بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ: عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى في "قرة عيون الموحدين".
(المتن)
قوله: باب من سب الدهر فقد آذى الله. وقول الله تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ [الجاثية/24] الاية.
قال العماد ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى عن دهرية الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد، وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا[الجاثية/24]؛ أي ما تم إلا هذه الدار يموت قوم ويعيش آخرون ولا ثم معاد ولا قيامة، وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم وهم ينكرون البداءة والرجعة، ولهذا قال عنهم: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ قال سبحانه: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ [الجاثية/24]؛ أي يتوهمون ويتخيلون.
قوله: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: قَالَ اللَّهُ : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
وفي رواية: لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ.
قال في شرح السنة: حديث متفق على صحته أخرجاه من طريق معمر من أوجه عن أبي هريرة قال: ومعناه أن العرب كانت من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل؛ لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها، فكان مرجع سبها إلى الله ، إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يصفونها فنهوا عن سب الدهر، انتهى باختصار.
ونسبة الفعل إلى الدهر ومسبته كثيرة في أشعار المولدين كابن المعتز والمتنبي وغيرهما.
وليس منه وصف السنين بالشدة لقوله تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ [يوسف/48]؛ الآية.
(الشرح)
يعني: يسبون الدهر في أشعارهم.
(المتن)
(الشرح)
قال بعضهم:
عَضَّنا الدَّهْرُ بِنابِه | لَيْت ما حَلَّ بِنا بِهِ |
هذا من الجناس أن يوافق الشطر الأول الشطر الثاني والمعنى مختلف، عضنا الدهر بنابه؛ فصور الدهر كأنه حيوان له ناب، ثم قال: ليت ما حل بنا به، ليت الذي حل بنا حل به هو، هذا سب للدهر، هذا ومن قولهم: الدهر الخئؤون (.....)، هذا كله من سب للدهر.
فالدهر مسخر، الدهر هو الزمان وهو الليل والنهار، مسير ومدبر، السب يعود إلى الفاعل والفاعل هو الله.
يقول الله تعالى عن يوسف: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ [يوسف/48]؛ يومٌ شديد الحر، يومٌ شديد البرد وليس هذا من سب الدهر. كما قال رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [ال عمران/117] وهذا ليس من سب الدهر. وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ [هود/77]؛ في قصة هود.
(المتن)
قال بعض الشعراء:
إِن اللياليَ للأنامِ مناهل | تُطوَى وتُنْشَرُ دونَها الأعمارُ |
فقِصارُهن مع الهُموم طويلةٌ | وطِوالهنَ مع السُّرورِ قصارُ |
وقال أبو تمام:
أعوَامَ وَصْلٍ كانَ يُنْسِي طُولَها | ذكْرُ النَّوَى ، فكأنَّهَا أيَّامُ |
مَّ انْبَرَتْ أَيَّامُ هَجْرٍ أَردَفَتْ | بِجَوى ً أَسى ً |
ثمَّ انقضتْ تلك السنونُ وأهلُها | فكأنَّها وكأنَّهُمْ أحلامُ |
(الشرح)
يقول: الحال أن أيام السرور تكون قصيرة، وأيام الحزن تكون طويلة.
(المتن)
فيه مسائل:
الأولى: النهي عن سب الدهر.
(الشرح)
لاشك، لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ صريح فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ. التحذير عن سب الدهر.
(المتن)
(الشرح)
كما قال الله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب/57].
(المتن)
(الشرح)
يعني: خالق الدهر ومصرف الدهر ومدبر الدهر، تقدير المحذوف دل عليه الحديث الآخر، الاحاديث تفسر بعضها بعضا.
(المتن)
(الشرح)
بلسانه إذا كان سب، وإذا قصده بقلبه يكون أشد.
بركة.