بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ: عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى في "قرة عيون الموحدين".
(المتن)
قوله: " ما جاء في قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي [فصلت/50]. الآية.
ذكر المصنف رحمه الله تعالى عن ابن عباس وغيره من المفسرين في هذه الآية ما يكفي ويشفي في المعنى قال: قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به، وقال ابن عباس: يريد من عندي.
وقوله: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص/78].
قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب. وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل، وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف.
(الشرح)
كلها تدور على شيءٍ واحد وهو أنهم جحدوا نعمة الله ولم ينسبوها إليه، ونسبوها إلى أنفسهم.
(المتن)
وليس ما ذكروه اختلافا وإنما هو أفراد المعنى.
قوله: وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا... الحديث.
وهذا حديث عظيم يبين حال من كفر النعم وحال من شكرها، قال ابن القيم: أصل الشكر هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة، فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلًا بها لم يشكرها، ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها أيضًا، ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمة المنعم عليه بها فقد كفرها، ومن عرف النعمة والمنعم وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه ويرضى به وعنه لم يشكرها أيضًا، ومن عرفها وعرف المنعم بها وأقر بها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضي عنه واستعملها في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها، فلابد في الشكر من علم القلب وعمل يتبع العلم.
(الشرح)
يعني يعلم بقلبه أن هذه نعمة، ويعلم أن الله هو المنعم بها والمتفضل، ولابد من محبة الله ورضاه، ولابد من صرفها في مراضي الله ومحابه.
(المتن)
فلا بد في الشكر من علم القلب وعمل يتبع العلم وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له، انتهى.
قوله: قَذِرَنِي النَّاسُ بِهِ أي بكراهة رؤيته وقربه منهم.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير الآية.
(الشرح)
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي [فصلت/50]؛ فسرها بما قال السلف فسرها بأنها جحود النعمة ونسبتها إلى النفس.
(المتن)
(الشرح)
يعني: كسبته بجهدي، وقوتي، وحفظي، وجحد أن الله هو المتفضل والمنعم وهو الذي يسر وسهل.
(المتن)
(الشرح)
على علمٍ مني بوجوه المكاسب، يعني: أني له أهل وأني مستحق له، وأني محقوقٌ به.
(المتن)
(الشرح)
كما سبق، فيها عبر عظيمة وأن أكثر الناس ليس شاكرًا، وعقوبة من جحد نعمة الله في الدنيا قبل الآخر وأنه قد يُعاقب، ولهذا دعا عليهم الملك قال: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
كما أن الله استجاب دعاءه فقال: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيهَا فصار فيها بركة.
وكذلك الأقرع والأبرص استجابا الله الدعاء فعادا إلى ما كان، دعا لهم أولًا بالبركة.
فَأُعْطِيَ هَذَا نَاقَةً عُشَرَاءَ وهذا بَقَرَةً حَامِلًا ودعا لهم بالبركة فاستجاب الله دعائه فصار لهذا عدد كثير من الإبل ولهذا عدد كثير من البقر، ولهذا عدد كثير من الغنم، ثم لما جحدا نعمة الله دعا عليهم، فالله استجاب دعائه عليهم، وأن الأبرص عاد أبرص فقير، والأقرع عاد أقرع فقير ولا حول ولا قوة إلا بالله، عقوبة في الدنيا قبل الآخرة.
هذا دليل على العبرة وأن هذا ليس خاصٌ بهم، لمن سيأخذ العبرة والعظة، وهذه قصة حصلت لهم ولكن ليست خاصة بهم، كما قال الله: وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد/10].
فمن فعل مثل فعلهم أصابه ما أصابهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأصحاب الجنة الذين أقسموا ليصرمنها مصبحين: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ [القلم/19-20]، تواصوا يتخافتون أن يمنعوا الفقراء فطاف عليها طائفٌ من ربك فأصبحت كالصريم ولا حول ولا قوة إلا بالله ؛ لأنهم منعوا الفقراء حقوقهم فدمرها الله عليهم.
بركة.