أبي سعيد، رواية أحمد، ولأحمد نحوه من حديث أبي سعيد وفيه: «فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه».  

وهَذَا فضل عظيم أَنَّهُ لا يزال يصعد في درجات الْجَنَّةَ حَتَّى يقرأ آخر شيء معه وَهَذَا فضل الله يعطيه من يشاء، قَالَ: : فَيَقْرَأُ وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَهُ.

ولأحمد أيضًا عن بريدة مرفوعًا: تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ،  فذكر ما تقدم ، وفيه: وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، كيف يلقي القران الْقُرْآن يلقى صاحبه كالرجل الشاحب؟ هَذَا صار آدمي يَعْنِي من بني آدم، المراد العمل وَالْقُرْآن كلام الله. 

وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، هكذا الْقُرْآن يخاطبه يَقُولُ: أنا صاحبك الَّذِي أظمأتك في الهواجر، اللي يعمل بالقرآن يصوم ويصلي وينفق ويتصدق،: أنا صاحبك الَّذِي أظمأتك في الهواجر، في الصيام، وأسهرت ليلك في القيام، كيف يكون الْقُرْآن أظمأه في الهواجر وأسهر ليله؟. 

المعنى أن الْقُرْآن أمره بالصيام فصام، وأمره بالقيام فقام، أظمأتك في الهواجر يَعْنِي عمل بالقرآن فصام، وأسهرت ليلك عمل بالقرآن فقام صلى الليل. 

قَالَ: وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا كَانَ، أَوْ تَرْتِيلًا

وَهَذَا فِيهِ فضل عظيم وَأَنَّهُ لا يزال في صعود ما دام يقرأ، هذًا كَانَ أو ترتيلاً يَعْنِي ترتيلاً أو إسراع بعض الشيء، المراد الهذ يَعْنِي الإسراع، مثل يقال: قراءة الحدر، قراءة سريعة لَكِن فِيهَا إيضاح، لَكِن الهذر وَهُوَ السرعة الَّذِي يسقط فِيهِ الحروف هَذَا منهي عنها، في الحديث الآخر: «لا تهذوا الْقُرْآن هذ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل قفوا عِنْد عجائبه وحركوا بِهِ القلوب». 

ما هذ هذ الشعر بسرعة يقرأه بسرعة حَتَّى يسقط بعض الحروف، ولا ينثر نثر الدقل يقرأ قراءة طويلة بطيئة، يروح الوقت وما قرأ، سكتات طويلة أو تمطيط مثل ما يفعل بعض القراء. 

وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ؛ يَعْنِي العمل بالقرآن.  

الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ؛ يَعْنِي دعوتك إِلَى العمل الصالح وَإِلَى الصيام فأظمأتك في الهواجر بالصيام. وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ؛ بالقيام.  

وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا كَانَ، أَوْ تَرْتِيلًا.

(المتن) 

وعن أنس أن رسول الله ﷺ قال: أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ، رواه أحمد والنسائي.  

(الشرح) 

رواه أحمد بأطول من هَذَا ولفظه عَنْ أنس قَالَ قَالَ رسول الله ﷺ: إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ قَالَ: قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:  أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ. رواه ابْنُ ماجة في المقدمه باب فضل من تعلم الْقُرْآن وعلمه. 

حديث أنس إن أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ، وَخَاصَّتُهُ؛ وَهَذَا فضل عظيم فضل القران هم أهل الله يضافون إِلَى الله إضافة تشريف وتكريم، أهل الله وخاصته؛ لِأَنَّ أهل الْقُرْآن هم الخواص، خواص الْمُؤْمِنِينَ، وإن كَانَ التكاليف واحدة؛ وَلَكِن العمل يختلف، أهل الْقُرْآن الَّذِينَ هم أهل الله وخاصته، رواه أحمد والنسائي. 

هذا فضل الْقُرْآن أن الله أضاف أهل الْقُرْآن إليه قَالَ: هم أهل الله وخاصته، ويكفي بهذا شرفًا وفضلاً في تعلم الْقُرْآن وتعليمه. 

الطالب: ما هُوَ الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان وكيف نفرق بينهما؟

الشيخ: الإيمان المطلق الكامل؛ الَّذِي يؤدي صاحبه الواجبات ويترك المحرمات، هَذَا يقال له الإيمان المطلق، الإيمان المطلق الإيمان الكامل الَّذِي يستلزم أداء الواجبات وترك المحرمات، ومن ذَلِكَ قول الله تعالى في وصفهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ ​​​​​​​أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال/2-4]. 

إذًا وصفهم بوجل القلب عِنْد ذكر الله، هَذَا عمل القلب، وزيادة الإيمان عِنْد تلاوة الْقُرْآن، والتوكل عَلَى الله وإقام الصلاة وإيتاء الزَّكَاة، ومنه مثل قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات/15]. 

لَمْ يرتابوا ليس عندهم شك، وصفهم بالجهاد في سبيل الله، وَقَالَ: هم الصادقون في إيمانهم، وفي الآية الأخرى قَالَ: لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال/4]. 

الإيمان المطلق الإيمان الكامل الَّذِي يستلزم فعل الواجبات وترك المحرمات وهم طائفتان أو قسمان:  

القسم الأول: السابقون المقربون؛ الَّذِينَ أدوا الفرائض والوجبات وَكَانَ عندهم نشاط ففعلوا المستحبات ونوافل العبادة.  وتركوا المحرمات، وَكَانَ عندهم نشاط فتركوا المكروهات، وتركوا فضول المباحات التوسع في المباحات حَتَّى لا يقعوا في المحرمات، هؤلاء السابقون المقربون درجاتهم عالية. 

والقسم الثاني: المقتصدون أصحاب اليمين؛ الَّذِينَ أدوا الواجبات فقط، لَكِن ما عندهم نشاط في فعل المستحبات والنوافل وتركوا المحرمات فقط، لَكِن ما عندهم نشاط في ترك المكروهات، وترك فضول المباحات بَلْ قَدْ يتوسعوا في المباحات، وَقَدْ يفعلوا المكروهات كراهة تنزيه.

وكلٌ من الصنفين هؤلاء يوصفون بأنهم أهل الإيمان المطلق وكلهم يدخلون الْجَنَّةَ من أول وهلة فضلاً من الله تعال وإحسان. 

وَلَكِن درجات السابقين المقربين أعلى.

وَأَمَّا مطلق الإيمان المراد أصل الإيمان، معه أصل الإيمان لَكِن معه فعل بعض المحرمات أو ترك بعض الواجبات العاصي هَذَا هم العصاة الظالمون لأنفسهم. 

الظالمون بأنفسهم بأي شيء، بفعل المعاصي أو ترك بعض الواجبات أو التقصير فِيهَا، هؤلاء معهم مطلق الإيمان يعني أصل الإيمان، وليس معهم كمال الإيمان، وهؤلاء عَلَى خطر منهم من يعذب في قبره كما في حديث ابْنُ عباس أن النَّبِيّ ﷺ مر بقبرين وَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، وقَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا.

ومنهم من تصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة ومنهم من يستحق دخول النَّار فيشفع فِيهِ، يشفع الله فيهم فلا يدخل النَّارِ، ومنهم من يدخل النَّارِ ويعذب فِيهَا، قَدْ تواترت الأخبار عَنْ النَّبِيّ ﷺ أَنَّهُ يدخل النَّارِ جملة من أهل الكبائر، مؤمنون مصدقون موحدون، ولا تأكل النَّارِ وجوههم، لَكِن ماتوا عَلَى كبائر هَذَا مات عَلَى الزنا من غير توبة، هَذَا مات عَلَى الربا من غير توبة، هَذَا مات عَلَى عقوق الوالدين، هَذَا مات عَلَى قطيعة الرحم، كبائر ماتوا عليها، وهؤلاء يشفع فيهم النَّبِيّ ﷺ أربع شفاعات، في كُلّ مرة يحد الله له حدًا، بالعلامة، يقال: أخرج من النَّارِ من كَانَ في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وفي بضعها: مثقال برة، وفي بعضها: مثقال دينار، وفي آخرها يَقُولُ: أخرج من كَانَ في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، وَكَذَلِكَ يشفع الملائكة ويشفع الأفراط ويشفع الصالحون وتبقى بقية لا يدعهم عنهم رب العالمين لا تنالهم الشافعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، وَيَقُولُ: شفعت الملائكة، وشفع الأنبياء، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج قومٌ من النَّارِ لَمْ يعملوا خيرًا قط؛ يَعْنِي زيادة عَنْ التوحيد والإيمان، ثبت أَنَّهُمْ يخرجوا منها(.....) قَدْ امتشحوا صار فحمًا فحمًا، ثُمَّ يصب عَلَيْهِمْ من نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حمل السيل وَهِيَ البذرة الصغيرة، فَإِذَا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الْجَنَّةَ. 

وإذا تكامل حوض العصاة الظالمون لأنفسهم وَلَمْ يَبْقَ منهم أحد أطبقت النَّارِ عَلَى الكفره بجميع أصنافها اليهود والنصارى والملاحدة والشيوعيين وغيرهم، والمنافقون في الدرك الأسفل من النَّارِ، بدركة تَحْتَ دركة اليهود والنصارى، تطبق عَلَيْهِمْ فلا يخرجون منها أبد الآباد كما قَالَ سبحانه: عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [البلد/20]؛ مطبقة مغلقة. 

وَقَالَ سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [البقرة/167]. 

 قَالَ سبحانه: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة/167]. 

وَقَالَ سبحانه: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء/97]. 

قَالَ سبحانه: لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا​​​​​​​ [النبأ/23]؛ جمع حقب والحقب هِيَ المدن المتطاولة، كلما انتهى حقب يعقبه حقب إِلَى ما لا نهاية، نسأل الله السلامة والعافية. 

فالإيمان المطلق الكامل وأصحابه هم السابقون وهم المقربون وأصحاب اليمين، وَأَمَّا مطلق الإيمان هَذَا أصل الإيمان يكون مَعَهم التوحيد والإيمان وَلَكِن معهم معاصي، فعلوا بعض المحرمات أو تركوا بعض الواجبات.  

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد