بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمدٍ وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْدَ: ...
(المتن)
قَالَ الشيخ عبد الرحمن بْن حسن رحمه الله تعالى :
قوله: "باب قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء/60]. الآية.
قال العماد ابن كثير: والآية ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت ها هنا، وكل من عبد شيئًا دون الله بأي نوع كان من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة فإنما عبد الطاغوت، فإن كان المعبود صالحًا كانت عبادة العابد له واقعة على الشيطان الذي أمره بعبادته وزينها له كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ/41].
(الشرح)
يَعْنِي صارت عبادتهم للجن الكفار، وليس للملائكة وإن كَانُوا يزعمون أَنَّهُمْ يعبدون الملائكة،(.....) الأنبياء والملائكة لا يرضون وتكون عبادتهم واقعة للشيطان.
(المتن)
وقال تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ [يونس/28].
والآية بعدها، وإن كان ممن يدعو إلى عبادة نفسه كالطواغيت، أو كان شجرًا أو حجرًا أو قبرًا كاللات والعزى ومناة وغير ذلك، مما كان يتخذه المشركون لهم أصنامًا على صور الصالحين والملائكة أو غير ذلك فهي من الطاغوت الذي أمر الله عباده أن يكفروا بعبادته ويتبرءوا منه، ومن عبادة كل معبود سوى الله كائنًا من كَان.
(الشرح)
إِذَا كَانَ يعبد شجر أو حجر أو شخص كافر يدعوا إِلَى عبادة نفسه هَذَا طاغوت؛ يَجِبُ الكفر بِهِ، والكفر بمعنى البراءة منه ومن عبادته، وإنكار عبادته ونفيها، وبغضه وعداوته، وَهَذَا هُوَ الكفر بالطاغوت.
(المتن)
فالتوحيد هو الكفر بكل ما عبد من دون الله كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف/26-27].الآية، فلم يستثن من كل معبود إلا الذي فطره ، وهذا معنى لا إله إلا الله كما تقدم وكما في قوله: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ؛ إلى قوله: حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة/4].
وكذلك من خالف حكم الله ورسوله بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله أو مع الجهل بذلك، أو طلب ذلك أن يتبع عليه أو أطاعه فيما لا يعلم أنه حق إذا كان المطيع له لا يبالي أكان أمره حقا أم لا، فهو طاغوت بلا ريب كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء/60]؛ لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد كما في آية البقرة، فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن قد نفى ما نفته لا إله إلا الله.
(الشرح)
نعم والركن الثاني الإيمان بالله.
التوحيد له ركنان:
الركن الأول: الكفر بالطاغوت.
الركن الثاني: الإيمان بالله.
قَالَ تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة/256].
وكلمة التوحيد فِيهَا الركنان:
الأول: لا إله هَذَا الركن الأول هَذَا الكفر بالطاغوت.
الثاني: إِلَّا الله هَذَا الإيمان بالله الركن الثاني.
لا يحصل التوحيد إِلَّا بهذين الأمرين الركنين الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، فمن زعم أَنَّهُ عبد الله لكنه لا يكفر الْمُشْرِكِينَ ولا يتبرأ من دينهم فَلَيْسَ بمؤمن ولو كَانَ يزعم أَنَّهُ مؤمن، يعبد الله ويصلي ويصوم ولكنه ما يكفر الْمُشْرِكِينَ، ما كفر بالطاغوت؛ لَابُدَّ أن يكفر الْمُشْرِكِينَ ويعتقد أَنَّهُمْ كفار وَأَنَّهُمْ عَلَى دين باطل؛ حَتَّى يحصل الركن الثاني.
(المتن)
قوله: وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً أي بعيدا عن الهدى ففي هذه الآية أربعه أمور:
الأول: أنه من إرادة الشيطان.
(الشرح)
وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ نعم.
(المتن)
(الشرح)
أَنْ يُضِلَّهُمْ نعم.
(المتن)
الثالث: تأكيده بالمصدر.
الرابع: وصفه بالبعد عن سبيل الحق والهدى.
فسبحان الله ما أعظم هذا القرآن وما أنفعه لمن تدبره، وما أبلغه وما أدله على أنه كلام رب العالمين أوحاه إلى رسوله الكريم، وبلغه عبده الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.