بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْد:
(المتن)
قَالَ شيخ الإسلام محمد بْن عبد الوهاب رحمه الله تعالي في كتاب التوحيد:
باب من الإيمان بالله: الصبر على أقدار الله
وقول الله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن/11]. قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ.
ولهما عن ابن مسعود مرفوعًا: لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أَوْ شَقَّ الْجُيُوبَ، أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
وعن أنس أن رسول الله ﷺ قال: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
وقال النبي ﷺ: إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ حسنه الترمذي.
قَالَ الشارح رحمه الله تعالى: قوله: "باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله "
قال الإمام أحمد: ذكر الله الصبر في تسعين موضعًا من كتابه.
وفي الحديث الصحيح: الصَّبْرُ ضِيَاءٌ رواه أحمد ومسلم.
قال عمر : " وجدنا خير عيشنا بالصبر " رواه البخاري.
قال علي : " إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ثم رفع صوته فقال: إنه لا إيمان لمن لا صبر له ".
واعلم أن الصبر على ثلاثة أقسام: صبر على ما أمر الله به، وصبر على ما نهى عنه، وصبر على ما قدره الله من المصائب، زاد شيخ الإسلام: والصبر عن الأهواء المخالفة للشرع.
(الشرح)
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فَإِن الصبر عَلَى طاعة الله، والصبر عَلَى محارم الله، والصبر عَلَى أقدار الله المؤلمة، الصبر حبس النفس عَنْ الجزع واللسان عَنْ الشكوي وقول ما يغضب الله، وَهَذَا كله من الإيمان.
وَفِيهِ رد عَلَى المرجئة الَّذِينَ يَقُولُونَ: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، فالصبر من الإيمان، قَدْ يكون الصبر في القلب بحبس النفس، أعمال القلوب من الإيمان، وَكَذَلِكَ أعمال الجوارح والصبر عَلَى طاعة الله هُوَ من الإيمان، الصبر عَنْ محارم الله كف النفس والصبر عَلَى أقداره المؤلمة عدم الجزع والتسخط وَكُلّ أنواع الصبر تدل عَلَى دخول الأعمال في مسمى الإيمان.
قَالَ عمر: وجدنا خير الأشياء بالصبر؛ الَّذِي لا يصبر لا يعيش ولا يستطيع ليس عنده راحة ولا حياة هنيئة، يتسخط والقدر نافذ، السخط ألم في قلبه ومعصية لله ولرسوله ولا يستفيد شيئًا نعم.
(المتن)
قوله: "وقول الله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن/11]. ".
وأول الآية مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن/11]. أي بمشيئته وإرادته كما قال في الآية الأخرى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد/22].
(الشرح)
وَهَذَا الإذن هُوَ الإذن القدري والإذن نوعان: إذن قدري وإذن شرعي، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن/11]؛ يَعْنِي بمشيئته وإرادته وقدرته هذا إذن قدري، ومثله قوله تعالى في السحرة: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة/102]؛ أيْ بمشيئته وإرادته.
والإذن الشرعي مثل قوله تعالى في سورة الحشر لما كَانَ الصحابة محاصرين لبني النضير، فمنهم من قطع النخيل إغاظةً للكفار، ومنهم من أبقاها لِأَنَّهُ مال يؤول للمسلمين، فالله تعالى أقر الفريقين، قَالَ تعالى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ؛ يَعْنِي نخلة أو شجرة أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ [الحشر/5]؛ الشرعي قرر الله هؤلاء وهؤلاء؛ لِأَنَّ لكل وجهة، من قطعها قصده إغاظة الْمُشْرِكِينَ وَهَذَا قصد حسن، ومن أبقاها لِأَنَّهُ مال يؤول للمسلمين فَهُوَ حسن.
فمن أبقى فالله أقره ومن قطع الله أقره، هَذَا إذن الله الشرعي، مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّه [الحشر/5]؛ إذن الله الشرعي؛ وَأَمَّا الآية هنا المراد بالقدري إذن الله القدري.
(المتن)
(الشرح)
(هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم)؛ فِيهِ أن الهداية من ثواب الصبر من صبر هداه الله أثابه الله عَلَى هَذِهِ الهداية، هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، قَالَ: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن/11]؛ من ثواب الصبر الهداية، نعم هَذَا فضل عظيم.
(المتن)
(الشرح)
نعم الكفر المعرف يخرج من الْمِلَّة المراد بِهِ الكفر الأكبر، بين الرجل وبين الكفر، وَأَمَّا الكفر المنكر فَهُوَ خصلة من خصال الجاهلية معصية وكبيرة، هُوَ كفر أصغر هذا الكلام (.....) جيد هذا قوله خصلتان في الناس.
(المتن)
(الشرح)
كفر منكر في الإثبات لا يخرج من الْمِلَّة، يكون بالمؤمن خصلة من خصال الكفر وَلَكِن ما يكون كافرًا، كما أن الْكَافِر يكون فِيهِ خصلة من خصال الإيمان ولا يكون مؤمنًا، مثل الْكَافِر يصير عنده الصِّدْق، بعض النَّاس يَقُولُ: الشركات عندها إيمان، عندهم صدق وعندهم إيمان وعندهم أَيْضًا في مواعدهم دقيقة، هَذِهِ خصلة من خصال الإيمان لَكِن ما يكون بِذَلِكَ من الْمُؤْمِنِينَ، لَابُدَّ من أصل الإيمان.
وينبغي للمؤمنين أن يتخلقوا بهذه الصفات أولى من الكفار، ونقول لهم: أَيْضًا ليس بصحيح أَنَّهُمْ عندهم مؤمنين، ولكنهم يعملون من أجل مصالحهم الدنيوية، وإلا لو تمكنوا من الخيانة لخانوا ولو تمكنوا من الكذب لكذبوا؛ لَكِن هم يفعلون هَذَا لأجل تسويق منتجاتهم التجارية.
(المتن)
قوله: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ أي عيبه، ويدخل فيه أن يقال: هذا ليس ابن فلان مع ثبوت نسبه.
قوله وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ.
(الشرح)
قوله: هَذَا قبيل (.....) عَلَى وجه التنقص أو هَذَا فلان عَلَى وجه التنقص، أَمَّا عَلَى وجه البيان فلا بأس، أَمَّا أن يتنقص ويعيب هَذِهِ من خصال الجاهلية، نسبي أحسن من نسبك، أنا شريف أنا كذا أنا قبيل ما ينفعك عِنْد الله هَذَا إِذَا كَانَ العمل سيئ، ولهذا قَالَ النَّبِيّ في الحديث الصحيح: وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ، من أخره العمل ما يلحق بِهِ نسبه ولو كَانَ من أولاد الأنبياء؛ إِذَا كَانَ العمل سيئ ما ينفع النسب.
ما نفع أبو لهب كونه قرشي وأبو جهل ولا ضر سلمان وبلال وصهيب كونهم من الأعاجم لما آمنوا بالله ورسوله.
الطالب: النياحة خاصة بالنساء؟.
الشيخ: حَتَّى الرجال ما يجوز لهم النياحة؛ لِأَنَّهُ في الغالب تكون من النساء.
(المتن)
قوله: وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ. أي رفع الصوت بالندب، وتعداد فضائله لما فيه من السخط على قدر الله المنافي للصبر.
قوله : مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ قال الحافظ خص الخد لكونه الغالب .
(الشرح)
قف عَلَى هَذَا .