أحسن الله إليك، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
فغفر الله لك، يقول الإمام أبو عبد الله محمد بن علي بن أسباسالار البعلي الحنبلي- رحمه الله تعالى - في كتابه التسهيل، باب الربا، أحسن الله إليك:
(المتن)
(باب الربا
يُشْتَرَطُ فِي بَيعِ مَكِيلٍ بِمَكِيلٍ،وَمَوزُونٍ بمَوزُونٍ الحُلُولُ،والقَبْضُ فِي المَجْلِسِ،لا التَّمَاثُلُ إلاَّ أنْ يَتَّحِدَ جِنْسُهُمَا).
الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قال رحمه الله: (باب الربا).
الربا في اللغة الزيادة، من (ربا - يربو)، وسواء الزيادة في الربويات أو التأجيل.
الربا نوعان:
النوع الأول: ربا الفضل وهو الزيادة في المتبادلات، في حديث يرويه عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ، أَوِ اسْتَزَادَ، فَقَدْ أَرْبَى. هذا الحديث حديث عبادة ذكر فيه النبي ﷺ ربا الفضل، الزيادة، فإذا باع ربويًّا بربوي مثله كأن يبيع ذهبًا بذهب، أو فضة بفضة، أو بر ببر، أو شعير بشعير، أو تمر بتمر، أو ملح بملح، فإنه يجب أن يتوفر أمران حتى يصح البيع:
الأمر الأول التماثل وعدم الزيادة، بأن يكون الذهب مثل الذهب في الوزن، أو الكيل إن كان مكيل كالبر، صاعًا بصاع، صاع بر بصاع بر، صاع تمر بصاع تمر، صاع ملح بصاع ملح، صاع شعير بصاع شعير، فضة بفضة مثل وزنها، ذهب بذهب، لا يزيد أحدهما عن الآخر ولا شعرة.
والأمر الثاني التقابض بمجلس العقد، خذ وأعطِ، في الحال، ما فيه تأجيل بعد ساعة أو ساعتين، خذ الذهب وأعطني الذهب، فإذا زاد، أعطى الزيادة فهذا ربا، إذا باع ذهبًا بذهب بزيادة فهذا ربا، وإن أعطاه ذهب بذهب بدون زيادة لكن تأجيل صار ربا التأجيل، ربا النسيئة.
فالربا نوعان ربا الفضل وربا التأجيل، وربا الفضل وسيلة إلى ربا التأجيل، وربا التأجيل هو الربا الأعظم، ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ.
فالربا نوعان، ربا النسيئة، وربا الفضل، ربا النسيئة التأجيل، التأخير، دراهم بدراهم مؤجلة، وربا الفضل الزيادة، تزيد ولو ما فيه تأخير، ذهب بذهب، فإذا تماثلت هذه الأصناف، يبيع مثلي بمثلي، ربوي بربوي مثله، فلا بد من شرطين:
الشرط الأول التماثل في المقدار، فلا يزيد أحدهما على الآخر في الكيل أو الوزن.
الشرط الثاني التقابض بمجلس العقد، فليس هناك تأجيل.
أما إذا اختلفا، بأن بيع ذهب بفضة، أو بر بشعير، أو تمر بملح، سقط شرط وبقي شرط، يسقط التماثل، ويجب التقابض بمجلس العقد، فيجوز أن تبيع مثلًا عشرين رطل من الذهب بمائة رطل من الفضة، ما فيه مانع في الزيادة، لكن يجب التقابض بمجلس العقد، ويجوز أن تبيع مثلًا عشرة كيلو من البر بخمسة كيلو من التمر ما فيه مانع، لأنها اختلفت، لكن لا بد أن يكون يدًا بيد، ما فيه تأجيل، يدًا بيد، لحديث عبادة بن الصامت: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاء بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَد.
هذه الأصناف الستة: (الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح)، هذه يجري فيها الربا بالاتفاق. ذهب الظاهرية إلى أنه لا يكون ربا إلا في هذه الستة.
وأما الفقهاء اختلفوا، وقالوا: إنه يقاس عليها غيرها، ما هو الذي يقاس؟ قالوا: يقاس ما وافقها في العلة والحكم، فما وافقها في العلة يقاس عليها، فيشمله الحكم، فمثلًا الذهب والفضة المبذول للناس الأوراق النقدية تأخذ حكمها، تحل محلها، والنبي ﷺ نص على البر والتمر والشعير، هل يقاس عليها غيرها؟ وما هي العلة؟
اختلف الفقهاء، فقال الحنابلة والأحناف: العلة الكيل والوزن، قالوا: كل مكيل وموزون يقاس على البر والتمر والشعير والملح، أما الذهب والفضة فالعلة الثمنية، هذا قولهم الآن، الثمنية والنقدية، فلهذا الأوراق النقدية تقوم مقامها، وقالت الشافعية: العلة الطعم، كل مطعوم يقاس، يقاس عليها كل مطعوم، وقال المالكية: العلة الادخار، والأقرب أنه يقاس عليها المكيل أو الموزون المطعوم والمدخر، على مذهب الأحناف والحنابلة الكيل الرصاص يجري فيه الربا، لأنه مكيل، لكن الأقرب أن المكيل لا يكفي وحده، والطعم لا يكفي وحده، لأن التفاح مطعوم لكن غير مكيل، فلا يجري فيه الربا، والبر مكيل ومطعوم، فيقاس على الأرز مكيل ومطعوم، فيقاس على البر.
فيأتي الفقيه ويقول: الأرز كالبر، في جريان الربا في كل منهما، بجامع إذا كان حنبلي أو حنفي، يقول: بجامع الكيل والوزن، وإذا كان شافعي يقول: بجامع الطعم، وإذا كان مالكي يقول: بجامع الادخار، فالأرز مكيل ومطعوم ومدخر، لكن الرصاص والحديد ليس مطعومًا، ولكن من قال أن العلة الوزن قال يجري فيه الربا، الفقهاء اختلفوا فيما يقاس عليها كما سمعتم الآن، منهم من قال: الكيل والوزن، ومنهم من قال: الطعم، ومنهم من قال الادخار، وأما الظاهرية قالوا: نقتصر على هذه الستة، ما يجري الربا إلا في هذه الستة.
المقصود أن الربا نوعان، ربا الفضل وربا النسيئة، وربا الفضل وسيلة إلى الربا الأعظم، في حديث النبي إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ.، فلا يجب على الإنسان أن يشتري ذهب قديم بذهب جديد، إلا مثلًا بمثل، فإذا قال: الذهب القديم أن أهل الذهب ما يشترونه بالذهب الجديد، إلا يريدون زيادة، أين المخرج؟ المخرج أن تبيع الذهب القديم بفضة، دراهم، ثم تشتري بالدراهم ذهبًا جديد، هذا هو المخرج، أما أن تبيع ذهبًا بذهب، فلا يجوز الزيادة، لا بد أن يكون الوزن واحد.
والمؤلف مشى على أن العلة المكيل، الحنابلة عندهم العلة المكيل، والرسول ﷺ نص على الستة، نص على إيش؟ على الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، فالمؤلف قال: كل مكيل وموزون، قال إيش؟ أعد.
(المتن)
الشيخ:
نعم، المؤلف أخذ المكيل والموزون من العلة، قال: العلة في البر والشعير والتمر الكيل والوزن، فكل مكيل أو موزون يجري فيه الربا، يشترط في إذا بعت أي مكيل بمكيل ولو من غير الستة، قياسًا على الستة شيئان، الحلول، الحال يدًا بيد، والتقابض في مجلس العقد، الحلول ما فيه تأجيل، والتقابض بمجلس العقد، والتماثل لا يزيد أحدهما على الآخر، وإذا اختلفت جازت الزيادة، ولا يجوز التأخير، جازت الزيادة مع التقابض بمجلس العقد، نعم.
(المتن)
الشيخ:
لا التماثل، التماثل لا يجب إلا إذا اتحد جنسهما، مثلًا بر ببر، شعير بشعير، تمر بتمر، أرز بأرز، هذا إذا اتحد الجنس وجب التماثل والتقابض بمجلس العقد، وإذا اختلف الجنس جازت الزيادة، ووجب التقابض بمجلس العقد، نعم.
(المتن)
الشيخ:
مثل البر أنواع، اسم خاص يشمل أنواع، لأن البر أنواع الآن، في بر يأتي الآن، عندنا الآن بر من القصيم، وبر مثلًا من الإمارات، وبر أيضًا من أمريكا، أنواع، البر، والأرز أنواع مثلًا، والتمر كذلك أنواع، التمر الآن فيه العجوة، وفيه السكري، وفيه أنواع اللبسات كثيرة، أنواع التمور كثيرة، جنس تحته أنواع، نعم، إيش والجنس إيش؟
(المتن)
الشيخ:
مثل البر اسم خاص، يشمل أنواع، والتمر جنس يشمل أنواع، نعم.
(المتن)
الشيخ:
وفروع الأجناس يعني إذا كان الفروع، تحته فروع أخرى صار جنس آخر، نعم.
(المتن)
الشيخ:
لا تصح محاقلة بيع الزرع في سنبله، الحب في سنبله بحب، لأن الحب في سنبله رطب، والحب يابس هنا، ولا يمكن التماثل، فلا يباع محاقلة، كأن يبيع حبوبًا في السنبل حتى يحصدها وييبس، ويبيعها بالكيل، وكذلك المزابنة وهي بيع التمر في رؤوس النخل بتمر، لأن التمر الذي في رؤوس النخل هذا رطب، إذا يبس ينقص، فلا يحصل التماثل، إلا في العرايا خاصة، في العرايا خاصة.
وهي بشروط، وهي: أن يكون الإنسان فقيرا ليس عنده دراهم، يريد أن يتفكه، ويأكل رطب مع الناس، وعنده تمر يابس قديم، وليس عنده دراهم، فقير، في حدود خمسة أوسق، ويخرصها أيضًا، يخرص التمر على رؤوس النخل، يقال مثلًا بكم يقدر هذا رؤوس النخل؟ يقال: يقدر بمائة صاع مثلًا إذا يبس، فيعطيه من التمر اليابس مقداره، فاغتفر عدم التماثل للحاجة، دفعًا لحاجة الفقير بهذه الشروط، أما إذا كان عنده دراهم فلا يجوز له، لكن إذا كان فقير، وعنده تمر قديم، وليس عنده دراهم، ويريد أن يتفكه، يأكل رطب مع الناس فيجوز له في مسألة العرايا خاصة، أن يخرص، يبيع، صاحب البستان يبيعه نخلة أو نخلتين يخرصها له، ويعطيه مقدار الخرص من التمر اليابس في حدود خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا، في العرايا خاصة، نعم.
وأما المزابنة هي بيع التمر لا تجوز إلا في العرايا، وكذلك المحاقلة لا تجوز، وهي بيع الحب في سنبله بحب يابس، نعم.
(المتن)
الشيخ:
نعم، هذا كما جاء في الحديث، جاء في الحديث لمن به حاجة وهو فقير، ولا ثمن معه، ما عنده إلا تمر يابس، نعم، يستثنى دفعًا لحاجة الفقير، نعم.
(المتن)
الشيخ:
ولا لحم بحيوان، يعني لا يجوز اللحم في حيوان، هل هذا فيه ربا اللحم؟ جاء في الحديث الذي رواه الترمذي: نهى عن بيع اللحم بالحيوان، وهذا محل نظر، محل تأمل، بيع اللحم بالحيوان، لأنه ليس ربويًّا.
لكن المؤلف مشى على ذلك، لأن اللحم موزون، لكن الحيوان هل هو موزون أو يؤول إلى الوزن، وهذا محل خلاف، والأقرب الجواز اللحم بالحيوان، نعم، ولا لحم بحيوان، نعم.
(المتن)
الشيخ:
نعم، مرجع الكيل أي يعرف هل هذا مكيل أو موزون، مرده إلى من؟ إلى أهل العرف، بعضهم قال: الكيل يعرف بأهل المدينة يفتي أهل المدينة في الكيل، والوزن إلى أهل مكة، أو بالعكس، إيش؟ ومرجع الكيل؟
(المتن)
الشيخ:
نعم عرف الحجاز ـهل مكة والمدينة ما قالوا أن هذا مكيل يكون مكيل، ما قالوا أنه موزون يكون موزون، لأن المدينة مقر النبوة والصحابة والسلف، يرجع إلى عرفهم، وإلا إن لم يكن هناك عرف، يرجع إلى أهله، وإلا فمرده إلى أهله أهل الخبرة، إن كان لأهل المدينة ولأهل مكة عرف يرجع إلى عرفهم، وإلا فمرده إلى أهله، إيش؟ أعدن ومرده إيش؟ مرد الكيل.
(المتن)
الشيخ:
نعم.
طالب:
أحسن الله إليك، قال:
الشيخ:
بركة، نشوف كلام الشارح على قوله بيع اللحم بالحيوان، يعني وإذا كان التمر له فروع، فيكون جنس، وإن كان موافقًا له في اسم التمر، أو في اسم البر، على هذا إيش قوله: فروع وأجناس، شوف كلامه فروع وأجناس؟
الشارح:
قال: كالدقيق والخبز والهريس وهو الجريش ونحوها، فالدقيق فرع جنس وهو البر مثلًا، فهو بمنزلة البر، لأن الفرع يتبع الأصل، فكما كانت أصول هذه المذكورة أجناسًا وجب أن تكون هذه أجناسًا إلحاقًا للفروع بأصولها، فدقيق الحنطة جنس، ودقيق الذرة جنس، وكذا الباقي.
الشيخ:
قال: الدقيق أجناس كما أن الأصل وهو البر أجناس، البر جنس، والذرة جنس، ودقيق الذرة جنس، ودقيق البر جنس، نعم.
الشارح:
أحسن الله إليك، فلا يجوز بيع صاعٍ من البر بصاع من دقيق البر لتعذر التساوي وفوات المماثلة، لأن أجزاء الحب تنتشر بالطحن فيزيد، ولا بيع صاع من البر بصاع من السويق، لتعذر التساوي من وجهين: تفرق الأجزاء بالطحن، والنقصان بأخذ النار بسبب التحميص، وكذا لا يجوز بيع بر بهريسة، وهي الجريش، لأن النار تعقد أجزاء المطبوخ وتنفخها فلا يحصل التساوي، ويحوز بيع صاع من حب البر بصاعين من دقيق الشعير لاختلاف الجنس، وهذا هو الصحيح من المذهب، لأن كل واحد من البر والدقيق مكيل، والمكيل يشترط فيه التساوي إذا بيع بجنسه كما تقدم، وهو متعذر هنا.
والقول الثاني: يجوز بيع البر بدقيقه أو سويقه وزنًا، وهو رواية عن أحمد، لأنه دقيق نفس الحب، وإنما تكسرت أجزاؤه، فجاز بيع بعضها ببعض، وإذا حصل التساوي بالوزن تحققت المماثلة.
الشيخ:
طيب، ولا لحم بحيوان.
الشارح:
قال: ولا لحم بحيوان - أحسن الله إليك - أي ولا يصح أن يباع لحم بحيوان لأن اللحم يدخله الربا لأنه موزون على القول بأن العلة الوزن، فلا يجوز بيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم الغنم أيضًا، لعدم التساوي والجنس واحد ، ويجوز كيلو من الغنم بكيلوين من الإبل لاختلاف الجنس، لكن لا بد من التقابض ، لعموم قوله: فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا، كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ.
الشيخ:
هذا على القول بأن العلة الوزن، وأما الظاهرية فلا يرون هذا الظاهرية يرون يجوز الأخذ، لأن ما عندهم إلا الستة، وكذلك من يرى أن العلة غير الكيل أو غير الوزن كذلك، من قال من العلماء أن العلة الكيل قال يجوز، لأن العلة الكيل، وهذا موزون، نعم.
الشارح:
وظاهر كلام المصنف أنه لا يباع اللحم بحيوان مطلقًا لا من جنسه، ولا من غير جنسه، أخذًا بعموم النص، وهذا القول الأول في المسألة، وهو قول الشافعي وبعض المالكية والحنابلة.
والقول الثاني للمالكية والحنابلة الجواز إذا كان من غير جنسه كشاة بلحم إبل، لعموم قوله: (إذا اختلقت هذه الأصناف)، ولا يجوز بجنسه لحديث «نهى عن بيع اللحم بالحيوان».
الشيخ:
الحديث الذي رواه الحسن عن سمرة، الحديث رواه الترمذي نهى عن بيع اللحم بالحيوان في صحته نظر، نعم.
الشارح:
والقول الثالث: يجوز بيع اللحم بجنسه أو بغير جنسه، وهو قول أبي حنيفة، لأنه بيع موزون بما ليس بموزون أشبه ببيع اللحم بالدراهم، فهو داخل في عموم قوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، وهذا عام لا يخصص إلا بدليل.
الشيخ:
وهذا هو الصواب، هو الأقرب، لأن الحيوان الآن كيف موزون الآن وهو يمشي؟ كيف يوزن؟ ما يوزن؟ لو كان لحم لا بأس، أن تبيع لحم بحيوان يمشي هذا موزون لكن الحيوان يمشي الآن ما هو موزون، نعم.
الشارح:
القول الرابع: إن كان الحيوان مقصود اللحم لم يصح، وإن كان الحيوان لم يقصد بذلك صح، كأن يريد الانتفاع به بركوب أو تأجير أو حرث أو غير ذلك، لأنه إن أراد اللحم صار بيع لحمًا بلحم، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجح الشارح، والأظهر في هذه المسألة أنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان مطلقًا من جنسه أو من غير جنسه، لأن أكثر أهل العلم على قبول مراسيل سعيد بن المسيب، وأنها من قبيل المسند، ويؤيده ما رواه الحسن عن سمرة: «نهى رسول الله أن تباع الشاة باللحم».
الشيخ:
ما رواه الحسن عن سمرة يعني خلاف، نعم، في صحة الحديث نظر.
طالب:
انتهى عفا الله عنك.
الشيخ:
وإيش بعده؟
الشارح:
ومرجع الكيل والوزن عرف الحجاز أي مرجع كون الشيء مكيلًا أو كونه موزونًا إلى عرف أهل الحجاز، فالكيل يرجع فيه إلى عرف أهل المدينة، والوزن لعرف أهل مكة، فما كان مكيلًا بالمدينة انصرف التحريم بتفاضل الكيل إليه، وهكذا الموزون،وذلك لأن أهل مكة أصحاب تجارة، والتجار يهتمون بالوزن، وكانت عادتهم الوزن فهم أدق من غيرهم، وأهل المدينة أهل زرع وحبوب، ويهتمون بالكيل، فهم أدق فيه من غيرهم.
قوله: (وإلا موضعه)، وإلا يكن له عرف في الحجاز بأن وجد أشياء لا يعرف لها كيل ولا وزن في الحجاز، فالمعتبر عرفه في موضعه، فإن كان العرف فيه الكيل بيع بعضه ببعض بالكيل، وإن كان بالوزن بيع بالوزن، لأن ما لا عرف له في الشرع يرجع فيه إلى العرف، كالقبض والحرز، وهذا فيه تيسير على الناس، وتسهيل، والدليل ما ذكره المصنف حديث ابن عمر أن النبي ﷺ قال: الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وقد نقل ابن هبيرة اتفاق الأئمة الأربعة على أن المكيلات المنصوص عليها وهي البر والشعير والتمر والملح مكيلة أبدًا، لا يجوز بيع بعضها ببعض إلا كيلًا، والموزونات المنصوص عليها موزونة أبدًا، وأما ما لم ينص على تحريم التفاضل فيه كيلًا ولا وزنًا، فاختلفوا فيه:
فقال أبو حنيفة: المرجع فيه إلى عادات الناس بالبلد الذي هم فيه، وقالت الأئمة الثلاثة المرجع فيه إلى عرف الحجاز كما تقدم في كلام المصنف، ثم قال: والذي أراه أن رسول الله ﷺ لما ثبت عنه كيل التمر بالمدينة فإنه يستفاد منه بأصل المماثلة، وألا يؤخذ من ذلك شيء إلا بمعيار، فيكون فيما يتهيأ كيله الكيل، وفيما لا يتهيأ كيله الوزن، وكذا القول في ميزان مكة، وعلى هذا فإذا أردنا أن نبيع مثلًا البر والشعير، فإننا لا نعتبر الوزن كما في عصرنا هذا، لأن الشرع نص على أنها مكيلة، فلا نتعدى النص، لكن لو وجد مثلًا ذرة يتبادلها الناس بالوزن بناء على عرفهم صح ذلك، لأنه ليس عندنا نص على أن الذرة مكيلة، والأقرب والله أعلم أن ما ثبت فيه النص بالكيل أو الوزن اعتبر به، وإلا فالمقصود التماثل سواء كان بالوزن أو بالكيل، ومن أهل العلم من يرى أن العرف هو المعتبر، وأن الحديث ورد في العرف السائد في زمانه ﷺ، وهو قول أبي يوسف من الحنفية، وهذا القول لا يخالف النص والله أعلم.
الشيخ:
بركة، أحسن الله إليك.