شعار الموقع

شرح تفسير السعدي ( جزء عمَّ - 5 - من سورة الطارق إلى سورة الغاشية )

00:00
00:00
تحميل
221

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

قال الشيخ السعدي رحمنا الله تعالى وإياه 

متن:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ۝ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ۝ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ۝ فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ۝ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ۝ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ۝ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ۝ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ۝ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ ۝ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ۝ وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ۝ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ۝ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ۝ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا ۝ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا.

يقول [الله] تعالى: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِثم فسر الطارق بقوله: النَّجْمُ الثَّاقِبُأي: المضيء، الذي يثقب نوره، فيخرق السماوات [فينفذ حتى يرى في الأرض] ، والصحيح أنه اسم جنس يشمل سائر النجوم الثواقب.
وقد قيل: إنه " زحل " الذي يخرق السماوات السبع وينفذ فيها فيرى منها. وسمي طارقًا، لأنه يطرق ليلا.
والمقسم عليه قوله: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيئة، وستجازى بعملها المحفوظ عليها.
فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ أي: فليتدبر خلقته ومبدأه، فإنه مخلوق مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ وهو: المني الذي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ يحتمل أنه من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهي ثدياها.
ويحتمل أن المراد المني الدافق، وهو مني الرجل، وأن محله الذي يخرج منه ما بين صلبه وترائبه، ولعل هذا أولى، فإنه إنما وصف الله به الماء الدافق، والذي يحس [به] ويشاهد دفقه، هو مني الرجل، وكذلك لفظ الترائب فإنها تستعمل في الرجل، فإن الترائب للرجل، بمنزلة الثديين للأنثى، فلو أريدت الأنثى لقال: " من بين الصلب والثديين " ونحو ذلك، والله أعلم.
فالذي أوجد الإنسان من ماء دافق، يخرج من هذا الموضع الصعب، قادر على رجعه في الآخرة، وإعادته للبعث، والنشور [والجزاء] ، وقد قيل: إن معناه، أن الله على رجع الماء المدفوق في الصلب لقادر، وهذا - وإن كان المعنى صحيحًا - فليس هو المراد من الآية، ولهذا قال بعده: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ أي: تختبر سرائر الصدور، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ففي الدنيا، تنكتم كثير من الأمور، ولا تظهر عيانًا للناس، وأما في القيامة، فيظهر بر الأبرار، وفجور الفجار، وتصير الأمور علانية.
فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ يدفع بها عن نفسه وَلا نَاصِرٍ خارجي ينتصر به، فهذا القسم على حالة العاملين وقت عملهم وعند جزائهم.
ثم أقسم قسمًا ثانيًا على صحة القرآن، فقال: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ۝ وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ أي: ترجع السماء بالمطر كل عام، وتنصدع الأرض للنبات، فيعيش بذلك الآدميون والبهائم، وترجع السماء أيضًا بالأقدار والشئون الإلهية كل وقت، وتنصدع الأرض عن الأموات، إِنَّه أي: القرآن لَقَوْلٌ فَصْلٌ أي: حق وصدق بين واضح.
وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ أي: جد ليس بالهزل، وهو القول الذي يفصل بين الطوائف والمقالات، وتنفصل به الخصومات.
إِنَّهُمْ أي: المكذبين للرسول ﷺ، وللقرآن يَكِيدُونَ كَيْدًا ليدفعوا بكيدهم الحق، ويؤيدوا الباطل.
وَأَكِيدُ كَيْدًا لإظهار الحق، ولو كره الكافرون، ولدفع ما جاءوا به من الباطل، ويعلم بهذا من الغالب، فإن الآدمي أضعف وأحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده.
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا أي: قليلا فسيعلمون عاقبة أمرهم، حين ينزل بهم العقاب.
تم تفسير سورة الطارق، والحمد لله رب العالمين.

شرح:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبدالله وخاتم المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: 

تفسير سورة الطارق: سميت سورة الطارق لوجود كلمة الطارق في أولها والله تعالى افتتح هذه السورة بالقسم فأقسم بالطارق وفخم وقال وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ أي وما أعلمك ما الطارق ثم فسرها فقال النَّجْمُ الثَّاقِبُ أقسم بشيئين بالسماء والطارق، فالسماء لما فيها من عظمها ورفعها وعظمها وكبر جسمها وارتفاعها والطارق وهو النجم الذي يضئ النَّجْمُ الثَّاقِبُ الذي هو الطارق الذي فسر بالنجم الثاقب الذي يثقب السموات ويخرقها وينفذ ويرى نوره منها، سمي طارق لأنه يطرق ليلًا.

والمقسم عليه إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ أي كل نفس عليها حافظ يحفظ أعمالها الصالحة والسيئة والله تعالى وكل بالإنسان ملكان عن اليمين يكتب الحسنات وعن الشمال يكتب السيئات، ووكل به حافظان أحدهما من أمامه والاخر من خلفه، ثم يتبادل هؤلاء الملائكة بآخرين في الليل وفي النهار، اربع املاك بالليل واربع املاك بالنهار، بدل الحافظان بالكاتبان.

أقسم الله تعالى بالسماء وبالطارق الذي هو النجم الثاقب أن كل نفس عليها حافظ يحفظ عملها السيئة والصالحة كما أن عليها حافظ يحفظها فإذا جاء أمر الله خلو عنه.

قال سبحانه فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ أي فليتدبر خلقته ومبدأه وأنه مخلوق ضعيف أمام الله عليه أن يخضع ويتواضع لربه ويتبع شرعه ودينه فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ۝ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ وهو المني دَافِقٍ  الذي يخرج بقوة لهذا قال يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ قال بعض المفسرين يخرج من الصلب صلب الرجل وَالتَّرَائِبِ  ترائب المرأة، لأن الإنسان يخلق من ماء الرجل وماء المرأة. 

وذكر الشيخ رحمه الله القول الآخر وهو أنه المراد به ماء الرجل يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ أنه صلب الرجل وترائب الرجل وإن أراد ترائب المرأة لما قال دَافِقٍ  لأن هذا وصف ماء الرجل أن يخرج بقوة. 

على كل حال الله تعالى أخبر أن الإنسان مخلوق من هذا الماء الضعيف. 

قال الله تعالى إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ أي أن الذي أوجد الإنسان من هذا الماء الضعيف من هذا المكان الصعب قادر على جزاءه، على بعثه للجزاء والحساب والنشور. 

إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ أنه الرب على رجع الإنسان علي بعثه وإعادة خلقه من جديد قادر لا يعجزه شيء وهو عليم وقادر علم بالذرات في السحاب (.....) وقارد على خلقه خلقًا جديدًا، وقادر على جمعها كما قال سبحانه بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ

يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ۝ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ أي في يوم القيامة تختبر السرائر تبلى: تختبر، السرائر: سرائر الصدور ويظهر ما فيها من المكنونات ويظهر ما في القلوب وتبرز الحقائق ويزول ما كان خفيًا. 

يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ وتظهر للناس عيانًا يظهر بر الابرار ويظهر كذب الفجار قال سبحانه فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ أي أن الإنسان ما له من قوة يدفع بها عن نفسه ولا ناصر خارجي ينتصر به لا من قوة من نفسه في الداخل ولا ناصر ليس له ما يدفع عذاب الله عنه لا من الداخل ولا من الخارج لا من نفسه ولا من خارج نفسه. 

ثم أقسم قسمًا ثانيا على صحة القرآن بالسماء والأرض وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ۝ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ترجع السماء بالمطر كل عام والأرض تنصدع بالنبات الذي يحيى الله به البلاد والعباد، وكذلك أيضًا ترجع السماء بالأقدار والمشيئة الإلهية وتنصدع الأرض عن الأموات، أقسم الله بالسماء ذات الصدع بهذا الوصف وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ۝ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ  على صحة القرآن.

قال إِنَّهُ أي القرآن لَقَوْلٌ فَصْلٌ حق وصدق وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ أي هو جد ليس بالهزل أي هو قول فصل يفصل بين الطوائف والمقالات والخصومات.

ثم بين وأكد وصف الكفار بين وصفهم بالكيد قال إِنَّهُمْ أي المكذبين للرسل وللقرآن يَكِيدُونَ كَيْدًا.  ليدفع بكيدهم الحق وينصروا الباطل.

ولكن الله رد كيدهم عليهم، فقابل كيدهم بكيده فقال وَأَكِيدُ كَيْدًا لإظهار الحق ولو كره الكافرون. 

فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا إرشاد من الله تعالى لنبيه بالتلطف بهم وإمهالهم فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أمهلهم قليلًا وسيعلمون عاقبة حالهم حين ينزل بهم من العذاب إما عاجلًا او آجلا، إما في الدنيا كما نزل بهم في بدر وفي البرزخ ويوم القيامة.

وفي هذا إثبات الكيد للرب وأن كيد الله كمال بخلاف كيد المخلوق وهو أنه لا يثبت الكيد لله على إطلاقه وإنما يثبت في مقابلة كيدهم أي أن الله يكيد الكائدين؛ لأن ابتداء الكيد ذنب ولكن حينما يكون جزاء وعقوبة للكائد يكون مدح ولهذا فإن الله تعالى  أخبر أنه يكيدهم في مقابلة كيدهم فلا يقال (.....) كما أن المكر ذنب ولكن يكون مدحًا عندما يكون جزاء للماكر، فالله تعالى يمكر بالماكرين ولهذا يقال: هذه صفات متقابلة فكيد الله في مقابلة كيدهم ومكر الله في مقابلة مكرهم، سخرة الله في مقابلة الساخرين واستهزاءه في مقابلة استهزائهم إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. صفات متقابلة ابتداءها مزموم (.....) لكن الرد والجزاء والعقوبة في الدفاع على هذه المعصية مدح. 

 

قال الشيخ جلال الدين المحلي رحمنا الله تعالى وإياه: سورة الطارق مكية وآياتها سبعة عشرة. 

متن:

سم الله الرحمن الرحيم.  

وَالسَّمَاء وَالطَّارِق أَصْله كُلّ آتٍ لَيْلًا وَمِنْهُ النُّجُوم لِطُلُوعِهَا لَيْلًا

وَمَا أَدْرَاك أَعْلَمك مَا الطَّارِق مُبْتَدَأ وَخَبَر فِي مَحَلّ الْمَفْعُول الثَّانِي لَأَدْرَى وَمَا بَعْد مَا الْأُولَى خَبَرهَا وَفِيهِ تَعْظِيم لِشَأْنِ الطَّارِق الْمُفَسَّر بِمَا بَعْده هُوَ

شرح:

وَالسَّمَاء وَالطَّارِق  الطارق أصله كل آت ليلًا ومنه النجوم لطلوعها بالليل سميت الطارق، وما أدراك ما أعلمك تفخيمها  الطارق مبتدأ وخبر، ما مبتدأ والطارق خبره وهو في محل المفعول الثاني لأدري، لان ادري تنصب مفعولين المفعول الأول الكاف والمفعول الثاني الجملة الطارق. 

متن:

النَّجْم أَيْ الثُّرَيَّا أَوْ كُلّ نَجْم الثَّاقِب الْمُضِيء لِثَقْبِهِ الظَّلَام بِضَوْئِهِ وَجَوَاب الْقَسَم

شرح:

نعم الثاقب المراد به الجنس، ليس خاصًا بالثريا. 

متن:

وَجَوَاب الْقَسَم إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ بِتَخْفِيفِ مَا فَهِيَ مَزِيدَة وَإِنْ مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ إِنَّهُ وَاللَّام فَارِقَة وَبِتَشْدِيدِهَا فَإِنْ نَافِيَة وَلَمَا بِمَعْنَى إِلَّا وَالْحَافِظ مِنْ الْمَلَائِكَة يَحْفَظ عَمَلهَا مِنْ خَيْر وَشَرّ

شرح:

يعني إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ  نفس بالتخفيف وما مؤكدة على قراءة إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ  في قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو والكسائي إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْهَا حَافِظٌ  بتخفيف ما أو تكون زائدة "كل نفس عليها حافظ" زيادة للتأكيد، وإن مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف أي إنه كل نفس واللام فارقة بين المخففة الثقيلة وغيرها وبتشديدها يقول إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ  كما هي في قراءة حفص تكون إن نافية ولما بمعنى إلا، إن كل نفس إلا عليها حافظ، والحافظ من الملائكة يحفظها أعمالها من خير أو شر، يحفظ العمل وهو من الكتبة. 

متن:

فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَان نَظَر اِعْتِبَار مِمَّ خُلِقَ مِنْ أي شيء جوابه خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ذِي اِنْدِفَاق مِنْ الرَّجُل وَالْمَرْأَة فِي رَحِمهَا

شرح:

كما سبق، هذا قول كثير من المفسرين. 

 متن:

يَخْرُج مِنْ بَيْن الصُّلْب لِلرَّجُلِ وَالتَّرَائِب لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ عِظَام الصَّدْر

إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى رَجْعه بَعْث الْإِنْسَان بَعْد مَوْته لَقَادِر فَإِذَا اِعْتَبَرَ أَصْله عَلِمَ أَنَّ الْقَادِر عَلَى ذَلِكَ قَادِر عَلَى بَعْثه

شرح:

يعني حصلت له العبرة والعظة بأصله بأنه مخلوق من ماء مهين علم أنه قارد على إعادته خلقًا جديدًا. 

متن:

يَوْم تُبْلَى تُخْتَبَر وَتُكْشَف السَّرَائِر ضَمَائِر الْقُلُوب في العقائد والنيات

فَمَا لَهُ لِمُنْكِرِ الْبَعْث مِنْ قُوَّة يَمْتَنِع بِهَا مِنْ الْعَذَاب وَلَا نَاصِر يَدْفَعهُ عَنْهُ

شرح:

وهذا في يوم القيامة يعني العاصي الكافر ليس له قوة يدفع بها عن نفسه ولا ناصر يدفعه عن النار. 

متن:

وَالسَّمَاء ذَات الرَّجْع الْمَطَر لِعَوْدِهِ كُلّ حِين

شرح:

وَالسَّمَاء ذَات الرَّجْع  لأن المطر يعود كل حين من الرجوع والعود وَالسَّمَاء ذَات الرَّجْع  لأن المطر قد يعود ويأتي بعد كل فترة. 

متن:

وَالْأَرْض ذَات الصَّدْع الشَّقّ عَنْ النَّبَات

إِنَّهُ أَيْ الْقُرْآن لَقَوْل فَصْل يَفْصِل بَيْن الْحَقّ والباطل

شرح:

هذا المقسم به أقسم الله بشيء في السماء والأرض السماء على هذا الوصف والأرض على هذا الوصف أن القرآن قول حق فصل يفصل بين الحق والباطل. 

متن:

وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ بِاللَّعِبِ وَالْبَاطِل

إِنَّهُمْ أَيْ الْكُفَّار يَكِيدُونَ كَيْدًا يَعْمَلُونَ الْمَكَايِد لِلنَّبِيِّ ﷺ

وَأَكِيد كَيْدًا أَسْتَدْرِجهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ

شرح:

وهذا في مقابلة كيدهم، يعني عقوبة لهم وجزاء. 

متن:

فَمَهِّلْ يَا مُحَمَّد الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ تَأْكِيد حَسَّنَهُ مُخَالَفَة اللَّفْظ أَيْ أَنْظِرْهُمْ رُوَيْدًا قَلِيلًا وَهُوَ مصدر مؤكد لمعنى العالم مُصَغَّر 

شرح

: يعني رويدًا مصدر مؤكد لمعنى عام مصغر. 

متن:

مُصَغَّر رَوْد أَوْ أَرْوَاد عَلَى التَّرْخِيم وَقَدْ أَخَذَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِبَدْرٍ وَنَسَخَ الْإِمْهَال بِآيَةِ السيف أي الأمر بالقتال والجهاد

شرح:

يعني الله تعالى أخذهم يوم بدر حينما قتل صناديدهم ونسخ الإمهال أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا لما نزلت آية السيف قال تعالى وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ، فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وهي آية السيف، أَمْهِلْهُمْ يعني إلى وقت الأمر بالسيف فلما نزلت هذه الآية زال الإمهال.   

........................................................................

متن:

قال الشيخ السعدي رحمنا الله تعالى وإياه تفسير سورة سبح، وهي مكية  

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ۝ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ۝ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۝ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ۝ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ۝ سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى ۝ إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ۝ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ۝ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ۝ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ۝ وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى ۝ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ۝ ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا ۝ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ۝ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ۝ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ۝ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى ۝ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى

يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته، وأن يكون تسبيحا، يليق بعظمة الله تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم، وتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات فسواها، أي: أتقنها وأحسن خلقها، وَالَّذِي قَدَّرَ تقديرًا، تتبعه جميع المقدرات فَهَدَى إلى ذلك جميع المخلوقات.
وهذه الهداية العامة، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته، وتذكر فيها نعمه الدنيوية، ولهذا قال فيها: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى أي: أنزل من السماء ماء فأنبت به أنواع النبات والعشب الكثير، فرتع فيها الناس والبهائم وكل حيوان، ثم بعد أن استكمل ما قدر له من الشباب، ألوى نباته، وصوح عشبه، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى أي: أسود أي: جعله هشيمًا رميمًا، ويذكر فيها نعمه الدينية، ولهذا امتن الله بأصلها ومنشئها، وهو القرآن، فقال: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى أي: سنحفظ ما أوحينا إليك من الكتاب، ونوعيه قلبك، فلا تنسى منه شيئًا، وهذه بشارة كبيرة من الله لعبده ورسوله محمد ﷺ، أن الله سيعلمه علمًا لا ينساه.
إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة، إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده أي: فلذلك يشرع ما أراد، ويحكم بما يريد، وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى وهذه أيضًا بشارة كبيرة، أن الله ييسر رسوله ﷺ لليسرى في جميع أموره، ويجعل شرعه ودينه يسرا.
فَذَكِّرْ بشرع الله وآياته إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه.
ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها، فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون وغير منتفعين.
فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى الله تعالى، فإن خشية الله تعالى، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله، توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي والسعي في الخيرات.
وأما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله: وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى ۝ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى وهي النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة.
ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا أي: يعذب عذابًا أليمًا، من غير راحة ولا استراحة، حتى إنهم يتمنون الموت فلا يحصل لهم، كما قال تعالى: لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى أي: قد فاز وربح من طهر نفسه ونقاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى أي: اتصف بذكر الله، وانصبغ به قلبه، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي الله، خصوصًا الصلاة، التي هي ميزان الإيمان، فهذا معنى الآية الكريمة، وأما من فسر قوله تَزَكَّى
 بمعني أخرج زكاة الفطر، وذكر اسم ربه فصلى، أنه صلاة العيد، فإنه وإن كان داخلا في اللفظ وبعض جزئياته، فليس هو المعنى وحده.

بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا أي: تقدمونها على الآخرة، وتختارون نعيمها المنغص المكدر الزائل على الآخرة.
وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى وللآخرة خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء وصفاء، والدنيا دار فناء، فالمؤمن العاقل لا يختار الأردأ على الأجود، ولا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد، فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة.
إِنَّ هَذَا المذكور لكم في هذه السورة المباركة، من الأوامر الحسنة، والأخبار المستحسنة لَفِي الصُّحُفِ الأولَى ۝ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى اللذين هما أشرف المرسلين، سوى النبي محمد ﷺ.
فهذه أوامر في كل شريعة، لكونها عائدة إلى مصالح الدارين، وهي مصالح في كل زمان ومكان.
تم تفسير سورة سبح، ولله الحمد

شرح:

هذه السورة تسمى سورة سبح وتسمى سورة الأعلى وسورة سبح لأن بدأت بسبح، أمر الله تعالى نبيه بالتسبيح وهو أمر له ولأمته، هذا الأمر له ولأمته، يعني أمر الأمة بأن تسبح باسم ربها الأعلى ومعنى سبح: تسبيحًا متضمنًا لذكر الله وعبادته مع الخضوع والاستكانة والذل.

وهذا التسبيح يكون بعظمة الله لأن التنزيه عما لا يكون به فتذكر أسماء الله الحسنى وتذكر أفعال الله.

ومنها قوله الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى الذي خلق المخلوقات فسواها وأتقنها وهو الذي قدر المقادير وهدى لجميع المخلوقات لما قدره له وهذه تسمى الهداية العامة عند أهل العلم وهي عامة للمخلوقات الآدميين والحيوانات، ومن ذلك أن الله هدى الطفل إلى ثدي أمه وهدى الأنعام إلى مراعيها وهدى الطيور إلى أوكارها وهدى الأنعام لتبحث عن مراعيها تجد البهيمة ترعى بنفسها تطلب العشب ثم تطلب الماء وكلك الطفل حينما يخرج من بطن أمه يلتقم ثدي أمه من الذي هداه؟ الله، وكذلك الطيور، هذه هداية عامة.

وهناك هداية خاصة للآدميين ولكنها شاملة للمؤمن والكافر وهي هداية الدلالة والإرشاد والله تعالى هدى الخلق ودلهم وأرشدهم وأرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، (.....) طريق الخير وطريق الشر كما قال سبحانه وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ قال وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ يعني دللناهم وأرشدناهم.

والهداية الثالثة هداية خاصة بالمؤمنين من الآدميين وهي هداية التوفيق والتسليم هداية (.....) الخلق وهداية القلوب، (.....)، بخلاف الهداية الأولى، يملكها الدعاة والمرشدون، والأنبياء يهدون الناس إلى هداية الإرشاد، وكذلك المصلحون، وهذه هداية التخصيص نفاها الله عن النبي ﷺ فقال سبحانه إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وهي نزلت في أبي طالب لما حرص النبي ﷺ على هدايته ولكن الله لم يقدر الهداية لأبي طالب، إما هداية الإرشاد اثبتها الله لنبيه، في قوله وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  

وهناك هداية رابعة وهي في الآخرة وهي هداية المؤمنين إلى منازلهم في الجنة، وهداية الكفار إلى منازلهم في النار، قال سبحانه وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج: 24] والكفرة فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ نسأل الله السلامة والعافية. 

فهذه انواع الهدية الاربعة: 

الهداية العامة للحيوانات والادميين، والهداية الخاصة التي خاصة بالآدميين مؤمنهم وكافرهم وهي هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والتسديد وهي خاصة بالمؤمنين وهي توفيقهم، والرابعة هي هداية المؤمنين إلى منازلهم في الجنة وهداية الكفار إلى الجحيم، نسأل الله السلامة والعافية. 

وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۝ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى يعني أنزل من السماء المطر وأنبت به النبات فصارت ترعاه هذه من انواع النبات والعشب وترتع، هذا من فضله وإحسانه، وهذا في وقت خروجه ونضارته ثم بعد ذلك إذا تأخر عنه المطر يبس ويبل وذهب فقال فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى يعني أسود هشيم رميمًا بعد نضرته.

ثم قال الله تعالى لنبيه سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى هذا إشارة إلى النبي ﷺ وكرامة الله لنبيه أن الله تعالى وعده بأنه سيحفظ القرآن الذي يقرأه عليه جبريل ولا ينساه سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى أي سنحفظك الآيات ونثبته في قلبك ونعيه قلبك فلا تنسى منه شيئًا، وقد كان النبي ﷺ في اول الامر يعارض عليه في شدة فكان إذا قرأ عليه جبريل القرآن يحرك لسانه حتى لا ينساه فقال الله تعالى لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ۝ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ أي في صدرك وَقُرْآنَهُ​​​​​​​  تقرأه فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَ [القيامة: 18] فكان النبي ﷺ ينصت لقراءة جبريل فإذا فرغ جبريل قرأه كما سمعه.

سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ۝ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ استثناء يعني الشئ(.....) حكمة الله أن ينسيك إياه فله الحكمة البالغة ، كما قال سبحانه مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى هذا وصف الله بإثبات العلم له وفيه إحاطة علم الله بالسر والجهر إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى​​​​​​​

وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى هذا بشارة ثانية للنبي ﷺ بأن الله ييسر لرسوله اليسرى في جميع أموره وان ينزل عليه شرعًا يسيرا ميسرا  (.....) يسر.

ثم  أمر الله نبيه بأوامر وهي أوامر لأمته للعبادة كنوع من العبادة قال فَذَكِّرْ ذكر يا محمد بشرع وآياته، إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى يعني ما دامت الذكرى تنفع.

واستدل بذلك بعض العلماء أن النصيحة إذا كانت لا تنفع فإنه يسقط الأمر في هذه الحالة وذلك في حالة ما إذا غلب الشر وانتشر الفساد ونزع الخير من الناس وصار ليس هناك أمر ونهي ولا جمعة ولا جماعة في هذه الحالة لا يفيد في هذه الحالة يأتي معنى الحديث بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَانِ لَكَ بِهِ، فَعَلَيْكَ خُوَيْصَّةَ نَفْسِكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ ويأتي العمل بهذا الحديث يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ، قال العلماء هذا لما يكون في حالة ما إذا نزع الخير من الناس وصار ليس فيها جمعة ولا جماعة ولا أمر ولا نهي، أما إذا كان فيها جمعة وجماعة وأمر ونهي وتعلم وتعليم فإن الذهاب إلى البادية من كبائر الذنوب التعرض بعد الهجره من كبائر الذنوب لأن في هذه الحال يبعد الإنسان عن الجمعة والجماعة ولايسمع الخير ولا يسمع الأذان. 

قال الله تعالى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى هذه بشارة للنبي ﷺ بأن الله ييسر له أموره الدينية والدنيوية. 

سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى يعني أن من خشي الله ووفقه الله تعالى للتقوى والخشية فإنه سيتذكر وينتفض، أما من لم يوفق فإنه لا ينتفع بالذكرى، ولهذا قال وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الأشقى يتجنب الذكرى فلا يتوب، فمن يخشى الله هو الذي ينتفع بالمواعظ والتذكير، وأما الأشقى فإنه لا يتفق ولهذا قال وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ۝ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى لأن النار الموقدة التي تطلع على الأفئدة هي النار الكبرى نار الآخرة بخلاف نار الدنيا فهي نار صغرى.

ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى يعذب في النار عذابًا شديدًا أليمًا من غير راحة فلا يموت فيستريح ولا يحيى حياة طيبة، كما قال الله تعالى لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا .

قال سبحانه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قد حرف تحقيق، أفلح: فاز ربح، تذكر: طهر نفسه وزكاها بالطاعة وجنبها المعاصي وطهرها من الشرك والمعاصي والظلم.

وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى يعني اتصف بذكر الله فأوجب له ذلك العمل الصالح وخصوصًا الصلاة التي هي أعظم (.....) الفرائض بعد التوحيد وأوجب الواجبات وأفضل أنواع (.....) ، قاب بعض العلماء: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى أخرج زكاة الفطر، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى صلى صلاة العيد، وهذا تخصيص وهذا عام، تزكي: من تطهر بالعمل الصالح وتجنب المعاصي فأنه يخرج زكاة الفطر وغيرها، وكذلك أن يصلي صلاة العيد وغيرها.

ثم قال سبحانه بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [الأعلى: 16]يعني تقدمونها على الآخرة وتفضلونها عليها، يعني تؤثرون الزائل على الباقي وهذا حال كثير من الناس أكثر الناس وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: 103] أكثر الناس كفرة يقدمون الحياة الدنيا على الآخرة.

قال الله تعالى: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى الآخرة خير من الدنيا في كل وصف وهي الباقية هي دار الخلد والدنيا فانية.

قال سبحانه إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى [الأعلى: 18] أن هذا المذكور في هذه السورة من الأوامر والأخبار مذكورون في الصحف الأولى وهي صحف إبراهيم وموسى التي أنزلها الله على إبراهيم صحف وأنزل على موسى صحف وهي غير التوراة خص الله هذين النبيين لأنهم أشرف الأنبياء بعد نبينا ﷺ أفضل الناس نبينا ﷺ ثم إبراهيم ثم موسى، هذه أوامر فيها مصالح للناس أوامر شرعية وفيها فائدة للمسلم ومصالح في الدارين، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المنتفعين بذكره، نعم.   

متن:

قال الشيخ جلال الدين المحلي رحمنا الله تعالى وإياه: سورة الأعلى مكية وآياتها تسعة عشرة آية. 

بسم الله الرحمن الرحيم سَبِّحْ اِسْم رَبّك أَيْ نَزِّهْ رَبّك عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ وَاسْم زَائِد

شرح:

سَبِّحْ اِسْم رَبّك​​​​​​​  سبح بمعنى نزه التسبيح والتنزيه اسم: يعني زائد للتأكيد يعني سبح ربك، نعم. 

متن:

الْأَعْلَى صِفَة لربك

الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى مخلوقه وجعله مُتَنَاسِب الْأَجْزَاء غَيْر مُتَفَاوِت

شرح:

سوى مخلوقه, نعم. 

متن:

وَاَلَّذِي قَدَّرَ مَا شَاءَ فَهَدَى إِلَى مَا قَدَّرَهُ مِنْ خَيْر وَشَرّ

وَاَلَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى أَنْبَتَ الْعُشْب

فَجَعَلَهُ بَعْد الْخُضْرَة غُثَاء جَافًّا هَشِيمًا أَحَوَى أَسْوَد يَابِسًا

شرح:

يعني هذا الذي له هذه الأفعال العظيمة هو المستحق التسبيح والتنزيه والتقديس، وعبادته وإخلاص العبادة له سبحانه، نعم. 

متن:

سَنُقْرِئُك الْقُرْآن فَلَا تَنْسَى مَا تَقْرَؤُهُ

إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَنْسَاهُ بِنَسْخِ تِلَاوَته وَحُكْمه وَكَانَ ﷺ يَجْهَر بِالْقِرَاءَةِ مَعَ قِرَاءَة جِبْرِيل خَوْف النِّسْيَان فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَا تَعْجَل بِهَا إِنَّك لَا تَنْسَى فَلَا تُتْعِب نَفْسك بِالْجَهْرِ بِهَا إنَّهُ تَعَالَى يَعْلَم الْجَهْر مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل وَمَا يَخْفَى مِنْهُمَا

وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى لِلشَّرِيعَةِ السَّهْلَة وَهِيَ الْإِسْلَام

فَذَكِّرْ عِظْ بِالْقُرْآنِ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى مِنْ تَذْكِرَة الْمَذْكُور فِي سَيَذَّكَّرُ يَعْنِي وَإِنْ لَمْ تَنْفَع وَنَفْعهَا لِبَعْضٍ وَعَدَم النَّفْع لِبَعْضٍ آخَر

سَيَذَّكَّرُ بِهَا مَنْ يَخْشَى يَخَاف اللَّه تَعَالَى كآية فذكر بالقرآن من يخاف وعيد

وَيَتَجَنَّبهَا أَيْ الذِّكْرَى أَيْ يَتْرُكهَا جَانِبًا لَا يَلْتَفِت إِلَيْهَا الْأَشْقَى بِمَعْنَى الشَّقِيّ أَيْ الْكَافِر

الَّذِي يَصْلَى النَّار الْكُبْرَى هِيَ نَار الْآخِرَة وَالصُّغْرَى نَار الدُّنْيَا

شرح:

هكذا المؤمن هو الذي ينتفع بالمواعظ وأما الشقي فلا ينتفع، نسأل الله السلامة والعافية، نعم، ولهذا توعده الله بإصلائه النار، نعم، يصلاها من جميع الجهات، وتغمره بخلاف المؤمن فإنه لا تصلاه النار المؤمن العاصي الذي يدخل النار ولا تأكل النار وجوههم وإنما تأتيه من بعض الأماكن، وأما الكافر فإنها تغمره من جميع الجهات نعوذ بالله من النار، نعم. 

متن:

ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا فيستريح وَلَا يَحْيَى حياة هنيئة. 

شرح:

نسأل الله العافية، بل يستمر عليه العذاب، نعم. 

متن:

قَدْ أَفْلَحَ فَازَ مَنْ تَزَكَّى تَطَهَّرَ بِالْإِيمَانِ

شرح:

هذا عام، تطهر بالإيمان والعمل الصالح، نعم. 

متن:

وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ مكبرا فَصَلَّى الصلوات الخمس وذلك من أمور الآخرة وكفار مكة معرضون عنها، بَلْ تُؤْثِرُونَ بالفوقانية والتحتانية. 

شرح:

على قراءة بَلْ تُؤْثِرُونَ بَلْ يؤْثِرُونَ ، بالفوقانية والتحتانية بَلْ تُؤْثِرُونَ ، نعم. 

متن:

الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة

شرح:

هذا حال كثير من الناس يؤثر الدنيا على الآخرة لأنه عاجل أمامهم، أما ما لا يشاهدونه وهو الآخرة فينسونه، ولهذا يقول بعضهم: كيف تبيع نقدًا بغائب، كيف تبيع هذه بعض الأسقية عندك الدنيا تتمتع فيها، تبيعها بشيء غائب ما تدري، نسأل الله العافية، نعم. 

متن:

وَالْآخِرَة الْمُشْتَمِلَة عَلَى الْجَنَّة خَيْر وَأَبْقَى

إِنَّ هذا إفلاح من تزكى وكون الآخرة خيرا لَفِي الصُّحُف الْأُولَى أَيْ الْمُنَزَّلَة قَبْل الْقُرْآن

صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَهِيَ عَشْر صُحُف لِإِبْرَاهِيم والتوراة لموسى

شرح:

نعم، هذا من الكفر لأن إيثار الناس أكثر الناس يؤثرون الدنيا على الآخرة وأن الآخرة مشتملة على الجنة والنعيم خير وأبقى، هذا مذكور في صحف إبراهيم وفي صحف موسى، نعم. 

.................................................................

قال الشيخ السعدي رحمنا الله تعالى وإياه:

تفسير سورة الغاشية، وهي مكية. 

متن:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ۝ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ۝ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ۝ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ۝ تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ۝ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ ۝ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ۝ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ۝ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ۝ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ۝ لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً ۝ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ۝ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ۝ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ۝ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ۝ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ۝ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۝ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ۝ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ۝ وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ۝ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ۝ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ۝ إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ۝ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ ۝ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ۝ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ

يذكر تعالى أحوال يوم القيامة وما فيها من الأهوال الطامة، وأنها تغشى الخلائق بشدائدها، فيجازون بأعمالهم، ويتميزون [إلى] فريقين: فريقًا في الجنة، وفريقًا في السعير. 
فأخبر عن وصف كلا الفريقين، فقال في [وصف] أهل النار: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ أي: يوم القيامة خَاشِعَة من الذل، والفضيحة والخزي.
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ أي: تاعبة في العذاب، تجر على وجوهها، وتغشى وجوههم النار.
ويحتمل أن المراد [بقوله:] وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ۝ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات وعمل، ولكنه لما عدم شرطه وهو الإيمان، صار يوم القيامة هباء منثورا، وهذا الاحتمال وإن كان صحيحًا من حيث المعنى، فلا يدل عليه سياق الكلام، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول، لأنه قيده بالظرف، وهو يوم القيامة، ولأن المقصود هنا بيان وصف أهل النار عمومًا، وذلك الاحتمال جزء قليل من أهل النار بالنسبة إلى أهلها؛ ولأن الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا.
وقوله: تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً أي: شديدًا حرها، تحيط بهم من كل مكان، تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ أي: حارة شديدة الحرارة وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ فهذا شرابهم.
وأما طعامهم فـ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ ۝ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ وذلك أن المقصود من الطعام أحد أمرين: إما أن يسد جوع صاحبه ويزيل عنه ألمه، وإما أن يسمن بدنه من الهزال، وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الأمرين، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة نسأل الله العافية.
وأما أهل الخير، فوجوههم يوم القيامة نَاعِمَةٌ أي: قد جرت عليهم نضرة النعيم، فنضرت أبدانهم، واستنارت وجوههم، وسروا غاية السرور.
لِسَعْيِهَا الذي قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة، والإحسان إلى عباد الله، رَاضِيَةٌ إذ وجدت ثوابه مدخرًا مضاعفًا، فحمدت عقباه، وحصل لها كل ما تتمناه، وذلك أنها فِي جَنَّةٍ جامعة لأنواع النعيم كلها، عَالِيَةٍ في محلها ومنازلها، فمحلها في أعلى عليين، ومنازلها مساكن عالية، لها غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية يشرفون منها على ما أعد الله لهم من الكرامة.
قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ أي: كثيرة الفواكه اللذيذة، المثمرة بالثمار الحسنة، السهلة التناول، بحيث ينالونها على أي: حال كانوا، لا يحتاجون أن يصعدوا شجرة، أو يستعصي عليهم منها ثمرة.
لا تَسْمَعُ فِيهَا أي: الجنة لاغِيَةً أي: كلمة لغو وباطل، فضلا عن الكلام المحرم، بل كلامهم كلام حسن [نافع] مشتمل على ذكر الله تعالى، وذكر نعمه المتواترة عليهم، و [على] الآداب المستحسنة بين المتعاشرين، الذي يسر القلوب، ويشرح الصدور.
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ وهذا اسم جنس أي: فيها العيون الجارية التي يفجرونها ويصرفونها كيف شاءوا، وأنى أرادوا.
فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ و " السرر " جمع " سرير " وهي المجالس المرتفعة في ذاتها، وبما عليها من الفرش اللينة الوطيئة.
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ أي: أوان ممتلئة من أنواع الأشربة اللذيذة، قد وضعت بين أيديهم، وأعدت لهم، وصارت تحت طلبهم واختيارهم، يطوف بها عليهم الولدان المخلدون.
وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ أي: وسائد من الحرير والاستبرق وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله، قد صفت للجلوس والاتكاء عليها، وقد أريحوا عن أن يضعوها، ويصفوها بأنفسهم.
وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ والزرابي [هي:] البسط الحسان، مبثوثة أي: مملوءة بها مجالسهم من كل جانب.

أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ يقول تعالى حثًا للذين لا يصدقون الرسول ﷺ، ولغيرهم من الناس، أن يتفكروا في مخلوقات الله الدالة على توحيده: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ أي: ألا ينظرون إلى خلقها البديع، وكيف سخرها الله للعباد، وذللها لمنافعهم الكثيرة التي يضطرون إليها، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ بهيئة باهرة، حصل بها استقرار الأرض وثباتها عن الاضطراب، وأودع الله فيها من المنافع الجليلة ما أودع. 

وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ أي: مدت مدًا واسعًا، وسهلت غاية التسهيل، ليستقر الخلائق على ظهرها، ويتمكنوا من حرثها وغراسها، والبنيان فيها، وسلوك الطرق الموصلة إلى أنواع المقاصد فيها. 

واعلم أن تسطيحها لا ينافي أنها كرة مستديرة، قد أحاطت الأفلاك فيها من جميع الجوانب، كما دل على ذلك النقل والعقل والحس والمشاهدة، كما هو مذكور معروف عند أكثر. 

شرح:

السماء كرة مستديرة كل الأفلاك كرة مستديرة كما قال يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ والتكوير هو التدوير، فلو كانت مربعة أو مثلثة ما صار تكوير يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ناشئ من دوران الشمس (.....) جميع الأفلاك مستديرة مكورة ما عدا العرش فإن له قوائم، نعم. 

متن:

كما هو مذكور معروف عند أكثر الناس، خصوصًا في هذه الأزمنة، التي وقف الناس على أكثر أرجائها بما أعطاهم الله من الأسباب المقربة للبعيد، فإن التسطيح إنما ينافي كروية الجسم الصغير جدًا، الذي لو سطح لم يبق له استدارة تذكر. 

وأما جسم الأرض الذي هو في غاية الكبر والسعة، فيكون كرويًا مسطحًا، ولا يتنافى الأمران، كما يعرف ذلك أرباب الخبرة. 

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ أي: ذكر الناس وعظهم، وأنذرهم وبشرهم، فإنك مبعوث لدعوة الخلق إلى الله وتذكيرهم، ولم تبعث مسيطرًا عليهم، مسلطًا موكلا بأعمالهم، فإذا قمت بما عليك، فلا عليك بعد ذلك لوم، كقوله تعالى: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ

وقوله: إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ أي: لكن من تولى عن الطاعة وكفر بالله فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ أي: الشديد الدائم.

إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ أي: رجوع الخليقة وجمعهم في يوم القيامة. 

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ فنحاسبهم على ما عملوا من خير وشر. 

آخر تفسير سورة الغاشية، والحمد لله رب العالمين. 

شرح:

هذه السورة الغاشية سميت الغاشية لوجود هذه الكلمة فيها في قوله هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ والله تعالى ذكر في هذه السورة شيئا من أهوال يوم القيامة، والغاشية اسم من أسماء يوم القيامة، سميت الغاشية لأنها تغشى الخلائق بشدائدها ثم يجازون بعد ذلك على أعمالهم، فلها اسم يوم القيامة فتسمى الغاشية وتسمى القارعة لأنها تقرع القلوب بشدائدها وتسمى الصاخة والطامة الكبرى فلها أسمائها، ولهذا ذكر الله تعالى من الأحوال وأهوال يوم القيامة في هذه السورة قال هَلْ أَتَاكَ هل: اسم استفهام تقرير ومعناه قد أتاك يا محمد حديث الغاشية، حديث: يعني خبر؛ قد بلغك خبر الغاشية وما فيها من الأهوال وأن الناس ينقسمون إلى شقي وسعيد.  والقسم الأول وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ، والقسم الثاني وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ، فالأشقياء وجوههم خاشعة والأبرار وجوههم ناعمة.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ يوم القيامة خَاشِعَةٌ، يعني يحصل لها من الذل والانكسار والهوان عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تتعب في العذاب، تعذب وتجر على وجهها وتغشى وجوهها النار، فهي في يوم القيامة خاشعة ذليلة حقيرة مستكينة متعبة من العذاب الذي أصابها، حيث تخشاها النار جميع الوجوه، وهناك احتمال آخر وهو أن معنى خاشعة عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ​​​​​​​ أن هذا في الدنيا وأنها تعمل وتتعب لكن على غير هدى لأنهم ليسوا عندهم إيمان ولا عمل صالح، وهي خاشعة ذليلة عندهم خشوع وذل لكن على غير بصيرة، وهذا يحصل الآن في الطوائف المنحرفة والكفرة فهم يعملون واليهود يعملون ويصومون والنصارى يصومون ولكن على غير هدى يتعبون، ولكن عملهم باطل لأنه لا يصح العمل إلا بالإيمان وكذلك الطائفة المنحرفة عندهم أعمال سيئة مثل الرافضة الأن فهم يتعبون ويبكون ويضربون صدروهم ودموعهم تجري على خدودهم لكن على غير هدى، هذا القول الثاني أو الاحتمال الثاني، لكن رجح الشيخ الأول أن هذا الخشوع في الآخرة لقوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ يوم القيامة، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ۝ نَارٌ حَامِيَةٌ وهي النار التي أعدها الله للكفرة. 

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ۝ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ۝ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ۝ تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ يعني عين حارة إنتهى حرها وغليانها هذا سقياهم من هذه النار التي هي حارة، وجاء في الحديث أنهم إذا قرب هذا الماء الحار من وجوههم سقط لحم وجوههم،  نعوذ بالله، فإذا شربوه مزق أمعائهم، والله كتب عليهم ألا يموتوا.

لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ هذا طعامهم الضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، قيل: إنه شوك في الحلق لا يدخل ولا يخرج فليس فيه فائدة وإنما فيه عذاب لهم لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ۝ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ لأنه الطعام إما أن يراد به إزالة الجوع وإما أن يراد به إزالة الهزال وهو عكس السمن وهذا لا يفيد لا هذا ولا هذا، نسأل الله العافية. 

ثم ذكر الله الصنف الثاني وهم السعداء أهل الخير وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ، يعني على وجوههم بهجة نعيم ونضرة سرور لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ يعني راضية عما قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة الخالصة لله الموافقة لشرع الله هذا العمل راضية به الذي قدمته من الأعمال الصالحة فرضي الله عنها وأثابها الجزاء الحسن لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ​​​​​​​ .

ثم ذكر الله جزائهم فقال فِي جَنَّةٍ​​​​​​​ يعني أسكنهم الله تبارك وتعالى فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ محلها عال في أعلى عليين وفوق السماء السابعة مساكن عالية وغرف قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ دانية الفواكه وذليلة ومثمرة وسهلة متناولة وجاء ما يدل على أن المؤمن إذا أراد العقود جاء إليه سواء كان جالسًا أو قاعدًا أو مضجعًا هذا من الدنو قُطُوفُهَا يعني ثمارها وفواكهها دانية لمن أرادها. 

ومن تمام نعيمهم أنهم ليس عندهم خصام ولا نزاع ولا لغو ولا باطل لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً كلمة لغو هو الباطل فضلًا عن الكلام المحرم فِيهَا أي في الجنة عَيْنٌ جَارِيَةٌ اسم الجنس يعني فيها العيون الجارية في سورة محمد ذكر الله أنها أربعة أنهار مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى​​​​​​​ [محمد: 15] فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ العيون الجارية التي يفجرها عباد الله كيف شاءوا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ.

وفِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ جمع سرير وهي المجالس المرتفعة اللينة وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ وهي الأواني المملؤة بالأشربة اللذيذة تحت طلبهم وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وسائد من الحرير والإستبرق مَصْفُوفَةٌ​​​​​​​ أعدت للجلوس والاتكاء، وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ۝ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ الزرب هي البسط الحسان مبثوثة في مجالسهم.

ثم أرشد الله إلى النظر في مخلوقاته والاستدلال بها على قدرته ووحدانيته وحث الكفار إلى التأمل قال أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ أي إلى خلقها البديع كيف سخرها الله للعباد وذللها لمنافعهم فالطفل الصغير يقود هذا الجمل الكبير هذا تسخير من الله وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ كيف نصبها الله وثبت بها الأرض واستقرت فلا تضطرب ولا تميد وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ يعني مدت وصارت واسعة يستقر عليها الخلائق ينتفعون يسيرون ويسافرون ويبذرون ويحفرون ويزرعون ويبنون ويغرسون، نعم. 

أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۝ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ يعني أمر الله تعالى بالنظر إلى السماء كيف رفعها الله وجعلها مرفوعة وما فيها من الأمور العظيمة النجوم السيارة والثابتة والشمس والقمر وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ كيف سطحها وجعلها تستقر عليها الخلق وينتفعون بها.

قال الله تعالى فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ هذه مهمة الرسول وهذه وظيفته يعظ الناس ويذكرهم ويبشرهم وينذرهم هذا وصف إنما أنت مذكر، وكذلك وصف الأنبياء الدعاة الإبلاغ والتذكير لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر يعني لست بجبار تجبرهم وتتسلط عليهم وإنما مهمتك الذكرى من أراد الله هدايته اهتدى كما قال الله تعالى وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ۝ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ۝ إِلَّا استثناء منقطع معناه لكن، لكن من تولى ولكن من تولى عن الطاعة وكفر بالله فهذا له العذاب، فمن تولى ولم يقبل الموعظة وعاند فله العذاب فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ الشديد الدائم وهو عذاب يوم القيامة وقد يجمع له بين العذابين العذاب الأصغر في الدنيا وفي القبر والعذاب الأكبر في الآخرة.

إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ الإياب هو الرجوع يعني رجوع الخلائق سيجمعون ويرجعون إلى الله يوم القيامة ثم يحاسبهم ويجازيهم على ما عملوا من خير أو شر إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ يعني إلى الخلق رجوعهم حيث أن الله يبعثهم ويحشرهم ثم يجازيهم ويحاسبهم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، نعم. 

 

متن:

قال الشيخ جلال الدين المحلي رحمنا الله تعالى وإياه سورة الغاشية وآياتها ست وعشرون. 

بسم الله الرحمن الرحيم 

هَلْ قَدْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة الْقِيَامَة لِأَنَّهَا تَغْشَى الْخَلَائِق بِأَهْوَالِهَا

شرح:

يعني هل هذه للاستفهام والتقرير بمعناها قد أتاك، نعم. 

متن:

وُجُوه يَوْمئِذٍ عَبَّرَ بِهَا عَنْ الذَّوَات فِي الْمَوْضِعَيْنِ خَاشِعَة ذَلِيلَة

شرح:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ يعني يوم أقوام وأقوام أشقياء وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ وأقوام سعداء وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ، نعم. 

متن:

عَامِلَة نَاصِبَة ذَات نَصَب وَتَعَب بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَال

تَصْلَى بِفَتْحِ التَّاء وَضَمّهَا نَارًا حَامِيَة

شرح:

تَصْلَى  بفتح التاء وبضمها تُصْلَى ، نعم، قراءتان تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً، تُصْلَى نَارًا حَامِيَةً​​​​​​​، نعم. 

متن: 

تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيَّة شَدِيدَة الْحَرَارَة

لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع هُوَ نَوْع مِنْ الشَّوْك لَا تَرْعَاهُ دَابَّة لِخُبْثِهِ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ

شرح:

هذا طعامهم وهذا شرابهم، وهذا عذابهم نسأل الله السلامة والعافية، نعم. 

متن:

وُجُوه يَوْمئِذٍ نَاعِمَة حَسَنَة

لِسَعْيِهَا فِي الدُّنْيَا بِالطَّاعَةِ رَاضِيَة فِي الْآخِرَة لَمَّا رَأَتْ ثَوَابه

فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ حسًا ومعنى. 

شرح:

عالية حسًا لأنها فوق السماء السابعة ومعنى لما فيها من النعيم الذي هو في أعلى درجات النعيم، نعم. 

متن:

لَا تَسْمَعُ بالياء والتاء. 

شرح:

قراءتان لَا تَسْمَعُ، لَا يُسْمَعُ ، لا تسمع أنت ولا يسمع فيها الداخل فيها أي المنعم فيها، نعم. 

متن:

فِيهَا لَاغِيَة أَيْ نَفْس ذَات لَغْو هَذَيَان مِنْ الْكَلَام

فِيهَا عَيْن جَارِيَة بِالْمَاءِ بِمَعْنَى عُيُون

فِيهَا سُرَر مَرْفُوعَة ذَاتًا وَقَدْرًا وَمَحِلًّا

وَأَكْوَاب أَقْدَاح لَا عُرَا لَهَا مَوْضُوعَة عَلَى حَافَّات الْعُيُون مُعَدَّة لِشُرْبِهِمْ

شرح:

نعم هي أكواب وهي الأقداح قال بعضهم هو  ما لا عروة له والكأس الذي له عروه أو بالعكس، نعم. 

أكواب يعني أقداح موضوعة على حافات العيون معدة للشرب. 

متن:

وَنَمَارِق وَسَائِد مَصْفُوفَة بَعْضهَا بِجَنْبِ بَعْض يُسْتَنَد إليها

وَزَرَابِيّ بُسُط طَنَافِس لَهَا خَمْل مَبْثُوثَة مَبْسُوطَة

شرح:

هذا هم السعداء وهذا ثوابهم ذكر ثوابهم (.....) الكلام الطيب والماء العذب والسرر والمجالس والأكواب والنمارق والبسط، نعم.  

متن:

أَفَلَا يَنْظُرُونَ أَيْ كُفَّار مَكَّة نَظَر اِعْتِبَار إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ

شرح:

يعني فيستدلون به على عظمة الله ووحدانيته ويؤمنون بالله ورسوله، نعم. 

متن:

إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۝ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ۝ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ۝ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ أَيْ بُسِطَتْ فَيَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى قُدْرَة اللَّه تَعَالَى وَوَحْدَانِيّته. 

شرح:

فيقودهم ذلك إلى الإيمان، نعم. 

متن:

وَصُدِّرَتْ بِالْإِبِلِ لِأَنَّهُمْ أَشَدّ مُلَابَسَة لَهَا مِنْ غَيْرهَا

شرح:

يعني بدأ بالإبل لأن هي التي يلابسونها ويركبونها ويحملون عليها ويشاهدونها يعني كيف يتأملون هذه الخلقه العظيمه وهذا التسخير، نعم، إن شاءوا ركوبها وأن شاءوا أكلوها وأن شاءوا ساقوها وأن شاءوا حملوا عليها الأثقال وإن شاءوا سافروا بها، فهي الرحل وهي وسيلة السفر، نعم.  

 متن:

وَقَوْله سُطِحَتْ ظَاهِر فِي أَنَّ الْأَرْض سَطْح وَعَلَيْهِ عُلَمَاء الشَّرْع لَا كُرَة كَمَا قَالَهُ أَهْل الْهَيْئَة وَإِنْ لَمْ يَنْقُض رُكْنًا مِنْ أركان الشرع

شرح:

هذا من عجيب الشرع نفى أن تكون كرة، يقول: مسطحة ظاهر (.....) يعود على الشكل لا كرة كما يقول أهل الهيئة، الذين ينظرون بعقولهم والصواب ان لا (.....) بينهم وعلى هذا يقول علماء الشرع فهي مسطحة وهي كرة، بل نقل شيخ الإسلام أن جميع الأفلاك كروية بالكتاب والسنة والإجماع، وهذا هو الواقع يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ التكوير التدوير، فلولا أنها مسطحة لما صار تكويرًا الليل والنهار بل جميع الأفلاك كروية، الأرض كروية والسماء الدينا كروية والثانية وكله والأرض (.....) في كرة السماء الدنيا والسماء الدنيا (.....) في كرة السماء الثانية وهكذا، حتى تنتهي السماء السابعة أما العرش فليس كروي من جميع الجهات بل له قوائم كما ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ، فإذن له قوائم، فلا منافاة بين هذا أما قول (.....) هنا أن الأرض مسطحة وهذا عليه علماء الشرع وليست كروية كما عليها أهل الهيئة فهذا ليس بظاهر، بل علماء الشرع أيضًا يقولون: أنها مسطحة وأنها كروية هي مسطحة ليستقر عليها الخلائق، وهي كروية الشكل، لكن علوها لا يتبين كالبيضة والأرض والسماء ليس لها بل جميع الأفلاك الآن ليس لها إلا جهتان علو وسفل فقط، أما يمين وشمال وخلف هذه للأشياء المتحركة للآدميين الآن أنت أمامي هذا خلفي فإذا استدرت صار العكس صار الخلف أمامي وعن يميني عن شمالي، لكن الأشياء السماء والأرض ليس لها يمين ولا شمال وإنما لها علو وسفل، والسفل هو محط الاثقال المركز هذه الأرض كأنها بيضة جميع هذا كله يسمى علو (.....) فلهذا يتصور أن هذا تحت والواقع أنه مثله وهذا لا يتصور أنه تحت، كل في العلو والسفل هو محط الأثقال بحيث لو خرق انسان من هنا خرق وخرق من هنا إذا التقت رجلاهما في محط الأثقال وكونه يرى الذي فوق يرى تحته هذا نسبي مثل النملة التي تمشي على السطح تتصوره تحتها هو فوقها لكنها تمشي عليه فالقول الظاهر لعلماء الهيئة ليس بظاهر، نعم.

يقول جلال الدين: وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ هذا علماء الشرع مسطحة هذا علماء الشرع وكروية هذا علماء الهيئة لكن يقول: إلا ما يدركه من علماء الشرع، كونها مسطحة وكونها كروية هذا قول الشريعة وعلماءها لكنه لا ينقض ركن من أركان الإسلام، لكن نحن نقول: هذا في القرآن والشريعة، أي أنها كروية ومسطحة، نعم.  

متن:

فَذَكِّرْ هُمْ نِعَم اللَّه وَدَلَائِل تَوْحِيده إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ

لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر وَفِي قِرَاءَة بِالسِّينِ بَدَل الصَّاد

شرح:

بالسين لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر​​​​​​​  بالسين. 

متن:

أَيْ بِمُسَلَّطٍ وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْجِهَادِ إِلَّا لَكِنْ

شرح:

يعني قبل الأمر بالجهاد بعد الأمر بالجهاد لما نزل الله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ حينها أمروا بالجهاد وسلط عليها، نعم. 

متن:

إِلَّا لَكِنْ مَنْ تَوَلَّى أَعْرَضَ عَنْ الْإِيمَان وَكَفَرَ بالقرآن

فَيُعَذِّبهُ اللَّه الْعَذَاب الْأَكْبَر عَذَاب الْآخِرَة وَالْأَصْغَر عَذَاب الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر

شرح:

متوعد بهذا وهذا من أعرض عن الإيمان وكفر بالله وبالقرآن عذبه الله العذاب الأكبر يوم القيامة والعذاب الأصغر قد يصيبه العذاب الأصغر في الدنيا بالأسر والقتل وفيه أيضًا البرزخ وعذابهن نعم. 

متن:

إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابهمْ رُجُوعهمْ بَعْد الْمَوْت

شرح:

الإياب هو الرجوع رجوع الخلائق إلى الله بالبعث بعد الموت، نعم. 

متن:

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابهمْ جَزَاءَهُمْ لَا نَتْرُكهُ أَبَدًا

شرح:

وهذا وعيد شديد وبهذا نكون قد انتهينا من الجزء كاملًا، الدورة الماضية أخذنا من الفجر إلى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، وهذه الدورة من عَمَّ إلى الفجر نهاية التفسيرين.

  وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم. 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد