شعار الموقع

قرة عيون الموحدين 15 باب من اتخذ نداً تساوي محبته محبة الله فهو الشرك الأكبر

00:00
00:00
تحميل
141

بسم الله الرحمن الرحيم

(المتن)

قال في شرح المنازل: أخبر تعالى أن من أحب شيئًا من دون الله كما يحب الله فهو ممن اتخذ من دون الله أندادا، فهذا ند في المحبة لا في الخلق والربوبية، فإن أحدًا من أهل الأرض لا يثبت هذا الند بخلاف ند المحبة فإن أكثر أهل الأرض قد اتخذوا من دون الله أندادا في المحبة والتعظيم، انتهى.

قلت: وقد وقع الشرك في الربوبية أيضا في كثير من الخاصة والعامة في آخر هذه الأمة فاعتقدوا أن لهؤلاء الأموات تصرفًا في الكون ونحو ذلك.

(الشرح)

الشرك في الربوبية هذا كان في الأول قديم؛ لأن توحيد الربوبية توحيد فطري فطر الله عليه جميع الخلائق، أقروا بأن الله هو الرب وأنه هو الخالق وأنه المدبر، وإنما الشرك يكون في المحبة، والند في المحبة، ولهذه الترجمة: قوله: باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة/165]؛ يبين فيها المؤلف رحمه الله أن التنديد في المحبة شركٌ بالله عز وجل يخرج به الإنسان من الإيمان إلى الكفر، إذا جعل لله ندًا في المحبة يدعوه كما يدعو الله ويرجوه كما يرجو الله ويخافه كما يخاف الله.

ولهذا قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة/165]؛ يعني: يساوونهم بالله في المحبة والتعظيم، وهذا هو الشرك، الواجب تخصيص الله تعالى بالمحبة، محبة العبادة.

أما المحبة الطبيعية، محبة الوالد لولده، محبة الولد لوالده، محبة الأنس، محبة الطعام، محبة الشراب،محبة المرأة والصديق هذه محبة طبيعية لا تدخل في هذا.

فبين المؤلف رحمه الله أن التنديد في محبة الله شركٌ في العبادة يُخرج من الملة، وأما التنديد في الربوبية والخلق فهذا قليل، لكن بين المؤلف رحمه الله أنه وقع في آخر الزمان حَتَّى التنديد في الخلق والرزق، قالوا: إن الأموات يتصرفون مع الله ويدبرون في هذا الكون، هذا تنديد في الربوبية والتصرف، الشرك في الربوبية قليل لكن حدث أيضًا في آخر الزمان من أشرك بالله في الربوبية، وهناك من قال: إن هناك مدبر مع الله في هذا الكون، بعض الصوفية الفلاسفة والمنجمين قالوا: إن النجوم مدبرة لها تأثير.

وكذلك أيضًا عباد القبور يقولون: إن الأموات تخرج وتتصرف في هذا الكون تُجيب من دعاها وتنصر من لاذا بحماها، هذا شرك بالربوبية، وكذلك بعض الرافضة وبعض الشيعة يزعمون أن أوليائهم يتصرفون في الكون، وجعلهم ارباب من دون الله، هذا شرك في الربوبية.

وقال الخُميني في رسالته: الحكومة الإسلامية، قال: إن لأئمتنا مقامًا لا يصل إليه ملكٌ مقرب ولا نبي مرسل، نعوذ بالله، فهم جعلوا الأولياء يتصرفون في هذا الكون وهذا شرك في الربوبية، وإن كان قليل في الأزمان السابقة ولكنه حدث في الأزمان المتأخرة.

(المتن)

قوله: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ؛ إلى قوله: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة/24] الآية.

قال ابن كثير: إن كانت هذه الأشياء أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا أي انتظروا ماذا يحل بكم من عقابه.

قوله: لَا يُؤْمِنُ أي الإيمان الواجب، والمراد كماله حتى يكون الرسول ﷺ أحب إلى العبد مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وذلك يقتضي تعظيم أمره ونهيه واتباعه في ذلك دون من سواه، ومن كان كذلك فقد أحب الله كما في آية المحبة.

(الشرح)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة/165].

وكما في قوله: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة/24].

يعني: من قدم واحدًا من هذه الأصناف الثلاثه في المحبه على محبة الله ورسوله فهو عاص وضعيف الإيمان، فقد ترك الإيمان الواجب الكامل بأن قدم محبة الآباء أو الأبناء أو الإخوان أو الأزواج أو العشيرة أو الأموال أو التجارة أو المساكن، إذا قدم واحدًا من هذه الثمانية على محبة الله ورسوله فإن إيمانه ضعيف وناقص، يوصف بالفسق، ومتعرض لعقوبة الله وسخطه، ولهذا قال: فَتَرَبَّصُوا يعني: انتظروا ماذا يحل بكم من عقوبة الله: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة/24]؛ حكم عليه بالفسق يكون فاسق.

من محبة المال مثلًا أن يتعامل الإنسان بالربا، قدم محبة المال على محبة الله ورسوله، أو الرشوة من محبة المال، أو يطيع أحد الوالدين في معصية الله، هذا قدم محبة الأب، أمره الأب أن يعصي الله فعصى الله، قدم محبة الأب على محبة الله ورسوله، قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ يعني: قدم واحدة من هذه الثمانية على محبة الله ورسوله وعصى الله فإنه يكون ناقص الإيمان وضعيف الإيمان، وفاسق.

ولهذا قال: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ يعني: إذا قدمهم على محبة الله ومحبة الجهاد فعليه الوعيد، فَتَرَبَّصُوا يعني: انتظروا ماذا يحل بكم من عقوبة الله: حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة/24]؛ حكم عليهم بالفسق.

وكذلك الحديث: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ يعني: لا يؤمن الإيمان الكامل الواجب، يكون إيمانه ضعيف إذا قدم محبة الولد أو الوالد أو أحد يكون إيمانه ناقص ويكون إيمانه ضعيف ولا يكمل إيمانه حَتَّى يقدم محبة الله على محبة الولد والوالد، ولهذا لا يُطاع الوالد في معصية ولا غيره، وإذا نادى الأب الابن وهو يصلي الفريضة لا يُجيبه، وأما في النافلة فإنه يُجيبه.

قصة جريج لما جاءت أمه وقالت: يا جريج، قال: يا ربِ أمي وصلاتي، فتركها، كان يصلي نافلة يتعبد في صومعة، ثم جاءت في المرة الثانية قال: يا ربِ أمي وصلاتي ولم يجبها، ثم جاءت في المرة الثالثة وقالت: يا جريج أجبني أنا أمك، بزعمه أنه يتعبد ولا يريد يضيع الوقت بإجابة أمه، فدعت عليه قالت: اللهم لا تمته حَتَّى ينظر إلى وجوه الموميسات، يعني الزانيات واستجاب الله دعائها، فجاءت بغيٌ من بغايا بني إسرائيل إليه لتفتنه فلم يلتفت إليها فحاولت وعجزت.

فجلست تحت صومعته وجاء راعٍ فمكنته من نفسها حَتَّى فعل بها الفاحشة وحملت ثم جاءت فلما ولدت قيل لها: من أين لكِ هذا الولد؟ قالت: من جريج، فجاءوا إليه وأنزلوه من صومعته وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، قال: ما لكم؟ قالوا: أنت زنيت بهذه البغي وجاءت منك بولد، تعجلوا وتسرعوا ولم يتحققوا، فقال: أين الغلام، فجاءوا به، فضرب في بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟ فتكلم الغلام وقال: فلانٌ الراعي، أنطقه الله، وهذا من الذين تكلموا في المهد، في الحديث: لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إِلَّا ثَلاَثَةٌ: ذكر منهم صاحب يوسف وعيسى وصاحب جريج.

فعند ذلك اعتذروا إليه وبنوا صومعته وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، والشاهد أنه ما أجاب أمه فدعت عليه فاستجاب الله دعائها، ما مات حَتَّى نظر الي وجه الموميسات الزانية هذه.

الطالب: (.....)؟.

الشيخ: هو في نافلة، وفي النافلة يُجيب.

الطالب: (.....)؟.

الشيخ: نعم مقدم، لأن إجابة الواجب واجب، والنافلة سنة إلا إذا كان يعرف من والده أو من والدته أنه لا يغضب إذا كان في الصلاة يقول: سبحان الله حَتَّى يسلم إذا كان ما يغضب عليه، أما لو كان يغضب عليه، إذا كان يعرف أن الوالد أو الوالدة إذا علموا أنه في الصلاة يعذرونه حتي يكمل الصلاه يُشير يقول: سبحان الله حَتَّى يعلموا أنه يصلي، إلا إذا أخبروه بأن الأمر ضروري فيقطع الصلاة.

الطالب: آية المحبة، قال: كما في آية المحبة، هي قوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران/31].

 الشيخ: نعم، كذلك: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة/165]؛ لكن الآية الثانية هذه فيها دليل على أنه إذا قدم محبة واحد من هذه الثمانية على غيرها فهو ناقص الإيمان وضعيف الإيمان مثل: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، الحديث: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ يعني: الإيمان الكامل الواجب الذي تبرأ به ذمته، وليس المقصود أنه يُخلد في النار حَتَّى يقدم محبة الله على محبة الولد والوالد والناس أجمعين، فإذا قدم محبة الولد والوالد صار ضعيف الإيمان ناقص الإيمان، لكن أصل المحبة، محبة الله ورسوله لابد منها، من لم يحب الله ورسوله كافر، المحبة هي الإيمان بالله ورسوله، لكن كمال الإيمان وكمال المحبة أن يقدمها على كل شيء.

قوله اخرجاه أي البخاري ومسلم.

قوله ولهما عنه أي البخاري ومسلم.

بركة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد