شعار الموقع

قرة عيون الموحدين 36 باب قول ما شاء الله وشئت

00:00
00:00
تحميل
76

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمدٍ وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْد: ...

(المتن)

قَالَ الشيخ عبد الرحمن بْن حسن رحمه الله تعالى في قرة عيون الموحدين:

قوله: باب قول ما شاء الله وشئت

قوله: "قتيلة" بمثناة مصغرة، بنت صيفي الأنصارية صحابية مهاجرة لها حديث في سنن النسائي، وهو المذكور في الباب، رواه عنها عبد الله بن يسار الجعفي، وفيه قبول الحق ممن جاء بِهِ.

(الشرح)

الحق يقبل (قبول الْحَقّ ) من اليهود والنصارى كلهم قَالُوا: ما شاء الله وشئت، (.....) عَلَى ما شاء الله وشئت أنكروا عَلَى الطفيل، هَذَا يقبل الْحَقّ يقبل ولو من اليهود، جاء حَقّ من اليهود نقبله من النصارى نقبله، من الشيطان، الشيطان الَّذِي قَالَ لأبي هريرة: أعلمك كلمات ينفعك الله بها، لما جاءه وقد وكله النَّبِيّ عَلَى الزَّكَاة(.....)   الطعام، فَقَالَ: اتركني وأعلمك كلمات ينفعك الله بها، إِذَا أويت إِلَى فراشك فاقرأ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، فَإِنَّهُ لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان؛ حَتَّى تصبح، فَلَمَّا ذكر ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ، قال زعم انه يعلمني كلمات، قَالَ: لَقَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ.

هَذَه كلمة حَقّ نقبلها من الشيطان، كلمة حَقّ نقبلها من اليهود ونقبلها من النصارى، وَهِيَ ألا نقول: ما شاء الله وشئت، فالحق يقبل ممن جاء بِهِ.

(المتن)

وفيه بيان النهي عن الحلف بالكعبة وغيرها مع أنها بيت الله التي حجها وقصدها بالحج والعمرة فريضة، وأنت ترى ما وقع مما يخالف ذلك من الحلف بالكعبة ودعائها وكذا مقام إبراهيم، وقلّ من يسلم من هذا ممن يحج من أهل الآفاق وأهل مكة كما كان يفعل بغيرها، والكعبة عظمها الله بأن جعل حجها ركنا على من استطاع، وشرع العبادة عندها، وخصها بالفضل، فالمشروع إنما هو الطواف بها والصلاة إليها لا الحلف بها ونحوه من الشرك في العبادة: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ [البقرة/59].

قوله: "إنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشئت " والعبد وإن كانت له مشيئة فمشيئته تابعة لمشيئة الله كما قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الإنسان/30].

وفي هذه الآية والحديث الرد على القدرية والمعتزلة نفاة القدر الذين يثبتون للعبد مشيئة تخالف ما أراده الله من العبد وما شاءه.

(الشرح)

لِأَنَّ القدرية والمعتزلة يعتقدون أن الإنسان يخلق فعل نفسه استقلالًا، لشبة عرضت لهم،  قَالُوا: لو قُلْنَا إن الله يخلق المعصية ويعذب عليها لكان ظالمًا، فرارًا من هَذَا قَالُوا: العبد هُوَ الَّذِي يخلق المعصية وله مشيئة مستقلة عَنْ مشيئة الله، وَهَذَا من أبطل الباطل، هم فروا من المشيئة ووقعوا في شر منها، لزمه أن يقع في ملكه ما لا يريد، ولزمه أن مشيئة العبد تغلب مشيئة الله نسأل الله العافية نعوذ بالله من هَذَا، فهذا من أبطل الباطل، والقدرة هم المعتزلة هم قدرية في الأفعال معتزلة في الصفات.

(المتن)

وقد قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر/49].

وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [الفرقان/2].

وفي الحديث: أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يوم القيامة وهو في الصحيحين وغيرهما.

قوله: وله أَيْضًا عن ابن عباس« أن رجلا قال للنبي ﷺ ما شاء الله وشئت فقال: أَجَعَلْتَنِي لله ندا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ.

هذا يبين ما تقدم من أن هذا شرك؛ لأن المعطوف بالواو يساوي المعطوف بالمعطوف عليه؛ لأن الواو وضعت لمطلق الجمع، فلا يجوز أن يجعل المخلوق مثل الخالق في شيء من الإلهية والربوبية ولو في أقل شيء كما تقدم في الرجلين اللذين قرب أحدهما ذبابا للصنم فدخل النار، وفيه أن النبي ﷺ حَمَى حِمَى التوحيد وسد طرق الشرك في الأقوال والأعمال.

قوله: ولابن ماجه عن الطفيل أخي عائشة لأمها قالت: "رأيت كأني أتيت عَلَى نفر من اليهود، فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله. قالوا: وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله. قالوا: وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي ﷺ فأخبرته. قال: هَلْ أَخْبَرْتَ بِهَا أَحَدًا؟ قلت: نعم. قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ فإِنَّ طُفَيْلًا رَأَى رُؤْيَا فَأَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ مِنْكُمْ، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ، وَشَاءَ مُحَمَّدٌ ، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده .

قوله: "عن الطفيل " هو الطفيل بن عبد الله بن سخبرة أخو عائشة لأمها له حديث عند ابن ماجه وهو ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في الباب، وهذه الرؤيا حق أقرها رسول الله ﷺ وعمل بمقتضاها فنهاهم أن يقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، وأمرهم أن يقولوا: ما شاء الله وحده. وقد بلغ ﷺ البلاغ المبين وأنذر عن الشرك وحذر عن قليله وكثيره، فانظر إلى ما وقع من الشرك العظيم في هذه الأمة ينادون الميت من مسافة شهر أو شهرين أو أكثر، ويعتقدون فيه أنه ينفع ويضر ويسمع ويستجيب من تلك المسافة.

وجعلوا الأموات شركاء لله في الملك والتدبير وعلم الغيب وغير ذلك من خصائص الربوبية.

(الشرح)

هَذَا هُوَ الشِّرْك في الربوبية، جعلوا الأموات شركاء لله في الملك والتدبير هَذَا من شِرْكٌ الربوبية أعظم من الشِّرْك في الإلوهية.

(المتن)

 وتركوا نبيهم وما جاء به وقاله وما نهى عنه ﷺ كأنهم لم يسمعوا كتابًا ولا سنة، وقد بعثه الله بالنهي عن الشرك كما ترى، فما زال يدعو الناس إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له حتى أكمل الله لهم به الدين وأتم عليهم النعمة، لكن رجعوا من الكمال إلى الضلال ومن سبيل النجاة إلى سبيل الهلاك، وهذه وإن كانت رؤيا منام فقد أقرها رسول الله ﷺ وأخبر أنها حَقّ.

(الشرح)

وَفِيهِ دليل عَلَى الرؤيا قَدْ تكون سبب في التشريع، قَالَ: وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا، جاء في رواية: أن الَّذِي منعه الحياء وَهَذَا قبل أن يؤمر عَلَيْهِ السلام، كَانَ يمنعه الحياء، فَلَمَّا شرع الله النهي عَنْ ذَلِكَ لَمْ يمنعه الحياء.

(المتن)

فيه مسائل:

الأولى: معرفة اليهود بالشرك الأصغر.

(الشرح)

نعم كيف عرفوا الشِّرْك الأصغر وَلَمْ يفطنوا إلى ما هم عَلَيْهِ من الشِّرْك الأكبر، وَكَذَلِكَ النصارى، يَدُلّ عَلَى أن الإنسان يرى العيب الصغير في أخيه ولا يرى العيب الكبير في نفسه، هم الآن ينكرون عَلَى الْمُسْلِمِين الشِّرْك الأصغر، وهم وقعوا في الشِّرْك الأكبر، وَكَذَلِكَ النصارى.

(المتن)

الثانية: فهم الإنسان إذا كان له هوى.

(الشرح)

نعم له هُوَى فهموا هَذَا فالمسألة سهلة بالنسبة إليهم، لَكِن لما كَانَ لهم هوى عَلَى الْمُسْلِمِين ففهموا هَذِهِ المسألة الدقيقة، قضية بالنسبة إليهم، ولما صاروا ينكر عليهم (.....) يقولون عزير ابن الله فهموا راح يلتمسون الأشياء الدقيقة؛ حَتَّى ينكر عَلَيْهِمْ.

(المتن)

الثالثة: قوله ﷺ أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ فكيف بمن قال:

مالي مَن ألوذُ به سواك

والبيتين بعده؟

(الشرح)

نعم جعل هَذَا من الشِّرْك، فكيف بمن وقع في الشِّرْك الأكبر قول البوصيري:

يَا أَكْرَمَ الخَلقِ مَا لي مَن أَلُوذُ به سِواكَ عند حُلولِ الحَادِثِ العَممِ
إِنْ لَم تَكُنْ آخِذًا يَوْمَ الْمَعَاِد يَدِي عَفْوًا وَإِلَّا فَقُل: يَا زَلَّةَ الْقَدَمِ

يَعْنِي يَقُولُ: إن لَمْ تأخذ بيدي يا رسول الله فَإِن هالك نسي ربه، الحادث العمم حادث البعث والحساب، وفي يوم القيامة إِذَا لَمْ تأخذ بيدي فَإِن هالك نسي ربه، نسأل الله العافية.

ثُمَّ قَالَ البيت الَّذِي بعده:

" فَإِن من جودك " يخاطب الرسول " فَإِن من جودك الدنيا وضرتها " ضرتها الآخرة " ومن علومك علم اللوح والقلم " إيش بقي الله؟! إِذَا كان الرسول يملك الدنيا والآخرة ويعلم علم اللوح والقلم ما بقي شيء، نسأل الله السلامة والعافية نعوذ بالله من الغلو.

(المتن)

الرابعة: أن هذا ليس من الشرك الأكبر، لقوله: يمنعني كذا وكذا.

(الشرح)

نعم من الشرك الأصغر لو كَانَ من الشِّرْك الأكبر لا يمكن يمنعه شيء؛ لِأَنَّهُ بعث ﷺ بالتوحيد وينهى عَنْ الشِّرْك.

(المتن)

الخامسة: أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي.

(الشرح)

الرؤيا الصالحة جاء في الحديث جزء من اثنين وسبعين جزءًا من النبوة، وفي بعضها أَيْضًا زيادة أكثر من هَذَا، وَلَكِن بَعْضُهُمْ قَالَ عَلَى هَذَا الحديث: الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، قَالَ: إن نبوة النَّبِيّ ﷺ ثلاثًا وعشرين سنة، ومنها ستة أشهر الرؤيا كَانَ من ربيع إِلَى رمضان، لا يرى رؤيًا إِلَّا وقعت مثل فلق الصبح؛ ثُمَّ فاجئه الْحَقّ في رمضان في غار حراء، ومن ربيع إِلَى رمضان كم؟ ستة أشهر، ومن الستة أشهر إِلَى ثلاث وعشرين سنة يكون جزء من ستٍ وأربعين جزءًا من النبوة.

(المتن)

السادسة انها قد تكون سببًا لشرع بعض الأحكام.

(الشرح)

نعم كما في هَذَا الحديث، أبي هريرة كَانَ سببًا في شرع هَذَا الحكم والنهي عَنْ قول: ما شاء الله وشئت.

باب من سب الدهر فقد آذى الله.

بركة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد