شعار الموقع

شرح سورة البقرة من مختصر تفسير ابن كثير 01

00:00
00:00
تحميل
116

الملف الصوتي الأول

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ

ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِهَا

فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، فَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ لَا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ»، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيْحٌ)([1]).

قال: (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُسْمَعُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

وَرَوَى الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا مِنْ بَيْتٍ تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ.

وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْبَيْتَ شَيْطَانٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ: أَرْبَعٌ مِنْ أَوَّلِهَا، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَآيَتَانِ بَعْدَهَا، وَثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا)([2]).

(وَفِي رِوَايَةٍ: لَمْ يَقْرَبْهُ وَلَا أَهْلَهُ يَوْمَئِذٍ شَيْطَانٌ وَلَا شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَلَا يُقْرَآنِ عَلَى مَجْنُونٍ إِلَّا أَفَاقَ.

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا، وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ الْبَقَرَةُ، وَإِنَّ مَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ لَيْلَةً لَمْ يَدْخُلْهُ الشَّيْطَانُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَمَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ نَهَارًا لَمْ يَدْخُلْهُ الشَّيْطَانُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَابْنُ مَرْدُوْيَه.

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذَوُو عَدَدٍ، فَاسْتَقْرَأَهُمْ فَاسْتَقْرَأَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ يَا فُلَانُ؟»، فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ: «أَمَعَكَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ؟»، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ: وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ سُوْرَةَ الْبَقَرَةِ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَلَّا أَقُومَ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا القُرْآنَ وَاقْرَؤُوهُ، فَإِنَّ مَثَلَ القُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مسْكًا يَفُوحُ رِيحُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَمَثَلُ مَنْ تَعَلَّمَهُ، فَيَرْقُدُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ، كَمَثَلِ جِرَابٍ أوكِي عَلَى مِسْكٍ».

هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ثُمَّ رَوَاهُ مُرْسَلًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ، إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ، فسكَنتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ، فَسَكَنَتْ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا. فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا أَخَذَهُ رَفْعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَير». قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّة فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، فَخَرَجْتُ حَتَّى لَا أَرَاهَا، قَالَ: «وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟». قَالَ: لَا. قَالَ: «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ».

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ العَالم أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، والله أعلم.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ مُهَاجِرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ»([3])).

[ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِهَا مَعَ آلِ عِمْرَانَ]

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُهَاجِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ». قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَآلَ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ، يُظلان صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ، أَوْ فرْقان مِنْ طَيْرٍ صَوافّ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ. فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ، لَا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَج الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا).

(التفسير)

هذه الأحاديثُ فيها فضلُ قراءة القرآن وتلاوة القرآن، والعمل بالقرآن، فتلاوةُ القرآن عبادة، ولكنَّها وسيلة إلى التلاوة الحُكمية، فالتلاوة اللفظيَّة عبادة ووسيلةٌ إلى التلاوة الحُكمية، والتلاوةُ الحُكمية هي تصديقُ أخباره وتنفيذ أحكامه، وهذه هي التي عليها مدارُ السعادة والشقاوة، كما قال - سبحانه -: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} أي: يعمَلون به حقَّ العمل  {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به}.

فالتلاوةُ تلاوتان: تلاوةٌ لفظيَّة، وهي قراءةُ القرآن وهذه فيها أجرٌ وثوابٌ وفضلٌ عظيمٌ، كما في حديث ابن مسعودٍ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ: الْم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»؛ رواه الترمذي وقال: (حديثٌ حسن)([4]).

فإذا قرأ المُسلمُ: {الم} فهذه ثلاثة حروف، بثلاثين حسنة إذا تقبَّل الله، ولكن التلاوةُ الحُكمية هي التي عليها مدارُ السعادة والشقاوة، كما سمِعنا في الحديث: أن القرآن يلقَى صاحبَه كالرجل الشاحِب([5])، فإن كان في الحديث الذي رواه الإمام مسلم: «وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»([6])، حُجَّةٌ لك إن عمِلتَ به، وحُجَّةٌ عليك إن لم تعمَل به.

والمُراد من قوله: «يَلْقَى القُرْآن» يعني: عملُه بالقرآن وهو الذي يلقَى صاحبَه ويأخذُ بيدِه، ويُحلِّيه ويجعل على رأسِه تاج الوَقار ؛ لأن القرآن كلام الله، وكلامُ الله صفةٌ من صفاتِه، لكن المُراد: عملُه بالقُرآن.

وقولُه: «وَلَا تَسْتَطِيْعُهَا البَطَلَةُ» يعني: السَّحَرة، «اِقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» ([7]) البطَلَةُ السَّحَرة.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

 (وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بَعْضَهُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلِبَعْضِهِ شَوَاهِدُ.

فَمِنْ ذَلِكَ: حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «اِقْرَؤُوا القُرْآنَ فَإِنَّهُ شَافِعٌ لِأَهْلِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ([8])، اِقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ يُحَاجَّانِ عَنْ أَهْلِهِمَا يَوْمَ القِيَامَةِ»، ثُمَّ قَالَ: «اِقْرَؤُوا البَقَرَةَ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيْعُهَا البَطَلَةُ».

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ.

الزَّهْرَاوَانِ: الْمُنِيرَتَانِ، وَالْغَيَايَةُ: مَا أَظَلَّكَ مِنْ فَوْقِكَ. والفِرْقُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ، وَالصَّوَافُّ: الْمُصْطَفَّةُ الْمُتَضَامَّةُ. وَالْبَطَلَةُ: السَّحَرَةُ، وَمَعْنَى «لَا تَسْتَطِيعُهَا» أَيْ: لَا يُمْكِنُهُمْ حِفْظُهَا، وَقِيلَ: لَا تَسْتَطِيعُ النُّفُوذَ فِي قَارِئِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ)([9]).

(وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ النَّوّاس بْنِ سِمْعان. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُمْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ». وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: «كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْق، أَوْ كَأَنَّهُمَا فرْقَان مِنْ طَيْرٍ صَوَاف يُحَاجَّان عَنْ صَاحِبِهِمَا».

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ).

(التفسير)

وهذا لمن عمِلَ بهما، لمن عمِلَ وصدَّق الأخبار ونفَّذ الأحكام، أما من لم يعمَل بهما فليس له هذا الفضلُ، بل يكون القرآن حُجَّةً عليه يسُوقُه حتى يكُبَّه على مناخِره في النار، كما جاء في الحديث الآخر. إن كان عمِلَ به قادَه وساقَه إلى الجنة، ودافعَ عنه، حتى يقول الله: «شَأْنُكَ بِهِ»، ويُحلَّى الكرامة، وإن لم يعمَل به فإنه يقودُه ويسُوقُه إلى النار - والعياذُ بالله - ولا يزالُ يقذِفُ بالحُجَجِ ضدَّه حتى يقول الله: «شَأْنُكَ بِهِ»، فلا يزالُ به حتى يكُبَّه على وجهِه في النار([10])، أعوذُ بالله.

والتلاوة تلاوتان:

التلاوة الحكمية: وهي العمل به؛ تصديقُ الأخبار وتنفيذُ الأحكام، وامتثال الأوامر واجتِنابِ النواهِي، والاتِّعاظ بالمواعِظ، والازدِجَار بالزواجِر، والعمل بالمُحكَم والإيمان بالمُتشابِه، هذه هي التلاوة التي عليها مدارُ السعادة والشقاوة.

والتلاوةُ اللفظيَّة عبادةٌ ووسيلةٌ إلى التلاوة الحُكمية، وأهلُ القرآن هم الذين يعمَلون به ولو لم يحفَظوه عن ظهر قلبٍ، وإذا حفِظَه المسلم عن ظهر قلبٍ فهو أفضلُ، وإذا عمِلَ به فهو من أهل القرآن، ولو كان يقرأ من المُصحف، فإذا كان يقرؤه ويعملُ به فهو من أهله.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

فَصَلٌ

وَالْبَقَرَةُ جَمِيعُهَا مَدَنِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وهي من أوائل ما نزلَ بها، لكن قوله تعالى فيه: {واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} .. الآية، يُقال: إنها آخِرُ ما نزَلَ مِنَ القُرْآنِ، ويحتمِلُ أن تكون منها، وكذلك آياتُ الرِّبا من آخرِ ما نزَلَ.

وكان خالدُ بن مَعدَانَ يُسمِّي البقرةَ (فِسْطاطَ القُرآن)، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَلْفِ خَبَرٍ، وَأَلْفِ أَمْرٍ، وَأَلْفِ نَهْيٍ. وَقَالَ الْعَادُّونَ: آيَاتُهَا مِائَتَانِ وَثَمَانُونَ وَسَبْعُ آيَاتِ([11])، وَكَلِمَاتُهَا سِتَّةُ آلَافِ كَلِمَةٍ وَمِائَتَانِ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ كَلِمَةً، وَحُرُوفُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَخَمْسُمِائَةِ حَرْفٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ.

وَقَالَ خصيف: عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ.

وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ، وَالْمُفَسِّرِينَ، وَلَا خِلَافَ فيه.

ورَوَى ابْنُ مَرْدُويه من حدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مَرْثَدٍ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا ، فَقَالَ: «يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ». وَأَظُنُّ هَذَا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، يَومَ وَلَّوْا مُدْبِرِينَ أَمَرَ الْعَبَّاسَ فَنَادَاهُمْ: «يَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ»، يَعْنِي أَهْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: «يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ»؛ لِيُنَشِّطَهُمْ بِذَلِكَ، فَجَعَلُوا يُقْبِلُونَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ([12]).

وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ مَعَ أَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ، جَعْلَ الصَّحَابَةُ يَفِرُّونَ لِكَثَافَةِ جَيْشِ بَنِي حَنِيفَةَ، فَجَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَتَنَادَوْنَ: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.

رَضِيَ اللَّهُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ.

((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الم)) الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ هِيَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ.

رُوِيَ ذلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجمَعِينَ.

(التفسير)

وهذا هو الصوابُ، رُوِي عن الخُلفاء الأربعة وعُمر وعُثمان وعليٍّ، أنه مما استأثَرَ الله بعلمِه، لا يعلمُ مُرادَه إلا هو، وليس معنى ذلك: أنه ليس لها معانٍ، بل لها معانٍ لكن الله أعلمُ بها، وبعضُ العلماء ذكرَ لها معانٍ، قال بعضُهم: إنها أسماءُ السُّور، وقال بعضُهم: إنها ترمُزُ إلى أسماء لله، وقيل أقوالٌ أخرى، ولكن أصوبُها: أنه لا يعلمُ معناها إلا الله، وهي مما استأثَرَ الله بعلمِه.

أما الحكمةُ من الإتيان بها: فهي الدلالةُ على إعجاز القرآن، كما سيُبيِّن المُؤلِّفُ، وكما اختارَه شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والحافظُ أبو الحجَّاجِ المِزِّي أن الحِكمة من الإتيانِ بها: الدلالة على إعجاز القُرآن، وأن القرآن مُكوَّن من الحُروف الثمانية والعشرين حرفًا التي يتكلَّمُ بها الناس، ومع ذلك عجِزَ الناسُ أن يأتُوا بمثلِه أو بعشرٍ سُورٍ مثلِه أو بسُورةٍ مثلِه، هذه الحكمةُ من الإتيان بها، الدلالةُ على إعجاز القرآن. أما معناها فاللهُ أعلمُ به، هذا الصوابُ.

وقال بعضُ العلماء بأقوال أخرى، بعضُهم قال: تُشيرُ إلى أسماء الله، وبعضُهم قال: إلى أسماء كذا وإلى كذا، لكن هذا هو الصوابُ الذي اختارَه الحافظُ ابن كثيرٍ، والذي نبَّه عليه المُحقِّقون من أهل العلم: أنها لا يعلم معناها إلا الله، لها معانٍ لكن الله أعلمُ بها. مثل ذات الربِّ، لا نعلَم كيفيَّة ذات الربِّ، ولا كيفيَّة صفاته، ولا كيفيَّة حقائِق الجنة حقائِق النار، هذا مما استأثَرَ الله بعلمِه، لا نعلمُ حقائِق الجنة وحقائِقَ النار إلا إذا دخلَ المُؤمنُ الجنةَ عرفَ حقائِقَها، فهي لها معانٍ لكن الله أعلمُ بها، فهي مما استأثَرَ الله بعلمِه.

كما أن لله تعالى أسماء لا يعلمُها إلا هو، كما يدلُّ عليه حديث: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ»([13])، هناك أسماء استأثَرَ الله بعلمِها، لا يعلمُها إلا هو، فكذلك هنا معنى الحروف المُقطَّعة الله أعلمُ بها.

أما الحكمةُ من إتيانها فالدلالةُ على إعجاز القرآن، ولذلك يأتي بعد كل سُورةٍ استفتَحَت بالحروف المُقطَّعة الانتصارُ للقُرآن: {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه}، {ن والقلم وما يسطرون}، {ق والقرآن المجيد}، {ص والقرآن ذي الذكر}.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

وقِيلَ: هِي أسماءُ السُّوَر([14])، وقِيلَ: هي فواتِحُ افْتَتَحَ الله بها القرآن([15])، وقال خُصَيفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ أنه قال: فَواتِحُ السُّورِ كلُّها (ق، وص، وحم، وطسم، والر، وغير ذلك هِجاءٌ موضوعٌ([16]).

وقال بعضُ أهل العربيَّة: هي حروفٌ من حروف المُعجَم، استغنَى بذكرِ ما ذكرَ منها في أوائلِ السُّور عن ذكرِ بواقِيها التي هي تتمَّةُ الثمانية والعشرين حرفًا. كما يقول القائلُ: ابنِي يكتُبُ في (ا ب ت ث) أي: في حروف المُعجَم الثمانية والعشرين، فيُستغنَى بذِكر بعضِها عن مجمُوعِها. حكاهُ ابنُ جريرٍ.

قُلتُ: مجموعُ الحروفِ المذكُورةِ في أَوائِلِ السُّور بحذفِ المُكرَّرِ منها أربعة عشر حرفًا، وهي: (ا ل م ص ر ك هـ ي ع ط س ح ق ن)، يجمعُها قولُك: (نصٌ حكيمٌ قاطعٌ له سِرٌّ)، وهي نصفُ الحروفِ عددًا، والمذكورُ منها أشرفُ من المترُوك، وبيانُ ذلك من صناعةِ التصرِيفِ.

قال الزمخشري: وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة، ومن الرخوة والشديدة، ومن المطبقة والمفتوحة، ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة.

وقد سردها مفصلة ثم قال: فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته، وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها، وقد علمتَ أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله.

ومن هاهنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلامًا، فقال: لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثًا ولا سدى؛ ومن قال من الجهلة: إنَّه في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية، فقد أخطأ خطأ كبيرًا، فتعين أن لها معنى في نفس الأمر، فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به، وإلا وقفنا حيث وقفنا، وقلنا: {آمنا به كل من عند ربنا} [آل عمران: 7].

ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين، وإنما اختلفوا، فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه، وإلا فالوقف حتى يتبين هذا مقام. ([17])

[الحروف المقطعة دالة على إعجاز القرآن]

 المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور، ما هي؟ مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها.

فقيل: بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها.

وقد حكى هذا المذهب فخر الدين الرازي في «تفسيره» عن المبرد وجمع من المحققين.

وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا وقرره الزمخشري في «كشافه»، ونصره أتم نصر وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن تيمية وشيخنا الحافظ الجهبذ أبو الحجاج المزي وحكاه لي من ابن تيمية([18]).

قال الزمخشري: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي بالصريح في أماكن، قال: وجاء منها على حرف واحد كقوله:ـ ص ن ق ـ وحرفين مثل (حم) وثلاثة مثل (الم) وأربعة مثل (المر) و(المص) وخمسة مثل (كهيعص) و(حم عسق) لأن أساليب كلامهم على هذا من الكلمات ما هو وعلى حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك.

(قلت) ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة، ولهذا يقول تعالى: { الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيه} [البقرة: 1، 2]. { الم * اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [آل عمران: 1-3]. { المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} [الأعراف: 1، 2]. { الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [إبراهيم: 1] { الم  * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِين } [السجدة: 1، 2]. { حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم } [فصلت: 1، 2]. { حم * عسق  * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيم } [الشورى: 1-3]، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر، والله أعلم([19]).

 

([1]) قال الشارح حفظه الله: وذلك لأن فيها آية الكُرسي، وآيةُ الكُرسي من قرأها عند النوم لم يزَل عليه من الله حافِظ، ولا يقرَبُه الشيطان حتى يُصبِح، كما جاء في الحديث الصحيح.

([2]) قال الشارح حفظه الله: أربع آيات من أولها: ((الم)) إلى قوله: ((أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون))، وآيةُ الكرُسيِّ، وبعدها ((لا إكراه في الدين))، و((الله ولي الذين آمنوا))، وثلاث آياتٍ من قوله: ((لله ما في السماوات وما في الأرض)) إلى آخر السورة.

([3]) قال الشارح حفظه الله: والبَطَلة السَّحرة.

([4])  رواه الترمذي في الجامع (2910) وقال: وَيُرْوَى هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، رَوَاهُ أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، سَمِعْت قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ: «بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ القُرَظِيَّ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ يُكْنَى أَبَا حَمْزَةَ .

([5]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 10/ 492 - 493، وأحمد في المسند (22950)، والدارمي في السنن (3391) من طريق بشير بن المهاجر عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي أَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ" . وإسناده ضعيف لضعف بشير بن المهاجر.

([6])  صحيح مسلم (223) من حديث أبي مالك الأشعري.

([7]) رواه مسلم (804).

([8]) قال الشارح حفظه الله: وهذا رواه مُسلمٌ في (صحيحه)، وكذلك يشهَدُ له حديثُ النوَّاس بن سَمعان: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا تَقَدَمُهُمْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ، تُظَلِّلَانِ صَاحِبَهُمَا».

([9]) قال الشارح حفظه الله: وهذا الأقربُ، الأقربُ أنها لا تستطيعُ النفوذَ في قارِئِها إذا قرأَها عن صِدقٍ وإخلاصٍ وحُضورِ قلبٍ.

([10])كما في الحديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُمَثَّلُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلًا، فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ قَدْ حَمَلَهُ فَخَالَفَ أَمْرَهُ، فَيَتَمَثَّلُ خَصْمًا لَهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَمَّلْتَهُ إِيَّايَ فَشَرُّ حَامِلٍ تَعَدَّى حُدُودِي، وَضَيَّعَ فَرَائِضِي، وَرَكِبَ مَعْصِيَتِي، وَتَرَكَ طَاعَتِي، فَمَا يَزَالُ يَقْذِفُ عَلَيْهِ بِالْحُجَجِ حَتَّى يُقَالَ: فَشَأْنُكَ بِهِ فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ، فَمَا يُرْسِلُهُ حَتَّى يَكُبَّهُ عَلَى مَنْخِرِهِ فِي النَّارِ، وَيُؤْتَى بِرَجُلٍ صَالِحٍ قَدْ كَانَ حَمَلَهُ، وَحَفِظَ أَمْرَهُ، فَيَتَمَثَّلُ خَصْمًا لَهُ دُونَهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَمَّلْتَهُ إِيَّايَ فَخَيْرُ حَامِلٍ، حَفِظَ حُدُودِي، وَعَمِلَ بِفَرَائِضِي، وَاجْتَنَبَ مَعْصِيَتِي، وَاتَّبَعَ طَاعَتِي، فَمَا يَزَالُ يَقْذِفُ لَهُ بِالْحُجَجِ حَتَّى يُقَالَ: شَأْنُكَ بِهِ، فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ فَمَا يُرْسِلُهُ حَتَّى يُلْبِسَهُ حُلَّةَ الْإِسْتَبْرَقِ، وَيَعْقِدَ عَلَيْهِ تَاجَ الْمُلْكِ، وَيَسْقِيَهُ كَأْسَ الْخَمْرِ ". رواه ابن أبي شيبة في المصنف (30667) وابن الضريس في فضائل القرآن (91).

([11]) قال الشارح حفظه الله:وهي أطولُ سُورةٍ في القرآن، ثم تلِيها آلُ عِمران، فهي تُقارِب جُزآن ونصف إلا قليل، ثم يَليها آلُ عِمران في الطُّول، وكذلك آيةُ النساء، هي أطولُ سُوَر القرآن هذه السور الثلاث.

([12]) قال الشارح حفظه الله:وهذا يدلُّ على أن أصحاب البقرة لهم شأن، يعني: الذين يعمَلون بالبقرة، البقرةُ فيها أحكامٌ عظيمة: ألفُ أمر، وألفُ نهي، وألفُ خبر، أحكامٌ عظيمة، أحكامُ الجهاد، وأحكامُ الحَيض والنِّفاس، وأحكام الطلاق، وأحكامُ الصيام، أحكام البيع والشراء، وأحكامُ المُدايَنَات، وفيها أخبارُ بني إسرائيل، وأخبارُ الأُمم السابقة، وفيها الأمثالُ، وفيها أمورٌ عظيمة.

فأهلُ البقرة لهم شأنٌ، ولهذا نادَاهم يوم حُنينٍ، أمرَ العبَّاسَ أن يُنادِيهم: (يا أصحَابَ سُورَةِ البَقَرَةِ)، فقالوا: يا لبَّيكَ لبَّيكَ، وعطَفوا عليها عطفَ البقرة على أولادِها، تسارَعوا.

([13]) أخرجه أحمد في "المسند" (1/391) والبزار (1994) وأبو يعلى (5297) وغيرهم من حديث عبد الله بن مسعود.

([14]) قال الشارح حفظه الله: هذا قولٌ آخر.

([15]) قال الشارح حفظه الله: هذا قولٌ ثالثٌ.

([16]) قال الشارح حفظه الله: هذا قولٌ ثالثٌ.

([17]) قال الشارح حفظه الله: هذا هو الصوابُ، كما ذكر المُؤلِّفُ رحمه الله: (منْ ظَهَرَ له شيءٌ بدلِيلٍ يقولُ به)، لكن ليس هناك دليلٌ على المعنى المُراد من هذه الحُروف، فهي مما استأثرَ الله بعلمِهِ، كما ذهبَ إلى هذا الخلفاءُ الأربعة: أبو بكر، وعُمر، وعثمانُ، وعليٌّ وابنُ مسعُودٍ رضي الله عنهم، وغيرُهم.

وهناك أقوال أخرى، حتى بلغَت إلى ثلاثين قول في الحروف، منهم من يقول: بعضُها تُشيرُ إلى بعض جبالِ الدنيا، وبعضُهم يقول: ترمُزُ إلى أسماء السور، أو إلى أسماء الله، كلُّ هذه أقوال تخمين ليس عليها دليل، والصوابُ: أنها مما استأثَرَ الله بعلمِهِ، لها معنى ـ لكن ـ الله أعلمُ به.

أما الحكمةُ من الإتيانِ بها كما سيُبيِّنُ المُؤلِّف: الدلالة على الإعجاز.

([18]) قال الشارح حفظه الله: وهو شيخُ الإسلام ابن تيمية المعروف، هو أبو العباس.

([19]) قال الشارح حفظه الله: والخلاصةُ في هذا: أن الحروف المُقطَّعة مما استأثَرَ الله بعلمِهِ، لا يعلمُ معناها إلا الله، أما الحكمةُ من الإتيانِ بها فهي للدلالة على إعجاز القرآن، ولهذا كلُّ سُورةٍ افتُتِحَت بالحروفِ المُقطَّعة يأتي بعدها الانتصارُ للقرآن.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد