بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمدٍ وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْد: ...
(المتن)
قَالَ شيخ الإسلام محمد بْن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
باب قول الله تعالى:أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف/99].
وقوله: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ [الحجر/56] .
عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله ﷺ سئل عن الكبائر، فقال: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ.
وعن ابن مسعود قال: " أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله " رواه عبد الرزاق.
قَالَ الشيخ عبد الرحمن بْن حسن رحمه الله تعالى: باب قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف/99].
أراد المصنف رحمه الله تعالى أن الأمن من مكر الله يدل على ضعف الإيمان، فلا يبالي صاحبه بما ترك من الواجبات وفعل من المحرمات، لعدم خوفه من الله بما فعل أو ترك، وهذا من أعظم الذنوب وأجمعها للعيوب.
ومعنى الآية أن الله تبارك وتعالى لما ذكر حال أهل القرى المكذبين للرسل، بين أن الذي حملهم على ذلك هو الأمن من مكر الله وعدم الخوف منه، وذلك أنهم أمنوا مكر الله لما استدرجهم بالسراء والنعم فاستبعدوا أن يكون ذلك مكرًا.
قال الحسن: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له.
وقال قتادة: بغت القوم أمر الله وما أخذ قوم قط إلا عند سلوتهم وغرتهم فلا تغتروا بالله.
(الشرح)
لِأَنَّهُم عندما يسلون عَنْ سلوتهم وغفلتهم يؤخذون يسلون بالنعم ويتمادون في المعاصي، فمع الغفلة والسلوى يعاجلهم بالعقوبة؛ يؤخذون في وقت غرتهم وغفلتهم، كما قَالَ تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف/97]. وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ [الأعراف/4]. في وقت البيتوتة وفي وقت القيلولة هُوَ وقت الغرة والسهو واللهو والغفلة نسأل الله السلامة والعافية.
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ؛ والأمن من مكر الله من كبائر الذنوب العظيمة، كما أن اليأس من روح الله كَذَلِكَ، هُوَ يأمن مكر الله فيتمادى في المعاصي لضعف إيمانه وقلة خوفه من الله فَهُوَ لا يبالي فلهذا يأمن مكر الله.
(المتن)
وقال إسماعيل بن رافع: من الأمن من مكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة. رواه ابن أبي حاتم.
قوله: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ [الحجر/56].
القنوط استبعاد الفرج واليأس منه، وهو يقابل الأمن من مكر الله، وكلا الأمرين ذنب عظيم، لما في القنوط من سوء الظن بالله.
(الشرح)
نعم القنوط هُوَ اليأس من روح الله، ولهذا التشاؤم هُوَ سوء ظن بالله، القانط متشائم ومسيء للظن بالله، يرى أَنَّهُ لا يغفر له، وأن ذنبه عظيم وَأَنَّهُ لا يدخل تَحْتَ المغفرة، هَذَا سوء ظن بالله، ليس هناك ذنب إِلَّا والله يغفره عند التوبة، يَقُولُ الله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر/53]؛ يَعْنِي لمن تاب.
فاليائس هُوَ المتشائم القانط المسيء الظن بالله؛ لِأَنَّهُ يرى أَنَّهُ هالك، قَالَ تعالى: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف/87]؛ وهَذَا ظاهر يَدُلّ عَلَى أن اليائس كافر اذا؛ لِأَنَّهُ مكذب لله متشائم، كما أن الآمن من مكر الله خاسر خسران الكفر نسأل الله العافية.
(المتن)
قوله: إِلاَّ الضَّالُّونَ أي عن الهدى.
قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ «سئل عن الكبائر فقال: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ. هذا الحديث رواه البزار وابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر. قال ابن معين: ثقة، ولينه ابن أبي حاتم. وقال ابن كثير: في إسناده نظر والأشبه أن يكون موقوفًا.
قوله: الشِّرْكُ بِاللهِ وهو أكبر الكبائر. ولهذا بدأ به. قال ابن القيم رحمه الله تعالى : "الشرك هضم للربوبية وتنقص للإلهية، وسوء ظن برب العالمين". انتهى.
قوله: وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ أي قطع الرجاء والأمل من الله تعالى فيما يخافه ويرجوه، وذلك إساءة طن بالله وجهل به وسعة رحمته وجوده ومغفرته.
قوله: وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ. أي من استدراجه للعبد وسلبه ما أعطاه من الإيمان، نعوذ بالله من ذلك.
وذلك جهل بالله وبقدرته وثقة بالنفس وعجب بها. وهذه الثلاث من أكبر الكبائر فهي كبيرة جدًا نسأل الله اجتنابها.
وذكر هذه الثلاث لجمعها للشر كله وبعدها عن الخير، وقد وقع فيها الكثير قديمًا وحديثا، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
قوله: "والقنوط من رحمة الله " قال أبو السعادات: هو أشد اليأس وينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف، فإذا غلب الرجاء في حال الصحة فسد القلب. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك/12]. وقال: يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور/37].
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية الأعراف.
(الشرح)
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف/99].
(المتن)
(الشرح)
قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر/56]؛ تفسير القنوط عَلَى أنه اليأس، الأمن من مكر الله هُوَ كونه يستمر في المعاصي ولا يخاف، والقنوط بالعكس يرى أَنَّهُ هالك وَأَنَّ ذنبه لا يغفر له، فَهُوَ مسيء للظن بالله متشائم.
(المتن)
(الشرح)
وَأَنَّهُ خاسر، فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف/99].
(المتن)
(الشرح)
قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر/56].
إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف/87].
(المتن)
(الشرح)
بركة قف عَلَى هَذَا.