بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمدٍ وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْد: ...
(المتن)
قَالَ الشارح رحمه الله تعالي :
قوله: "باب ما جاء في السحر " أي والكهانة - السحر في اللغة عبارة عما خفي ولطف سببه، ولهذا جاء في الحديث: إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا، وهذا من التشبيه البليغ شبهه بالسحر لكونه بالبيان يحصل منه ما يحصل من السحر.
قال أبو محمد المقدسي في الكافي: السحر عزائم ورقى، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه.
قال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة/102].
وقال: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [البقرة/102].
يعني السواحر اللاتي ينفثن في سحرهن. ولولا أن للسحر حقيقة لم يأمر بالاستعاذة منه، واختلفوا هل يكفر الساحر أو لا؟.
(الشرح)
من العلماء من قَالَ: إن السحر خيال ليس حقيقة،وَهَذَا ينسب إِلَى المعتزلة،وَبَعْضُهُمْ نسبه إِلَى أبي حنيفة،والسبب قوله تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه/66].
وقوله: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ [الأعراف/116]؛ والصواب أن السحر منه ما هُوَ تخييل ومنه ما هُوَ حقيقة،ومنه ما هُوَ خيال بأن يسحر الأعين والأبصار كما في الآية سحروا أعين النَّاس يخيل إليهم من سحرهم، ومنه ما هُوَ حقيقة،ويدل عَلَى هَذَا قوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق/4].
ولولا أن السحر حقيقة لما أمر الله بالاستعاذة من شر النفاثات؛ لِأَنَّ الخيال لا يؤثر في البدن.
(المتن)
واختلفوا هل يكفر الساحر أو لا؟ فذهب طائفة من السلف إلى أنه يكفر، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد، قال أصحابه: إلا أن يكون سحره بأدوية وتدخين وسقي شيء يضر فلا يكفر.
ومما يدل على أنه كفر قوله تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة/102]. وقوله: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء/51].
قال عمر: الجبت: السحر. والطاغوت: الشيطان.
وتقدم كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في حد الطاغوت، وأن له أفرادا منها عبادة غير الله، فالمعبود طاغوت كما دلت عليه الآيات، ومنهم الكهان ومن يحكم بغير الحق أو يأمره بما يخالف الحق، أو يرضى به وغير ذلك.
قوله: "الطواغيت كهان" أراد أن الكهان من الطواغيت. "كان ينزل عليهم الشيطان" أراد الجنس لا الشيطان الذي هو إبليس خاصة، بل تنزل عليهم الشياطين ويخاطبونهم ويخبرونهم بما يسترقونه من السمع فيصدقون مرة، ويكذبون مائة.
(الشرح)
وَهَذَا يوقع النَّاس في الشر،كيف يصدقون في هَذَا الكذب الكثير من أجل واحدة، واحدة صدق بالتسمع إِلَى السَّمَاءِ ومائة كذب، وَمَعَ ذَلِكَ يصدقه النَّاس من أجل الكلمة هَذِهِ.
(المتن)
(الشرح)
فجعل السحر بَعْدَ الشِّرْك؛ لِأَنَّهُ نوع من الشِّرْك.
(المتن)
(الشرح)
لا تقربوا النهي عَنْ القرب هَذَا أبلغ من النهي عَنْ الفعل، لا تفعلوها، أَيُّهَا أبلغ قول: لا تفعل الذنب أو لا تكن قريبًا من فعل الذنب؟ هَذَا أبلغ.
(المتن)
قوله الموبقات بموحدة وقاف أي المهلكات، وسميت هذه موبقات؛ لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات، وفي الآخرة من العذاب.
وفي حديث ابن عمر عند البخاري في الأدب المفرد مرفوعًا قال: الْكَبَائِرُ تِسْعٌ وذكر السبعة المذكورة والْإِلْحَادُ فِي الْحَرَمِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ.
قوله: قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ هو أن يجعل لله ندًا يدعوه أو يرجوه كما يرجو الله قال العلامة ابن القيم :
والشِّرْكَ فَاحْذَرْهُ فَشِرْكٌّ ظَاهِرٌ | ذَا القِسْمُ لَيْسَ بِقَابِلِ الغُفْرَانِ |
وَهُوَ اتِّخَاذُ النِّدِّ للرَّحْمَنِ أيـ | ـياً كَانَ مِنْ حَجَرٍ وَمِنْ إِنْسَانِ |
يَدْعُوهُ أَوْ يَرْجُوهُ ثُمَّ يَخَافُهُ | وَيُحُبُّهُ كَمَحَبَّةِ الدَّيَّانِ |
وبدأ به لأنه أعظم ذنب عصي الله به كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/13].
وَالسِّحْرُ تقدم تعريفه.
قوله: وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ أي نفس المسلم المعصوم وقتل المعاهد كما في الحديث مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ.
وذهب ابن عباس وأبو هريرة إلى أنه لا توبة لمن قتل مؤمنا متعمدًا، وذهب جمهور الأمة سلفًا وخلفًا إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله، فإن تاب وأناب وعمل صالحًا بدل الله سيئاته حسنات كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان/68]. إلى قوله إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً الفرقان/70].
قوله: وَأَكْلُ الرِّبَا أي تناوله بأي وجه كما قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة/275]. الآيات.
(الشرح)
أيْ ليس المراد خصوص الأكل،لو أخذه الربا واشترى به سيارة وملابس كَذَلِكَ محرم عَلَيْهِ،سواء أكله أو لبسه أو اشترى بِهِ مركوب أو غير ذَلِكَ،الاستعمال (.....) الانتفاع لا ينتفع بالربا مطلقًا،فَإِذَا وصل إليه فوائد ربوية لا يأخذها بالأساس؛ لِأَنَّهُ لا يستحقها،لا يستحق إِلَّا رأس المال،وقول بعض النَّاس: إِذَا تركت الربا ذهب إِلَى النصارى وهم يستفيدون منه،من الأساس أنت ما تستحق هَذِهِ الفائدة الربوية،ما تستحق إِلَّا رأس مالك،واذا أخذها وَلَمْ يستطع ردها أنفقها في المصالح العامة بنية التخلص منها،أَمَّا أن يأخذها ويسكت لا ما يصلح.
(المتن)
قال ابن دقيق العيد: "وهو يجر لسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك". قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران/130].
وفي الحديث الرِّبَا نيّف سَبْعُونَ حَوْبًا، أَيْسَرُهَا : مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ.
قوله: وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ يعني التعدي فيه، وعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء/10].
قوله: وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ أي الإدبار عن الكفار وقت التحام القتال كما قَالَ تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال/16].
قوله: وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ وهو بفتح الصاد المحفوظات من الزنا، وبكسرها الحافظات فروجهن منه، والمراد الحرائر العفيفات قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور/4].الآية.
قوله: عن جندب رواه الطبراني في ترجمة جندب بن عبد الله البجلي قال الحافظ: "والصواب أنه غيره وقد رواه ابن قانع والحسن بن سفيان من وجهين عن الحسن عن جندب الخير: أنه جاء إلى ساحر فضربه بالسيف حتى مات، وقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول.. فذكره".
قوله: حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ روي بالهاء وبالتاء وكلاهما صحيح.
(الشرح)
ضربه أو ضربته.
(المتن)
وبهذا الحديث أخذ أحمد ومالك وأبو حنيفة فقالوا: يقتل الساحر. وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبد الله وجندب بن كعب وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز.
ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر إلا إن عمل في سحره ما يبلغ الكفر به. قال ابن المنذر: وهو رواية عن أحمد والأول أولى للحديث والأثر عن عمر، وعمل به الناس في خلافته من غير نكير.
قوله: وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: «كتب عمر أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ».
(الشرح)
بركة.