شعار الموقع

شرح سورة البقرة من مختصر تفسير ابن كثير 16

00:00
00:00
تحميل
67

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

 يقول تعالى {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:72] {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة:73]

يقول الحافظ بن كثير: قال البخاري: {فَادَّارَأْتُمْ فِيها} اختلفتم . وهكذا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي حذيفة، عن شبْل عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، أنه قال في قوله تعالى: {فَادَّارَأْتُمْ فِيها} اختلفتم.

وقال عطاء الخراساني، والضحاك: اختصمتم فيها. وقال ابن جريج: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها} قال بعضهم: أنتم قتلتموه. وقال آخرون: بل أنتم قتلتموه. وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

{وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قال مجاهد: ما تُغَيبُون.

{فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها} بأيّ شيء كان من أعضاء هذه البقرة فالمعجزة حاصلة به، وخرق العادة به كائن، وقد كان معينًا في نفس الأمر، فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا، ولكنه أبهمه، ولم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه فنحن نبهمه كما أبهمه الله.

وقوله: {كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى} أي: فضربوه فحيى. ونَبَّه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل: جعل تبارك وتعالى ذلك الصنيع حجة لهم على المعاد، وفاصلًا ما كان بينهم من الخصومة والعناد.

والله تعالى قد ذكر في هذه السورة مما خلقه من إحياء الموتى، في خمسة مواضع: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} [البقرة: 56].

وهذه القصة، وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وقصة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصة إبراهيم عليه السلام والطيور الأربعة.

ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميمًا.  وشاهد هذا قوله تعالى: {وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس:33-35].

{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.

[بيان قسوة قلوب اليهود]

يقول تعالى توبيخًا لبني إسرائيل، وتقريعًا لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى، وإحيائه الموتى: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك كله فهي كالحجارة التي لا تلين أبدًا. ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم فقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].

قال العوفي، في تفسيره، عن ابن عباس: لَمَّا ضُرِبَ الْمَقْتُولُ بِبَعْضِ الْبَقَرَةِ جَلَسَ أَحْيَا مَا كَانَ قَطُّ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ قَتَلَكَ؟ قال: بَنُو أَخِي قَتَلُونِي ثُمَّ قُبِضَ، فَقَالَ بَنُو أخيه حين قبضه الله: والله ما قتلناه فكذبوا بالحق بعد أن رأوه فَقَالَ اللَّهُ {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} يعني أبناء أَخِي الشَّيْخِ فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة بعد ما شاهدوه من الآيات والمعجزات فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها أو أشد قسوة من الحجارة، فإن من الحجارة ما يتفجر منها العيون الجارية بالأنهار، ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء، وإن لم يكن جاريًا، ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله، وفيه إدراك لذلك بحسبه.

وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أي: وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عَمَّا تدعون إليه من الحق {وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

قد زعم بعضهم أن هذا من باب المجاز، وهو إسناد الخشوع إلى الحجارة، كم أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}، قال الرازي والقرطبي وغيرهما من الأئمة: ولا حاجة إلى هذا، فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة، كما في قوله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها} [الأحزاب: 72] وقال : {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الإسراء: 17] ، وقال: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ} [الرحمن: 6] الآية وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ} [النحل:48 ] الآية، {قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ} [فصلت: 11] {لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ} [الحشر: 21] الآية، {وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ} [فصلت: 21 ]الآية. وفي الصحيح: «هذا جبل يحبنا ونحبه»، وكحنين الجزع المتواتر خبره، وفي صحيح مسلم: «إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن» وفي صفة الحجر الأسود أنه يشهد لمن أستلمه بحق يوم القيامة ،  وغير ذلك مما في معناه.

(تنبيه) اختلف علماء العربية في معنى قوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} بعد الإجماع على استحالة كونها للشك، فقال بعضهم: «أو» هاهنا بمعنى الواو، تقديره: فهي كالحجارة وأشد قسوة كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} [الْإِنْسَانِ: 24] {عُذْراً أَوْ نُذْراً} [المرسلات: 24].

وقال آخرون: «أو» هاهنا بمعنى بل، تقديره فهي كالحجارة بل أشد قسوة، وكقوله: {هِيَ كَالْحِجَارَةِ بَلْ أَشَدُّ قَسْوَةً}، وَكَقَوْلِهِ: {إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النِّسَاءِ: 77] ، {وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصَّافَّاتِ: 147] ، {فَكَانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى} [النجم: 9]، وقال آخرون: معنى ذلك فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً عِنْدَكُمْ. حكاه ابن جرير.

وقال بعضهم: معنى ذلك: فقلوبكم لا تخرج عن أحد هذين المثلين، إما أن تكون مثل الحجارة في القسوة وإما أن تكون أشد منها في القسوة.

قال ابن جرير: ومعنى ذلك على هذا التأويل: فبعضها كالحجارة قسوة، وبعضها أشد قسوة من الحجارة . وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره.

قلت: وهذا القول الأخير يبقى شبيهًا بقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [الْبَقَرَةِ: 17] مَعَ قَوْلِهِ: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ} [الْبَقَرَةِ: 19] وَكَقَوْلِهِ:  {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ} [النُّورِ: 39] مَعَ قَوْلِهِ: {أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور: 40]الآية أي: إن منهم من هو هكذا، ومنهم من هو هكذا، والله أعلم.

(التفسير)

في هذه الآيات الكريمات: بيان ما حصل من بني إسرائيل بعد قصة ذبح البقرة؛ وذلك أن بني إسرائيل قتلوا قتيلًا واختلفوا فيه حتى تثاوروا وأخذوا السلاح؛ فقال بعضهم لبعض: كيف تتثاورون وتحملون السلاح ونبيكم بين أظهركم؛ ارجعوا إليه فسألوه ؛ فسألوا موسى عليه السلام، فأخبرهم عن الله: أي أن الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة، فردوا عليه ردًا غير مناسب؛ ردوا على النبي {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة:67]؛ كان ينبغي أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، لكن قالوا {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} {قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[البقرة:67]، ثم تعنتوا في الأسئلة: سألوا عن البقرة ما هي، وأخبروا بأنها متوسطة لا فارض ولا بكر؛ ثم سألوا عن لونها، فأخبروا بأنها صفراء؛ ثم قالوا إن البقرة تشابه علينا، فأخبرهم الله بأنها لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث؛ ثم أخذوا هذه البقرة بعد هذه الأسئلة الطويلة صارت صفات البقرة محصورة ضيقة؛ لأن لها شروطًا قد لا تتوفر، ولولا أنهم قالوا: وإنا إن شاء الله لمهتدون لما فعلوا، كما قال بعض السلف.

وسبب ذلك أنهم قتلوا هذا القتيل وخفي أمره، ومن قتله أنكر، وصار وليه يطالب بدمه؛ فقال الله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}[البقرة:72]: {فَادَّارَأْتُمْ} يعني اختلفتم وتخاصمتم وتنازعتم، والله تعالى يخرج ما كنتم تكتمونه، وإلا فإن الذي قتله يعرف نفسه بأنه قتله، ولكن الله سبحانه وتعالى سيظهر ذلك؛ فأمرهم الله بأن يذبحوا هذه البقرة، ثم يضربوه ببضعة منها: أي بقطعة منها؛ وهذه البضعة أو القطعة لم تحدد ولم تبين لأنه لا فائدة في تعيينها، هل هي هذه القطعة مثلًا من فخذها، أو من ظهرها أو من أي مكان؛ لا يترتب على هذا شيء، ولو كان في ذلك مصلحة لبينه الله لنا.

المهم لما ذبحوا هذه البقرة وأخذوا قطعة منها فضربوا الميت فقام فأحياه الله؛ وهذه معجزة وآية، فأحياه الله؛ فقالوا: من قتلك؟ فقال: فلان ابن أخي؛ الذي قتله يريد أخذ ماله، ثم مال ميتًا؛ أحياه الله آية من الآيات، وإلا فإنه لا يمكن أن يعيش مرة أخرى؛ ولهذا لما قُتل عبد الله بن حرام والد جابر شهيدًا في غزوة أحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنه جابر مبشرًا له: «إن الله كلم أباك كفاحًا»؛ فعن طَلْحَةَ بْن خِرَاشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ يَوْمَ أُحُدٍ، لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، أَلَا أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللَّهُ لِأَبِيكَ؟» وَقَالَ: يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ، فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا»، قَالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ، بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟» ، قَالَ: بَلَى: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي، فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً، فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ، قَالَ: يَا رَبِّ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] "([1]).

فلا يرجع إلى الحياة الدنيا أبدًا، فلا يرجع أحد إلى الدنيا بعدما مات، ولكن هذه القصص الخمس التي ذُكرت في هذه السورة كلها أحياها الله آية من الآيات؛ خمس قصص كلها في سورة البقرة أحياها الله بعد موتها:

 القصة الأولى: بنو إسرائيل لما ذهبوا مع موسى وقالوا: أرنا الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون؛ فماتوا فجعل موسى عليه السلام يسأل ربه ويتضرع إليه ويقول: يا رب، ماذا أرجع إلى بني إسرائيل، فأحياهم الله؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:56].

 والقصة الثانية: قتيل بني إسرائيل أحياه الله لما ضربوه ببعضها ثم مات.

 والقصة الثالثة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ} [البقرة:243]؛ ألوف هربوا من الموت فأتاهم الموت في مكانهم؛ {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا}؛ فالهرب لا يغني والحذر لا يغني من قدر؛ هربوا من الموت فجاءهم في مكانهم؛ خرجوا من ديارهم خوفًا من الموت فجاءهم الموت في مكانهم { فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ }[البقرة:243].

 والقصة الرابعة: قصة عُزير حينما مر بقرية وهي خاوية على عروشها {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة:259]، فأماته الله ومعه حماره، ثم أحياه الله وأحيا حماره.

والقصة الخامسة: طيور إبراهيم عليه السلام الأربعة التي أمره الله بأن يقطع رؤوسها ويجعلها على أربعة جبال، ثم يدعوها واحدًا بعد واحد، يمسك رؤوس الطيور فتأتي إليه الطير، فيركب الرأس في الجثة؛ فإذا كانت الجثة ليست للرأس امتنع، حتى يكون الرأس للجثة؟

فهذه خمسة أشياء أحياها الله U بعد موتها، آيات كلها في سورة البقرة؛ قال الله تعالى: { كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى} [البقرة:73].

وفي هذا القصة العظيمة من الفوائد، أنه لا ينبغي التعنت والإكثار من الأسئلة؛ بل ينبغي للمسلم أن يمتثل للأمر ولا يشدد، فإن من شدد، شدد الله عليه؛ فإن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم، ولو أخذوا أي بقرة وذبحوها لأجزأت عنهم، لكنهم شددوا: قالوا ما لونها، ما كذا، إن البقر تشابه علينا؛ حتى ضُيقت عليهم وحُددت الأوصاف فلا يكادون يجدونها، ولهذا قيل إنهم لم يجدوها بهذه الأوصاف إلا عند رجل واحد، وهو رجل من بني إسرائيل عنده هذه البقرة بهذه الصفات، وطلبوها منه فامتنع، فساوموه حتى اتفقوا معه على أن يكون الثمن ملء جلدها ذهبًا؛ وهذا من أخبار بني إسرائيل. فسلخوها وملئوا جلدها له ذهبًا؛ ولو لم يتعنتوا وأخذوا أي بقرة لأجزأتهم.

وكما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة:101]؛ فيه كراهة الأسئلة؛ وأن الإنسان لا ينبغي أن يكثر من الأسئلة التي فيها تعنت أو إيقاع المسؤول في الحرج والعنت، أو القصد منها تغليط المسؤول وإيقاعه في الحرج والعنت، أو يسأل عن أشياء فرضية لم تقع، كل هذا منهي عنه.

أما إذا سأل سؤال استرشاد فهذا مطلوب، كما قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]؛ سؤال يسترشد ويستفهم ويستفيد من غير إيذاء للمسؤول، وبغير تعنت، ومن غير إكثار الأسئلة فهذا مطلوب.

فهذا من أسئلة بني إسرائيل كلها من الأسئلة المكروهة، ولهذا شددوا فشدد الله عليهم.

وفي هذه القصة إثبات البعث بالدليل على إحياء الله للموتى، وأن من أحيا هذا الميت قادر على إحياء الموتى، ولهذا قال الله: {كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ}[البقرة:73].

وفيها: أن الله تعالى يُري عباده من الآيات ما يكون سببًا في إيمانهم؛ هذه من الآيات -إحياء القتيل- من الآيات التي كانت حجة ودليلًا على البعث.

وفيه: أن الله تعالى يخرج من العباد ما كانوا يكتمونه، ويوضح لهم ما التبس عليهم من أمورهم.

وفيه: التحذير من الأسباب التي تكون سببًا في قسوة القلب؛ فالله ذمّ بني إسرائيل على قسوة القلب: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}[البقرة:74]، فينبغي للإنسان أن يبتعد عما يكون سببًا في قسوة قلبه؛ فقسوة القلوب تكون بسبب المعاصي، وسماع الغناء، والبعد عن الأخيار، والبعد عن ذكر الله وتلاوة القرآن، كل هذا من أسباب قسوة القلوب؛ فينبغي للمسلم أن يتعاطى الأسباب التي تكون سببًا في تليين قلبه: من ذكر الله وطاعته، وتلاوة القرآن، وسماع المواعظ، ومجالسة الأخيار.

 قوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} ليست للشك؛ لأن الله لا يشك، ولا يمكن أن يصل الشك إلى الله، وإنما هي كما ذكر المفسرون: إما بمعنى الواو يعني كالحجارة وأشد قسوة، أو بمعنى بل "بل أشد قسوة"، أو بمعنى أن بعضهم قلوبهم كالحجارة وبعضهم قلوبهم أشد؛ فهم أقسام: منهم من قلبه كالحجارة، ومنهم من هو أشد.

وفيه: أن بعض الجمادات يجعل الله فيها شيئًا من التمييز والمعرفة، كما جعل في الحجارة المعرفة؛ فهي تهبط من خشية الله؛ وجعل في الجذع الذي خطب عليه النبي e جعل فيه المعرفة، لما فقد الموعظة التي كان النبي يخطب عليه ويعظ الناس، صاح حتى أسكنه النبي صلى الله عليه وسلم([2]) .

وفيه: أن الجمادات كلها تسبح الله؛ فالله تعالى جعل فيها تمييزًا، كما قال تعالى: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الجمعة:1] {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [النحل:48] فقوله: تتفيأ عن اليمين والشمال فهذا سجودها لله، وهم داخرون: يعني مسخرون؛ فهي مسخرة بخلاف ابن آدم، فإنه يطيع الله عن اختيار وطواعية، وأما الجمادات فهي مسخرة.

ولهذا فإن الله تعالى يجعل في بعض الجمادات التمييز؛ فجعل في هذا الجماد التمييز، فكأنه يهبط من خشية الله؛ وفي الحديث: « أحد جبل يحبنا ونحبه»([3]) جعل الله فيه معرفه، حتى أنه يحبه الصحابة ويحبونه.

ولهذا فإن القول بأن هذا مجاز قول باطل، والمجاز لم يكن معروفًا في الجاهلية، ولم يكن معروفا في أول الإسلام، ولم يكون معروفًا في القرون الثلاثة؛ وإن تعلق بعضهم بكلمة للإمام أحمد إنه قال مجاز عن كذا، وليس مراده أنه يجوز كذا، فالقول بالمجاز متأخر؛ ولهذا صار ذريعة للمعتزلة والأشاعرة وغيرهم إلى إنكار صفات الله وتأويلها، فليس هناك في القرآن مجاز، ولا في اللغة مجاز، كما حقق ذلك الشيخ ابن العثيمين رحمه الله([4]).

ومن العلماء من قال إن في اللغة مجازًا وليس في القرآن مجاز، قال هذا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في رسالة له خاصة.

وفيه: أن الله تعالى رقيب على عباده، وأنه لا يغفل عن أحد.

وفيه: إثبات للجزاء على الأعمال، في قوله {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:74].

وفيه: أن ابن آدم قد يقسو قلبه حتى يكون أشد من الحجارة، والحجارة منها ما يشقق فيخرج منه الماء، ومنها ما يهبط من خشية الله، ومنها ما يتفجر منه الأنهار، ومنها ما يتشقق ولو لم يخرج منه الماء، ومنها ما يهبط من خشية الله؛ وابن آدم قلبه يكون أشد من الحجارة أشد من الجبال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بسبب صدوده، وإعراضه عن ذكر الله U واستيلاء الغفلة، واستمراء المعاصي واستحكامها على قلبه، نسأل الله السلامة والعافية؛ فيجب على المسلم أن يتعاطى أسباب لين القلب، ويبتعد عن أسباب القسوة، وعن الأسباب التي يستولي فيها الشيطان على الإنسان حتى يصده عن ذكر الله فيكون قلبه قاسيًا؛ وفي الحديث: «إن أبغض القلوب إلى الله القلب القاسي»([5]).

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ * أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ}.

يقول تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ أي: ينقاد لكم بالطاعة، هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود، الذين شاهد آباؤهم من الآيات البينات ما شاهدوه ثم قست قلوبهم من بعد ذلك {وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} أي: يتأولونه على غير تأويله مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ أي: فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله؟ وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ} [المائدة: 13].

قال قتادة في قوله: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قال: هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه.

وقال مجاهد: الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم.

وقال ابن وهب: قال ابن زيد في قوله: {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} قال: التَّوْرَاةُ التِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ يُحَرِّفُونَهَا، يَجْعَلُونَ الْحَلَالَ فِيهَا حَرَامًا وَالْحَرَامَ فِيهَا حَلَالًا، وَالْحَقَّ فِيهَا بَاطِلًا وَالْبَاطِلَ فِيهَا حَقًا، إِذَا جَاءَهُمُ الْمُحِقُّ بِرِشْوَةٍ أَخْرَجُوا لَهُ كِتَابَ اللَّهِ، وَإِذَا جَاءَهُمُ الْمُبْطِلُ بِرِشْوَةٍ أَخْرَجُوا لَهُ ذلك الكتاب فهو فيه محق، وإذا جَاءَهُمْ أَحَدٌ يَسْأَلُهُمْ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق، فقال اللَّهُ لَهُمْ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].

 

وقوله: {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ} الآية.

وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس: {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا} أي بصاحبكم محمد رَسُولِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً، {وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا}: لَا تُحَدِّثُوا الْعَرَبَ بِهَذَا فَإِنَّكُمْ قَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مِنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} أَيْ تُقِرُّونَ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ لَهُ الْمِيثَاقَ عَلَيْكُمْ بِاتِّبَاعِهِ، وَهُوَ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ النَّبِيُّ الذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا، اجْحَدُوهُ وَلَا تُقِرُّوا بِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ}.

وقال الحسن البصري: هؤلاء اليهود، كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم، فيحاجوكم به عند ربكم، فيخصموكم (4).

وقوله تعالى: {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} قال أبو العالية: يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم. وكذا قال قتادة.

وقال الحسن: {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} قال: كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  وخلا بعضهم إلى بعض، تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  بما فتح الله عليهم مما في كتابهم، خشيةَ أن يحاجهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  بما في كتابهم عند ربهم. وَما يُعْلِنُونَ يعني: حين قالوا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : آمنا. وكذا قال أبو العالية، والربيع، وقتادة.

(التفسير)

هذه الآيات فيها بيان صفات طائفة من اليهود؛ فإن اليهود طوائف وكذلك المنافقون ؛ وذلك أنهم يُظهرون الإيمان عند المؤمنين ويخفون الكفر؛ يخفون الكفر عند المؤمنين ويظهرونه فيما بينهم، قال الله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} [البقرة:75]؛  هذا تيئيس من الله لهم، وأن هؤلاء لا يؤمنون أي لا تطمعوا في أيمانهم.

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} وهذه أوصافهم {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة:75].

فكيف تطمعون في إيمانهم وهذا وصفهم: يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه على علم وعلى بصيرة، ويتأولونه على غير تأويله، ويفسرونه بغير تفسيره جحدًا للحق وكتمانًا للحق؛ فهؤلاء لا يُطمع في إيمانه، ولا يُرجى في إيمانهم؛ لأنهم انحرفوا على بصيرة لا عن جهل؛ إنما الذي يُرجى إيمانه من عنده جهل، فإذا بُيّن له الحق فإنه يُرجى أن يقبل الحق؛ أما الذي انحرف عن بصيرة وعناد فهذا لا يُرجى إيمانه؛ ولهذا قال I: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} وهذا أوصافهم؟ وهم انحرفوا على بصيرة لا عن جهل.

{أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله} ثم يتأولونه على غير تأويله؛ {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}؛ يعني من بعد ما عرفوه وعلموه، وهم يعلمون لا عن جهل؛ وذلك أنهم منافقون؛ {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا} أي: أوصى بعضهم بعضًا بألا يخبروهم، ولا يقولوا إن هذا هو النبي الذي عرفنا أوصافه في التوراة؛ لئلا يحتج عليهم المؤمنون؛ لأنهم كانوا يستفتحون من قبل (أي أهل الكتاب من اليهود والنصارى)  على الذين كفروا (أي على المشركين من أهل مكة لأنهم أهل أوثان) ويقولون: هذا أوان نبي سيخرج، عندنا أوصافه في التوراة، وسنتبعه إذا خرج ونقاتلكم (يقولون هذا للمشركين).

فلما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم بادر الأنصار وآمنوا به وصاروا هم يقاتلون اليهود؛ وقد كان اليهود إذا تنازعوا هم والأوس والخزرج، قالوا موعدكم سيخرج نبي وسنتبعه ونقاتلكم معه؛ نقتلكم قتل عاد وإرم؛ فلما بعث الله نبيه أنكروه وجحدوه، وبادر الأوس والخزرج فأسلموا وقاتلوا اليهود، ولهذا قال الله تعالى: {لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} [البقرة:76]؛ {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة:75] {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ }[البقرة:76] هذا النفاق؛ أي طائفة منهم منافقة من اليهود؛ إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا؛ وإذا خلا بعضهم إلى بعض، أوصى بعضهم بعضًا بالكفر؛ قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليكون حجة لهم عليكم؟ { أَفَلا تَعْقِلُونَ} قال الله: {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}[البقرة:77] هو سبحانه عالم بسرائرهم؛ بما يسرون وما يظهرون، ولو أخفوا فيما بينهم فالله تعالى سيُظهر ذلك.

وفي هذا الآية الكريمة تحذير من أوصاف المنافقين والتحذير من كتمان الحق بعد معرفته، والتحذير من النفاق.

وفيه أن الله تعالى يُظهر ما يُسرّ أعداؤه ويعلنه {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}

متن

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ )79)}.

[معنى الأمِّي]

يقول تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} أي: ومن أهل الكتاب، قاله مجاهد: والأميون جمع أمي، وهو: الرجل الذي لا يحسن الكتابة، قاله أبو العالية، والربيع، وقتادة، وإبراهيم النَّخَعي، وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ} أي: لا يدرون ما فيه.

ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمي؛ لأنه لم يكن يحسن الكتابة، كما قال تعالى: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] وقال عليه الصلاة والسلام: «إنَّا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا» الحديث.

أي: لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2].

وقوله تَعَالَى: {إِلَّا أَمانِيَّ} قال الضحاك، عن ابن عباس، في قوله: : {إِلَّا أَمانِيَّ} يقول: إلا قولًا يقولونه بأفواههم كذبًا وقيل: {إلا أمانيّ} يتمنونها.

قال مجاهد: إن الأميين الذين وصفهم الله أنهم لا يفقهون من الكتاب -الذي أنزله الله على موسى -شيئًا، ولكنهم يَتَخَرَّصُون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذبًا وزورًا.  والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه.

وقال مجاهد: {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}: يكذبون.

وقال قتادة، وأبو العالية، والربيع: يظنون بالله الظنون بغير الحق.

وقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا} الآية. هؤلاء صنف آخر من اليهود، وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله، وأكل أموال الناس بالباطل.

والويل: الهلاك والدمار، وهي كلمة مشهورة في اللغة.

وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، كتاب الله الذي أنزله على نبيه، أحدث أخبار الله تقرؤونه غضًا لم يشب؟ وقد حَدَّثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا؛ أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مُسَاءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدًا قط سألكم عن الذي أنزل عليكم. رواه البخاري.

وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: الثمن القليل: الدنيا بحذافيرها.

وقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} أي: فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان، والافتراء، وويل لهم مما أكلوا به من السحت، كما قال الضحاك عن ابن عباس: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {فَوَيْلٌ لَهُمْ} يقول: فالعذاب عليهم، من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب، {وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} يقول: مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم.

(التفسير)

هذه الآيات الكريمات فيها بيان طائفتين من طوائف اليهود:

الطائفة الأولى: الجهلة الذين لا يقرؤون ولا يكتبون، وهم الأميون؛ لا يعلمون من كتابهم إلا مجرد التلاوة؛ فيتخرصون ويكذبون في معانيه، ولهذا قال الله تعالى:  {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}؛ منهم من اليهود طائفة؛ والأمي هو المنسوب إلى أمه؛ لأنه لا يقرأ ولا يكتب؛ لأنه غالبًا الأم لا تقرأ ولا تكتب؛ الآن صارت الأم تقرأ وتكتب.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ »([6]) ثم خنس بإصبعه؛ فيكون مرة ثلاثين ومرة يكون تسعًا وعشرين.

يعني لا نحتاج في عبادتنا إلى حساب؛ فالصلوات الخمس كلها مؤقتة بعلامات يعرفها الذكي والبليد؛ فالظهر بزوال الشمس، كل واحد يرفع رأسه ويعرف متى يدخل الظهر، والعصر إذا صار ظل كل شيء مثله، والمغرب بغروب الشمس، والعشاء بمغرب الشفق، والفجر بطلوع الفجر، والصيام يُعرف بالهلال، وكذلك الحج؛ فلا نحتاج في عباداتنا إلى تكلفات ولا حساب.

هذه الأمة أمة أمية لا تحتاج في مواقيتها إلى كتاب ولا حساب في صلاتها وصيامها وحجها؛ يعرفها كل أحد الذكي والبليد، ولو كان الذكي له ميزة كان البليد يحصل عليه مشقة وما يعرف أوقات العبادات، لكن العلامات يعرفها كل واحد، الذكي والبليد.

فالأمِّيُّ هو المنسوب إلى أمه، لا يقرأ ولا يكتب.

طائفة من اليهود أميون لا يقرؤون ولا يكتبون؛ ولهذا يتخرصون في معاني كلام الله ويكذبون. {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}[البقرة:78].

ثم الطائفة الثانية وهي المزوِّرة: الضُلّال الذي زوروا وكتبوا بأيديهم ونسبوه إلى الله، وأخذوا عليه المال سحتًا، ولهذا قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ} والويل شدة العذاب والهلاك {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}[البقرة:79] والثمن القليل: الدنيا كلها ثمن قليل؛ لو اعتاضوا عن هذا بالدنيا  كلها لكان الثمن قليلًا؛ ثم كرر ويقال: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}[البقرة:79] .

الويل لهم في التزوير والافتراء على الله والبهتان، والويل لهم مرة أخرى في أكل الحرام وأكل السحت حينما يزورون ويعتاضون عنه الأموال.

وفي هذه الآيات الكريمات: التحذير من أوصاف اليهود؛ التحذير من الجهل الذي يُفضي بصاحبه إلى التخرصات والأكاذيب.

وفيها الحث على العلم والبصيرة في دين الله؛ حتى يعبد الإنسان ربه على بصيرة، ولا يكون مثل اليهود الجهلة الذين يتخرصون؛ لأنه سيتعلم ويتفقه ويتبصر في شريعة الله حتى يعبد ربه على بصيرة؛ ولهذا ذمّ الله اليهود على حالهم.

وفيه التحذير من أوصاف الطائفة الثانية، وهو التزوير والافتراء والبهتان على الله وعلى رسوله، وهذا من أعظم الكذب ومن أعظم الكفر {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ}[العنكبوت:68]؛ فهؤلاء افتروا على الله وكذبوا، وقالوا إن هذا كلام الله، ثم باعوه وأكلوا ثمنه.

وفيه: التحذير من الافتراء والبهتان على الله وعلى رسوله؛ فإنه من أعظم الكفر.

وكذلك: التحذير من أكل أموال الناس بالباطل، وأنه سحت يأكله صاحبه سحتًا؛ وفيه أن المفتري متوعد بالويل أو شدة العذاب، وأن آكل أموال الناس بالباطل متوعد بالويل.

وفيه: التحذير من البهتان والافتراء، والتحذير من أكل المال أكلًا بالباطل.

والله تعالى قص علينا أخبار اليهود لنحذرها، ونتجنب أوصافهم ونحذر أوصاف المنافقين منهم: الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ونحذر أوصاف الجهلة، ونحذر أوصاف الضلّال والمزورين والآكلين لأموال الناس بالباطل.

وفيه: دليل على أن اليهود يغلب عليهم العلم، لكن قد يوجد منهم ضلال  كما في هذه الآية، والغالب على النصارى الجهل؛ ولكن يوجد منهم علماء فهذا وصف أغلبي؛ أن اليهود مغضوب عليهم لأنهم عرفوا الحق وعدلوا عنه؛ فهذا وصف أغلبي؛ وهم يوجد منهم جُهّال؛ والنصارى يغلب عليهم الضلال، ولكن يوجد منهم علماء؛ لذلك قال بعض السلف: «من انحرف من العلماء ففيه شبه من اليهود، ومن انحرف من العباد ففيه شبه من النصارى».

*****

 

([1]) رواه الترمذي (3010) وابن ماجه (2800) .

([2]) أخرجه أحمد في "المسند" (3/226) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ: «ابْنُوا لِي مِنْبَرًا» أَرَادَ أَنْ يُسْمِعَهُمْ، فَبَنَوْا لَهُ عَتَبَتَيْنِ، فَتَحَوَّلَ مِنَ الْخَشَبَةِ إِلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ الْخَشَبَةَ تَحِنُّ حَنِينَ الْوَالِهِ قَالَ: فَمَا زَالَتْ تَحِنُّ حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِنْبَرِ، فَمَشَى إِلَيْهَا فَاحْتَضَنَهَا، فَسَكَنَتْ ".

([3]) أخرجه البخاري (1482) و(2889).

([4]) قال رحمه الله في القول المفيد (2/297): ومن فسّر الرضا بالثواب أو إرادته; فتفسيره مردود عليه، فإنه إذا قيل: إن معنى "رضي"، أي: أراد أن يثيب، فمقتضاه أنه لا يرضى، ولو قالوا: لا يرضى لكفروا; لأنهم نفوها نفي جحود، لكن أَوّلُوها تأويلا يستلزم جواز نفي الرضا; لأن المجاز معناه نفي الحقيقة، وهذا أمر خطير جدا؛ ولهذا بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: أنه لا مجاز في القرآن ولا في اللغة، خلافا لمن قال: كل شيء في اللغة مجاز.

([5]) لم نجده.

([6]) أخرجه البخاري (1913) ومسلم (1080) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد