بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الشيخ: عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في "قرة عيون الموحدين" في شرح باب: ما جاء في التطير.
(المتن)
قوله: "ولهما عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: الكَلِمَة الطَّيِّبَة
قال أبو السعادات: الفأل مهموز فيما يسر ويسوء،
الفأل بالهمزة يطلق على ما يسر ويسوء واما الطيرة فهي خاصة فيما يسوء، والطيرة لا تستعمل إلا فيما يسوء وربما استعملت فيما يسر.
الا في القليل النادر.
قوله: قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: الكَلِمَة الطَّيِّبَة بين ﷺ أن الفأل يعجبه، فدل على أنه ليس من الطيرة المنهي عنها.
قال ابن القيم: ليس الإعجاب بالفأل ومحبته بشيء من الشرك، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة وموجب الفطرة الإنسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها، والله تعالى جعل في غرائز الناس من الإعجاب بسماع الاسم الحسن ومحبته وميل نفوسهم إليه، وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور باسم الفلاح والسلام والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز والظفر ونحو ذلك.
فإذا سمعت الأسماع أضدادها أوجب لها ضد هذه الحال فأحزنتها، وأثار ذلك لها خوفا وتطيرا وانكماشًا وانقباضًا عما قصدته وعزمت عليه، فأورث لها ضررا في الدنيا ونقصا في الإيمان ومقارفة للشرك.
قوله: عن عقبة بن عامر، هكذا وقع في نسخ التوحيد، وصوابه عن عروة بن عامر القرشي كذا أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما، وهو مكي اُختلف في نسبه فقال أحمد: عن عروة بن عامر القرشي، وقال غيره الجهني، واختلف في صحبته، فقال الماوردي: له صحبة، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال المزي: لا صحبة له تصح.
قال ابن القيم: أخبر ﷺ أن الفأل من الطيرة وهو خيرها، فأبطل الطيرة وأخبر أن الفأل منها ففصل بين الفأل والطيرة لما بينهما من الامتياز والتضاد ونفع أحدهما ومضرة الآخر.
قوله: وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا قال الطيبي: تعريض بأن الكافر بخلافه.
قوله: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ أي لا تأتي الطيرة بالحسنات ولا تدفع المكروهات بل أنت وحدك لا شريك لك الذي تأتي بالحسنات وتدفع السيئات، والحسنات هنا: النعم، والسيئات: المصائب، ففيه نفي تعلق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر، وهذا هو التوحيد وهو دعاء مناسب لمن وقع في قلبه شيء من الطيرة، وتصريح بأنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًا، ويعد من اعتقدها سفيهًا مشركًا.
(الشرح)
هذا فيه الالتجاء إلى الله وسؤالٌ له، وإقرار بأنه هو الذي يأتي الحسنات والسيئات، اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ تعلق بالله، وبيان أن التحول من حال إلى حال لا يكون إلا بالله والقوة لا تكون إلا بالله، فلهذا كان هذا الدعاء مشروع.
(المتن)
قوله: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، والحول التحول والانتقال من حال إلى حال والقوة على ذلك بالله وحده، ففيه التبري من الحول والقوة والمشيئة بدون حول الله وقوته ومشيئته، وهذا هو التوحيد في الربوبية، وهو الدليل على توحيد الإلهية الذي هو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة وهو توحيد القصد والإرادة وقد تقدم بيان ذلك بحمد الله.
قوله: وعن ابن مسعود مرفوعا: الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَا مِنَّا إِلَّا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ، رواه أبو داود والترمذي وصححه، وجعل آخره من قول ابن مسعود.
ولفظ أبي داود: الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ثلاثًا، قال وهذا صريح في تحريم الطيرة وأنها من الشرك لما فيها من تعلق القلب بغير الله.
قال ابن مفلح: الأولى القطع بتحريمها؛ لأنها شرك، وكيف يكون الشرك مكروها الكراهة الاصطلاحية.
(الشرح)
قال العلماء مكروهة، تُحمل على كراهة التحريم، لأن النبي ﷺ قال: انها شرك، كيف يكون الشرك مكروه كراهة تنزيهية! المراد كراهة التحريم، وهذا هو المعروف عند السلف، إذا قالوا كراهة يقصدون التحريم، وكذلك لما ذكر الله الكبائر في سورة الإسراء: ذكر الشرك، وعقوق الوالدين، وذكر أيضًا الزنا، الكِبر، ومكيال الميزان، والقتل، والتكبر، قال: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء/38]؛ يعني: محرمًا.
(المتن)
قوله: وَمَا مِنَّا إِلَّا قال أبو القاسم الأصبهاني والمنذري: في الحديث إضمار التقدير: وما منا إلا وقد وقع في شيء من ذلك، انتهى.
قوله: وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ، لكن إذا توكلنا على الله في جلب النفع ودفع الضر أذهبه الله تعالى عنا بتوكلنا عليه وحده.
قوله: وجعل آخره من قول ابن مسعود قال ابن القيم: وهو الصواب فإن الطيرة نوع من الشرك.
قوله: ولأحمد من حديث ابن عمرو: مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ، فَقَدْ أَشْرَكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ هذا الحديث رواه أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وفي إسناده ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات.
قوله: "من حديث ابن عمرو" هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي أبو محمد، وقيل أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة ليالي الحرة على الصحيح بالطائف.
قوله: مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ، فَقَدْ أَشْرَكَ، وذلك أن الطيرة هي التشاؤم بالمرئي والمسموع، فإذا ردته عن سفر أو عمل أو حاجة فقد أشرك بما يخامر قلبه من الخوف من ذلك فيكون شركًا بهذا الاعتبار.
(الشرح)
لأن الطِيرة هي التي ترد الإنسان عن حاجته أو تُمضيه إلى شيء لا يريده.
(المتن)
وذلك أن الطيرة هي التشاؤم بالمرئي والمسموع، فإذا ردته عن سفر أو عمل أو حاجة فقد أشرك بما يخامر قلبه من الخوف من ذلك فيكون شركًا بهذا الاعتبار.
قوله: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ... إلخ. فيه تفويض الأمور إلى الله تعالى تقديرا وتدبيرا وخلقا، والبراءة مما فيه تعلق بغير الله تعالى كائنًا من كان.
قوله: وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ أي لا معبود مستحق سواك، فإذا قال ذلك وأعرض عما وقع في قلبه ولم يلتفت إليه واستمر على فعل ما عزم عليه توكلًا على الله وتفويضًا إليه، كفر الله عنه ما وقع في قلبه من ذلك.
قوله: "وله من حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهما : إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ، أَوْ رَدَّكَ هذا الحديث عند الإمام أحمد من حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال: خرجت مع رسول الله ﷺ فساقه إلى أن قال: إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ، أَوْ رَدَّكَ والفضل هو: ابن العباس بن عبد المطلب ابن عم النبي ﷺ.
قال ابن معين: قتل يوم اليرموك وقال غيره: قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، وقال أبو داود: قتل بدمشق، وكان عليه درع النبي ﷺ قوله: إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ، أَوْ رَدَّكَ هذا حد الطيرة المنهي عنها.
(الشرح)
يعني: تُمضي الإنسان لشيءٍ لا يريده إن لم يجد طِيرة، أو تمنعه من شيء يريده، يريد أن يسافر ثم يتطير فيترك السفر، أو لا يريد أن يسافر ثم يسافر من أجل التطير.
(المتن)
(الشرح)
كأن يسمع إنسان مريض كلمة: سالم، فيتفاءل بالسلامة، أو يسمع تاجر كلمة: رابح، فيتفاءل بالربح، أو إنسان فقد ضالته فسمع كلمة: واجد، فيتفاءل بأن يجد ضالته، هذه كلمة تسر النفس، وفيها تأميل للخير من الله، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله على كل حال.
(المتن)
فيه مسائل:
الأولى: التنبيه على قوله: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف/131]؛ مع قوله: طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس/19].
(الشرح)
يعني: ما أصابكم من شرٍ فبسبب ذنوبكم ومعاصيكم، الطِيرة من خصال المشركين ومن أعمال الجاهلية.
(المتن)
(الشرح)
لَا عَدْوَى، يعني: الوجه الذي يعتقده الجاهلية أنها تُعدي، وعدوتها تنتقل بنفسها، لكن قد يجعل الله مخالطة الصحيح للمريض سبب في انتقال العدى إذا أراد الله.
(المتن)
(الشرح)
وَلَا طِيَرَةَ وأنها باطلة وانها محرمة.
(المتن)
(الشرح)
كذلك، وهي البوم طائرٌ في الليل، يزعم أحدهم في الجاهلية أنه إذا (.....) نفسه أو أحد من أهل بيته، فأبطلها النبي ﷺ بقوله: وَلاَ هَامَةَ.
(المتن)
(الشرح)
وهي حية في البطن تصيب الماشية والناس أعدى من الجرب عند العرب، وقيل: تشاؤم من شهر صفر، قولان.
(المتن)
(الشرح)
ليس من الطِيرة المحرمة.
(المتن)
(الشرح)
الفأل بأنه كلمة طيبة تسر الإنسان وهو مستثنى.
(المتن)
(الشرح)
إذا كره .
(المتن)
(الشرح)
وأنه يقول: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ.
(المتن)
(الشرح)
لاشك أن الطِيرة شرك.
(المتن)
(الشرح)
الطِيرة هي التي تُمضي الإنسان أو ترده.
بركة؟