شعار الموقع

شرح سورة البقرة من مختصر تفسير ابن كثير 05

00:00
00:00
تحميل
108

(هذا مثَلٌ آخر ضربَهُ الله تعالى لضَربٍ آخَر من المُنافِقين([1])، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة، ويشكّون تارة أخرى، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم {كصيب} والصيب: المطر، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وناس من الصحابة، وأبو العالية، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحسن البصري، وقتادة، وعطية العَوْفِي، وعطاء الخراساني، والسُّدي، والرّبيع بن أنس.

وقال الضحاك: هو السحاب.

والأشهر هو المطر نزل من السماء في حالِ ظُلُمات([2])، وهي الشكوك والكفر والنفاق. {ورعد} وهو ما يزعج القلوب من الخوف، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع، كما قال تعالى: { يحسبون كل صيحة عليهم} [المنافقون: 4] وقال: { وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُون لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُون} [التوبة: 56، 57].

والبرق: هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان، من نور الإيمان؛ ولهذا قال: { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِين } أي: ولا يُجْدي عنهم حذرهم شيئًا؛ لأن الله محيط بهم بقدرته، وهم تحت مشيئته وإرادته، كما قال: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُود  فِرْعَوْنَ وَثَمُود  بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيب  وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيط } بهم  [البروج: 17-20].

ثم قال: { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} أي: لشدته وقوته في نفسه، وضعف بصائرهم، وعدم ثباتها للإيمان.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } يقول: يكاد مُحْكَمُ القرآن يدل على عورات المنافقين.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ} يقول: كلما أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا إليه، وإذا أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ به } الآية [الحج: 11].

*****

 

الملف الصوتي الرابع

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة:20] أي: يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به على استقامة، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر {قَامُوا} أي: متحيرين، وهكذا قال أبو العالية والحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس والسدي بسنده عن الصحابة وهو أصح وأظهر والله أعلم.

وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم فمنهم مَن يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فرسخًا وأكثر من ذلك وأقل من ذلك، ومنهم مَن يُطفئ نوره تارة ويضيء أخرى، فيمشي على الصراط تارة ويقف أخرى، ومنهم مَن يطفئ نوره بالكلية وهم الخلّص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}[الحديد:13] وقال في حق المؤمنين: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}[الحديد:12] الآية، وقال تعالى: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التحريم:8].

روى بن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود «نورهم يسعى بين أيديهم قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم مَن نوره مثل الجبل، ومنهم مَن نوره مثل النخلة، وأدناهم نورًا مَن نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفئ أخرى»([3]).

قال: وروى ابن أبي حاتم أيضًا عن ابن عباس قال: ليس أحدٌ من أهل التوحيد إلا يعطى نورًا يوم القيامة، فأما المنافق فيطفئ نوره، فالمؤمن مشفق مما يرى من إطفاء نور المنافقين فهم يقولون: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا}[التحريم:8] .

وقال الضحاك بن مزاحم: يعطى كل مَن كان يظهر الإيمان في الدنيا يوم القيامة نورًا، فإن انتهى إلى الصراط انطفئ نور المنافقين فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا([4]) فقالوا: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا}.

فإذا تقرر هذا صار الناس أقسامًا: مؤمنون خلّص وهم الموصوفون بالآيات الأربع في أول البقرة.

(التفسير)

هذه الآيات كما ذكر المؤلف -رحمه الله- مثل بضرب ونوع من المنافقين، فالمنافقون طبقات، وهذا النوع من المنافقين يكون عندهم الإيمان ثم يزول، ضرب لهم مثلًا بالمطر {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ}[البقرة:19] وهو المطر {كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ} وهي الشكوك والريب التي في قلوبهم {فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ} الرعد الخوف الذي يزعج نفوسهم؛ لأنهم يحسبون كل صيحة عليهم، تجد الآن العلمانين وغيرهم يخافون من المؤمنين، فإذا قيل: فلان فعل كذا، فلان تكلم بكذا، فتنزعج قلوبهم ويملؤها الخوف، ويخافون أن يطلع على أعمالهم الخبيثة ويزعجهم هذا مثل ما قال الله تعالى: {وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ}[التوبة:56] {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ}[التوبة:57] وهم يجمحون: أي مسرعون، {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ}[البقرة:19] البرق: الإيمان، الإيمان من شدته لا يَثْبُتُونَ له {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} فالحجج حجج الله والبينات لا يثبتون لها لأنها كالصواعق {حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} والله محيط بهم.

{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا}[البقرة:20] وقفوا، وإذا أضاء مشوا، وإذا أظلم وقفوا {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} فإذا اتضح لهم الإيمان عرفوا الحق فإذا جاءت الشكوك والأوهام تحيروا وكذلك يوم القيامة، يكون معهم النور على حسب أعمالهم، منهم مَن يكون عنده نور يخبو ثم يضيء، فإذا اتضح وأضاء مشوا، وإذا خبا وأظلم وقفوا وهكذا، ومنهم مَن يطفأ نوره بالكلية وهم الخلّص من المنافقين، ومنهم معه نور يطفئ ويخبو على حسب ما في قلوبهم من النفاق.

والمؤمنون كذلك يسعى نورهم بين أيديهم على حسب أعمالهم، يتفاوتون، منهم مَن نوره كالجبل، ومنهم مَن نوره كالنخلة، ومنهم مَن يرى مسافات على حسب الإيمان، وهم الذين ذكرهم الله في أربع آيات، والكفار الخلّص في آيتين، والمنافقون في ثلاث عشرة آية.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

 إذا تقرر هذا صار الناس أقسامًا: مؤمنون خلّص، وهم الموصوفون بالآيات الأربع في أول البقرة، وكفار خلّص وهم الموصوفون بالآيتين بعدها، ومنافقون وهم قسمان: خلّص وهم المضروب لهم المثل الناري، ومنافقون يترددون تارة يظهر لهم لمع الإيمان وتارة يخبو وهم أصحاب المثل المائي.

التفسير

يعني أن الله ضرب لهم مثلين:

المثل الأول: المنافقون الخلّص {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ} [البقرة:17] {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18] لا يرجعون إلى الحق، هؤلاء الخلّص.

وأما المثل الثاني: فهو للمؤمنين الذين يكون عندهم إيمان ثم يزول، وعندهم شكوك أما الصنف الأول فقد انطفأ نورهم بالكلية، إذ ليس عندهم إيمان.

 *****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

 وكفار خلّص وهم الموصوفون بالآيتين بعدها، ومنافقون وهم قسمان: خلّص وهم المضروب لهم المثل الناري، ومنافقون يترددون تارة يظهر لهم لمع الإيمان وتارة يخبو وهم أصحاب المثل المائي، وهم أخف حالًا من الذين قبلهم، قال: ثم ضرب مثل العباد من الكفار، فالذين يعتقدون على شيء وليسوا على شيء وهم أصحاب الجهل المركب في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً}([5]) [النور:39].

ثم ضرب مثل العباد من الكفار، فالذين يعتقدون على شيء وليسوا على شيء وهم أصحاب الجهل المركب في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}[النور:39] ثم ضرب مثل الكفار الجهّال الجهل البسيط وهم الذين قال تعالى فيهم: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:40] فقسّم الكفار هنا إلى قسمين:

داعية، ومقلد كما ذكرهم في أول سورة الحج {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ}[الحج:3] وقال: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} وقد قسّم الله تعالى المؤمنين في أول الواقعة وفي أخرها، وفي سورة الإنسان إلى قسمين:

سابقون وهم المقربون، وأصحاب يمينٍ وهم الأبرار.

فتخلص من مجموع هذه الآيات الكريمات أن المؤمنين صنفان: مقربون، وأبرار، وأن الكفار صنفان: دعاة، ومقلدون، وأن المنافقين أيضًا صنفان: منافق خالص، ومنافق فيه شعبة من نفاق كما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثٌ مَن كنّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومَن كانت فيه واحدةٌ منهنّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، مَن إذا حدَّث كَذَبَ، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتُمِن خان"([6]).

يستدل به على أن الإنسان قد تكون فيه شعبة من إيمان وشعبة من نفاق إما عمليٌ لهذا الحديث أو اعتقاديٌ كما دلت عليه الآية.

روى الإمام أحمد عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «القلوب أربعة: قلبٌ أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلبٌ أغلف مربوطٌ على غلافه، وقلبٌ منكوس، وقلبٌ مصفح، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن فسراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص، عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلبٌ فيه إيمانٌ ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل بقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم، فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» ([7])، وهذا إسنادٌ جيد حسن.

وقوله تعالى: {لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} روى محمد بن إسحاق عن ابن عباس -رضي الله عنه- في قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} قال: لمَّا تركوا من الحق بعد معرفته {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال ابن عباس: أي: إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير.

وقال ابن جرير: إنما وصف الله تعالى بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع؛ لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته، وأخبرهم أنه بهم محيط، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير.

وذهب ابن جرير ومَن تبعه من كثير من المفسرين إلى أن هذين المثلين المضروبان لصنفٍ واحد من المنافقين وتكون (أو) في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} بمعنى الواو، كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[الإنسان:24] أو تكون للتخيير أي: اضرب لهم مثلًا بهذا وإن شئت بهذا، قال القرطبي: (أو) للتساوي مثل جالس الحسنة أو ابن سيرين على ما وجهه الزمخشري أن كل منهما مساوٍ للآخر في إباحة الجلوس إليه، ويكون معناه على قوله: سواء ضربت لهم مثلًا بهذا أو بهذا فهو مطابقٌ لحالهم.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:21 ، 22]

شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود، وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة بأن جعل لهم الأرض فراشًا أي: مهدًا كالفراش مقررة موطئة مثبتة بالرواسي الشامخات، والسماء بناءً وهو السقف كما قال في الآية الأخرى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ}[الأنبياء:32] وأنزل لكم من السماء ماءً والمراد به: السحاب هاهنا في وقته عند احتياجهم إليه فأخرج لهم به من أنواع الزروع والثمار ما هو مشاهد رزقًا لهم ولأنعامهم كما قرر هذا في غير موضعٍ من القرآن، ومن أشبه آية بهذه الآية قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[غافر:64] ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم، فبهذا يستحق أن يُعبد وحده لا يشرك به غيره، ولهذا قال: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:22].

وفي الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك»([8]) الحديث، وكذا حديث معاذ «أتدري ما حق الله على عباده؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا»([9]) الحديث، وفي الحديث الآخر: «لا يقولنّ أحدكم ما شاء الله وشاء فلان، ولكن ليقل: ما شاء الله ثم شاء فلان»([10]).

 وقد استدل به كثيرٌ من المفسرين كالرازي وغيره على وجود الصانع تعالى، وهي دالة على ذلك بطريق الأولى، فإن مَن تأمل هذه الموجودات السفلية والعلوية واختلاف أشكالها وألوانها وطباعها ومنافعها ووضعها في مواضع النفع بها محكمة علم قدرة خالقها وحكمته وعلمه وإتقانه وعظيم سلطانه، كما قال بعض الأعراب وقد سئل ما الدليل على وجود الرب تعالى؟ فقال: يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير، وإن آثر الأقدام لتدل على المسير، فسماءٌ ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير!

فمَن تأمل هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها، وما فيها من الكواكب الكبار والصغار النيرة من السيارة ومن الثوابت، ونظر إلى البحار المكتنفة للأرض من كل جانب، والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها كما قال تعالى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:27 ، 28].

وكذلك هذه الأنهار السارحة من قطر إلى قطر للمنافع، وما ذرأ في الأرض من الحيوانات المتنوعة والنبات المختلف في الطعوم والأراييج والأشكال والألوان مع اتحاد طبيعة التربة والماء، استدل على وجود الصانع وقدرته العظيمة، وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم لا إله غيره ولا رب سواه عليه توكلت وإليه أنيب، والآيات في القرآن الدالة على هذا المقام كثيرة جدًا.

التفسير

هذه السورة الكريمة وهي سورة البقرة أطول سورة في القرآن اشتملت على أحكام عظيمة، فيها بيان صفة المؤمنين، وفيها بيان صفة الكفار، وفيها بيان صفة المنافقين، وفيها أحكام كثيرة: فيها أحكام الجهاد، وأحكام الصيام، وأحكام الصلاة، وأحكام النكاح، وأحكام الطلاق، وأحكام الرجعة، وأحكام الخلع، وفيها قصص ومواعظ، وفيها عبر عظيمة، هي أطول سورة في القرآن، وهي سنام القرآن.

قد افتتحها الله سبحانه وتعالى ببيان صفات ثلاث أصناف من الناس:

الصنف الأول: المؤمنون ظاهرًا وباطنًا، جلى الله صفاتهم ووصفهم بصفات أربعة: أنهم يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بما أنزل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وما أنزل من قبله، ويوقنون بالآخرة.

ثم ذكر صفات الكفار ظاهرًا وباطنًا وأنهم لا ينتفعون بالمواعظ، وأن الله ختم على قلوبهم وأسماعهم.

ثم ذكر الصنف الثالث، وهو أخطر من الصنف الثاني وهم المنافقون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر فهم عدوٌ يعيش بين المسلمين، عدو مختفٍ، عدو ملتبس فهم شاركوا اليهود والنصارى في الكفر وزادوا عنهم بالخداع، وهم يعيشون بين المسلمين ويدبرون المكائد للقضاء على الإسلام والمسلمين، ولهذا جلى الله صفاتهم وأخبر أنهم مؤمنون بألسنتهم ويكفرون بقلوبهم، فقلوبهم مكذبة، وأنهم يتصفون بالخداع، وأن في قلوبهم مرض النفاق والشك والريب، وأنهم يسمون أهل الإيمان سفهاء، ويسفهون المؤمنين ويصفونهم بالسفه، وأنهم لهم وجهان: وجه مع المؤمنين يظهرون الإيمان، ووجه مع الكفار يظهرون النفاق، وأنهم يسخرون ويستهزئون بالمؤمنين، وضرب لهم مثلًا مائيًا وناريًا.

وبعد ذلك جاء الأمر والنهي، أول أمر في القرآن هو هذا الأمر {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} الأمر بتوحيد الله، أول الأوامر في القرآن هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وأول النواهي {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} نهي عن الشرك، أعظم الأوامر وأعظم الواجبات: توحيد الله -عز وجل- الأمر بعبادته وإخلاصهم لدين الله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وأعظم النواهي وأعظم المعاصي والجرائم: الكفر بالله وهو أن يجعل لله ندًا قال: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} إذا قيل لك: ما هو أول أمر في القرآن؟ تقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وما هو أول نهي في القرآن؟ {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} والله تعالى خاطب الناس جميعًا قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ولم يقل: أيها المؤمنون، هذا أمر لجميع الناس، فيشمل كل إنسان ويشمل الجن، والإنس من النوس وهو الحركة، فكلهم مخاطبون ومطالبون بعبادة الله -عز وجل- كلهم مخلوقون لعبادة الله.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} من العرب والعجم، من الجن والإنس اعبدوا الله ووحدوه وأخلصوا له العبادة.

واستدل سبحانه وتعالى على وجوب توحيده وعبادته بتوحيد الربوبية، استدل توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية قوله: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} فهو مستحق العبادة.

والذي يستحق أن يُعبد الذي خلقكم وأوجدكم من عدم هو الذي رباكم بنعمه خلقكم وخلق الذين من قبلكم، والذي جعل لكم الأرض فراشًا موحدة مستقرة يقر عليها الناس يذهبون، ويسافرون، ويمشون عليها ويحفرون الآبار ويستخرجون الكنوز فهي مستقرة ممهدة ذلول {الأَرْضَ ذَلُولًا}[الملك:15] جعل الأرض مهادًا ووطأها وثبتها بالجبال الرواسيات حتى لا تضطرب، {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} فهو مستحق العبادة، فاستدل على توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية، توحيد الربوبية دليل على وجوب العبادة للخالق والمنعم والمتفضل والذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا هو مستحق أن يُعبد.

ثم قال: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الأنداد جمع ند، وهو المثيل والنظير، لا تجعلوا لله مثيلًا ولا نظيرًا في العبادة أو في الربوبية أو في الملك أو في التدبير.

والتنديد نوعان: تنديد أكبر وهو الشرك الأكبر، وتنديد أصغر وهو الشرك الأصغر.

تنديد أكبر كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: سئل النبي: أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، قلت: ثم أيٌ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أيٌ؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك" ثم أنزل الله تصديقها في قوله تعالى في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}[الفرقان:70]([11]) .

إذا تاب، تاب الله عليه ومحا الذنب، وإذا أتبع التوبة بالعمل الصالح بدل الله سيئاته حسنات {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}.

ففي هذه الآيات الكريمات وجوب عبادة الله وإخلاص الدين له، وأن الله هو المستحق للعبادة.

وفيها وجوب توحيد الله في ربوبيته، وتوحيده في ألوهيته، وفي أسمائه وصفاته.

وفيها بيان أن المستحق للعبادة هو المنعم المتفضل هو الخالق والموجد.

وفيها دليل على أن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وسيلة لتوحيد الألوهية، فتوحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله هو كالخلق والرزق والإماتة والإحياء، بمعنى أنك تضيف هذا إلى الله وتقر وتعترف أن الله هو الفاعل، هو الخالق هو الرازق هو المدبر، أما توحيد الألوهية هو توحيد الله بأفعالك أنت أيها العبد، صلاة، صيام، زكاة، حج، بر الوالدين توحد الله بأفعالك، تصفها لله ولا تصفها لغيره.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} في هذه الآية وجوب عبادة الله، وأن الله تعالى كلف الثقلين الجن والإنس العرب والعجم أن يعبدوه، لأنه خلقهم لعبادته كما قال الله تعالى في الآية الأخرى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56] .

وفيه دليل على أن الخالق المنعم المتفضل هو المستحق للعبادة، وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لعل للتعليل يعني لأجل أن تتقون، وليست للترجي؛ لأن الله لا يرجو أحدًا ولا يخاف من أحد {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يعني كي تتقون، إذا عبدتم الله وأخلصتم في العبادة كتبكم الله من المتقين، اتقيتم غضب الله وسخطه وناره.

وفيه دليل على أن مَن عَبَدَ اللهَ ووحدَّه هم المتقون، المتقي هو مَن عبد الله ولم يشرك به شيئا، وأن مَن يشرك بالله فليس من المتقين، المتقون هم أهل التوحيد والإيمان، مَن وحد الله فهو من المتقين، ومَن أشرك بالله فليس من المتقين.

والمتقون يتفاوتون وهم ثلاث طبقات كما بيّن الله في سورة فاطر: السابقون بالخيرات، والمقتصدون، والظالمون لأنفسهم، كلهم أورثهم الله الكتاب كما قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}[فاطر:32] .

السابقون بالخيرات هم الذين أدووا الفرائض والواجبات، ثم أدووا النوافل والمستحبات، وتركوا المحرمات، وتركوا المكروهات، وتركوا فضول المباحات.

وأما المقتصدون فإنهم اقتصروا على فعل الواجبات وترك المحرمات، لكن لم يكن عندهم نشاط لفعل المستحبات والنوافل، ولم يكن عندهم نشاط في ترك المكروهات بل قد يفعلونها ويتوسعون في بعض المباحات.

وأما الظالمون لأنفسهم هم الذين قصروا في بعض الواجبات وفعلوا بعض المحرمات لكنهم لم يقع في عملهم شرك.

وكلهم من ممَن أورثهم الله الكتاب وكلهم من المتقين؛ اتقوا الشرك، واتقوا الخلود في النار لكن قد يدخلوا النار وقد يعذبون، لكن مآلهم للجنة والسلامة.

وفيه دليل على أن المتقين هم الموحدون مَن وحد الله فهو من المتقين، إذن في هذه الآيات وجوب عبادة الله، وجوب الإخلاص لله، وجوب توحيد الله في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته.

وفيه أن المتقين هم الموحودون.

وفيه تحريم الشرك ومنه جعل الند لله -عز وجل- لأنه أعظم ذنب {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

والذين تابوا وأتبعوا التوبة بالعمل الصالح تبدل السيئات بالحسنات، كل سيئة يكون بدلها حسنة، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ([1]).

 

([1]) رواه مسلم في صحيحه (190).


([1]) قال الشارح حفظه الله: يعني: لأن المُنافقين أصناف، الأول: المثلُ الناريُّ هذا مثلٌ لصِنف، وهذا المثلُ المائيُّ مثلٌ لصِنفٍ آخر من المُنافقين، وهم أصنافٌ كما سبَق؛ منهم من لم يُؤمن بالمرَّة، ومنهم من آمنَ ثم تركَ الإيمان، ومنهم من عنده شكٌّ، ومنهم من يأتي الإيمانُ ويذهَب.

([2]) قال الشارح حفظه الله: وهذا الأظهَر أنه المطرُ وليس السَّحاب، كصيِّبٍ يُصيبُ الأرض ينزِلُ عليها.

([3]) قال الشارح حفظه الله:  يتقد يعني من الإيقاد، يعني يزداد النور مرة، يظهر ويخبو.

([4]) قال الشارح حفظه الله:  أشفقوا يعني خافوا.

([5])  قال الشارح حفظه الله: هذا في سورة أخرى، في سورة النور.

([6])  صحيح البخاري برقم (34) وصحيح مسلم برقم (58).

([7]) مسند أحمد (3/17).

([8]) صحيح البخاري (4761 و6861) ومسند الطيالسي (261- 262) وصحيح مسلم (86).

([9]) رواه البخاري في صحيحه برقم (7373) ومسلم في صحيحه برقم (30) ..

([10])  رواه أبو داود في السنن برقم (4980) من حديث حذيفة رضي الله عنه..

([11]) صحيح البخاري (4761 و6861) ومسند الطيالسي (261- 262) وصحيح مسلم (86).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد