شعار الموقع

شرح سورة البقرة من مختصر تفسير ابن كثير 04

00:00
00:00
تحميل
112

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

 (وكَذِبَهم المُؤمنين بدعواهم غيرَ ما هم عليه مُقيمون من الشكِّ والرَّيبِ([1])، ومُظاهَرتُهم أهلَ التكذيبِ باللهِ ورسُلِهِ على أولياءِ الله إذا وجَدُوا إلى ذلك سبيلًا([2]). فذلكَ إفسادُ .. الكافرين أولياء([3])، كما قال جلَّ وعلا: {والذين كفروا بعضُهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض فساد كبير}، فقطعَ الله المُوالاةَ فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا } [النساء: 144] ثم قال: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } [النساء: 145] فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين، فكأن الفساد من جهة المنافق حاصل؛ لأنه هو الذي غَرّ المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له، ووالى الكافرين على المؤمنين، ولو أنه استمر على حاله الأولى لكان شرّه أخف، ولو أخلص العمل لله وتطابق قوله وعمله لأفلح ونجح؛ ولهذا قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون } أي: نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين، ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء، كما روى محمد بن إسحاق، عن ابن عباس: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون } أي: إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب. يقول الله: { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُون } يقول: ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادًا.

(التفسير)

يعني: يُريدون أن يتَّخذوا يد مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ويتَّخذوا يد مع المُسلمين، كما قالوا: نخشَى من الدوائِر، نخشَى أن تكون الدائِرة على المُؤمنين فنكون وضَعنا يدًا مع اليهود والنصارى، وإذا صارَت الدائِرةُ على اليهود والنصارى نكون وضَعنا يدًا مع المُؤمنين، كما قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}، ثم قال: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} نخشَى من الدوائِر، {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده}.

فهم الآن يكون لهم يد مع المُؤمنين، ويكون لهم يد مع اليهود والنصارى، بزعمِهم أنهم يحتاطُون لأنفسِهم، وأنه إن صارَ النصرُ للمُؤمنين اتَّخذوا معهم يدًا، وقالوا: نُشارِكُهم الغنيمة، وإن صارَ الهزيمةُ على المُؤمنين والنصر لليهود والنصارى وضَعوا معهم يدًا، وقالوا: نحن كنَّا معكم.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

قال تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء}

(التفسير)

هذه الصفاتُ من صفاتِ المُنافقين بيَّنها الله، منها:

الوصفُ الأول: إظهارُ الإيمان وإبطانُ الكفر، {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}.

الوصف الثاني: الخِداع، {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون}.

الوصفُ الثالث: قولُه: {في قلوبهم مرض} مرضُ الشكِّ والشُّبهة والحَيرة والاضطِراب، بخلافِ المُؤمن فإن عنده طُمأنينة وإيمانًا وصِدقًا ويقينًا {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم}.

الوصفُ الرابعُ: أنهم يُفسِدون في الأرض ويُسمُّونه إصلاحًا، {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون}.

هذه أربعة أوصاف للمُنافقين، وسيأتي إن شاءَ الله بقيَّةُ الأوصاف.

قد يقول قائل: عرَفنا الأصنافَ الثلاثة للبشَر، وهم: المؤمنون والكافرون والمنافقون، وقد عُرِف مصيرُ كلٍّ من هذه الأصناف. فما مصيرُ الذين في غابات أفريقيا مثلًا، أو الذين لم يبلُغهم الإسلام؟

نقول: هؤلاء الذين لم يبلُغهم الإسلام حُكمُهم حكمُ أهل الفترات عند أهل العلم سواءٌ ، الذين لم يبلُغهم الإسلام ولم يعلَموا شيئًا حُكمهم حكمُ أهل الفترات، قال الله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}.

وأهلُ الفترات أصحُّ ما قيل فيهم، ذهب إليه المُحقِّقون كشيخ الإسلام وغيره أنهم يُمتحَنون يوم القيامة، ويُجرَى لهم امتِحان.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

{وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء

ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون}

يقول رحمه الله: (يقول تعالى: وإذا قيل للمُنافقين: : { آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ } أي: كإيمان الناس بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنَّة والنَّار وغير ذلك، مما أخبر المؤمنين به وعنه، وأطيعوا الله ورسوله في امتثال الأوامر وترك الزواجر { قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء} يعنون - لعنهم الله - أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم . قاله أبو العالية والسدي في تفسيره، بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة ، وبه يقول الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، يقولون: أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء!!

والسفهاء جمع سفيه كما أن الحكماء جمع حكيم، والحلماء جمع حليم، والسفيه هو الجاهل الضعيف الرأي القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضارِّ ولهذا سمى الله النساء والصبيان سفهاء في قوله: {ولا  تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} قال عامة علماء التفسير: هم النساء والصبيان، وقد تولى الله، سبحانه، جوابهم في هذه المواطن كلها، فقال { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء } فأكد وحصر السفاهة فيهم.

{ وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُون } يعني: ومن تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل، وذلك أردى لهم وأبلغ في العمى، والبعد عن الهدى.

(التفسير)

فهذا وصفٌ من أوصافِ المُنافقين، سبقَ أن الله سبحانه وتعالى ذكرَ في أول مطلَع هذه السورة الكريمة - وهي سورة البقرة - أصنافَ الناس، وأنهم ثلاثة أصناف:

الصنفُ الأول: المُؤمنون ظاهرًا وباطنًا، ذكرَهم الله في أربع آيات، وذكر لهم أوصافًا خمسة، في قوله تعالى: { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}، وحصرَ الهدايةَ والفلاحَ فيهم فقال: {أولئك على هدى من ربهم} يعني: في الدنيا، {وأولئك هم المفلحون} في الآخرة.

ثم ذكرَ الصِّنفَ الثاني في آيتين: وهم الكفار ظاهرًا وباطنًا.

النوع الأول: المؤمنون ظاهرًا وباطنًا، والنوع الثاني: الكفارُ ظاهرًا وباطنًا، ذكرَهم في آيتين، وبيَّن سبحانه وتعالى أن من أوصافهم: أنهم لا ينتفِعون بالمواعِظ، وأن الإنذار وعدمُه سواء، وأن الله ختمَ على قلوبِهم وطبعَ عليها، وجعلَ على أبصارهم غِطاء وغِشاوة، لقوله: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيم}، فالختمُ على القلوب والأسماع، والغِشاوة على الأبصار.

ثم ذكرَ الصِّنفَ الثالث: وهم الذين يُظهِرون الإيمان في الظاهر، ويُبطِنون الكفرَ في الباطن، فهم مع المُؤمنين في الظاهر، ومع الكفَّار في الباطن، وهذا الصِّنفُ هو أخطرُ من الصِّنف الثاني وهم الكفَّار؛ لأنهم يعيشُون بين المُسلمين، ويُظهِرون الإسلام، ويُدبِّرون المكائِد في القضاء على الإسلام والمُسلمين، وهم معدُودون من المُسلمين، وتُجرَى عليهم أحكامُ الإسلام في الظاهر، ومن أظهرَ منهم نِفاقَه فإنه يُعامَلُ مُعاملةَ الكفَّار.

ذكرَهم الله في ثلاث عشرة آية، لشدَّة خطرهم على الإسلام والمُسلمين، ذكر الله أوصافَهم:

الوصف الأول، أنهم يُظهِرون الإيمان بألسنتهم، ويُبطِنون الكفرَ بقلوبِهم، {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}.

الوصفُ الثاني من أوصافهم: الخِداعُ لله ولرسولِه، ولكن خِداعُهم إنما يعودُ على أنفسِهم، {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون}.

الوصفُ الثالثُ: أن في قلوبهم مرضًا، وهو مرضُ الشكِّ والشُّبهة والنِّفاق، وأن الله زادَهم مرضًا بسبب صُدودهم وإعراضهم عن الحقِّ، {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}.

الوصفُ الرابعُ: أنهم يُسمُّون الإفساد إصلاحًا، يُفسِدون في الأرض وينشُرون الفساد ويُسمُّونه إصلاحًا، {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} كما هو الواقعُ الآن قديمًا وحديثًا، فالمُنافِقون موجودون في كلِّ زمانٍ، ينشُرون الفسادَ ويُسمُّونه إصلاحًا، باسم الحضارة، والتطوُّر، والمدنيَّة، والتقدُّم.

الله تعالى حصرَ الفسادَ فيهم وأكَّده، قال: {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} المُصيبةُ أنهم لا يشعُرون، فهم مُفسِدون ولا يشعُرون أنهم مُفسِدون.

الوصفُ الخامسُ: أنهم يصِفون المُؤمنين بالسَّفَه، وهو ضعفُ الرأي وقلَّة العلم والمعرفة، فيصِفُون المُؤمنين بالسَّفَه، ويقولون: إنهم سُفهاء، فإيمانُهم إيمانُ السُّفهاء، {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء}، ولكن الله تولَّى الردَّ عليهم، وحصرَ السَّفَه فيهم، فقال: {ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون} هذا جهلٌ مُركَّب، هم سُفهاءُ ولا يعلَمون أنهم سُفهاء، لو كانوا يعلَمون لصار جهلٌ بسيط، لكنهم لا يعلَمون، فهو جهلٌ مُركَّب، كما أنهم يُفسِدون ولا يشعُرون أنهم مُفسِدون.

هذه أوصافُهم:

أنهم يُظهِرون الإيمان بألسنتهم، ويُبطِنون الكفرَ بقلوبهم.

والوصفُ الثاني: الخِداعُ لله ولرسوله، وخِداعُهم لأنفسهم.

والوصفُ الثالث: أن في قلوبهم مرض.

الوصفُ الرابع: أنهم يُفسِدون في الأرض ويُسمُّونه إصلاحًا.

الوصفُ الخامسُ: أنهم يُسمُّون الإيمان سَفَه، ويصِفُون المُؤمنين بالسَّفَه.

والمنافقون الآن لا يُظهِرونَ نفاقهم ، ولكن يقولون فيما بينهم، أو في بعض المُناسَبات، لكن في المظهَر العام هم مع المُؤمنين؛ لأنهم لو أظهَروا نِفاقَهم لقُتِلُوا، فهم الآن يُبطِنون الكفرَ حتى تسلَمَ دماؤُهم وأموالُهم؛ لأن من أظهَرَ منهم نِفاقَه قُتِل. وقد يكون هذا كما حصلَ من عبدِ الله بن أُبيٍّ، تكلَّم مع زيد ابن أرقَم وقال: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}، وأنكرَ هذا عند النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المُناسَبات، لكن في الأماكن العامَّة، وعند النبي صلى الله عليه وسلم وعند أكابِر الصحابة ما يُظهِرون هذا، لكن قد يُظهِرونه عند بعضِ المُؤمنين، مثلما أظهرَ عبدُ الله بنُ أُبيٍّ عند زيد بن أرقَم، ونقلَ هذا زيدُ بن أرقَم، فكذَّبه عبدُ الله بن أُبيٍّ، وشقَّ ذلك على زيد حتى نزلَ القرآنُ بمُوافقَته، فتلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الآية وقال: «إِنَّ اللهَ صَدَّقَكَ»([4]).

والآن العلمانيون هم المُنافِقون، وعَلمانيُّون بفتح العين، يُسمَّى عَلماني هذه تسمية، العِبرة بالمعنى، المعنى: إظهارُ الإسلام وإبطانُ الكفر، كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يُسمَّون مُنافقين، من النِّفاق، من نفِقَ اليربُوع، وذلك أن اليربُوع له جُحران: جُحرٌ ظاهر وجُحرٌ خفيٌّ، فالجُحرُ الظاهرُ يُقال له: القاصِعاء، والجُحرُ الخفيُّ يُقال له: النَّافِقاء. الجُحرُ الخفيُّ يحفِرُه حتى إذا كاد أن يخرِقَ الأرض جعلَ عليه تُرابًا، محفُور حفر، والحفرُ المعروف معروف هذا القاصِعاء، يدخلُ على الجُحر المعروف، فإذا رابَه شيءٌ وخشِيَ على نفسِه دفعَ الترابَ برأسِه مع الجُحر الخفيِّ، وخرَج.

فهذا النَّافِقاء ظاهرُه ترابٌ، وباطنُه حفر. فكذلك المُنافِق باطنُه كفر، وظاهرُه الإسلام. هذا أصلُ استِعمال النِّفاق.

ثم صارَ بعد ذلك يُسمَّى زِنديق، يُسمَّى المُنافِق بعد عصر الصحابة يُسمَّى زِنديق، والزِّنديقُ أصلًا كلمة فارِسيَّة تُطلَقُ على المُنافِق، وتُطلَقُ على الجاحِد المُعطِّل، ثم صارَ يُسمَّى في زماننا عَلمانيُّ، والمعنى واحد، هو الذي يُظهِرُ الإسلام ويُبطِنُ الكفرَ، فالعَلمانيُّون هم المُنافِقون، هم الزنادِقَة. نسألُ الله العافية

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

قال تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}

يقول ابنُ كثير: (يقول الله تعالى: وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا: {آمنا} وأظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة، غرورًا منهم للمؤمنين ونفاقًا ومصانعة وتقية، ولِيَشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم، {وإذا خلوا إلى شياطينهم} يعني: وإذا انصرفوا وذهبوا وخلصوا إلى شياطينهم.

و {شياطينهم} يعني: سادتهم وكبراءهم ورؤساءهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين.

[شياطين الجن والأنس]

يقول ابن جرير: وشياطين كل شيء مَرَدَتُه، ويكون الشياطين من الإنس والجن، كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112].

[معنى الاستهزاء]

وقوله تعالى: {قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ } روى محمد بن إسحاق، عن ابن عباس: أي إنا على مثل ما أنتم عليه { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُون } أي: إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم.

وقال الضحاك، عن ابن عباس: قالوا إنما نحن مستهزئون ساخرون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

وكذلك قال الرّبيع بن أنس، وقتادة.

وقوله تعالى جوابًا لهم ومقابلة على صنيعهم: { اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون }.

وقال ابن جرير: أخبر الله تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة، في قوله: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَاب} الآية [الحديد: 13]، وقوله تعالى: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا} الآية [آل عمران: 178].

قال: فهذا وما أشبهه، من استهزاء الله، تعالى ذكره، وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين، وأهل الشرك به.

(التفسير)

وهذا الوصفُ السادس من أوصاف المُنافقين، وهو السُّخريةُ والاستِهزاءُ بالمُؤمنين؛ حيث إنهم إذا لقُوا المُؤمنين أظهَروا لهم الإيمان، وإذا انقلَبُوا إلى رُؤسائِهم من الكفَرة والمُشرِكين واليهود أظهَروا الكفرَ وقالوا: نحن معكم قلبًا وقالَبًا، ولكننا نسخَر من هؤلاء الضُّعفَاء ضُعفاء البصائِر.

فإذًا السُّخريةُ والاستِهزاءُ بالمُؤمنين من أوصافِ المُنافقين، ولا ينبغي للمُسلم أن يتَّصِف بصفاتِ المُنافقين الذين يسخَرون ويستهزِئون بالآمرين بالمعروف والنَّاهِين عن المُنكَر، وبالدُّعاة إلى الله وبالعلماء وبأهل الخير، وبالمُستقيمين على طاعة الله. هؤلاء فيهم وصفٌ من أوصاف المُنافقين. نسألُ الله السلامة والعافية.

هذا الوصفُ وصفُ السُّخرية والاستِهزاء بالمُؤمنين، فإذا كانوا مع المُؤمنين قالوا: نحن معكم، أظهَروا لهم الإيمان، وإذا خلَوا إلى رُؤسائِهم وشياطينِهم من الكفَرة؛ لأنهم مع الكفَرة في الباطِن، مع الكفَرة المُشرِكين من أهل مكة وغيرهم ورُؤساء اليهود، هؤلاء هم شياطينُهم.

والشيطانُ يُطلقُ على كل مُتمرِّد من بني آدم ومن الحيوان، فالمُتمرِّد يُسمَّى شيطانًا، والكافرُ من الجنِّ يُسمَّى شيطانًا، والمُسلمُ من الجنِّ لا يُسمَّى شيطانًا، {شياطين الإنس والجن} الشياطين كلُّ صنفٍ له شيطان؛ فالإنسُ لهم شياطين وهم المُتمرِّدون والكفَرة والجنُّ لهم شياطين وهم الكفَرة، ومن أسلمَ منهم لا يُسمَّى شيطانًا، وكذلك المُتمرِّد من الحيوان يُسمَّى شيطانًا، مثل ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَقْطَعُ صَلَاةَ المَرْءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ مُؤَخِرَةِ الرَّحْلِ: المَرْأَةُ، وَالحِمَارُ، وَالكَلْبُ الأَسْوَدُ»، رواه مسلم في (صحيحه)([5]) قال: فقلتُ: ما بالُ الأحمر من الأسود من الأبيض؟ فقال: «الكلبُ الأسوَدُ شَيطَانٌ» شيطانٌ مُتمرِّد.

{وإذا خلوا إلى شياطينهم} يعني: كُبراءَهم ورُؤساءَهم من اليهود والمُشركين {قالوا إنا معكم} قلبًا وقالَبًا، {إنما نحن مستهزئون} بالمُؤمنين، ساخِرون، قال الله تعالى رادًّا عليهم: {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}.

وهذا الوصفُ وصفٌ من بابِ المُقابَلة، يُقال: إن الله يستهزِئُ بالمُستهزِئين، ولا يُقال: من أوصافِ الله المُستهزِئ أو الساخِر، بل هذا الوصفُ إنما هو وصفٌ في مُقابلَة استِهزائِهم.

فمثلًا لا يُقال: من أوصافِ الله الاستِهزاء ولا المكر ولا الخِداع، بل يُقال: إن الله يستهزِئُ بالمُستهزِئين، ويسخَرُ من الساخِرين، {سخر الله منهم} كما في الآية الأخرى: {فيسخرون منهم سخر الله منهم}، فالمنافقون يسخَرون من المُؤمنين فسخِرَ الله منهم.

فهذا الوصفُ في مُقابلَة سُخريتهم، {يخادعون الله وهو خادعهم} خِداعٌ في مُقابلَة خِداعهم، {ويمكرون ويمكر الله} مكرُ الله في مُقابلَة مكرِهم، {يكيدون كيدا وأكيد كيدا}، فالمكرُ والكيدُ والخِداعُ والسُّخريةُ والاستِهزاءُ هذه لا يُقال: إنها من أوصافِ الله إطلاقًا، لا تُطلَق على الله، لكن يُقال: في مُقابلتهم، إن الله يسخَر بالساخِرين من المُؤمنين، ويستهزِئ بالمُستهزِئين، ويمكُر بالماكِرين، ويكيدُ بالكائِدين، ويخدَعُ الخادِعين؛ وذلك لأن هذه الصفات؛ الخِداع والمكر والكيد صِفاتُ ذمٍّ، لكن يكون مدحًا إذا كان جزاءً وعقوبةً، فإذا كان المكرُ جزاءً وعقوبةً للماكِر صارَ مدحًا، وأما ابتِداءً فهو صفةُ ذمٍّ، فالمكرُ ابتِداءً صفةُ ذمٍّ، وكذلك السُّخريةُ، فالسُّخريةُ صفةُ ذمٍّ، لكن إذا كان في مُقابلة الساخِر وعقوبةً له صارَ مدحًا، وكذلك الخِداع صفة ذمٍّ، لكن إذا كان في مُقابلَة خِداع المُخادِع وجزائِه صارَ مدحًا، وهكذا.

ولهذا هذه الصفاتُ لا تُطلقُ على الله إلا في مُقابَلَة هؤلاء، وفي مُقابلَة فعلِهم، لقوله تعالى: {ويمكرون ويمكر الله} فمكرُهم ابتِداءً هذا ذمٌّ، لكن مكرُ الله عقوبةً لهم، صفةُ مدحٍ، يعني: عقوبةً لهم وجزاءً لهم.

ومثال ذلك: كيدُ إخوة يوسف ليوسف، كادوا له، لما رأى يُوسف الرُّؤيا وهو صغير قصَّها على أبيه قال: {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} ماذا قال له يعقوب؟ قال له: {يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين}.

كادُوا له، ماذا عمِلوا؟ كادُوا له وأخذُوه وقالوا: {يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف}، ثم أخذُوه وذهبُوا به إلى البريَّة وألقُوه في غيابَات الجُبِّ، وخلَعوا ثيابَه وجعلُوا عليها دمًا كذِبًا وجاءُوا لأبيهم وقالوا: { يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وترنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب} هذا من كيدِهم.

فالله تعالى جازاهم وكادَ ليُوسف في مُقابلة كيدِهم، بعدما مرَّ ثلاثون سنة أو أربعون سنة، وصارَ على خزائِن مصر، وصار الناسُ يأتون إليه، لما جاءَت السِّنون العِجاف، وصارَ الناسُ يأتون للكَيل، جاء إخوةُ يُوسف من فلسطين إلى مصر مع الناس، دخَلُوا عليه فعرفَهم وهم له مُنكِرون، {ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين}، {قالوا سنراود عنه أباه}، ثم راودوا عنه أباه فجاءُوا به، فلما جاءُوا به وكالَ لهم جعلَ السِّقايةَ في رَحلِ أخيه، السِّقاية الصَّاع الذي يُكالُ به، ويُستقَى به ويُشرَب به، وجعلَه في رَحل أخيه.

فلما ذهبُوا في الطريق أرسلَ رسولًا فأذَّن مُؤذِّنٌ بينهم صوَّت لهم وقال: {أيتها العير إنكم لسارقون} تعالوا قِفُوا، عندنا سرِقة، حصلَ سرِقة، أنتم سرقتُم. قالوا: كيف؟ نحن نسرِق؟! {تالله ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين}، نحن ما جِئنا لنُفسِد، نحن مساكِين جئنا نُريد الكَيل. {قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين}، قالوا: إذا كنا كاذِبين، لأنهم عندهم جزمٌ أنهم ما حصلَ منهم شيء، {قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه} حُكمٌ حكَموا، من يُوجد في رَحلِه يُؤخَذ، نحكُم عليه بأنه يُؤخَذ رَقيقًا. هذا الحُكمُ ليس في شريعةِ يُوسف، لكن هم حكَموه لأنفسهم. وهذا من كيدِ الله ليُوسف، قال الله: {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه}، لما جاء يُفتِّش بدأَ بأوعيتهم ما بدأَ بوِعاء أخيه، حتى لا يظنُّوا أنه معروف، بدأَ بأوعيتهم كلَّهم فتَّشهم كلَّهم، وهم أحد عشر، فما وجدَ شيئًا، ثم الأخير أخوه لأبيه لما فتَّشَه وجدَه.

{فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه}، قال الله: {كذلك كدنا ليوسف}، هذا من كيدِ الله ليُوسف مُقابِل كيدِهم. فهذا الكيدُ جزاء، {كذلك كدنا ليوسف}، ثم قال الله: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} يعني: في حُكم الملِك وشريعتِه ما يُؤخَذ الذي يسرِق، لكن هم حكَموا على أنفسِهم، وقالوا: {جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه}، قال الله: {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} وشريعته {إلا أن يشاء الله}.

ثم بعد ذلك قالوا: {يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه}، الآن وقعنا في مُشكلة، ما جِئنا إلا بالتي واللُّتَيَّا والعهود والمواثيق، والآن ستصير مُشكلة كبيرة، فخُذ واحدًا منا، فقال: {معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون} هذا ظُلم، يعني أن نأخُذ بالجريمة واحدًا آخر، إنما نأخُذ الظالِم، كيف نأخُذ واحدًا بدلَه، نظلِم واحدًا ونأخُذه بدلَ الظالِم؟ {معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون}، فأخذَه. فهذا من كيدِ الله ليُوسف مُقابِل كيدِهم.

المقصودُ من هذا: أن الكيدَ يكونُ مذمُومًا ويكون ممدُوحًا، متى يكون مذمُومًا؟ إذا كان ابتِداءً، فالكائِد مذمُوم {إن الله لا يهدي كيد الخائنين}، ويكونُ مدحًا إذا كان عقوبةً وجزاءً للكائِدين، وكذلك المَكر ابتِداءً هو مذموم، ويكون مدحًا إذا كان في مُقابلَة مكرِ الماكِر عقوبةً له، وكذلك السُّخرية مذمومة كالذي يسخَر بالناس، لكن إذا كان في مُقابلَة سُخريتهم فهذا جزاءٌ وعقوبةٌ وقِصاص، وكذلك الاستِهزاءُ ابتِداءً هو مذمُوم، لكن إذا كان قِصاصًا وأخذًا بالحقِّ كان ممدوحًا، قال الله تعالى: {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون}، ثم المُؤمنون اقتصُّوا منهم، قال الله في الجنة: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون} هذا قِصاص، في مُقابلة الكفَّار يضحَكون من المُؤمنين في الدنيا، والمُؤمنون يضحَكون منهم في الآخرة، هذا جزاءٌ وقِصاص.

وكذلك هذه الآية: {الله يستهزئ بهم} فيُقال: استِهزاءٌ في مُقابلَة استِهزائِهم، ولا يُقال: إن من وصفِ الله الاستِهزاء، ولا من وصفِ الله الخِداع، بل يُقال: إن الله يستهزِئُ بالمُستهزِئين، يمكرُ بالماكرين، يخدعُ الخادِعين، يكيدُ بالكائِدين، يسخَر بالساخِرين، كما قال {سخر الله منهم} وقال: {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون} يُملِي لهم، يعني أن الله يُملِي لهم حتى يستمرُّوا في طُغيانهم، حتى يزيدَ عذابُهم وعقوبتُهم.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

قال: (فهذا إخبارٌ من اللهِ تعالى أنه يجازيهم جَزَاءَ الاستهزاء، ومعاقبهم عقوبة الخداع فأخرج خبره عن جزائه إياهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقُّوا العقابَ([6]) في اللفظ، وإن اختلفَ المعنيَان([7])، كما قال تعالى: { وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40] وقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } [البقرة: 194]، فالأول ظلم، والثاني عدلٌ([8]

(التفسير)

{فمن اعتدى عليكم} هذا ظلمٌ، {فاعتدوا عليه} هذا عدلٌ وجزاءٌ بالمثل، من اعتدَى عليكم فاعتَدوا عليه، يعني: خُذوا حقَّكم، الإنسانُ الذي يأخُذ بحقِّه هذا عدلٌ، وإذا عفَا فهذا فضلٌ.

فالأحوالُ ثلاثة: عُدوانٌ، وعدلٌ، وفضلٌ.

فالعُدوانُ: هذا الذي يبتدِئ بالعُدوان ويعتدِي على غيره، فهذا عُدوان.

والعدلُ: الردُّ عليه، والأخذُ بالحقِّ ومُجازاتُه.

والفضلُ: العفوُ عنه والسَّماح، إذا اعتدَى شخصٌ عليك، إن عفوتَ عنه فهذا فضلٌ، وإن أخذتَ بحقِّك هذا عدلٌ؛ لأنه قِصاص، وإذا زِدتَّ عن حقِّك فهذا ظُلمٌ. مثلَ شخص اعتدَى على شخصٍ ضربَه، يقتصُّ يضرِبُه مثل ضربه، قطعَ إصبعه يقطعُ إصبَعه قِصاصًا، وإن عفَا فهو فضل.

كذلك في السِّباب: شخصٌ سبَّ شخصًا فقال: قبَّحَك الله، فيجوزُ أن يقتصَّ منه ويقول: قبَّحك الله أنت؛ لأن هذا قِصاص، وهذا أخذَ بحقِّه. وإذا قال: قبَّحك الله وأخزاك، صار هذا ظُلمًا، لو قال: قبَّحك الله قبَّحك الله، مرتين، فهذا ظُلم، لأنه زادَ على حقِّه، لا تأخُذ إلا حقَّك، لا تزيدُ، إذا قال: قبَّحك الله، قُل: قبَّحك الله أنت، إذا قال: أخزاكَ الله، تقُول: أخزاكَ الله، فإذا قابلتَ السبَّ بسبَّتين تقول: قبَّحك الله قبَّحك الله، أو زِدتَّ: قبَّحك الله وأخزاك، فهذا ظُلمٌ، لا تزد، وإن عفوتَ ولم ترُدَّ عليه، هذا أفضلُ وهذا فضلٌ، إن لم ترُدَّ عليه هذا فضلٌ، وإن ردَدتَ عليه مثل سبَّته فهذا عدلٌ.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المُسْتَبَّانِ مَا قَالَا، فعلى الأول مَا لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ»([9])، السبَّة بالسبَّة، هذا قِصاصٌ وأخذٌ بالحقِّ، لكن سبَّة بسبَّتين، أو سبَّة بسبَّة زيادة هذا ظُلم، والفضلُ أن تعفُو {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

 فهُما وإنِ اتَّفقَ لفظُهُما فقد اختلف معناهما.

قال: وإلى هذا المعنى وَجَّهوا كل ما في القرآن من نظائِر ذلك؛ لأن المكرَ والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتف عن الله ، عز وجل، بالإجماع، وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك.

[المد والطغيان والعمه]

وقوله تعالى: { وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون } روى السدي عن ابن عباس، وابن مسعود، وعن أناس من الصحابة قالوا يَمدهم: يملي لهم.

وقال مجاهد: يزيدهم وقال تعالى: { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِين نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُون }([10]).

(قال ابنُ جريرٍ: والصوابُ: نُزيدُهم على وجه الإملاء والترك لهم في عُتُوّهم وتَمَرّدهم، كما قال: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون } [الأنعام: 110].

والطغيان: هو المجاوزة في الشيء كما قال الله تعالى: { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} قال ابن جرير: والعَمَه: الضلالُ([11])، يُقال: عمِهَ فُلانٌ يعمَهُ عمهًا وعُمُوهًا إذا ضلَّ([12]).

قال: وقولُه: {في طغيانهم يعمهون} في ضَلَالَتهم وكفرهم الذي غمرهم دَنَسُه، وعَلاهم رجْسه، يترددون حيارى ضُلالًا، لا يجدون إلى المخرج منه سبيلًا؛ لأن الله تعالى قد طبع على قلوبهم وختم عليها، وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها، فلا يبصرون رُشْدًا، ولا يهتدون سبيلًا.

{ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِين }

روى السدي في تفسيره، عن ابن عباس، وابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} قال: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى. وقال مجاهد: آمنوا ثم كفروا، و قال قتادة: استحبوا الضلالة على الهدى، وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعني قوله تعالى في ثمود: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}([13]).

قال: (وحاصِلُ قولِ المُفسِّرين فيما تقدم: أن المنافقين عَدَلوا عن الهدى إلى الضلال، واعتاضوا عن الهُدى بالضلالةِ، وهو معنى قوله تعالى: { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} أي بذلوا الهدى ثمنًا للضلالة، وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الإيمان ثم رجع عنه إلى الكفر، كما قال تعالى فيهم: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المنافقون: 3]، أو أنهم استحبوا الضلالة على الهدى، كما يكون حال فريق آخر منهم، فإنهم أنواع وأقسام؛ ولهذا قال تعالى: {فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِين }([14])، أي: ما ربِحَت صفقَتُهم في هذه البَيْعَة، وما كانوا مُهتَدين أي: راشِدين في صَنِيعِهم ذلك([15]).

وقال: (وروى ابنُ جريرٍ عن قتادة { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِين } قد -والله-رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة. وهكذا رواه ابن أبي حاتم بمثلِه سواءً.

{مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون}([16])

(تقديرُ هذا المثَل أن الله سبحانه، شبَّههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد التبصرة إلى العمى، بمن استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله، واستَأنس بها فبينا هو كذلك إذْ طفئت ناره، وصار في ظلام شديد، لا يبصر ولا يهتدي، وهو مع ذلك أصم لا يسمع، أبكم لا ينطق، أعمى لو كان ضياء لما أبصَرَ([17])، فلهذا لا يرجِعُ إلى ما كان عليه قبلَ ذلكَ([18])، فكذلكَ هؤلاء المُنافِقون في استبدالهم الضلالة عوضًا عن الهدى، واستحبابهم الغَيّ على الرّشَد.

وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا، كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع، والله أعلم([19]).

(وقولُهُ تعالى: {ذهب الله بنورهم} أي: ذهب عنهم ما ينفعهم، وهو النور، وأبقى لهم ما يضرهم، وهو الإحراقُ والدُّخانُ([20])، {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ } وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق، {لاَّ يُبْصِرُون } لا يهتدون إلى سبل خير ولا يعرفونها، وهم مع ذلك { صم} لا يسمعون خيرًا {بكم} لا يتكلمون بما ينفعهم {عمي} في ضلالة وعماية البصيرة، كما قال تعالى: { لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور } [الحج: 46] فلهذا لا يرجعون إلى ما كانوا عليه من الهداية التي باعُوها بالضلالةِ([21]).

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِين  يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} ([22])

 

([1]) قال الشارح حفظه الله: يعني: كونَهم يكذِبون على المُؤمنين، ويُظهِرون لهم أنهم منهم، كذِبَهم المُؤمنين يعني: يكذِبون على المُؤمنين، فيُظهِرون أنهم منهم وليسُوا منهم.

([2]) قال الشارح حفظه الله: مُظاهرتُهم يعني: مُعاونتهم الكفار من اليهود والنصارى، على المُسلمين. فالمُنافقون والزنادِقة يُعينون الكفارَ واليهودَ والنصارى على المُؤمنين.

([3]) قال الشارح حفظه الله: لا شكَّ أن هذا من الفساد.

([4]) صحيح البخاري (4900) و(4901).

([5]) صحيح مسلم (510).

([6]) قال الشارح حفظه الله: سمَّاه استِهزاءً وعقوبةً لهم، المعنى: أن الله يُجازِيهم على استِهزائِهم وسُخريتهم، لكن أخرجَه مخرجَ الفعل، سمَّاه استِهزاء والمُراد العقوبة.

([7]) قال الشارح حفظه الله: اختلفَ المعنيَان، استهزاؤُهم بالأول هذا سُخرية ولعِب، واستِهزاءُ الله بهم عقوبةٌ لهم.

([8]) قال الشارح حفظه الله: ومثلُ ما ذكرَ المؤلِّفُ الآية، المُنافِقون في الدنيا كانوا مع المؤمنين، وفي الآخرة يُمكَرُ بهم، من مكر الله لهم أنهم يمشُون مع المُؤمنين، فإذا مشُوا مع المُؤمنين كلٌّ معه، أنواعُ الكفَرة يُساقُون إلى الموت سوقًا: اليهود، والنصارى، والوثنيُّون، كلُّ أمةٍ تتبَعُ معبُودَها، ويتساقَطون في النار، وتبقَى هذه الأمة فيها المُنافِقون، بقُوا مع المُؤمنين، ظنُّوا أنهم، فقالوا: نحن معهم في الدنيا، ونصيرُ معهم في الآخرة، ظنُّوا أنه سينفعهم هذا.

ثم بعد ذلك يمشُون جميعًا في الطريق إلى الجنة، ثم يُمكَرُ بالمُنافقين فيطفَأ نورُهم، فإذا طفِئَ نورُهم بقُوا في حنادِس الظُّلُمات، فقالوا للمُؤمنين: {انظرونا نقتبس من نوركم} ما عندنا نور، انتظِروا اصبِروا، {قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب}، ففصلَ المُؤمنين عن المُنافقين، هذا من مكرِ الله بهم وعقوبتِه لهم.

([9]) صحيح مسلم (2587).

([10]) قال الشارح حفظه الله: نُملِي لهم يعني: نُمهِلهم أو نزيدُهم في طُغيانهم، إذًا الله تعالى يزيدُهم في طُغيانهم حتى يزيد عذابُهم، أو يُملِي لهم ويُمهِلُهم، فيظنُّون أن الإمهالَ إهمال، فيزدادُون في المعاصِي فيزدادُ عذابُهم. نسألُ الله السلامة والعافية.

([11]) قال الشارح حفظه الله: نسألُ الله العافية. يعني: يزيدُهم في طُغيانهم ، مُجاوزتهم الحدّ، يزدادُون مُجاوزة الحدِّ في المعاصِي فيزدادُ عذابُهم. نسألُ الله العافية. يترُكهم ويُمهِلُهم حتى يزدادُوا عذابًا لأنهم تركُوا الحقَّ وأعرَضُوا عنه بعد معرفته، فعُوقِبُوا. نسأل الله العافية.

([12]) قال الشارح حفظه الله: قالوا: عمَهَ فُلانٌ أو عمِهَ.

([13]) قال الشارح حفظه الله: والمُراد الاعتِياضُ، المُراد باشترَوا: الاعتِياض، اعتاضُوا عن الهُدى بالضلالة، المُراد الاعتِياض، اشترَوا الضلالة، ليس هناك شراء أو بيع، المُراد الاعتِياض، اعتاضُوا عن الهُدى بالضلالة، يعني: فضَّلوا الضلالة على الهداية، واعتاضُوا الضلالة على الهداية. هذا معنى {اشتروا}.

ومثل قوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله} يعني: يعتاضُ بلَهو الحديث عن غيره ليُضلَّ عن سبيلِ الله، يعتاضُ يعني: يختارُ ويُفضِّل الضلالةَ على الهُدى. نسألُ الله العافية.

{اشتروا الضلالة} اعتاضُوا واختارُوا وفضَّلوا الضلالة على الهُدى، وأخذوا مكانَ الهداية الضلالَ – نعوذُ بالله -، واستحبُّوا وفضَّلوا، كما قال الله عن ثمود: {وأما ثمود فهديناهم} يعني: دلَلناهم، المُراد بهديناهم دلَلناهم وبيَّنَّا لهم طريقَ الحقِّ {فاستحبوا العمى على الهدى}، فضَّلوا العمَى على الهُدى، نعوذُ بالله.

([14]) قال الشارح حفظه الله: يعني: المُنافقين أقسام:

فالمُنافِقون أقسام: منهم من ليس عنده إيمانٌ بالكليَّة. ومنهم من آمنَ ثم كفَر. ومنهم من عنده شكٌّ وريبٌ ليس عنده يقين، {فهم في ريبهم يتردَّدون}. ومنهم من يكون عنده إيمانٌ ثم يشُكُّ ويُنكِر، ثم يكون عنده إيمانٌ ثم يشُكُّ ويُنكِر، وهكذا، قال تعالى: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا * بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما}. نسألُ الله العافية.

([15]) قال الشارح حفظه الله: ولكنَّها صفقةٌ خاسِرة، هي هلاك، صفقةُ هلاكٍ في الدنيا والآخرة، نعوذُ بالله، ولهذا قال: {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}.

([16]) قال الشارح حفظه الله: يعني: هنا مثلَان ضربَهما للمُنافقين: مثلٌ ناريٌّ، ومثلٌ مائيٌّ. هذا المثلُ الناريُّ: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا} المثلُ الحسِّي ينتقِلُ الإنسانُ من الأمرِ الحسِّي إلى الأمرِ المعنويِّ، {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا} أوقدَ نارًا، {فلما أضاءت ما حوله} وأبصرَ ما حولَه {ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون} كهؤلاء. فهؤلاء المُنافقون عندهم إيمانٌ حصلَ لهم ووضحَ لهم الحقَّ، ثم تركوا الحقَّ وصارُوا في عمًى وضلالة، مثل الذي أوقدَ نارًا، فلما أضاءَت ما حولَه طفِئَت النارُ وصارَ في ظُلمة؛ لأن هؤلاء ترَكوا الحقَّ عن عِنادٍ لا عن جهلٍ، عرفُوا الحقَّ وتركُوه. نسألُ الله العافية.

([17]) قال الشارح حفظه الله: ماذا تكونُ حالُه نسألُ الله العافية؟ كيف تكون حالُه؟ يعني: ضربَ الله لهم هذا المثلَ الناريَّ، مثلٌ في اشترائِهم الضلالة بالهُدى، وتركهم الحقِّ مع ظهوره لهم ووضوحه لهم، لا عن جهلٍ، وضحَ لهم الحقُّ، وتركوا الحقَّ عن علمٍ وعن بصيرةٍ، اختارُوا الضلال، مثَلُهم مثلُ شخصٍ أوقدَ نارًا، فلما أضاءَت ما حولَه وجعلَ يُبصِرُ ما حولَه، ويرى كلَّ ما حولَه، إذ طفِئَت النارُ فجأة، فصار لا يُبصِرُ شيئًا. وهو مع ذلك أصمٌّ لا يسمعُ الكلام، أبكَمُ لا يتكلَّم، أعمَى لا يُبصِر لو كان فيه نور، فكيف ولم يكُن هناك نور، ماذا تكون حالُه؟ حالُه سيئة، أسوأ حالٍ. نسأل الله العافية.

المثلُ الحسِّي ينتقِلُ فيه الإنسان، قال الله تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس}، ينتقِلُ الإنسانُ من المثل الحسِّي إلى المثَل المعنويِّ، من الأمرِ الحسِّي إلى الأمرِ المعنويِّ.

فهم صُمٌ لأنهم لا يسمعون الحقَّ، بُكمٌ لا يتكلَّمون بالحقِّ، عُميٌ لا يرَون الحقَّ، هذا هو الأمرُ المعنويُّ، ولا هم في الدنيا يتكلَّمون ويسمَعون ويُبصِرون أمورَ دُنياهم، لكنَّ الله أعماهم عن الحقِ فلا يرَونه، وأصمَّهم عن الحقِّ فلا يسمَعونه، وأبكَمَهم عن الحقِّ فلا يتكلَّمون به، لكن في أمور دُنياهم يسمَعون، يبيعُون ويشتَرون، وعندهم قوة وعندهم حَـنَـكَـة في بيعهم وشرائِهم وأمور دُنياهم، ما أحد يخدعُهم، عقولُهم تامَّة، لكنَّ الله أعماهم عن الحقِّ، وأصمَّهم وأبكَمَهم. نسأل الله العافية، {صُمٌّ بُكمٌ عمي فهم لا يرجعون}.

([18]) قال الشارح حفظه الله: لا يرجِعُ، ما يرجِعُ إلى الحالةِ الأولى، الحالةُ الأولى أبصرَ الحقَّ ورأى كلَّ شيءٍ حولَه، ثم لما طفِئَت النارُ صارَ أصمَّ أبكَم أعمَى، فلا يرجِع إلى الحالةِ الأولى حالةِ، حالته السَّابِقة وهي حالةُ وضوح الشيء بعد أن استوقَدَ النار.

([19]) قال الشارح حفظه الله: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم}، {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا}.

([20]) قال الشارح حفظه الله: ذهابةُ النور، النورُ اللي ينفَع ذهَب، وبقِيَ الإحراقُ والدُّخانُ الذي يضُرُّهم. يعني: كذلك هؤلاء زالَ عنهم ما ينفعُهم ويُفيدُهم، وبقِيَ ما يضُرُّهم.

([21]) قال الشارح حفظه الله: ولهذا قال: {صم بكم عمي فهم لا يرجعون} لا يرجِعون إلى الحالةِ الأولى.

([22]) قال الشارح حفظه الله: هذا المثلُ المائيُّ، الأولُ المثلُ المائيُّ، وهذا المثلُ الناريُّ، وهذه آخرُ الآيات التي تتعلَّق بالمُنافقين، إلى هنا تم الكلامُ على المُنافقين.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد