بسم الله الرحمن الرحيم
(المتن)
قَالَ الشيخ عبد الرحمن بْن حسن رحمه الله تعالى في كتابه " قرة عيون الموحدين في شرح كتاب التوحيد في شرح "باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله ".
قال:
(الشرح)
لَيْسَ مِنَّا هَذَا يدل عَلَى الكبائر، قَالَ فيه النَّبِيّ ليس منا أَنَّهُ من الكبائر، فضرب الخدود وشق الجيوب من الكبائر، وليس خاصًا بضرب الخد؛ بَلْ لو ضرب الفخذ فحكمه كَذَلِكَ؛ متسخطًا عَلَى قضاء الله وقدره، وَكَذَلِكَ شق الجيوب هَذَا يوجد عِنْد بعض الجهال؛ وبعض النساء وعِنْد بعض البادية إِذَا أصابتها مصيبة شقت جيبها، شقت الثوب، هَذَا من الجهل والضلال، أو تنتف الشعر، وتدعوا بالويل والثبور، أو وضع عَلَى رأسها التراب كُلّ هَذَا من علامات التسخط عَلَى قضاء الله وقدره ومن الكبائر.
(المتن)
(الشرح)
ندبه يَعْنِي تعداد محاسن الميت كَانَ كذا وَكَانَ كذا وَكَانَ كذا، وَكَانَ يطعمنا وَكَانَ يسقينا، وكان يكسب لنا.
(المتن)
وقال ابن القيم: الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية، ومثله التعصب إلى المذاهب والطوائف والمشايخ وتفضيل بعض على بعض، يدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي عليه، فكل هذا من دعوى الجاهلية، وقد يعفى عن الشيء اليسير من ذلك إذا كان صدقًا كما يعفى عن البكاء إذا كان على غير وجه النوح والتسخط. نص عليه أحمد.
قوله: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا.
قال شيخ الإسلام: "المصائب نعمة؛ لأنها مكفرات للذنوب وتدعو إلى الصبر فيثاب عليها، وتقتضي الإنابة إلى الله تعالى والذل له والإعراض عن الخلق إلى غير ذلك من المصالح، فنفس البلاء يكفر الله به الخطايا، وهذا من أعظم النعم، فالمصائب رحمة ونعمة في حق عموم الخلق إلا أن يدخل. صاحبها بسببها في معاصي أعظم مما كان قبل ذلك، فتكون شرًا عليه من جهة ما أصابه في دينه، فإن من الناس من إذا ابتلي بفقر أو مرض أو جوع حصل له من الجزع والنفاق ومرض القلب والكفر الظاهر وترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات ما يوجب له ضررا في دينه.
فهذا كانت العافيه خيرًا له من جهة ما أورثته المصيبة، لا من جهة نفس المصيبة، كما إن من أوجبت له المصيبة صبرًا وطاعة كانت في حقه نعمة دينية، فهي بعينها فعل الرب رحمة للخلق، والله تبارك وتعالى محمود عليها، فمن ابتلي فرزق الصبر كان الصبر عليه نعمة في دينه وحصل له مع ما كفر من خطاياه رحمة، وحصل له بثنائه على ربه صلاة ربه عليه قال تعالى: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة/157]، وحصل له غفران السيئات ورفع الدرجات. فمن قام بالصبر الواجب حصل له ذلك". انتهى ملخصًا.
(الشرح)
لاشك في هَذَا ان المصيبة فعل الله .
لَكِن بَعْدَ ذَلِكَ النَّاس قسمان:
قسم: يلهج بذكر الله ويحمد الله ويثني عَلَيْهِ ويسلم الْأَمْرِ لله، ويعلم أن لله فِيهِ حكمة فَهُوَ صابر، حابس نفسه عَنْ الجزع ولسانه عَنْ التشكي، ولا يَقُولُ ما يغضب الله وَهُوَ يثني عَلَى الله وَيَقُولُ: إن لله وإنا إليه راجعون، هَذَا تكون المصيبة خير له ونعمه.
وقسم ثاني من الناس : من النَّاس من يجزع ويتسخط ويسيء الظن بالله ويتهم ربه، ويترك الواجبات ويفعل المحرمات؛ وَهَذا ساخط قصر في حق نفسه ولا حول ولا قوه إلا بالله نسأل الله السلامة والعافية.
فالواجب عَلَى اَلْمُسْلِم أن يصبر عِنْد المصيبة وَيَقُولُ: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويثني عَلَى الله ويحبس نفسه عن الجزع ويحبس لسانه عَنْ التشكي، ويحبس لسانه عما يغضب الله؛ حَتَّى تكون المصيبة في حقه نعمة، وَحَتَّى ينال ثناء الله في قوله: أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة/157].
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: إِذَا تسخط صار آثمًا؛ لَكِن إِذَا صبر صارت في خير نعمه، يَعْنِي كفرت السيئات، لَكِن إِذَا حصل بَعْدَ ذَلِكَ ثناء عَلَى الله والتسليم له، وحسن الظن بِهِ، زادت الدرجات ورفعة.
(المتن)
(الشرح)
عُظم الجزاء.
(المتن)
(الشرح)
نعم صحيح ما تولد من البلاء من الصبر والاحتساب والثناء عَلَى الله يثاب.
(المتن)
قوله: وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ وفي الحديث: " سئل النبي ﷺ أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ رواه الدارمي وابن ماجه والترمذي وصححه.
قوله: فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا أي من الله وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ كذلك.
فيه مسائل.
(الشرح)
نعم مَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا الجزاء من جنس العمل، من رضي وصبر واحتسب فله الرضا من الله، وَمَنْ سَخِطَ وتجزع وأساء الظن بالله فعليه السخط.
الطالب: الفقر والمرض من الابتلاء؟.
الشيخ: الابتلاء يكون بالفقر ويكون بالمرض ويكون بمصائب وفقد الأحبة.
الطالب: المعاصي ما تكون من الابتلاء؟.
الشيخ: يبتلى الإنسان بالمعاصي لَكِن دواءها التوبة، المصائب علاجها الصبر والاحتساب، والمعاصي دواؤها التوبة أن تتوب من المعصية، كذلك ظلم النَّاس يتوب إِلَى الله ويرد المظالم إِلَى أهلها، إِذَا ظلم النَّاس في أموالهم وفي اعراضهم يتوب إِلَى الله ويرد المظالم إِلَى أهلها، وظلم النفس فيما بينه وبين الله يتوب إِلَى الله .
(المتن)
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية التغابن.
(الشرح)
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن/11].
(المتن)
الثانية: أن هذا من الإيمان بالله.
الثالثة: الطعن في النسب.
(الشرح)
أَنَّهُ من أخلاق الجاهلية الباقية في هَذِهِ الأمة، من خصال الجاهلية.
(المتن)
(الشرح)
وَهَذَا من الكبائر لِأَنَّ النَّبِيّ قَالَ: لَيْسَ مِنَّا.
(المتن)
(الشرح)
نعم إِذَا أراد الله بعبده خيرًا عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه ذنبه حَتَّى يؤخذ بِهِ يوم القيامة، فمن علامة إرادة الله للعبد الخير أن تعجل له المصائب حَتَّى تكفر السيئات وترفع الدرجات، ومن علامة أن الله لا يريد بِهِ خيرًا يمسك عنه بذنبه، فلا يزال يتمادى في الذنوب ولا تَأْتِيَ مصائب تكفرها، فَإِذَا ورد يوم القيامة وجد أسباب العذاب والهلاك متوفرة، ولا حول ولا قوة إِلَّا الله.
(المتن)
(الشرح)
نعم أن يمسك عنه بذنبه حَتَّى يوفي به يوم القيامة ولا يكفر عنه في الدنيا.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ ماذا قَالَ في الحديث؟.
الطالب: قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
الشيخ: إي نعم هَذَا داخل في عموم القدر في الآية الأخرى قَالَ: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن/10].
هنا أضيف إِلَى الله لِأَنَّ الله هُوَ الخالق للخير والشر، وفي الآية ما نسب الشر إِلَى الله؛ لِأَنَّ الله تعالى لا ينسب إليه الشر وإن كَانَ يدخل في عموم القضاء والقدر؛ لَكِن في هَذَا بيان القدر وأن كُلّ شيء مقدر؛ لِأَنَّ الله له الحكمة البالغة.
والمراد بالإرادة هنا الإرادة الكونية القدرية، ليست الإرادة الدينية الشرعية.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: أفعال الله كلها خير ورحمة وحكمة؛ لِأَنَّهَا مبنية عَلَى الحكمة، وَأَمَّا الشِّرْك فَهُوَ بالنسبة للعبد نسبي؛ لِأَنَّ العبد هُوَ الَّذِي باشر المعصية وباشر الكفر، فكان سبب في ضرره وهلاكه، وَالَّذِي ينسب إِلَى الله في خلق الكفر وخلق المعاصي، هذا الخلق هو الخلق مبني عَلَى الحكمة، من الحكم في خلق الله المعاصي والكفر، وجود العبودية المتنوعة، عبودية التوبة، عبودية الولاء والبراء، عبودية الصبر، عبودية الجهاد في سبيل الله، عبودية الْأَمْرِ بالمعروف والنهي عَنْ المنكر، عبودية الدعوة إِلَى الله، هَذِهِ العبوديات من أين نشأت الَّتِي هِيَ محبوبة لله؟ من خلق الله للكفر والمعاصي.
إذن الَّذِي ينسب إِلَى الله الخلق خلق الكفر والمعصية، الخلق مبني عَلَى الحكمة؛ وَالَّذِي ينسب إِلَى العبد ما هُوَ؟ مباشرتها وفعلها، فَإِذًا خلق الكفر والمعاصي بالنسبة إِلَى الله خير؛ لِأَنَّهُ مبني عَلَى الحكمة، وبالنسبة للعبد شر؛ الَّذِي فعله هَذَا معناه، فَهِيَ خير بالنسبة إِلَى الله وشر بالنسبة للعبد الَّذِي باشر.
الطالب: هل يتمنى الرجل أن يبتلى في الدنيا من أجل تعجيل العقوبة؟.
الشيخ: يسأل ربه العافية، فَإِن جاءه صبر، لَكِن يسأل ربه العافية، كما قَالَ النَّبِيّ في الجهاد: لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا؛ ولما رأى النَّبِيّ رجلاً اشتد عَلَيْهِ المرض حَتَّى صار مثل الفرخ، جاءه النَّبِيّ يعوده فَقَالَ: هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: سُبْحَانَ اللهِ لَا تُطِيقُهُ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ أو كما قَالَ عَلَيْهِ الصلاة والسلام، لا ينبغي للإنسان يسأل ربه العافية فَإِذَا ابتلي عَلَيْهِ بالصبر.
(المتن)
(الشرح)
نعم أن من علامة الحب أَنَّهُ يعجل له المصائب حَتَّى يكفر عنه السيئات، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ بهذا الذنب.
(المتن)
(الشرح)
نعم لا يجوز يستخط في قضاء الله وقدره؛ لِأَنَّهُ من الكبائر.
(المتن)
(الشرح)
نعم ثواب الرضا بالبلاء وأن من رضي بالبلاء أثابه الله عَلَيْهِ، الواجب الصبر عَلَى البلاء؛ وَأَمَّا الرضا فَهُوَ مستحب، كونه يرضى بالمصيبة هَذَا مستحب، كونه يصبر بمعنى أَنَّهُ لا يجزع ويصبر نفسه يحبس نفسه عَنْ الجزع ولسانه عَنْ التشكي هَذَا واجب، وكونه بَعْدَ ذَلِكَ يرضى بالمصيبة هَذَا أجر وثواب، وكونه يعتبرها نعمة هَذَا مقام الخلص.
فَالنَّاس ثلاث أو أربعة طبقات إِذَا حصلت المصيبة:
الطبقه الأولى: الجازعون؛ الَّذِينَ يجزعون ويتسخطون، هؤلاء حصلوا عَلَى الوزر.
الطبقه الثانية: الصابرون، يصبر عَلَى البلاء فلا يتسخط ويحبس لسانه عَنْ التشكي ونفسه عَنْ الجزع، هَذَا هُوَ المثاب تكفر درجته.
الطبقه الثالثة: الراضون بالمصيبة، يرضى بها؛ لِأَنَّهُ موافق لربه ويعلم أن الخير فيما اختاره الله، فَهُوَ يرضى بها مطمئن؛ لِأَنَّ فِيهَا تكفير السيئات ورفع للدرجات.
الطبقه الرابعة: من النَّاس من يعتبرها نعمة من النعم، يعتبر المصيبة نعمة، فلا فرق بينها وبين العافية والمرض، وبين المصيبة وعدم المصيبة، كلها في حقه يشكر الله عليها، لما يعلم من الثواب العظيم للشاكرين والصابرين، هؤلاء الخلص من عباد الله وهم قلة.
المتن: