بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشارح رحمه الله تعالى:
(المتن)
قوله: "باب ما جاء في التنجيم" قال شيخ الإسلام: هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية.
وقال الخطابي: علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان، كأوقات هبوب الرياح ومجيء المطر وتغير الأسعار، وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بمسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها، يدعون أن لها تأثيرًا في السفليات، وهذا منهم تحكمًا على الغيب وتعاطٍ لعلم قد استأثر الله به فلا يعلم الغيب سواه.
قوله: قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به.
هذا الأثر علقه البخاري في صحيحه، وأخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم، وأخرجه الخطيب في كتاب النجوم عن قتادة بلفظ أطول من هذا. وقول قتادة رحمه الله تعالي يدل على أن علم التنجيم هذا قد حدث في عصره فأوجب له إنكاره على من اعتقده وتعلق به، وهذا العلم مما ينافي التوحيد ويوقع في الشرك؛ لأنه ينسب الحوادث إلى غير من أحدثها وهو الله سبحانه بمشيئته وإرادته كما قال تعالى: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [فاطر/3].
وقال: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل/65].
قوله: خلق الله هذه النجوم لثلاث، قال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ [الملك/5].
وفيه إشارة إلى أن النجوم في السماء الدنيا كما روى ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: أما السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِن الله خلقهَا من دُخان ثمَّ رَفعهَا وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمراً منيراً وزينها بمصابيح النُّجُوم وَجعلهَا رجوماً للشياطين وحفظها من كل شَيْطَان رجيم.
قوله: "وعلامات" أي دلالات على الجهات يهتدى بها أي يهتدي بها الناس في ذلك كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام/97]؛ أي ليعرفوا بها جهة قصدهم، فإن قيل: المنجم قد يصدق، قيل: صدقه كصدق الكاهن يصدق في كلمة ويكذب في مئة، وصدقه ليس عن علم، بل قد يوافق قدرا فيكون فتنة في حق من صدقه.
قوله: وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص فيه ابن عيينة، ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق.
قال الخطابي: أما علم النجوم الذي يُدرك من طريق المشاهدة، والخبر الذي يعرف به الزوال وتُعلم به جهة القبلة، فإنه غير داخل فيما نُهي عنه، وذلك أن معرفة هذا العلم يصح علمه بالمشاهدة؛ وأما ما يُستدل به من النجوم على جهة القبلة فإنها من الكواكب، رصدها أهل الخبرة بها الذين لا شك في عنايتهم بأمر الدين ومعرفتهم بها وصدقهم فيما أخبروا به، مثل أن يشاهدها بحضرة الكعبة ويشاهدها على حال الغيبة عنها فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة، وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم.
(الشرح)
إذا أدركها في الكعبة ورآها مثلًا جهة الباب عرف أن جهة الباب الشرق، أو جهة الحِجر شمال، وهكذا، ثم يراها في مكان آخر بعيد عن الكعبة ويعرف أن هذه جهة الشمال؛ لأنه رآها جهة الحِجر لما كان في الكعبة، ورآها جهة الشرق لما كان في الكعبة فتحددت الجهة عنده.
(المتن)
فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة، وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم إذ كانوا عندنا غير متهمين في دينهم، ولا مقصرين في معرفتهم، انتهى.
وروى ابن المنذر عن مجاهد أنه لا يرى بأسًا أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به، قال ابن رجب: والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير، فإنه باطل.
(الشرح)
علم التسيير كما سبق نوعان، وعلم التأثير نوعٌ واحد، على التسيير معرفة جهة القبلة ومعرفة أوقات البدر، ومع ذلك يقول الحافظ بن رجب: لا يتعمق في علم التسيير لأن لا يفضي اعتقاده إلى تخطئة المسلمين في صلواتهم.
(المتن)
(الشرح)
ومع ذلك منع منه بعضهم، حَتَّى علم التسيير منع منه بعض العلماء.
(المتن)
قوله: ذكره حرب عنهما هو الإمام الحافظ حرب بن إسماعيل أبو محمد الكرماني الفقيه من أجلة أصحاب الإمام أحمد، روى عن أحمد وإسحاق وابن المدينى وابن معين وغيرهم، وله كتاب المسائل التي سأل عنها الإمام أحمد وغيره، مات سنة ثمانين ومائتين، وأما إسحاق فهو ابن إبراهيم بن مخلد بن يعقوب الحنظلي النيسابوري الإمام المعروف بابن راهويه، روى عن ابن المبارك وأبي أسامة وابن عيينة وطبقتهم، قال أحمد: إسحاق عندنا من أئمة المسلمين، وروى عنه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم، وروى هو أيضا عن أحمد، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين.
قوله: وعن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... الحديث، هذا الحديث رواه أيضا الطبراني والحاكم وقال: صحيح، وأقره الذهبي.
قوله: "عن أبي موسى" هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بفتح المهملة وتشديد الضاد، أبو موسى الأشعري صحابي جليل مات سنة خمسين.
قوله: ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... الشاهد للترجمة وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ وفي هذا الحديث كما تقدم في نظائره كقوله: مَنْ أَتَى كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ واختار الأمام أحمد رحمه الله تعالى أن مثل هذه الأحاديث تمر كما جاءت من غير تأويل.
قال الذهبي في الكبائر: "ويدخل فيه تعلم السيمياء وعلمها، وعقد المرء من زوجته، ومحبة الزوج لامرأته وبغضها وبغضه، وأشباه ذلك بكلمات مجهولة"، انتهى باختصار.
هذا كله محرم داخل في السحر.
فيه مسائل:
الأولى: الحكمة في خلق النجوم.
(الشرح)
يبينها قتادة، وأنها لثلاث.
(المتن)
(الشرح)
من تأول في غير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به.
(المتن)
(الشرح)
وأن علم التسيير فيه اختلاف، وعلم التأثير ممنوع باتفاق.
(المتن)
(الشرح)
ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... هذا من باب الوعيد.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: تفيد الزجر والوعيد؛ لأن إذا فُسرت صار فيه تهوينٌ من شأنها، لكن إذا تُركت على ظاهرها أفادت الزجر.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: نوعٌ عندهم فيه شيءٌ من دعوى علم الغيب وما يفعله المشعوذون والسحرة لا أدري كيفيتها.