بسم الله الرحمن الرحيم والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فغفر الله لك وللسامعين.
يقول الإمام أبو عبد الله محمد بن علي البعلي الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه التسهيل: في كتاب الفرائض:
المتن:
باب ميراث الخنثى
الخنثى المشكل من له ذكر وفرج فيعتبر فيها أحواله فإن رجي انكشاف حاله أعطي ومن معه اليقين، وإلا أعطي نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وكذا ديته وجراحه ولا يزوج بحال.
الشرح :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله: باب ميراث الخنثى.
الخنثى: هو من له آلة ذكر وآلة أنثى، يعني له ذكر وله فرج، وقد يكون مشكلا وقد لا يكون مشكلا، فإذا كان الأنثى فإذا توفي شخص عن ورثة فيهم خنثى فهذا ينظر إن كان يرجى انكشاف حاله فإنه يعطى من الميراث اليقين.
والخنثى قد يرجى انكشاف حاله كما لو كان صغيرًا يعرف أنه ذكر أو أنثى بأحد الآلتين بالبول، إن بال من آلة الذكر فهو ذكر وإن بال من آلة الأنثى فهو أنثى.
وكذلك إذا كان صغيرًا يرجى انكشاف حاله إذا كبر، فإذا خرج له لحية دل على أنه ذكر، فإذا تفلك ثدييه دال على أنه أنثى.
وأحيانًا يكون مشكل، يبول من آلة الذكر وآلة الأنثى، وهذا لا حيلة فيه، فأحيانًا يكون الخنثى مشكل وأحيانًا يكون غير مشكل.
يكون خنثى لكن يتبين بالعلامات أنه ذكر، أو يتبين بالعلامات أنه أنثى، وأحيانًا لا يتبين، فإن كان يرجى انكشاف حاله فإنه يعطى اليقين من الميراث، يعطى اليقين يعني إذا كان وهو الأقل.
إذا كان الأقل ميراث الأنثى يعطى ميراث الأنثى، وإذا كان الأقل ميراث الذكر فيعطى ميراث الذكر، حتى يتبين حاله.
إذا تبين حاله أنه ذكر وكان قد أعطي من الميراث أقل يكمل له، يوقف الباقي.
إذا مات شخص عن ورثة وفيهم خنثى ماذا نعمل؟ نقسم التركة ونعطي الخنثى اليقين، وهو الأقل، فنعطيه الأقل من ميراث الذكر، والأقل من ميراث الأنثى، وما زاد يوقف حتى يتبين حاله، فإن تبين أنه ذكر وكان حقه ناقص يكمل له، وإن تبين أنه أنثى وقد أخذ حقه يعطى الموقوف للورثة.
(المتن)
(الشرح)
يعتبر فيها أحواله فإن تبين أنه ذكر اعتبر ذكر، وإن تبين أنه أنثى أنثى و من الأحوال البول، إذا كان البول من آلة الذكر فهو ذكر، وإن كان البول من آلة الأنثى فهو أنثى.
إذا كبر وخرج له لحية تبين أنه ذكر، أو تفلك ثدياه تبين أنه أنثى، أو حاض من آلة الأنثى تبين أنه أنثى وهكذا.
وقد يكون مشكلا فلا يتبين، يبول من الآلتين، فهذا يعطى نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى.
إذا كان مشكل يعطى نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى، وإن كان يرجى انكشاف حاله يعطى الأقل من ميراث الأنثى أو من ميراث الذكر، وما زاد عليه يوقف، فإن تبين أنه ذكر وأن حقه ناقص يكمل له، وإن تبين أنه أنثى وأخذ حقه فالموقف يرد على الورثة.
(المتن)
(الشرح)
وهو الأقل، وكذلك الورثة الذين معه يعطون الأقل، يعطون الأقل خشية أن يكون مثل ذكر، فهو يعطى الأقل والورثة يعطون الأقل، وما زاد يوقف، فإذا تبين حاله يرد إما عليه وإما على الورثة الموقوف.
(المتن)
(الشرح)
هذا إذا كان مشكل، ولم تبين حاله يعطى نصف الذكر والأنثى، وكذا الدية، إذا كان له دية يعطى الأقل من الدية ويوقف حتى يتبين انكشاف حاله، وإن كان مشكل يعطى نصف دية الذكر، ونصف دية الأنثى.
كذلك الجراح، كذلك الجراح نصف جراح الذكر ونصف جراح الأنثى إذا كان مشكل.
(المتن)
(الشرح)
ولا يزوج بحال لأنه لا يدرى أنه ذكر أو أنثى حتى يتبين حاله، فإن تبين أنه ذكر تزوج أنثى، وإن تبين أنثى تزوجت ذكر.
(المتن)
(الشرح)
هذه موانع الإرث ثلاثة: موانع الإرث والحجب التي تحجب الإنسان من الميراث، واحدة من ثلاث.
أن يكون رقيقا عبدا يباع ويشترى فهذا لا يرث ولا يورث.
الثاني: يكون قاتلا، القاتل لا يرث من قتله.
الثالث: اختلاف الدين، كأن يكون المورث مسلما والوارث كافرا فلا يعطى، ولهذا يقول الرحبي:
وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْمِيراثِ | وَاحِدةٌ مِنْ عِلَلٍ ثَلاثِ |
رِقٌّ، وَقتْلٌ، واخْتِلافُ دِينِ | فَافْهَمْ؛ فَلَيْسَ الشَّكُّ كَاليَقِينِ |
هذه موانع الإرث، الرق، القتل، القاتل لا يرث مطلقًا سواء كان متعمد أو غير متعمد، سدًا للباب، قاتل: لا يعتبر من الورثة ولو كان بحادث، ومات معه بسببه فلا يرث، وكذلك الرقيق، وكذلك إذا كان دينه مخالف لدين المورث.
(المتن)
(الشرح)
قال: إذا كان بعضه حر، فيرث ويورث يقدر ما فيه من الحرية، فإذا كان نصفه حر هناك ونصفه رقيق، فإنه يعطى نصف ميراث الذكر.
وإذا كان ذكر وإذا كان أنثى يعطى نصف ميراث الأنثى، وكذلك يحجب غيره بقدر ما فيه (..)، فإذا كان يحجب بعض الورثة عن الميراث هنا يحجبهم عن نصف الميراث، لا على الميراث، بقدر ما فيه من حرية.
وإذا كان ثلثه حر يحجب الورثة عن الثلث، إذا كان الثلث له، يحجبهم عن الثلثين وهكذا يكون إرثه حجبه بقدر ما فيه من الحرية.
(المتن)
(الشرح)
المؤلف جمع في هذا الباب، أبواب: باب الخنثى والحجب، وهذا الغرقى والهدبى، هذا يسمى باب الغرقى والهدبى.
إذا مات جماعة بينهم متوارثون ، فإن اللاحق المتأخر يرث السابق، إذا عرفنا فالإخوة أو أبناء ماتوا جميعًا لكن عرف أن السابق من الموت فإن المتأخر موتًا يرث السابق موتا، ويكون ميراثه لورثته.
وإذا جهل ماتوا جميعًا ولا يدرى أيهم السابق فإنه في هذه الحالة يرث كل من منهما صاحبه من تلاد ماله دون طريفه.
التلاد، تلاد المال يعني، ماله القديم، والطريف ما ورثه من صاحبه، فكل واحد إذا مات أخوين ولم يعلم السابق منهما، كل واحد يرث الآخر من ماله القديم ولا يرثه من ماله، يرث هذا من هذا، ثم يرث الثاني من ماله القديم ولا يرث من ماله الجديد الذي ورثه، فالذي ورثه من صاحبه يسمى طريف، والذي لم يرثه معه يسمى تلاد، فكل واحد يرث.
إذا كان شخص مثلًا شخصان متوارثان ماتا جميعًا ولم يعلم السابق منهما وفرضنا زيد وعمرو، زيد عنده خمسمائة مال، وعمرو (..) فزيد يرث من عمرو خمسمائة، ثم عمرو يرث من زيد ما يرث الخمسائة يرث من ماله القديم تلاد.
زيد له مال وعمرو له مال، زيد عنده مال ألف، وعمرو عنده مال ألفين، ولا يعلم السابق هنا، نقول زيد يرث الألفين من عمرو، ثم عمرو يرث من زيد الألف، ولكن ما يرث أحد من صاحبه لا يتوارثان.
فالمال الذي ورثه زيد من عمرو لا يرثه عمرو، والمال الذي ورثه عمرو من زيد لا يرثه عمرو الجديد، المال الذي ورثه من صاحبه لا يرثه أحدهم الآخر، ولكن المال القديم يتوارثان من المال القديم، لكل ورثة.
سؤال:
(...)
الجواب: إذا كان لا يوجد غيره، وليس هناك ورثة، إما إذا كان ورثة إذا كان زوجة تأخذ الزوجة الثمن معروف، أو كان هناك أب ما يرث.
المقصود إذا كان مثلًا أخ ولا يوجد غيره يأخذ المال كاملا.
سؤال:
(...)
جواب: لا، هو الآن يرث من ماله الجديد يرث من ماله الجديد، يكون ماله الجديد هذا وما ورثه القديم، ما ورثه من صاحبه يكون لورثة، أما ما ورثه أحداهما من الآخر فهذا لا يتوارثانه.
(المتن)
(الشرح)
يسمى الطريف، يرث من تلاد المال القديم، دون الطريف الذي ورثه من صاحبه، هذا إذا لم يعلم السابق منهما، أما إذا علم السابق فإن المتأخر يرث المتقدم .
(المتن)
(الشرح)
يعني لو مات أخوين وجهل الحال، ثم ادعى ورثة زيد أن زيد هو المتأخر حتى يأخذون مال عمرو، وادعى ورثة عمر أن عمر هو المتأخر، ولم يوجد بينة، أو يوجد بينة وتعارضت البينتان فلا يرث أحداهما الآخر، تحالفا ولم يرث أحدهما الآخر.أعد
(المتن)
(الشرح)
يعني إذا ادعى كل أن مورثهم هو السابق وليس هناك بينة، تحالفا ولا يتوارثا، أو كذلك إذا كان لكل منهما بينة تعارض بينة الآخر، يتحالفان ولا يتوارثان، وكذلك إذا ماتا معًا ولم يعرف السابق فلا يتوارثان، في هذه الأحوال الثلاثة.
إذا ادعى ورثة كل منهما أن مورثهم هو السابق وليس هناك بينة لا يتوارثان، أو كان كل منهما بينة تعارض بينة الآخر لا يتوارثان، أو ماتا معًا فلا يتوارثان في هذه الأحوال الثلاثة.
(المتن)
سؤال:
(....)
الجواب: لا، مادام لم يوجد بينة وبينها تعارض يتحالفان ولا يرث أحداهما الآخر، ولا يتوارثان. هل هناك شرح ؟
الشارح:
قال: فإن رجي انكشاف حال الخنثى لكونه صغيرًا، فينظر ما يدل على حاله، إما ببوله من إحدى آلتيه، فإن بال منهما فبأسبقها فإن استويا فبأكثرهما، ومنها حيضه، ومنها بروز ثدييه.
(الشرح)
هذه من العلامات، يعني يعرف إذا بال من أحدهما من آلة الذكر فهو ذكر، من آلة الأنثى فهو أنثى، فإن بال منهما فبالأسبق أيهما سبقه البول، فإن كان جميعًا فبالأكثر، فإن استويا فهو مشكل.
وكذلك حيض إذا حاض تبين أنه أنثى، إذا تفلك ثدياه تبين أنه أنثى، إذا خرج له لحية تبين أنه ذكر.
(الشارح)
أو نبات لحيته أو إمناؤه.
قوله أعطي ومن معه اليقين أي أن طلب الورثة قسمة التركة أعطي الخنثى ومن معه من الورثة اليقين، وهو ما يرثونه بكل تقدير، ووقف الباقي من التركة حتى يبلغ.
(الشرح)
هذا إذا طلب قسم التركة، وإن صبروا حتى يتبين فلا تقسم التركة، لكن إذا قالوا لا نحن نريد حقنا، نحن ليس صابرين، يعطى كل واحد منهم اليقين، ويوقف الباقي حتى يتبين حاله.
(الشارح)
فيجعل للخنثى مسألتان، مسألة ذكورية، ومسألة أنوثية، ثم ينظر بين المسألتين بالنسب الأربع، والناتج هو الجامعة.
(الشرح)
المباينة والمداخلة والمناسبة والمماثلة، هذه النسب الأربعة.
(الشارح)
ثم ينظر بين المسألتين بالنسب الأربع والناتج هو الجامعة، ثم تقسم الجامعة على مسألة الذكورية، والناتج هو جزء السهم لها ثم تقسم الجامعة على مسألة الأنوثية والناتج هو جزء سهمها كذلك، ثم يضرب نصيب كل وارث من كل مسألة في جزء سهمها، ويوضع اليقين لكل وارث أمامه تحت الجامعة، ثم تجمع السهام، وتطرح من الجامعة والباقي يوقف.
فإن اتضح إشكال الخنثى و استحق الباقي أخذه، وإلا رد على مستحقه.
مثال ذلك: أن يموت عن ابن وبنت وولد خنثى يرجى انكشاف حاله، وهذه صورتها:
إن بان الخنثى ذكرًا أخذ الثلاثة الموقوفة فيكون له ثمانية، وإن بان أنثى أخذ الابن اثنين فله عشرة والبنت واحد فلها خمسة.
قوله: وإلا أعطي نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى هذه الحالة الثانية من أحوال الخنثى، وهي ألا يرجى انكشاف حاله كما إذا مات صغيرًا أو بلغ ولم يتضح أمره، فقوله: وإلا أعطي، أي وإلا يرجى انكشاف حاله، أعطي نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى، فيجعل له مسألتان، مسألة ذكورية، ومسألة أنوثية، وينظر بينهما ويضرب الناتج في اثنين عدد حالي الخنثى فما بلغ فمنه تصح، وبعد أن يضرب نصيب كل وارث في جزء السهم يجمع ماله من المسألتين ويقسم على اثنين والناتج هو نصيبه يوضع أمامه تحت الجامعة، كهالك عن ابن وولد خنثى وهذه صورتها إلى آخره.
قال: في قوله: ولا يزوج بحال: أي لا يجوز تزويج الخنثى المشكل قبل تبين أمره لعدم تحقق مبيح النكاح، فيغلب جانب الحظر.
(الشرح)
لأنه ما يتبين أنه ذكر أو أنثى كيف يزوج.
(الطالب)
قال: تكلم عن ميراث الغرقى والهدمى ونحوهم.
(الشرح)
مثل هذا حوادث السيارات الآن، مثل الغرقى والهدمى، إذا ماتوا وهم متوارثون، فالمتأخر يرث السابق، فإن لم يعلم، جهل الحال، فلا يتوارثان.
(الشارح)
قال: فإذا ماتا متوارثان كأخوين بهدم أو غرق أو حرق أو حادث سيارة في زمن واحد فلا توارث بينهما إجماعا، لأن شرط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث، لأن الله ذكر في آيات المواريث استحقاق الورثة باللام الدالة على التمليك، وهو لا يكون إلا للحي، ولم يوجد ذلك في مثل هذه الحال، فإن مات أحدهم قبل الآخر بأن علمنا أن موتهم مرتب ولكن جهل أولهما فلم يعلم السابق منهما بالموت ورثا كل صاحبه.
أي ورث كل واحد منهما صاحبه من تلاد ماله بكسر التاء أي من قديم ماله الذي مات وهو يملكه، دون ما ورثه من الميت معه دفعا للدور لئلا يرث الإنسان نفسه.
والقول بالتوريث في حال جهل المتأخر منهما، ما هو المشهور من مذهب أحمد.
قال أحمد: أذهب إلى قول عمر وعلي وشريح وإبراهيم والشعبي يرث بعضهم من بعض، وعلى الأئمة الثلاثة.
(الشرح)
هذا إذا علم أن أحدهما متأخر لكن لم يعلم بعينه، أما إذا لم يعلم، جهل، وماتا معًا فلا يتوارثان.
(الشارح)
وعن الأئمة الثلاثة: لا توارث بينهم، فهو اختيار الموفق والمجد وشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ عبد الرحمن السعدي، وهو الصحيح إن شاء الله.
(الشرح)
يعني أنه حتى ولو علم أن أحدهما متأخر فلا توارث على مذهب الأئمة.
(الشارح)
وهو الصحيح إن شاء الله، لأن من شروط الإرث:
حياة الوارث بعد موت المورث حقيقة أو حكما، ولا يحصل ذلك مع الجهل، وعلى هذا فيستقل ورثة كل ميت بميراثه دون من هلك معه والله أعلم.
وطريقة العمل على مذهب الإمام أحمد أن نفرض أن أحدهم سبق بالموت فنعمل له مسألة لإرث تلاد ماله، ونقسمها على ورثته الأحياء ومن مات معه، فما حصل للأحياء فهو لهم، وما حصل للميت الثاني نقسمه على ورثته خاصة، فنضع لهم مسألة ونقسمها عليهم، ثم ننظر بينها وبين سهام مورثها من المسألة الأولى كما تقدم في المناسخات والناتج هو الجامعة، ثم نعمل مسألة الميت الثاني وهو الذي قدرنا أولا أنه حي ونقسم ميراثه على ورثته الأحياء ومن مات معه على الطريقة السابقة، ثم ذكر مثال ذلك.
(الشرح)
هذا على مذهب الإمام أحمد، وأما على مذهب الأئمة الثلاثة ليس له وجود، ما فيه توارث......