بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمدٍ وَعَلَى آله وصحبه أجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضربن ؛أَمَّا بَعْد: ...
(المتن)
قَالَ الشيخ عبد الرحمن بْن حسن رحمه الله تعالى في قرة عيون الموحدين:
قوله: "باب ما جاء في قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر/67]. الآية. أي من الأحاديث والآثار في معنى هذه الآية.
قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى: يقول تعالى ما قدر المشركون الله حق قدره حتى عبدوا معه غيره، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، القادر على كل شيء المالك لكل شيء، وكل شيء تحت قهره وقدرته. قال السدي: ما عظموه حَقّ عظمته. وقال محمد بن كعب: " لو قدروه حق قدره ما كذبوه ".
وقد وردت أحاديث كثيرة تتعلق بهذه الآية. الطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف.
قوله: "عن ابن مسعود قال: «جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأراضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه، تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ﷺ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...الآية. وهكذا رواه البخاري ومسلم والنسائي من طرق عن الأعمش بِهِ.
وقال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثنا الليث قال: حدثني عبد الرحمن بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟ تفرد به من هذا الوجه.
(الشرح)
وفي هَذَا الحديث إثبات اليد لله وإثبات اليمين وإثبات القبض أن الله يقبض السموات، وَفِيهِ إثبات الأصابع لله ، فَإِن النَّبِيّ أقر الحبر عَلَى قوله: «إن الله يضع السموات عَلَى أصبع والأراضين عَلَى أصبع والماء عَلَى أصبع والثرى عَلَى أصبع والشجر عَلَى أصبع»، هنا ستة أصابع والمعروف في الأحاديث أَنَّهَا خمسة أصابع لله كما في الأحاديث الصحيحة.
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ؛ أيْ ما عظموه حَقّ تعظيمه، وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يقبضها بيمينه .
(المتن)
(الشرح)
هَذَا فِيهِ إثبات القبض لله وإثبات اليمين والشمال وأن لله يمين وشمال، وَأَمَّا قوله في الحديث الآخر: وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ؛ المراد كلتا يديه يمين في الشرف والفضل والبركة وعدم النقص، وإلا فله يمين وشمال.
وَقَالَ بعض العلماء: إن رواية الشمال شاذة و إن كَانَت في مسلم انفرد بها بعض الرواة وَلَمْ يتابع عليها ولذلك قَالُوا: إِنَّهَا شاذة، قَالُوا: والعمدة عَلَى قوله: وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ؛ فلا تنسب الشمال لله، فمن العلماء من أثبت الشمال لله ومنهم الشيخ محمد بْن عبد الوهاب رحمه الله في " الفوائد " وجَمْع أخذ بهذه الرواية، ومن العلماء من قَالَ: إن هَذِهِ الرواية شاذة وإن كانت في صحيح مسلم؛ لِأَنَّهُ انفرد بها بعض الرواة وَلَمْ يتابع عليها، واعتمدوا عَلَى قوله: وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ؛ قَالُوا: له يدين كلتاهما يمين، كلتاهما تسمى يمين ولا تسمى يمين وشمال.
(المتن)
(الشرح)
والمعتزلة الَّذِينَ أنكروا صفات الله، أنكروا اليد وأنكروا الأصابع، النصوص فِيهَا ردٌ عَلَيْهِمْ، وأنكروا القبض.
(المتن)
وكل ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله ﷺ يدل على كماله وعظمته وجلاله.، وأن العبادة لا تصلح إلا له سبحانه وبحمده، لا يصلح منها شيء لملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا لمن دونهما.
قال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسوله ﷺ وكلام الصحابة والتابعين، وكلام سائر الأئمة مملوء بما هو إما نص أو ظاهر أن الله تعالى فوق كل شيء، وأنه فوق العرش فوق السماوات مستو على عرشه، وذكر ما يدل على ذلك من الكتاب والسنة.
وقال الأوزاعي: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة.
وقال أبو عمر الطلمنكي في كتاب الأصول: أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله مستو على عرشه بذاته قال ذكره الذهبي في كتاب العلو.
(الشرح)
يَعْنِي علو ذاته، والعلو ثلاثة أنواع: علو الذات .وعلو القدر والشأن.وعلو العظمة والسلطان.كما قَالَ العلماء منهم اِبْن القيم:
وَالفَوْقُ أَنْوَاعٌ ثَلاثٌ كُلُّها | لله ثَابِتَةٌ بِلاَ نُكْرَانِ |
وَقَدْ وافق أهل البدع عَلَى نوعين من الفوقية والعلو وأنكروا نوع واحد، وافقوا عَلَى علو القدر والشأن والعظمة، ووافقوا عَلَى علو السلطان والقدرة، وخالفوا في علو الذات، وحملوا النصوص الَّتِي فِيهَا العلو عَلَى علو القدر والشأن أو العظمة والسلطان.
والعلو ثابت بأنواعه الثلاثة وَهُوَ العلي الكبير.
1) علو الذات .
2) وعلو القهر والسلطان.
3) وعلو القدر والشأن
كلها ثابتة لله.
(المتن)
(الشرح)
كلام جيد.
(المتن)
(الشرح)
أول من حفظ عنه مقالة التعطيل في الإسلام هُوَ الجعد بْن درهم، وَالَّذِي تكلم بِهِ الجعد من الإنكار أنكر كلمتين: أنكر الخلة أنكر أن يكون إبراهيم خليل الله، وأنكر الكلام فأنكر أن يكون موسى كليم الله؛ وَلَكِن هاتان الكلمتين ترجع إليهم جميع الصفات؛ لِأَنَّهُ إِذَا أنكر الخلة، المحبة فسرها بالحاجة معناه قطع الصلة بين الله وبين خلقه، وإذا أنكر الكلام معناه أنكر النبوات والرسالات والشرائع كلها أبطلها نعوذ بالله.
ولهذا قُتل الجعد بْن درهم، لَكِن قبل قتله قَدْ أخذ عنه هَذِهِ المقالة الجهم بْن صفوان، والجهم توسع في هَذِهِ مقالة التعطيل ونشرها ودافع عنها وزاد عليها، فنسبت مقالة التعطيل إِلَى الجهم، يقال: الجهمية، والأصل أن يقال: الجعدية نسبة إِلَى الجعد، الجعد هُوَ المبتدع هُوَ أول من ابتدع عقيدة نفي الصفات، والَّذِي نشرها هُوَ الجهم، فنسبت إليه كما قالت الجهمية.
الجعد قتله خالد بْن عبد الله القسري أمير العراق والمشرق بواسط، وَكَانَ هَذَا بفتوى من علماء أهل زمانه وأكثرهم من التابعين، فقتله يوم عيد الأضحى، أُتي بِهِ مقيدًا في أصل المنبر وَكَانَ عادة الأمراء هم الَّذِينَ يصلون بالناس العيد، خالد بْن عبد الله القصري هُوَ الإمام صلى بالناس يوم العيد، فَلَمَّا صلى وخطب والجعد كَانَ عنده مقيد، قَالَ في آخر الخطبة، ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضحي بالجعد بْن درهم، فَإِنَّهُ زعم أن الله لَمْ يتخذ إبراهيم خليلاً وَلَمْ يكلم موسى تكليمًا وأخذ السكين وذبحه أمام النَّاس، فشكره العلماء وأثنوا عَلَيْهِ، ومن ذلك شكره اِبْن القيم رحمه الله في الكافية الشافية، قَالَ:
وَلأَجْلِ ذَا ضَحَّى بِجَعْدٍ خَالِدُ | القَسْرِيُّ يَوْمَ ذَبَائِحِ القُرْبَانِ |
إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَيْسَ خَلِيلَهُ | كَلاَّ ولاَ مُوسَى الكَلِيمَ الدَّانِ |
شَكَرَ الضَّحِيَّةَ كُلُّ صَاحِبِ سُنَّةٍ | للهِ دَرُّكَ مِنْ أَخِي قُرْبَانِ |
ولاشك أن قتل الجعد هَذَا فِيهِ أجر عظيم، فِيهِ قطع لدابر الشر والفساد، ويعدل أجر الأضاحي يفوق أجر الأضاحي، وَلَكِن مَعَ الأسف أن هَذَا الجعد لَمْ تمت هَذِهِ البدعة بَلْ أخذها الجهم بْن صفوان، ونشرها وقيض الله للجهم من قتله أَيْضًا، قتله: سلم بْن أحوز أمير خرسان، ثُمَّ انتشرت هَذِهِ المقالة وتقلد عنه المعتزلة، عقدية نفي الصفات نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
(الشرح)
يَعْنِي إِذَا بين له وجحد كفر، إِذَا جحد صفات الله وبين له أَنَّهَا في كتاب الله؛ ثُمَّ جحدها كفر، أَمَّا إذا تأولها عِنْد العلماء لا يكفر؛ لِأَنَّهُ شبهة فالجاحد يكفر والمتأول متبدع.
(المتن)
(الشرح)
يَعْنِي فتح الباري نقل عَنْ الشافعي الحافظ.
بركة.