بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمدٍ وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْدَ: ...
(المتن)
قَالَ الشيخ عبد الرحمن بْن حسن رحمه الله تعالى في قرة عيون الموحدين:
قوله: "باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في معنى هذه الآية: حدثنا عبد الصمد قال: حدثنا عمر بن إبراهيم قال: حدثنا قتادة " عن الحسن " عن سمرة عن النبي ﷺ قال: لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ، وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَإِنَّهُ يَعِيشُ، فَسَمَّوْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَعَاشَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ، وَأَمْرِهِ.
(الشرح)
وَهَذِهِ رواية الحسن عَنْ سمرة فِيهَا كلام لأهل العلم، فِيهَا ثلاثة أقوال لأهل العلم:
قِيلَ: إن الحسن لَمْ يسمع عَنْ سمره (قِيلَ: لَمْ يسمع منه مطلقًا).
وقِيلَ: سمع منه (.....) حديث العقيقة فقط.
فعلى قولين يكون منقطع والمنقطع ضعيف.
(المتن)
وقال ابن جرير: حدثنا اِبْن وكيع قال: حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف/190].
قال: كان هذا في بعض الملل ولم يكن بآدم .
(الشرح)
يَعْنِي ليست الآية في آدم وَإِنَّمَا في الملل الأخرى، لكنه واضح أَنَّهُ في آدم وحواء، اقرأ الآية بقطع النظر عَنْ الآثار، اقرأ الآية وحدك الآن، اترك الأقوال الَّتِي قيلت وتأمل الآية تجدها في آدم وحواء، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف/189].
ما هِيَ النفس الواحدة؟ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا؛ من هِيَ؟ حواء، لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا؛ آدم فَلَمَّا تَغَشَّاهَا؛ تغشى من؟ آدم تغشى حواء "جامعها" حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ؛ كبر الحمل في بطنها دَعَوَا اللَّهَ؛ دعوا تثنية آدم وحواء رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا؛ يَعْنِي بشرًا مستوي الخلقة لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف/189].
فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا؛ بشرًا سويًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا؛ بأن أسموه عبد الحارث شركاء في التسمية، ثُمَّ انتقل من الشخص إِلَى الجنس إِلَى الذرية فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف/190]؛ هَذِهِ في الذرية.
(المتن)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كانت حواء تلد لآدم عليه الصلاة السلام أولادًا فتعبدهم لله، وتسميه عبد الله وعبيد الله ونحو ذلك فيصيبهم الموت، فأتاها إبليس وآدم فقال: أما إنكما لو تسمّيانه بغير الذي تسيمانه به لعاش فولدت رجلاً فسمياه عبد الحارث ففيه أنزل الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف/189]. إلى آخر الآية ".
قوله: "قال ابن حزم " هو عالم الأندلس أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبي الظاهري صاحب التصانيف توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة وله اثنتان وسبعون سنة.
قوله: "اتفقوا على تحريم كل اسم معبَّد لغير الله كعبد عمرو وعبد الكعبة وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب " وعبد المطلب هذا جد رسول الله ﷺ وهو ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وما فوق عدنان مختلف فيه، ولا ريب أنهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة السلام.
(الشرح)
يَعْنِي بين عدنان وإسماعيل أربعة أجيال أو خمسة اختلفوا فِيهَا؛ لَكِن المقصود أن النَّبِيّ ﷺ من ذرية إسماعيل، محمد بْن حزم هَذَا ظاهري وله رحمه الله له تصانيف " المحلى " مشهور، وله عناية بالحديث، ولكنه رحمه الله يأخذ بالظاهر، وعنده تأويل في العقيدة يوافق المعتزلة، وكَانَ وزيرًا وَمَعَ ذَلِكَ اشتغل بالعلم، وَلَمْ يطلع إِلَّا متأخر، ومات وَلَمْ يحج رحمه الله، ولهذا كانت له أوهام في الحج، ذكر اِبْن القيم ذكر أوهام العلماء ومنه أوهام محمد بْن حزم، ومنها أَنَّهُ رأى السعي بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطًا وَقَالَ: وهم أبو محمد بْن حزم لِأَنَّهُ لَمْ يحج، فَقَالَ: إن الأشواط أربعة عشر شوطًا، وَهُوَ عالم كبير وَمَعَ ذَلِكَ له أخطاء.
(المتن)
(الشرح)
فكيف يعبدون لغيره؟!
(المتن)
(الشرح)
وَهَذَا هُوَ الغالب الْمُشْرِكِينَ أقروا بالربوبية والأسماء والصفات وأشركوا في العبادة، هُوَ أراد الَّذِي عَلَيْهِ عامة الْمُشْرِكِينَ، مشركي العرب.
(المتن)
وأحكامه القدرية جارية عليهم ولا بد كما قال تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً [مريم/93]. فهذه هي العبودية العامة، وأما العبودية الخاصة فإنها تختص بأهل الإخلاص والطاعة كما قال تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر/36].ونحوها.
قوله: "حاشا عبد المطلب " هذا استثناء من العموم؛ لأنه ليس المقصود منه عبودية الرق، وإنما هو اسم علق به لما أتى به عمه المطلب من عند أخواله بني النجار من المدينة، وهو صبي فرأته قريش حين جاء به وقد تغير لونه من السفر.
(الشرح)
ليس المقصود منه عبودية الرق؛ أو يقال: ليس من التعبيد لغير الله، يَعْنِي ما قصده أَنَّهُ عبدٌ لغير الله، قصده أَنَّهُ عبدٌ له.
(المتن)
(الشرح)
اسم ليس من التعبيد لغير الله؛ لِأَنَّهُ لا حقيقة له، كون الاسم من عبودية الرق ليس بظاهر.
(المتن)
وما جرى له في حفرها مذكور في السير وكتب الحديث وصارت السقاية له وفي ذريته.
قال شيخنا في معنى قوله: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف/190]. إن هذا الشرك بمجرد تسميته لم يقصدا حقيقته التي أرادها إبليس منهما وهذا يزيل الإشكال، وهذا معنى قول قتادة "شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته ".
(الشرح)
قَالَ: ولهما، وَهَذَا رواه عَنْ قتادة الشيخان، عَنْ قتادة أنه قَالَ: شركاء في طاعته وفي عبادته، يَعْنِي شركاء في التسمية أطاعوه في التسمية وليس في العبادة، وَهَذَا يزيد الإشكال، التسمية مجرد تسمية وتكون هَذِهِ معصية مثل الأكل من الشجرة، وليس شِرْكٌ في العبادة.
(المتن)
قال شيخنا في معنى قوله: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف/190].
إن هذا الشرك بمجرد تسميته لم يقصدا حقيقته التي أرادها إبليس منهما.
(الشرح)
مجرد تسمية عبد الحارث، وَلَمْ يقصدا أَنَّهُ عبدٌ له، التعبيد لغير الله، وَإِنَّمَا وقعوا في مجرد التسمية.
الطالب: ما تعليقكم عَلَى أنه ليس المقصود عبودية الرق؟.
الشيخ: يَعْنِي تسمية وليس المقصود التعبيد لغير الله يَعْنِي، ما هُوَ المقصود أن نسمي عبد المطلب أن هَذَا تعبيد لغير الله، وَإِنَّمَا هُوَ (.....) الشمس وَأَنَّهُ عبدًا له وَأَنَّهُ رقيق، فتبين أَنَّهُ التسميه لا حقيقه لها وعرفوا أَنَّ أسمه شيبة الحمد.
(المتن)
قال المؤلف رحمه الله:
فيه مسائل:
الأولى: تحريم كل اسم معبَّد لغير الله.
(الشرح)
وَهَذَا واضح لا شك، كما قَالَ أبو محمد بْن حزم: اتفاق من العلماء عَلَى تحريم كُلّ اسم عبد لغير الله، فلا يعبد لغير الله وَإِنَّمَا يعبد لله،النَّاس عبيد الله، وَعَلَى هَذَا يغير من عبد لغير الله، مثل عبد النَّبِيّ، عبد الكعبة، عبد عمرو كُلّ هَذَا يَجِبُ تغييرها؛ لِأَنَّهُ تعبيد لغير الله.
(المتن)
(الشرح)
تفسير الآية وأنها الآية في آدم وحواء ظاهرها، وآخرها فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف/190]؛
في الذرية انتقل من الشخص إِلَى الجنس، وإن كَانَ يروى عَنْ الحسن أَنَّهُ أنكر هَذَا وَقَالَ: إن هَذَا في الملل وليس في آدم وحواء وَلَكِن ظاهر الآية بقطع النظر عما قِيلَ فِيهَا من الأقوال الَّتِي قيلت إِذَا قرأت الآية تبين لك أَنَّهَا في آدم وحواء.
(المتن)
(الشرح)
نعم مجرد التسمية أوقعاه في التسمية وليس في العبادة.
(المتن)
(الشرح)
لِأَنَّ اسم الولد يشمل الذكر والأنثى، فَإِذَا وهب الله للإنسان مولودا ولو كَانَ أنثى سوي الخلقة يَعْنِي ليس فِيهِ معاق ولا تشويه فهذا من النعم، هَذَا مأخوذ من قوله تعالى: لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا [الأعراف/189]؛ يَعْنِي بشرًا سويًا مستوي الخلقة فهذا من النعم، والولد يشمل الذكر والأنثى، فَإِذَا وهب الله الإنسان أنثى وكانت مستوية الخلقة فَهِيَ من النعم.
(المتن)
(الشرح)
الشِّرْك في العبادة هَذَا لا يجوز هَذَا شِرْكٌ أكبر، وَأَمَّا الشِّرْك في الطاعة في التسمية هَذَا من مجرد التسمية يسمى شِرْكٌ؛ لكنها معصية، معصية ممن المعاصي بحيث وقعا في التسمية.
الطالب: يجوز تسمية الولد قبل الولادة؟.
الشيخ: لا، تكون التسمية في اليوم الأول أو في اليوم السابع، قَالَ النَّبِيّ ﷺ: وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وفي الحديث الآخر: كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُسَمَّى. فيجوز التسمية في اليوم الأول وفي اليوم السابع، أَمَّا قبل لا، ما تدري قبل هَذَا هُوَ ذكر ولا أنثى، لَكِن إِذَا تواطأ هُوَ ووالدته أو هيئوا اسم قبل الولادة يسمونه بَعْدَ الولاة، ويجوز للإنسان أن يتكنى ولو لَمْ يولد له، يتكنى بكنية مثلاً أبو فلان ولو كَانَ لَمْ يتزوج ولو لَمْ يكن له أولاد، لَكِن التسمية كيف يسمى؟ يسمي وَهُوَ في بطن أمه؟ ما يسمى وَهُوَ في بطن أمه، يسمى ما بَعْدَ الولادة.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: معروف هَذَا عَلَى طريقة الأشاعرة رحمه الله؛ لكنه له كلام جيد وافق أهل السُّنَّة، مثله الحافظ اِبْن حجر رحمه الله؛ فَهُوَ عَلَى طريقة الأشاعرة في الأسماء والصفات رحمه الله، لَكِن ما يقال أن الحافظ وَكَذَلِكَ النووي أَنَّهُمْ أشعري صرف، هؤلاء علماء كبار محدثون خدموا السُّنَّة، ونفع الله بمؤلفاتهم هَذِهِ أغلاط في الأسماء والصفات، غلطوا فِيهَا؛ لِأَنَّهُم هكذا نشئوا وظنوا أن هَذَا هُوَ الْحَقّ وَلَمْ يوفقوا لما قاله أهل السُّنَّة والجماعة، عسى الله أن يعفو عنهم، هم علماء كبار، نفعوا الأمة وخدموا السُّنَّة ونفع الله بمؤلفاتهم؛ ليسوا مثل بعض المتكلمين الَّذِينَ ليس لهم أثر ولا نفع للأمة؛ مثل بعض المتكلمين الَّذِينَ ليس لهم إِلَّا العقائد المنحرفة.
(.....): اختلفوا في هَذَا، يَقُولُ: حاشا عبد المطلب فِيهِ كلام، بَعْضُهُمْ أجازه والأقرب المنع.
الطالب:
الشيخ: أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، هَذَا جاء في الحديث، (.....) لَكِن الحديث الَّذِي فِيهِ أحب الأسماء إِلَى الله أو قريب من هَذَا معناه، أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وفي الحديث الآخر: تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ ثابت، أَمَّا أسماء: حرب ومرة فهم كَذَلِكَ أَيْضًا أسماء (.....)لَكِن التسمية بعبد الله وعبد الرحمن ثابت أن هَذَا من أحب الأسماء إِلَى الله، وَكَذَلِكَ التسمية بأسماء الأنبياء.