بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: -
فغفر اللهُ لك.
(المتن)
يقول الإمام البعلي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
فصلٌ
يجوز الجمع بين: الظهر والعصر، والعشاءين، في وقت إحداهما، لسفر قصرٍ ومرضٍ يشُقُّ، ومطرٍ يبُلُّ، ووحلٍ، وعذرٍ يُبيحُ ترك الجُمُعة.
(الشرح)
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
قال المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يجوز الجمع بين الظهرين وبين العشاءين للأسباب التالية: للسفر والمرض والمطر الذي يبل الثياب، والوحل، والعذر الذي يُبيح ترك الجُمُعة، فهذه الأمور الخمسة يجوز فيها الجمع بين الصلاتين.
المسافر ثبت عن النبي ﷺ في الأحاديث الصحيحة أنه كان يجمع بين الصلاتين وكان إذا جاء الظهر وهو سائر أخر الظهر إلى العصر فجمعهما، وإذا جاء الظهر وهو نازل صلى الظهر وقدم العصر معها، وكذلك المغرب إذا جاء وهو سائر أخر المغرب حتى يصلها مع العشاء، وإن جاء المغرب وهو نازل صلى المغرب وقدم العشاء. يفعل ما هو الأرفق به. وهذا ثابت عنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام.
ثبت أنه جمع أيضًا في مزدلفة وعرفة في الحج, الجمع للمسافر. وكذلكَ الجمع للمريض لأن النبي ﷺ أمرَ المستحاضة أن تجمع، أمرها أن تغتسل وتصلي الظهر والعصر جميعًا، ثم تغتسل إذا جاء المغرب وتصلي المغرب والعشاء جميعًا، ثم تصلي الفجر. والاستحاضة نوعٌ من المرض. فالمريض الذي يشقُ عليه أن يُصلي كل صلاة لوقتها له الجمع لكن لا يقصر، القصر خاصٌ بالمسافر.
وكذلكَ المطر الذي يبل الثياب هذا عذر، إذا كان المطر قوي يبل الثياب فإنه يُباح الجمع، أما المطر الخفيف فلا ينبغي الجمع.
وكذلك الوحل والدحض الشديد الذي يؤذي المصلي فلا يستطيع كما قال ابن عباس، قال: كرهتُ أن أُحرجكم في الطين تدوسونَ في الطين إلى ركبكم، كان تزفلت الشوارع، إذا جاءت الأمطار يكون فيها طين ووحل ولا يستطيع الإنسان أن يمشي وقد يسقط، يسقط بعض الناس ويتألم. لكن بعد زفلتت الشوارع صار الأمر ميسرا.
فإذا كان المطر قويا يبل الثياب فلا بأس. ولا ينبغي التساهل، بعض الناس يتساهلون في هذا الوقت. بعض الناس عنده جُرأة بعض الشباب ولا يسأل ولا يشاور أهل العلم، حتى قيل إن بعض الأئمة إذا رأى الغيم لا يصير جماعة ولو لم يأتي مطر، مجرد رأى الغيم. وبعضهم إذا وجد نقط خفيفة جمع. وبعضهم يقول: نجمع حتى نعلم الناس السُنة. هذه ما هي سُنة هذه رُخصة، وهذا سببه الجهل.
فينبغي للإنسان أن يسأل عما أشكل عليه ولا يعمل برأيه. الجمع رخصة ولا تقدم الصلاة عن وقتها إلا لعذرٍ واضح. الأصل: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء: 103]. إذا كان هناك عذرٌ واضح، مطر قوي شديد يبل الثياب فلا بأس، أو وحل..، أو ريحٌ شديدة في أيام برد مع الريح ولكن ريحٌ شديدة مع المطر، لا بأس.
وكذلك العذر الذي يُبيح ترك الجُمُعة والجماعة مثل أن يكون خائفا على نفسه أو خائفا على أهله وماله، أو ما أشبه ذلك، فإنه في هذه الحالة له الجمع.
نعم أعد: يجوز الجمع.
(المتن)
(الشرح)
نعم لهذه الأسباب، إن كان المرض يشق عليه المريض، ومطر يبل الثياب ووحل، والعذر والسفر، ويفعل ما هو الأرفق به، من جمع التقديم وجمع التأخير، فإن تساويا فجمعُ التأخير أفضل.
(المتن)
(الشرح)
هذا إذا قدم لابد من هذه الشروط الثلاثة: إذا قدم العصر صلاها في وقت الظهر، أو قدم العشاء وصلاها في وقت المغرب، لابد من النية، ينوي الجمع. لقول النبي ﷺ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.
والشرط الثاني: الموالاة بينهما، فلا يفصل بينهما إلا بمقدار الإقامة ووضوءٍ خفيف.
والشرط الثالث: وجود العذر عند افتتاحهما، يكون العذر موجودا: السفر عندما يُصلي الأولى ويصلي الثانية في سفر أو في مطر.
مع وجود العذرِ.
(المتن)
(الشرح)
يعني عند افتتاح الأولى والثانية، المطر موجود والسفر موجود، إذا كان المرض موجودا، يكون الوحل موجودا عند افتتاح الأولى والثانية. في الرياح الشديدة كذلك.
(المتن)
(الشرح)
إذا أخر كذلك الظهر مع العصر، أخر المغرب مع العشاء فلابد من النية، لقول النبي ﷺ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، واستمرار العذر، يكون العذر مستمرا ما لم يضق وقت الأولى. إيش؟ ما لم يضق...
(المتن)
(الشرح)
يكون العذر مستمرا إلى وقت الثانية، فإن أخر الظهر مع العصر ثم وصل البلد انتهى. ما استمر العذر إلى وقت الثانية يُصليهما إتمامًا. أخر الظهر حتى دخل البلد يُصلي الظهر أربعا والعصر أربعا. ما استمر العذر، إذا كان في السفر وصلى الظهر والعصر ثم وصل البلد قبل أن يدخل العصر أدى ما عليه.
وكذلك أيضًا ما لم يضق وقت الأولى؛ فإن كان يضيق وقت الأولى بأن أخرها إلى آخر وقتها فلا يجوز التأخير إذا أخرها إذا خشي أن يخرج الوقت فضاق الوقت على الأولى فلا يجوز له الجمع، يجب عليه أن يقدم.
ماذا قال الشارح؟
(الشارح)
عفا الله عنك.
قوله: يجوز الجمع بين الظهر والعصر. الجمعُ: ضمُ إحدى الصلاتين إلى الأخرى وصلاتهما في وقت إحداهما تقديمًا أو تأخيرًا وشرطه: أن تكون الصلاة مما يجوز جمعها مع الأخرى بخلاف الفجرِ فلا جمعَ فيها لانفصال وقتها.
يجوزُ ظاهره أن الجمعَ مباح فلا يستحبُ في غيرِ جمعي عرفة ومزدلفة، ويكونُ تركه أفضل. وهذا هو الصحيحُ من المذهب.
(الشيخ)
لان الجمع هو الصحيح بخلاف القصر فإنه سُنة.
(الشارح)
لأن أحاديث الجمع لا تدل إلا على الجوازِ فقط، وأما رجحانه وكونه أفضل من إيقاع كل صلاةٍ في وقتها فلا دلالةَ فيها عليه. والأظهرُ أن الجمعَ إذا وجد سببه فهو سُنة، وهذا روايةٌ عن أحمد اختارها بعضُ الأصحاب لأنه من رخص اللهِ تعالى، والنبي ﷺ يقول: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ. ولأن فيه تأسيًا بالنبي ﷺ فإنه كان يجمعُ إذا وجد ما يدعو إلى الجمع.
يقولُ شيخ الإسلام: فعلُ كل صلاةٍ في وقتها أفضل إذا لم يكن به حاجةٌ إلى الجمع فإن غالب صلاة النبي ﷺ التي كان يُصليها في السفر إنما يُصليها في أوقاتها وإنما كان الجمعُ منه مراتٍ قليلة.
وعلى هذا: فالجمعُ غير القصر، فالقصر سُنةٌ راتبة والجمعُ رخُصةٌ عارضة.
قوله: الظهر والعصر: يدلُ على أن الجُمُعةُ لا تجمع مع العصر لأن الجُمُعةَ صلاةٌ مستقلة منفردةٌ بأحكامها ولم يرد ما يدلُ على جمعها مع العصر، وهذا هو المشهور عند أهل العلم. وقد نص على ذلك صاحبا المنتهى والإقناع.
قوله: والعشاءين: أي المغرب والعشاء وهو من باب التغليب كالقمرين والعمرين، وأما الفجر فلا تجمعُ لما قبلها ولا لما بعدها لانفصال وقتها كما تقدم.
في وقت إحداهما: أي وقت الأولى وهو جمعُ تقديم. أو وقتُ الثانية وهو جمعُ التأخير.
بسفر قصرٍ: هذا العذرُ الأول من أعذار الجمع وقدمه المصنف لأنه الأكثر. والمرادُ بسفر القصر السفرُ الذي تقصرُ فيه الصلاة فكل من جاز له القصر جاز له الجمعُ بين الصلاتين إلا على قول من يقول: إن النازلَ لا يجمع، ولا عكس. فالجمعُ أعمُ من القصر، فيجمعُ في السفرِ والحضر، ولا يقصرُ إلا في السفر.
ودليلُ الجمع في السفر حديثُ أنس قال: «كان رسول الله ﷺ يجمعُ بين صلاتي المغرب والعشاءِ في السفر».
وعن ابن عمر: «كان رسول الله ﷺ يجمعُ بين المغرب والعشاء إذا جد به السير»، ومعنى جد به السير: أي اشتد وأسرعَ للأمرِ الذي يُريده.
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله ﷺ يجمعُ بين صلاتي الظهر والعصر إذا كان على ظهر سيرٍ».
(الشيخ)
الشروط: ويشترطُ في الجمع في الصلاة الأولى، الشروط.
(الشارح)
فلو قدمَ اشترطَ نيته: أي إن جمعَ المصلي جمعَ تقديمٍ في وقت الأولى اشترط ثلاثة شروط:
الشرط الأول: نيةُ الجمع، وذلك عند إحرام الأولى؛ لأن الجمع ضمُ إحدى الصلاتين إلى الأُخرى فهي عبادةٌ واحدة.
(الشيخ)
النية عند إحرام الأولى؟ نعم.
(الشارح)
وكلُ عبادةٍ تشترطُ فيها النية اعتبرت في أولِها، وعلى هذا: فلو دخل في الأولى وهو لم ينوِ الجمع ثم في أثناء الصلاة بدا له أن يجمع لم يصح. ومن بابِ أولى لا يصحُ الجمع إذا سلمَ من الأولى ثم نواه. وهذا هو المذهب.
والقول الثاني: أن الجمعَ لا يفتقرُ إلى نية، وهذا مذهبُ الجمهور وأحدُ القولينِ في مذهب أحمد؛ لأن النبي ﷺ، صلى بأصحابه وتكرر ذلك في غزواته وحجه وعمرته، ولم يُنقلَ أنه أمرَ أحدًا منهم بنية الجمع مع توفر أسباب ذلك.
وقد صلى بهم في عرفة ولم يُعلمهم أنه يُريد، أن يُصلي العصرَ بعدها، فأقام المؤذن وصلى بهمُ العصر ولم يكونوا نووا الجمعَ وكان يجمعُ معه من تخفى عليه هذه النية. فلو كانت شرطًا للجمع لبينها ﷺ لهم.
والموالاة لا قدرَ إقامةٍ ووضوء، هذا الشرط الثاني، وهو الموالاةُ بين الصلاتين المجموعتين فلا يفصلُ بينهما إلا بشيءٍ يسير هو مقدارُ إقامة الصلاة أو وضوء، وسومحَ في الإقامة لأنه لابدَ منها، والوضوء لأن الإنسان ربما يحتاجُ إلى وضوءٍ بين الصلاتين لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة.
(الشيخ)
إيش؟ ربما يحتاج إلي إيش؟
(الشارح)
لأن الإنسان ربما يحتاج إلى وضوءٍ بين الصلاتين.
(الشيخ)
نعم، قدر الوضوء نعم.
(الشارح)
لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة، ولا يحصلُ ذلك مع التفريق الطويل بخلاف اليسير فإنه معفوٌ عنه.
والقول الثاني: أن الموالاةَ ليست بشرط لأن الجمعَ هو الجمعُ في الوقت، فإذا صلاهما في وقت إحداهما حصل الجمع حتى إنه لو صلى المغربَ في أول وقتِها وصلى العشاءَ في آخر وقت المغرب حيثُ يجوزُ الجمع صحَ ذلك.
(الشيخ)
والقول الثاني؟
(الشارح)
والقول الثاني: أن الموالاة ليست بشرطٍ لأن الجمعَ هو الجمعُ في الوقت، فإذا صلاهما في وقتِ إحداهما حصل الجمع حتى إنه لو صلى المغربَ في أول وقتِها وصلى العشاءَ في آخرِ وقت المغرب حيثُ يجوزُ الجمع صح ذلك.
وقد نص الإمامُ أحمد على نظير ذلك فقال: إذا صلى إحدى الصلاتينِ في بيته والأُخرى في المسجد فلا بأس.
وهذا نصٌ منه على أن الجمعَ هو الجمعُ في الوقت.
وقد نص عليه الإمامُ مالك، وأما المواصلةُ فلا دليل عليها ولا حد للموالاةِ يُرجعُ إليه، وما ذكره الفقهاء في ضابط الموالاة فلا دليلَ عليه، ثم إن الذين يشترطون الموالاة لم يوجبوها في جمع التأخير، وعدمُ اشتراط الموالاةِ في الجمع يُحققُ اليُسرَ والسهولة التي من أجلها شُرعَ الجمع.
وعلى المصلي أن يحرصَ على الموالاةِ بين الصلاتينِ احتياطا.
قوله: ووجود العذرِ عند افتتاحهما. هذا الشرطُ الثالث: أن يكون العذرُ المُبيحُ للجمعِ موجودًا عند افتتاحهما، أي افتتاح الصلاتين الأولى والثانية؛ لأن افتتاح الأولى موضعُ النية ولا بد من وجود العذرِ وقتَ النية، لأن نية الجمعِ بلا عذرٍ غيرُ صحيحة.
وأما افتتاحُ الثانية فلأنه موضعُ الجمع، وظاهرُ كلامه أنه لا يُشترطُ دوامُ العذرِ إلى فراغ الثانية بالنسبة إلى جمع المطر، وهذا مبنيٌ على اشتراط النية.
(الشيخ)
إيش القول الثاني؟
(الشارح)
وظاهرُ كلامه أنه لا يشترطُ دوامُ العذر إلى فراغ الثانية بالنسبةِ إلى جمع المطر، وهذا مبنيٌ على اشتراط النية، وقد علمنا أن الراجحَ عدمُ اشتراطها.
وعلى ذلك: فلا يشترطُ وجود العذر إلا عند السلامِ من الأولى وافتتاح الثانية، فلو لم ينزل المطرُ مثلًا إلا في أثناء الصلاة صح الجمع، ولو لم يكن منويًا عند إحرام الأولى. وكذا لو لم ينزل إلا بعد الانتهاءِ من الأولى.
قوله: وإن أخرَ فنيته. أي: وإن جمعَ تأخيرًا في وقت الثانية اشترطت نية الجمع في وقت الصلاةِ الأولى؛ لأنه لا يجوزُ أن يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر إلا بنية الجمع حيثُ جاز، ولو أخرها بلا نية صارت قضاءً لا أداءً.
قوله: ما لم يضق وقت الأولى عن فعلها. أي: أن محل النية ألا يؤخر الصلاةَ الأولى إلى وقتٍ يضيقُ عن فعلها ثم ينوي الجمع، فلا تصحُ هذه النية؛ لأنَ تأخيرَ الصلاة إلى وقتٍ يضيقُ عن فعلها حرام، وهو ينافي الرخصة.
(الشيخ)
أعد هذا السطر.
(الشارح)
أي أنَ محل النية ألا يؤخر الصلاةَ الأولى إلى وقتٍ يضيقُ عن فعلها ثم ينوي الجمع.
(الشيخ)
ألا يؤخر الأولى.
(الشارح)
ألا يؤخر الصلاة الأولى إلى وقتٍ يضيقُ عن فعلها ثم ينوي الجمع فلا تصحُ هذه النية؛ لأن تأخير الصلاةِ إلى وقتٍ يضيقُ عن فعلها حرام، وهو ينافي الرخصة.
(الشيخ)
نعم، ومعناها أن الأولى يُصليها في آخر وقتها والثانية تكون بعد خروج الوقت.
(الشارح)
واستمرار العذرِ إلى وقت الثانية، هذا الشرطُ الثاني لجمع التأخير وهو: استمرارُ العذر المبيح إلى دخول وقت الثانية من استمرار سيرٍ أو مطرٍ ونحوهما. فإن زال العذرُ قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمعُ لزوال المقتضي للجمع.
فلو برئ المريض، أو قدم المسافر، أو انقطع المطر قبل دخول وقت الثانية لم يصح الجمع. واللهُ أعلم.