بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ: عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى في "قرة عيون الموحدين".
(المتن)
قوله: باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله.
فيه إشارة إلى قوله تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب/67].
قوله: وقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله ﷺ وتقولون: قال أبو بكر وعمر.
وقال أيضًا: أُراهم سيهلكون، أقول: قال رسول الله ﷺ ويقولون: قال أبو بكر وعمر.
وفي صحيح مسلمٍ عن ابن أبي مليكة: أن عروة بن الزبير قال لرجل من أصحاب رسول الله ﷺ: يأمر الناس بالعمرة في هذا العشر وليس فيها عمرة، فقال عروة: فإن أبا بكر وعمر لم يفعلا ذلك، فقال الرجل: من هاهنا هلكتم، ما أُرى الله إلا سيعذبكم، أحدثكم عن رسول الله ﷺ وتخبروني بأبي بكر وعمر!.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
(الشرح)
من استبانت له، يعني: وضحت له سنة الرسول لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائنًا من كان، هذا قول عظيم من الشافعي، (أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد) حَتَّى لو كان القول لأبي بكر أو لعمر.
(المتن)
وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى : ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، يعني محمد ﷺ.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويدع غير النبي ﷺ.
(الشرح)
يُدع يعني: يُترك.
(المتن)
قوله: وقال الإمام أحمد بن حنبل: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور/63]؛ أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.
قال الإمام أحمد: نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول ﷺ في ثلاثة وثلاثين موضعًا، ثم جعل يتلو: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور/63].
وسفيان هو الثوري الإمام الزاهد العابد الثقة الفقيه وكان له أصحاب يأخذون عنه ومذهبه مشهور، وقد عمت البلوى بهذا المنكر الذي أنكره الإمام أحمد خصوصًا فيمن ينتسب إلى العلم والإفتاء والتدريس، وزعموا أنه لا يأخذ بأدلة الكتاب والسنة إلا المجتهد، والاجتهاد قد انقطع، وقد أخطئوا في ذلك.
وقد استدل الإمام أحمد رحمه الله تعالى بقوله ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ألا أن الاجتهاد لا ينقطع.
وحكى ابن عبد البر الإجماع على أن المقلد لا يكون من أهل العلم، والأئمة لم يقصروا في البيان بل نهوا عن تقليدهم إذا استبانت السنة.
قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا جاء الحديث عن رسول الله ﷺ فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين فنحن رجال وهم رجال.
وقال: إذا قلت قولًا وكتاب الله يخالفه فاتركوا قولي لكتاب الله تعالى، قيل: إذا كان قول رسول الله ﷺ يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لخبر رسول الله ﷺ، قيل: إذا كان قول الصحابة يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لقول الصحابة.
وتقدم كلام الإمامين مالك والشافعي، فعلى من اشتغل بمصنفات أهل مذهبه أن ينظر في أقوال المخالفين وما استدلوا به فيكون متبعًا للدليل مع من كان معه وبالله التوفيق.
قوله عن " عدي بن حاتم: أنه سمع النبي ﷺ يقرأ هذه الآية: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة/31]؛ الآية فقلت: إنا لسنا نعبدهم قال: أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ، وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتُحِلُّونَهُ؟ فقلت: بلى. قال: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ رواه أحمد، والترمذي وحسنه.
قوله: عن عدي بن حاتم أي الطائي المشهور بالسخاء والكرم، قدم عدي على رسول الله ﷺ في شعبان سنة تسع من الهجرة فأسلم وعاش مائة وعشرين سنة، وقد أشار المصنف رحمه الله تعالى بترجمة الباب إلى هذا الحديث وما في معناه، وفيه دليل على أن طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله عبادة لهم من دون الله.
قال شيخنا في المسائل: فتغيرت الأحوال وآلت إلى هذه الغاية فصار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال ويسمونها الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه، ثم تغيرت الحال إلى أن عبد من ليس من الصالحين وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين.
وعن زياد بن حدير قال: قال لي عمر: "هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين" رواه الدارمي.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية النور.
(الشرح)
وهي: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور/63]؛ للوعيد الشديد، خالف امر النبي ﷺ.
(المتن)
(الشرح)
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة/31]؛ وأن هذا ليست خاصة باليهود والنصارى، عامة.
(المتن)
(الشرح)
عبادة عامة ليست خاصة بالركوع والسجود، الطاعة في التحليل والتحريم عبادة.
(المتن)
(الشرح)
وهو مَن هم؟ أبو بكر وعمر أفضل الناس بعد الأنبياء، ومع ذلك لا يجوز الأخذ بقولهم إذا خالف السنة، أما إذا لم يكن هناك سنة فكما قال النبي ﷺ: عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وكذلك سفيان عالم فاضل محدث ومع ذلك إذا خالف قوله الكتاب والسنة لا يؤخذ بقوله.
(المتن)
(الشرح)
لا حول ولا قوة الا بالله تغير الأحوال، وصارت طاعة الأحبار هي العلم، ثم عُبدوا من دون الله ثم عُبد الجاهلون.