بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين؛ أما بعد: ...
قال المؤلف البعلي رحمه الله:
المتن:
باب الردة
هي كفر مسلمٍ مختارٍ عاقلٍ، باللّه، أو صفةٍ من صفاته، أو جعل له شريكًا أو ندًّا أو ولدًا ونحوه.
شرح الشيخ
بسم الله الحمد لله والصّلاة والسلام على رسول الله.
قال المؤلف رحمه الله: (باب الردة) الردة هي اسم مصدر والمصدر ارتد يرتد ارتدادًا و ردة، والردة لا تكون إلَّا في الكفر والعياذ بالله، والارتداد يكون في (...01:05) المصدر ارتد ارتدادًا والارتداد يكون في الكفر، قال تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة/217]، ويكون في غير الكفر لقوله تعالى: فَارْتَدَّ بَصِيرًا [يوسف/96]. وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ [المائدة/21]. هذا في غير الكفر، بخلاف الردة اسم مصدر فهي لا تكون إلَّا في الكفر، الردة هي الرجوع، هي الرجوع عن الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله.
(هي كفر مسلمٍ مختارٍ عاقلٍ، باللّه، أو صفةٍ من صفاته، أو جعل له شريكًا أو ندًّا أو ولدًا ونحوه) الردة هي الرجوع عن الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله، ويشترط لذلك أن يكون من مسلم عاقل، مسلم يرتد عن دينه والعياذ بالله (بالغ عاقل)، أما الصبي فلا ،كذلك أَيْضًا فاقد العقل هذا غير مكلف، لابُدّ أن تصدر من مسلم بالغ عاقل.
(هي كفر مسلمٍ مختارٍ عاقلٍ) نعم كفر مسلم مختار غير مكره، المكره معفوٌ عنه بشرط أن يكون قلبه مطمئن بالإيمان، قال تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل/106].
إذًا الردة هي الكفر الصادر من المسلم المختار البالغ العاقل، مسلم ضد الكافر، مختار ضد المكره، بالغ ضد الصبي، عاقل ضد المجنون، إذا صدرت الردة من مسلم بالغ عاقل مختار فهي تكون ردة، أما إذا صدرت من صبي أو مجنون فلا، أو من غير مسلم -كان يهودي انتقل إلى النصرانية- فلا تعتبر ردة على المذهب.
والقول الآخر أنها تعتبر ردة للانتقال من ملة إلى ملة، هذا على القول أن الكفر ملل شتى، وقيل: إن الكفر ملة واحدة، هذا هو الأقرب، فالمرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه والعياذ بالله، وهو أن يكون مسلم بالغ عاقل.
(هي كفر مسلمٍ مختارٍ عاقلٍ باللّه، أو صفةٍ من صفاته) هي كفر مسلم بالغ عاقل مختار بالله، كفر بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو بالشك، أو بالإعراض أو بالظن، هذه أنواع الكفر، إما أن يكون كفرٌ بالله قولًا، أو يكون بالله فعلاً، أو يكون الكفر بالله اعتقادًا، أو يكون شك، أو يكون إعراضًا أو يكون ظنًا، يكون قولًا كأن يدعو غير الله، هذا بالقول، وكأن يتكلم بكلمة الكفر، يتكلم بكلمة الكفر هذا قول، وسواء تكلم بكلمة الكفر مختارًا أم عامدًا أو هازلًا أو خائفًا أو مكرهًا واطمأن قلبه بالكفر، ففي هذه الحالة يكفر، هذا الكفر بالقول، يكون الكفر بالقول لابُدّ أن يكون مختار قاصدًا، فإذا كان مكرهًا فلا يقع، ولابُدّ أن يكون قاصدًا، فإن صدرت منه كلمة من غير قصد فلا يكون كافرًا، كالرجل الذي فقد راحلته كما في الحديث ثمَّ قال: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ هذه كلمة كفرية يقول الله: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، لكن هو غير قاصد، لم يقصد، فلابد أن يكون قاصدًا عنده قصد، ولابُدّ أن يكون مختار، فالمكره لا.
الأول: إذا تكلم بكلمة الكفر مختارًا قاصدًا جادًا هذا يكفر.
الثاني: إذا تكلم بكلمة الكفر مختارًا قاصدًا هازلًا يكفر.
الثالث: إذا تكلم بكلمة الكفر مختارًا قاصدًا خائفًا يكفر.
الرابع: أن يتكلم بكلمة الكفر مختارًا قاصدًا مكرهًا واطمأن قلبه بالكفر، فيكفر والعياذ بالله.
الخامس: أن يتكلم بكلمة الكفر مختارًا قاصدًا مكرهًا واطمأن قلبه بالإيمان فلا يكفر، لقول الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل/106].
فتكون كلمة الكفر لها حالات خاصة، في أربع حالات يكفر والخامسة لا يكفر، هذا كله يعتبر الكفر بالقول.
الثاني: يكون الكفر بالفعل كالسجود للصنم إذا سجد للصنم كفر، أو أهان المصحف، بأن وطئه بقدميه إهانة أو لطخه بالنجاسة فيكفر بالفعل والعياذ بالله، ومن الكفر بالقول سب الله وسب الرسول.
الثالث: وقد يكون الكفر بالاعتقاد كأن يعتقد أن هناك خالق مع الله أو هناك مدبر لهذا الكون، أو يعتقد أن لله شريك في ملكه في تدبيره، أو يعتقد أن لله صاحبةً أو ولدًا، فيكفر بهذا الاعتقاد.
الرابع: الشك، أن يشك في ربوبية الله أو في إلوهيته أو يشك في البعث أو في الجنّة أو في النَّار فيكفر بهذا الشك.
الخامس: أن يكون الكفر عن إعراض، يعني يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعبد الله، قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُون [الأحقاف/3]، هذا إذا أعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعبد الله هذا ردة.
السادس: الظن، كأن يظن بالله ظنًا سيئًا، يظن أن الله لا ينصر دينه ولا يعلي كلمته، ويظن أن الكفار سيقضون على المسلمين قضاءً مبرمًا ولا يقوم للإسلام قائمة، هذا من أنواع الكفر، قال تعالى: بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا [الفتح/12].
فمن ظن أن الله لا يغفر لعباده المؤمنين وأن الله يديم الكفار إدامة مستمرة وأنّه ينتهي الإسلام ولا تقوم له قائمة فهذا ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار، نسأل الله العافية.
يكون على هذه الأحوال من كفر بالله بالقول أو بالفعل أو بالاعتقاد أو بالشك أو بالإعراض أو بالظن، ستة أنواع.
الطالب: (...09:47)
الشيخ: في فرق، الخائف يخشى أن يناله أذى، والمكره أكره جاء إنسان وأكرهه، فالمكره ألجأه، قال له: تكلم بكلمة الكفر وإلَّا قتلتك، ووضع السلاح فوق رأسه، هذا مكره، والخائف ما جاءه واحد هو بس يخاف، ما جاءه واحد ولا أكرهه لكن يخاف.
الطالب: (...10:22)
الشيخ: التهديد إذا كان من شخص قادر عليه يستطيع التنفيذ أو يغلب على الظن أنّه ينفذ؛ هذا إكراه، أما شخص يتكلم لكن ما له تهديد ولا له سلطة فهذا لا يكون إكراهًا؛ و لا يغلب على الظن أنّه ينفذ هذا ما يكون إكراهًا.
(هي كفر مسلمٍ مختارٍ عاقلٍ باللّه، أو صفةٍ من صفاته) الكفر يكون بالجحود، إذا جحد أنكر، وهو داخل في الاعتقاد، إذا جحد صفة من صفات الله، جحد صفة الاستواء أو العلم أو القدرة فإنه يكفر بخلاف المتأول، إذا تأول الاستواء بالاستيلاء -هذه شبهة- شبهة فلا يكفر.
(أو جعل له شريكاً أو ندّاً أو ولداً ونحوه) أو جعل لله شريكًا في الربوبية أو في الإلوهية، جعل لله شريكًا في الربوبية قال: هناك رب مع الله، أو في الخالق، قال: هناك خالق مع الله، أو في الملك، قال: هناك شريك في الملك، أو جعل لله شريك في الأسماء أو في الصفات، أو جعل لله شريك في العبادة والإلوهية، يستحق العبادة يحبه كما يحب الله، ويدعوه كما يدعو الله هذا ردة عن الإسلام هذا كفر، كونه يجعل لله شريكًا أو ندًا يعني مثيلاً، الند هو المثيل، مثيل لله جعل لله ندًا في العبادة أو في الربوبية أو في الإلوهية أو في الأسماء والصفات.
(أو جعل له شريكاً أو ندّاً أو ولداً ونحوه) جعل لله شريك أو ند أي جعل لله مثلاً، فجعل لله شريكًا في الملك، أو ولدًا، قال: إن الله له ولد، هذا من الكفر الغليظ الذي قال فيه الله تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم/90-92].
هذا أمر عظيم، تكاد السموات تتفطر وتتشقق وتنشق الأرض وتخر الجبال، تكاد السموات أن تتفطر وتنشق الأرض وتخر له الجبال، نسأل الله العافية.
المتن:
شرح الشيخ
نعم إذا جحد نبيًا بأن جحد نبوة موسى أو عيسى أو إبراهيم أو من ذكره الله، أو أيوب، أو سليمان، أو داود، جحد نبيًا أخبر الله عنه فإنه يكفر، أو جحد كتابًا، جحد التوراة أو الإنجيل أو القرآن فإنه يكفر نعوذ بالله، فهو مكذب لله.
المتن:
شرح الشيخ
أو عبادة من الخمس أنكرها، العبادات الخمس هي: الطهارة والصّلاة والزَّكاة والصوم والحج، إذا جحد واحدًا من هذه العبادات الخمس كفر، أنكر الصّلاة أو الطهارة أو الزَّكاة أو الصوم أو الحج.
المتن:
شرح الشيخ
إذا كان أمر مجمع على حله، أجمع العلماء على حل الخبز وحل المذكاة، فإذا أنكر حل الذبيحة المذكاة أو حل الخبز كفر، وكذلك أنّه أنكر أمرًا مجمع على تحريمه كأن أنكر تحريم الزنا أو الربا أو السرقة أو شرب الخمر فإنه يكفر لأنّه مكذب لله.
المتن:
شرح الشيخ
الأحكام الظاهرة كذلك إذا أنكرها، إذا أنكر الأحكام الظاهرة من الشعائر كالصلاة والزَّكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأحكام الظاهر فإنه يكفر، أو أنكر الأذان، الأذان من شعائر الدين الظاهرة.
المتن:
شرح الشيخ
أما إذا كان الشخص الذي أنكر عاش في بلاد بعيدة عن المسلمين وأنكره بسبب جهله فإنه لا يكفر حتى يُعرّف.
المتن:
شرح الشيخ
(وكذا سبّ اللّه ورسوله) سب الله يعني (...16:00) الرب ، فهذا سب لله بأن اعترض على حكم الله الشرعي وعلى حكم الله القدري هذا سبٌ لله، وكذلك سب رسوله يعني أي رسول من رسول الله، سبه أو تنقصه فإنه يكفر والعياذ بالله.
(أو تشْبيهه بخلقه) نعم إذا شبه الله بخلقه كفر لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير [الشورى/11]، فالله ليس له مثيل لا في ذاته ولا في أسمائه وصفاته.
المتن:
شرح الشيخ
نعم يستتاب ثلاثًا فإن أسلم وإلَّا قتل، يستتاب ثلاثة أيام، ثلاثة أيام وجوبًا، وقيل: يستتاب ثلاثة أيام استحبابًا، وقيل: يستتاب من غير إمهال ثلاثة أيام.
المتن:
شرح الشيخ
ومال المرتد ماله فيء لبيت المسلمين، إذا ارتد فإنه (...17:29) المسلمون على المذهب، وإنّما يؤخذ المال ويوضع في بيت مال المسلمين.
القول الثاني: أنّه يكون لورثته ولو كان مرتدًا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
الطالب: (...17:47)
الشيخ: شاتم الرسول يكفر ما يستتاب على الصحيح، عند المحققين بعض أنواع الردة لا يستتاب صاحبها كمن سب الرسول ﷺ، ومن استهزأ بالله، وما أشبه ذلك، وأما سب غير الرسول فهذا لا يُقتل، جاء في النسائي قصة الرجل الذي سب أبا بكر وقال أبو بردة: أنا أقتله، فغضب أبو بكر وقال: هذا.. ليس لأحد بعد رسول الله، فسب الرسول يقتل، أما سب غيره هذا فيه تفصيل، قد يقتل وقد لا يقتل.
الطالب: (...18:48)
الشيخ: نعم إذا استهزأ بها كفر، هذا كفر ردة، قال تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُون لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة/65-66]. إذا استهزأ بالصلاة أو بالمصلين لدينهم ليس أشخاصهم وذواتهم فإنه يكون ردة والعياذ بالله.
المتن:
شرح الشيخ
المال مال المرتد يكون فيء لبيت مال المسلمين ولا يأخذه أقاربه المرتد.
والقول الثاني: أنّه يكون لأقربائه ذهب إليه شيخ الإسلام.
(ولا يرقّ ولا ولده الذي ولد قبْل الرّدّة) المرتد لا يكون رقيقا (...19:55) يستحق القتل ، يقام عليه الحد، وكذلك لا يرق أولاه الذين ولدوا قبل الردة، ومفهومه أن أولاده يُسترقّون إذا كانوا بعد الردة، والصواب أنّه حتى بعد الردة لا يسترقوا.
المتن:
شرح الشيخ
بركة.