بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام عَلَى نبينا محمد ﷺ.
اللَّهُمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، نقرأ كتاب " المنار المنيف في الصحيح والضعيف للإمام اِبْن القيم رحمه الله ".
(المتن)
وَأَمَّا إِجْمَاعُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا أَنَّ الْخَضِرَ مَاتَ وَأَنَّ الْبُخَارِيَّ سُئِلَ عَنْ حَيَاتِهِ؟ فَقَالَ: "وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيِّ ﷺ: أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى مِمَّنْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ.
قَالَ: "وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْخَضِرَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ.
(الشرح)
وَهَذَا هُوَ الصواب أن الخضر مات، الصواب أن الخضر نبي عَلَى الصحيح، وقيل: رجل صالح، وعلى كلٍ من الأمرين فلا يمكن أن يكون الخضر موجود عَلَى عهد النَّبِيِّ ولا يأتي إليه، رجل صالح أو نبي ولا يأتي إليه ويعينه ويساعده، لا يمكن هَذَا، هَذَا يدل عَلَى أَنَّهُ مات، ويدل عَلَى ذَلِكَ الحديث الَّذِي قَالَ في آخر حياته: ما يبقى عَلَى ظهر الأرض بَعْدَ مائة سنة ممن هُوَ عَلَى ظهرها الآن؛ لِأَنَّ السنة تخرم ذَلِكَ القرن، فلو كان موجودًا لمات.
(المتن)
قَالَ: "وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْخَضِرَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِيُّ وَهُمَا إمامان وكان ابن المنادي يقبح قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ حَيٌّ.
وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مَوْتَهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ احْتَجَّ بِأنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سرَيْج بْنُ النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلا أَنْ يَتْبَعَنِي فَكَيْفَ يَكُونُ حَيًّا وَلا يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَيُجَاهِدُ مَعَهُ؟
(الشرح)
مجالد ضعيف؛ لَكِن الأدلة كثيرة هَذَا يكون شاهد للأحاديث الأخرى.
(المتن)
فَكَيْفَ يَكُونُ حَيًّا وَلا يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَيُجَاهِدُ مَعَهُ؟.
أَلا تَرَى أَنَّ عِيسَى إِذَا نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ يُصَلِّي خَلْفَ إِمَامِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَلا يَتَقَدَّمُ لَئَلا يَكُونُ ذَلِكَ خَدَشًا فِي نُبُوَّةِ نَبِينَا ﷺ.
(الشرح)
نعم جاء في الحديث أَنَّهُ ينزل في وقت الصلاة وقد أقيمت الصلاة، فيريد أن يقدمه الإمام فيمتنع عليه الصلاة والسلام، ويقول: إِنَّمَا أقيمت الصلاة لك فيصلي خلفه، كما في الحديث كتاب «فضائل هذه الأمة»، وألا يكون خدشًا في نبوة نبينا ﷺ، وجاء أن عيسى عليه الصلاة والسلام يحكم بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ويكون فردًا من أفراد الأمة المحمدية.
(المتن)
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: "وَمَا أَبْعَدُ فِهْمِ مَنْ يُثْبِتُ وُجُودَ الْخَضِرِ وَيَنْسَى مَا فِي طَيِّ إِثْبَاتِهِ مِنَ الإِعْرَاضِ عَنْ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ".
أَمَّا الدَّلِيلُ مِنَ الْمَعْقُولِ فَمِنْ عَشْرَةِ أوجه.
(الشرح)
الدليل عَلَى إيش؟ عَلَى موت الخضر، هكذا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: الدليل العقلي من عشرة أوجه.
(المتن)
أحدها: أَنَّ الَّذِي أَثْبَتَ حَيَاتَهُ يَقُولُ إِنَّهُ وَلَدُ آدَمَ لِصُلْبِهِ وَهَذَا فاسد لوجهين:
أحدهما: أَنْ يَكُونَ عُمْرُهُ الآنَ سِتَّةَ آلافِ سَنَةٍ فِيمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ يُوحَنَّا الْمُؤَرِّخِ وَمِثْلُ هَذَا بَعِيدٌ فِي الْعَادَاتِ أَنْ يَقَعَ فِي حق البشر.
(الشرح)
الأول من يَقُولُ إنه حي وهو ولد آدم من صلبه، وباقي إِلَى الآن يكون عمره يَقُولُ: ستة ألاف سنة، ما ندري ربما يكون أكثر ما ندري، بين آدم ومحمد ستة ألاف سنة، الله أعلم قَدْ يكون أكثر، يكون معمر إِلَى الآن، وَهَذَا بعيد، الله تعالى قَالَ: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء/34] .
(المتن)
والثاني: أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلَدَهُ لِصُلْبِهِ أَوِ الرَّابِعَ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ كَمَا زَعَمُوا وَأنَّهُ كَانَ وَزِيرَ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَإِنَّ تِلْكَ الْخِلْقَةَ لَيْسَتْ عَلَى خِلْقَتِنَا بْلُ مُفْرِطٌ فِي الطول والعرض.
في الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ طُولُهُ سُتُونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ يَزَلُ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ وَمَا ذَكَرَ أَحَدٌ مِمَّنْ رَأَى الْخَضِرَ أَنَّهُ رَآهُ عَلَى خِلْقَةٍ عَظِيمَةٍ وَهُوَ مِنْ أَقْدَمِ النَّاسِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَضِرُ قَبْلَ نُوحٍ لَرَكِبَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ وَلَمْ يَنْقِلْ هَذَا أَحَدٌ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ نُوحًا لَمَّا نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ مَاتَ مَنْ كَانَ مَعَهُ ثُمَّ مَاتَ نَسْلُهُمْ وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ نَسْلِ نُوحٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات/77] . وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُوحٍ.
(الشرح)
نعم هَذَا نوح ركب معه في السفينة من آمن معه؛ ثُمَّ هبط من السفينة انقرض الَّذِينَ معه انقرض نسلهم وَلَمْ يبق إِلَّا أولاد نوح، قَالَ تعالى: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات/77] .
سام، وحام، ويافث، ومنهم تفرعت الشعوب، أحدهم أبٌ للعرب، والثاني أبٌ للعجم، وأبٌ للبربر والصقالبة، ما بقي إِلا أولاد نوح، وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات/77] .
الذي قبل هَذَا إيش؟
(المتن)
وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ صَحِيحًا أَنَّ بَشَرًا مِنْ بَنِي آدَمَ يَعِيشُ مِنْ حِينَ يُولَدُ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ وَمَوْلِدُهُ قَبْلَ نُوحٍ لَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمَ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ وَكَانَ خَبَرُهُ فِي الْقُرْآنِ مَذْكُورًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمَ آيَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ أَحْيَاهُ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا وَجَعَلَهُ آيَةً فَكَيْفَ بمن أحياه إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا أَلْقَى هَذَا بَيْنَ النَّاسِ إِلا شَيْطَانٌ.
وَالْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ الْقَوْلَ بِحَيَاةِ الْخَضِرِ قَوْلٌ عَلَى اللَّهِ بِلا عِلْمٍ وَذَلِكَ حَرَامٌ بِنَصِ الْقُرْآنِ.
أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الأُولَى فَإِنَّ حَيَاتَهُ لَوْ كَانَتْ ثَابِتَةً لَدَلَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ أَوِ السُّنَّةُ أَوْ إِجْمَاعُ الأُمَّةِ فَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى فَأَيْنَ فِيهِ حَيَاةُ الْخَضِرِ وَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَيْنَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ هَلْ أَجْمَعُوا عَلَى حَيَاتِهِ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ غَايَةَ مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى حَيَاتِهِ حِكَايَاتٌ مَنْقُولَةٌ يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر فيا لله الْعَجَبُ هَلْ لِلْخَضِرِ عَلامَةٌ يَعْرِفُهُ بِهَا مَنْ رَآهُ وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلاءِ يَغْتَرُّ بِقَوْلِهِ أَنَا الْخَضِرُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لا يَجُوزُ تَصْدِيقُ قَائِلِ ذَلِكَ بِلا بُرْهَانٍ مِنَ اللَّهِ فَأَيْنَ لِلرَّائِي أَنَّ الْمُخَبِّرَ له صادق لا يَكْذِبُ؟.
(الشرح)
شخص جاء قَالَ: أنا الخضر، ما يصدق أَنَّهُ الخضر، قَدْ يكون شيطان يَقُولُ: أنا الخضر.
(المتن)
(الشرح)
المؤلف رحمه الله أطال في هَذَا؛ لِأَنَّ المسألة هَذِهِ تعلق بِهِا الكثير من النَّاس، وَقَالَ: هُنَاكَ من النَّاس من هم من المعمرين، قالوا: مثل الخضر ومثل إلياس، أراد أن يبطل هَذَا وأنه ليس بصحيح، يَقُولُ: كيف الخضر ما يأتي إِلَى الرسول ﷺ ويبقى مَعَ الجهال.
(المتن)
(الشرح)
قَالَ لموسى: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف/78]؛ فارق الكليم ليبقى مَعَ صحبة الجهال وقتًا طويلاً!.
(المتن)
(الشرح)
ما يمكن هَذَا،أعد الوجه هَذَا.
(المتن)
(الشرح)
لِأَنَّهُ ما قابل الرسول ﷺ ولا لاقاه ما لقيه وَإِنَّمَا لقيه موسى.
(المتن)
(الشرح)
كيف يَقُولُ قَالَ رسول الله يكذب عَلَى الرسول؟ في الوجه التاسع لو قَالَ الخضر قَالَ رسول الله، قال إيش؟.
(المتن)
(الشرح)
يَعْنِي لَمْ يرسل إليه حَتَّى يأتيه، هَذَا الضمير يعود إِلَى النَّبِيِّ ﷺ أو يعود إِلَى الخضر؟ يعود إِلَى النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي لَمْ يرسل إليه الكافر هَذَا ينكر رسالة النَّبِيِّ ﷺ، يَعْنِي هَذَا الجاهل يَقُولُ: ما لقي الحضر؛ لِأَنَّهُ لَمْ يرسل إليه هَذَا كفر، رحمه الله أطال في هَذَا.
(المتن)
(الشرح)
الصف صف القتال يَعْنِي، يَعْنِي لو كان حي لجاهد في سبيل الله، وما كان يعيش في الصحاري مَعَ الوحوش، هكذا يَقُولُونَ.
(المتن)
وَحُضُورُهُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَتَعْلِيمُهُ الْعِلْمِ أَفْضَلَ له بِكَثِيرٍ مِنْ سِيَاحَتِهِ بَيْنَ الْوُحُوشِ في القفار وَالْفَلَوَاتِ وَهَلْ هَذَا إِلا مِنْ أَعْظَمَ الطَّعْنِ عَلَيْهِ وَالْعَيْبِ لَهُ؟
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مِمَّا تَقُومُ الشَّوَاهِدُ الصَّحِيحَةُ عَلَى بِطْلانِهِ.
(الشرح)
أطال في هَذَا رحمه الله في مسألة الخضر، أطال؛ لِأَنَّ الخضر فِيهِ كلام للناس وفيه اختلاط، الْأَمْرِ اختلط عَلَى الكثير من النَّاس ولهذا أطال رحمه الله، ليبين بطلان قول من قَالَ إنه حي، لو كان حي لجاء إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وبايعه وجاهد مَعَ النَّبِيِّ ﷺ .
الطالب: وكما أطال فِيهِ الحافظ اِبْن حجر وابن كثير في البداية والنهاية.
الشيخ: أطالوا فِيهِ لِأَنَّ الالتباس في هَذَا الْأَمْرِ كثير.