بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمدٍ وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْد: ...
(المتن)
قَالَ الشيخ عبد الرحمن بْن حسن رحمه الله تعالى في قرة عيون الموحدين:
قوله: "باب ما جاء في كثرة الحلف "، أي من النهي عنه والوعيد.
"وقول الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة/89].
قال ابن جرير: أي لا تتركوها بغير تكفير.
وذكر غيره عن ابن عباس: يريد لا تحلفوا. وقال آخرون: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة/89]. عن الحنث، فلا تحنثوا. والمعنى يعم القولين.
(الشرح)
يَعْنِي احفظوها عَنْ كثرة الحلف وأحفظوها عن الحنث، واحفظوها بالتكفير إِذَا حنثتم، كلها داخلة.
(المتن)
قوله:عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ. أخرجاه أي البخاري ومسلم وأخرجه أبو داود والنسائي.
والمعنى أنه قد يحلف على ثمن السلعة بزيادة على ما اشتريت به أو سيمت به، فيأخذها المشتري لظنه أنه صدق. وهذا وإن كان فيه زيادة فهو يمحق البركة، كما جاء في الحديث، والواقع يشهد بصحته، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وإن تزخرفت الدنيا للعاصي فعاقبتها اضمحلال وذهاب.
(الشرح)
يَعْنِي لكي يدرج سلعته مثلاً يخبر بأنه اشتراها بمائة فيقول: اشتريتها بمائة وعشرين وَهُوَ ما اشتراها إِلَّا بمائة، فيغتر المشتري فيزيد فيأخذها بمائة وأربعون، هَذِهِ الزيادة حرام، أو يَقُولُ: سيمت مائة وَهِيَ سيمت ثمانين، يكذب من أجل أن يبيع سلعته.
أو حَتَّى يخبر بالواقع لكنه يكثر الحلف، والله دخلت عليَّ بكذا، والله ما اشتريتها إِلَّا بكذا، والله النَّاس ما يشترون إِلَّا بكذا ولا يتكلم إِلَّا باليمين حَتَّى يمشي سلعته ولو كَانَ صادقًا هَذَا منهي عنه كثرة الحلف، بعض النَّاس اعتاد هَكذَا، والله ما اشتريت إِلَّا بكذا والله النَّاس ما اشتروا إِلَّا بكذا، والله ما دخلت عليَّ إِلَّا بكذا، والله ما تساب إِلَّا بكذا، والله ماتجدها إِلَّا بكذا وهكذا كُلّ كلامه حلف حَتَّى يمشي سلعته ولو لَمْ يكذب فهذا مأمور بأن يحفظ يمينه وليس له أن يكثر من الحلف.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: نعم ينكر عَلَيْهِ، لا تكثر الحلف ما له داعي، أخبرني قل: هَذِهِ السلعة وَهَذِهِ صفتها كذا من دون حلف.
(المتن)
(الشرح)
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أن هَذَا من الكبائر، لا يُكلِّمُهم اللهُ، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ، هَذَا وعيد يَدُلّ عَلَى أن هَذِهِ الخصال كُلّ خصلة منها من كبائر الذنوب.
(المتن)
(الشرح)
وَهَذِهِ منقبة لهؤلاء الأربعة وَهَذِهِ محبة خاصة وإلا فالله يحب الْمُؤْمِنِينَ كلهم، كُلّ مؤمن يحبه الله، وَلَكِن هؤلاء لهم محبة خاصة.
الطالب: حديث ضعيف.
الشيخ: لو صح تكون منقبة لهم، ضعيف؟.
الطالب: تخريجه قَالَ: أخرجه الترمذي في الجامع من حديث بريدة قَالَ الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إِلَّا من حديث شَرِيك، وشريك هُوَ اِبْن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيرًا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وإسناده ضعيف.
الشيخ: ولو صح يكون معناه محبة خاصة، مثل قول النَّبِيّ ﷺ يوم خيبر: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فتطاول النَّاس لها، ومعلوم أن كُلّ مؤمن يحب الله ورسوله، يحبه الله ورسوله؛ لَكِن كون النَّبِيّ ﷺ ينص عَلَى شخص بعينه أَنَّهُ يحب الله ورسوله هَذِهِ منقبة كونه يسمى بعينه، وَهَذَا السبب كون الصحابة تطاولوا لها، قَالَ عمر: فما أحببت الإمارة إِلَى يومئذٍ؛ من اجل الوصف هذا حَتَّى ينطبق عَلَيْهِ الوصف يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، يَعْنِي ما أريد الإمارة لَكِن لما قَالَ النَّبِيّ هَذِهِ الوصف تطاول النَّاس لها، الكل يَقُولُ: لعلي يعطيني الراية وينطبق عليَّ هَذَا الوصف، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
الطالب: أحسن الله إليك الحديث الآخر كَذَلِكَ ضعيف الإسناد سلمان مِنَّا أهل البيت، أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك من طريق كثير بْن عبد الله المزني عَنْ أبيه عَنْ جده مرفوعًا، قَالَ الذهبي في التلخيص: سنده ضعيف، وَهُوَ كما قَالَ بَلْ هُوَ ضعيف جدًا؛ لِأَنَّ كثير المزني نسبه الشافعي وأبا دود إِلَى الكذب وَقَالَ الدارقطني: متروك الحديث.
(المتن)
(الشرح)
فِيهِ الرد عَلَى الجهمية والأشاعرة والمعتزلة كلهم، كلهم ينكرون صفة الكلام، وصفة الكلام من الصفات الَّتِي اشتد فِيهَا النزاع بين أهل السُّنَّة وأهل البدعة، ومن العلامات الفارقة عِنْد أهل السُّنَّة، من أثبت الكلام والرؤية والعلو هَذِهِ الثلاث صفات فَهُوَ سني، ومن نفاها فَهُوَ بدعي، وَهَذَا الصفات الفارقة بين أهل السُّنَّة وَهِيَ من الصفات الَّتِي اشتد النزاع فِيهَا بين أهل السُّنَّة وأهل البدعة، صف العلو وصفة الكلام وصفة الرؤية.
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: نعم كلها هَذِهِ الصفات الثلاثة، الأشاعرة يتأولونها، والجهمية والمعتزلة ما يثبتوا الصفات، المعتزلة يثبتوا أسماء بدون صفات، والجهمية الغلاة لا يثبتون الأسماء ولا الصفات، يثبتون الذات فقط، ومعلوم أن الذات بدون الأسماء والصفات لا وجود لها إِلَّا في الذهن، لا توجد ذات إِلَّا بالأسماء وصفات، إِلا في الذهن يتخيلها الإنسان، ذات لا تصف بأي صفة ولا تسمى باسم لا وجود لها، يَعْنِي كُلّ شيء قام حَتَّى الجدار، كُلّ شيء قائم بذات لَابُدَّ له من صفات، الجدار له طول وله عرض وله عمق ما تستطيع أن تنفي الصفات؛ لَكِن هؤلاء الملاحدة والعياذ بالله ينفون الصفات عَنْ الله الغلاة، غلاة الجهمية؛ حَتَّى بَعْضُهُمْ ينفون جميع الصفات، يَقُولُونَ: الله ليس له علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر نفوا عنه أيْ صفة.
إيش يكون إِذَا؟ لا وجود له، لا وجود للشيء إِلَّا بصفاته؛ حَتَّى الجماد، لا تقل: عندي منضدة الآن ليس لها طول ولا عرض ولا عمق وليست من خشب ولا من زجاج ولا من حجر وليست فوق الأرض ولا تَحْتَ الأرض ولا صفة ولا اسم إيش يكون؟ عدم، إذا سلبت جميع الصفات يكون عدم، فهؤلاء الملاحدة معبودهم خيال؛ لِأَنَّهُم نفوا الصفات كلها، والله تعالى فوق ما يظنون وهم إِنَّمَا يعبدن خيالًا، ولهذا يَقُولُ العلماء: المعطل يعبد عدمًا والمشبه يعبد صنمًا، الْمُوَحِّد يعب إلهًا واحدًا صمدًا، المعطلة يعبدون العدم نفوا الصفات والأسماء، ما في معدوم ما في إِلَّا في الذهن إله في الذهن نسأل الله العافية.
(المتن)
قوله: وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ؛ هذا من تمام العقوبة عليهم وفي هذا الوعيد الشديد ما يزجر من له عقل عن هذه الأعمال السيئة ونحوها.
قوله: أُشَيْمِطُ زانٍ صغره تحقيرا له وذلك لأن داعي المعصية ضعف في حقه، فدل على أن الحامل له على الزنا محبته المعصية والفجور وعدم خشيته لله، وكذلك العائل المستكبر ليس له ما يحمله على الكبر، فدل على أنه خلق له فعظمت العقوبة في حقه لعدم الداعي إلى هذا الخلق الذميم الذي هو من أكبر المعاصي.
قوله: ورجُلٌ جعَلَ اللهَ بِضاعتَه بنصب الاسم الشريف يعني اليمين بالله جعله بضاعة له لكثرة استعماله.
قوله: "وفي الصحيح " أي صحيح مسلم وأخرجه أبو داود والترمذي ورواه البخاري بلفظ خَيرُكُم.
(الشرح)
قف على وفي الصحيح.