بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمدٍ وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْد: ...
(المتن)
قَالَ الشيخ عبد الرحمن بْن حسن رحمه الله تعالى في قرة عيون الموحدين:
قوله: "ولهما عنه " أي البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله ﷺالحديث.
قوله: ثَلاَثٌ أي خصال، قال شيخ الإسلام: أخبر النبي صلي الله عليه وسلم أن هذه الثلاث مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ؛ لأن وجود الحلاوة للشيء يتبع المحبة له، فمن أحب شيئًا واشتهاه إذا حصل له مراده فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك، واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهى.
قال: فحلاوة الإيمان المتضمنة للذة والفرح تتبع كمال محبة العبد لله وذلك بثلاثة أمور: تكميل هذه المحبة وتفريغها ودفع ضدها، فتكميلها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما؛ فإن محبة الله ورسوله لا يكتفى فيها بأصل الحب، بل لا بد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
(الشرح)
أصل الحب لا بد من الإيمان وأصل المحبة لَابُدَّ منها، من لَمْ يحب الله ورسوله فَهُوَ كافر، لَكِن كمال المحبة أن يكون الله ورسوله أحب إليه مِمَّا سواهما، فَإِن قدم شيئًا من الدنيا عَلَى محبة الله ورسوله صار إيمانه ناقص إيمانه ضعيف، مثل من يتعامل بالربا هنا قدم محبة المال عَلَى محبة الله ورسوله، وَهُوَ لَمْ يستحله، أو مثلاً يأخذ رشوة أو يعق والديه هَذَا قَدْ شيء من ذَلِكَ عَلَى محبة الله ورسوله، فهو ضعيف الإيمان، كمال المحبة أن يكون الله ورسوله أحب إليه من كُلّ شيء، فلا يعمل ما حرم الله ولا يترك شيئًا أوجبه الله.
(المتن)
(الشرح)
نعم هَذَا كله تابع لمحبة الله هَذَا من أجل الله.
(المتن)
وكراهة ما يكره سبحانه ومعاداة أعدائه، وموالاة أوليائه، فلا يحصل كمال محبة الله الواجبة إلا بكمال ذلك وإيثاره على ما تهواه النفوس مما يخالف ذلك.
قوله: أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ثنى الضمير هنا لتلازم المحبتين والله أعلم.
قوله: كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أي يستوي عنده الأمران.
قوله: وفي رواية: لاَ يَجِدُ هي عند البخاري في الأدب المفرد.
(الشرح)
قَالَ: لا يحصل الكمال إِلَّا بتكميل المحبة وتفريغ القلب ونفي ضدها، ما كمله.
الطالب: ما كمل كلام شيخ الإسلام.
الشيخ: نعم تكميلها أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، هَذَا تفريغه (يفرغ) قلبه مِمَّا يضاد المحبة، أَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، ما يحبه لأجل الدنيا ولا لأجل القرابة وَإِنَّمَا المحبة لله، ونفي ضدها وَأَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ.
(المتن)
قوله: وفي رواية: لاَ يَجِدُ هي عند البخاري في الأدب المفرد، ولفظه: لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، وَحَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا.
قوله: مَنْ أَحَبَّ فِي الِلَّهِ أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك.
قوله: وَأَبْغَضَ فِي الِلَّهِ أي أبغض من كفر بالله وأشرك به وعصاه لارتكابه ما يسخط الله، وإن كان أقرب الناس إليه، كما قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة/22].
قوله: "ووالى في الله " بالمحبة والنصرة بحسب القدرة.
قوله: " وعادى في الله " من كان عدوًا لله ممن أشرك وكفر وظاهر بالمعاصي، فتجب عداوته بما يقدر عليه.
قوله: " فإنما تنال ولاية الله بذلك " أي توليه لعبده، وولاية بفتح الواو. وفي الحديث أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ رواه الطبراني.
قوله: " ولن يجد عبد طعم الإيمان ... "إلى آخره، أي لا يحصل له ذوق الإيمان وبهجته ولذته وسروره والفرح به، وإن كثرت صلاته وصومه، حتى يكون كذلك. قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس/58].
قوله: "وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئًا "، يعني أنه إذا ضعف داعي الإيمان أحب دنياه، وأحب لها وواخى لأجلها، وهذا هو الغالب على أكثر الخلق محبة دنياهم وإيثار ما يهوونه على ما يحبه الله ورسوله.
(الشرح)
قَالَ تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى/17]؛ هَذَا الكثير آثروا الحياة الدنيا عَلَى الآخرة.
(المتن)
وذلك لا يجدي على أهله شيئا، بل يضر في العاجل والآجل فالله المستعان.
قوله: "وقال ابن عباس في قوله: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ [البقرة/166]. قال: المودة "، أي التي كانت بينهم خانتهم أحوج ما كانوا إليه، قال تعالى: وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [العنكبوت/25].
(الشرح)
الشيخ: في سقط؟.
الطالب: في سقط في النسخة هَذِهِ، انقطع الكلام في منتصف الآية أحسن الله إليك.
(المتن)
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية البقرة.
(الشرح)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة/165]؛ لِأَنَّ محبة الْمُؤْمِنِينَ لربهم أكبر من محبة الْمُشْرِكِينَ لأندادهم؛ لِأَنَّ محبة الْمُشْرِكِينَ مشتركة ومحبة الْمُؤْمِنِينَ خالصة.
(المتن)
(الشرح)
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ [التوبة/24]؛ فِيهِ أن من قدم شيئًا من هَذِهِ الأوصاف الثمانية عَلَى محبة الله ورسوله أَنَّهُ ضعيف الإيمان وناقص الإيمان ومتوعد، قَالَ: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة/24]؛ لضعف إيمانهم.
(المتن)
(الشرح)
وجوب محبة النَّبِيّ ﷺ أصلها واجب لَابُدَّ منها في الإيمان، وتقديمها عَلَى كُلّ شيء هَذَا هُوَ كمال الإيمان الواجب.
(المتن)
(الشرح)
نعم؛ بَلْ يَدُلّ عَلَى نفي الكمال الواجب لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، من لَمْ يحب لأخيه ما يحب لنفسه فضعيف الإيمان؛ لَكِن ما يكون كافر، ضعيف الإيمان لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ، هَذَا نفي كمال الإيمان الواجب للعاصي، وَقَدْ يكون نفي الإيمان بالمرة إِذَا كَانَ الَّذِي يفعله كفر يخرج من الْمِلَّة يكون نفي الإيمان بالمرة.
(المتن)
(الشرح)
الحلاوة هِيَ اللذة يجدها بَعْدَ الطاعة.
(المتن)
(الشرح)
الحب في الله والبغض في الله ويوالي في الله ويعادي في الله، ويعطي لله ويمنع لله، أعمال القلب إيش؟
(المتن)
(الشرح)
يقول:وقد صارت عامة مؤاخاة النَّاس عَلَى أمر الدنيا فهم الواقع، العلماء يفهمون الواقع يتكلمون عَلَى حسب الواقع، ولهذا قَالَ: صارت عامة مؤاخاة النَّاس اليوم عَلَى أمر الدنيا، كل العلماء يفهمون واقع أحوالهم وزمانهم، وينزلون الفتاوي عَلَى الوقائع وَعَلَى ما يناسب الحال.
(المتن)
(الشرح)
أيْ المودة.
(المتن)
(الشرح)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة/165]؛ هم يحبون الله الْمُشْرِكِينَ لَكِن محبة الْمُؤْمِنِينَ أكمل وأقوى؛ لِأَنَّ محبة الْمُؤْمِنِينَ خالصة ومحبة الْمُشْرِكِينَ مشتركة، والخالصة أقوى من المشتركة.
(المتن)
(الشرح)
كما في سورة براءة قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا [التوبة/24]؛ هَذِهِ الثمانية، إن كَانَ واحدة من الثمانية أحب إليه من دينه فعليه الوعيد، والوعيد في قوله: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة/24]؛ يَعْنِي انتظروا ما يحل بكم من عقوبة الله، هَذَا الوعيد عَلَى من قدم شيء من الثمانية عَلَى محبة الله ورسوله.
(المتن)
(الشرح)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة/165]؛ يجعل لله نديد في العبادة، في المحبة، في الدعاء، في الخوف، في الرجاء، هَذَا هُوَ الشِّرْك الَّذِي يخرج الْمِلَّة.