شعار الموقع

شرح سورة البقرة من مختصر تفسير ابن كثير 19

00:00
00:00
تحميل
89

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)}.

ينعت تبارك وتعالى، بني إسرائيل بالعتو والعناد والمخالفة، والاستكبار على الأنبياء، وأنهم إنما يتبعون أهواءهم، فذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب -وهو التوراة-فحرفوها وبدلوها، وخالفوا أوامرها وأولوها.

وأرسل الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته، كما قال تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ الله وَكَانُواْ عليه شهداء} الآية [المائدة: 44]، ولهذا قال: {وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ} قال السدي، عن أبي مالك: أتبعنا([1]). وقال غيره: أردفنا. والكل قريب، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تترى} [المؤمنون: 44].

 حتى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم، فجاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام، ولهذا أعطاه الله من البينات، وهي: المعجزات.

وقال ابن عباس([2]): من إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله، وإبرائه الأسقام، وإخباره بالغيوب، وتأييده بروح القدس، وهو جبريل عليه السلام -ما يدلهم على صدقه فيما جاءهم به. فاشتد تكذيب بني إسرائيل له وحَسَدهم وعنادهم لمخالفة التوراة في البعض، كما قال تعالى إخبارًا عن عيسى عليه الصلاة والسلام: {وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن ربكم} الآية [آل عمران: 50].

فكانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء عليهم السلام أسوأ المعاملة، ففريقًا يكذبونه، وفريقًا ويقتلونه، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم وبإلزامهم بأحكام التوراة التي قد تصرفوا في مخالفتها، فلهذا كان يشق ذلك عليهم، فيكذبونهم، وربما قتلوا بعضهم؛ ولهذا قال الله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}.

والدليل على أن روح القدس هو جبريل عليه الصلاة والسلام، كما نص عليه ابن مسعود([3]) في تفسير هذه الآية، وتابعه على ذلك ابن عباس([4]) و(محمد بن كعب القرظي، وإسماعيل بن أبي خالد، والسدي، والربيع بن أنس، وعطية العوفي، وقتادة)([5])  مع قوله تعالى: {نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193-195] وما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع لحسان بن ثابت منْبرًا في المسجد، فكان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أيد حسان بروح القدس»([6]).

وقد رواه أبو داود في سننه ، والترمذي وقال: حسن صحيح.

وفي صحيح ابن حبان عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب»([7]).

وقال الزمخشري([8]) في قوله: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} إنما لم يقل: وفريقًا قتلتم؛ لأنه أراد بذلك وصفهم في المستقبل أيضًا لأنهم حاولوا قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالسم والسحر، وقد قال عليه الصلاة والسلام، في مرض موته: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري»([9])، وهذا الحديث في صحيح البخاري وغيره .

(التفسير)

في هذه الآيات الكريمات: بيان عناد بني إسرائيل وعُتُوِّهم، واستكبارهم عن عبادة الله، واستكبارهم على أنبياء الله، تحذيرًا لهذه الأمة من أن تسلك مسالكهم فيصيبها ما أصابهم،  قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} وهو: التوراة، أنزلها الله تعالى على موسى بعد إغراق فرعون ومن معه وإهلاكهم، كما قال –سبحانه-: {ولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وهُدًى ورَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص:43] وهنا قال سبحانه: {ولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ} [البقرة:87] سمى الله التوراة: الكتاب، فهو كتاب عظيم، يلي القرآن، وكثيرا ما يقرن الله بينه وبين القرآن، فهما كتابان عظيمان، كما أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم: {قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وقَالُوا إنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص:48] يعني: التوراة والقرآن، {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا} [القصص:49] يعني: من التوراة والقرآن، ولهذا نوَّه الله بالتوراة فقال:{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} فـ (أل) للتفخيم -تفخيم الكتاب وتعظيمه-لما فيه من أحكام وأوامر ونواه.

وقوله: {وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ} يعني: أتبعنا، فتتابع الرسل من بني إسرائيل وكلهم يعملون بالتوراة، فأول أنبياء بني إسرائيل هو موسى عليه الصلاة والسلام وآخرهم عيسى عليه الصلاة والسلام، فكل رسل بني إسرائيل وأنبيائهم –مثل داود وسليمان وزكريا ويحي -كانوا يعملون بالتوراة، وكلهم مكلَّفون بذلك، كما قال -سبحانه وتعالى-: {إنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى ونُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة:44] حتى أنزل الله تعالى الإنجيل على عيسى عليه السلام، ولهذا قال سبحانه: {ولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ} [البقرة:87] فختم -سبحانه وتعالى- أنبياء بني إسرائيل بعيسى، وليس بعده نبي إلا نبينا صلى الله عليه وسلم.

ولهذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: «أنا أوْلى الناس بعيسى ابن مريم، إنه ليس بيني وبينه نبي »([10]) وفي هذا رد على من قال: إنَّ هناك نبيًّا من العرب اسمه: خالد، أو كذا، وهو بعد عيسى.!

والصواب أنه ليس هناك نبي بعد عيسى إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف قابل بنو إسرائيل أنبياءهم ورسلهم ؟ الجواب: كذبوهم وتَنَقَّصوهم وخالفوا أوامرهم، وقتلوا كثيرًا منهم، قال سبحانه {وقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ} [البقرة:87] وهو جبريل، كما سمعنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لحسَّان «اهجهم وروح القدس يؤيدك»([11]) وهو جبريل، وقال-عليه الصلاة والسلام- « إن روح القدس نفث في رُوعي، أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب »([12]) وقوله: (رُوعي) بضم الراء، يعني: قلبي، أمَّا (الرَّوع) بالفتح فهو الخوف، كما في قوله تعالى:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} .

فبنو إسرائيل طبيعتهم التكذيب وفي هذا تحذير لأُمَّتنا من أن تسلك مسلكهم، -هذه الأمة أمة مرحومة، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أفضل أصحاب الأنبياء-.  

والله تعالى أنكر على بني إسرائيل فقال: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُـكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:87] يعني: كل ما جاءكم يا بني إسرائيل رسول وأتاكم بالأوامر التي تخالف أهواءَكم فإنكم تكذبونه، أو تقتلونه، و قتل الأنبياء من أعظم الكفر ومن أعظم الجرائم، وفي هذا: تحذير لهذه الأمة وحثٌّ لها على تصديق النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوقيرِه وإجلاله واحترامه –عليه الصلاة والسلام-، وامتثالِ أوامره واجتناب نواهيه.

وفيه: التحذير من تنقُّص الأنبياء، أو العدوان عليهم، أو الحطِّ من منزلتهم، فإن هذا من الكفر، -نسأل الله العافية-.

فإن قيل: هل قتل الأنبياء كفر يكفر به الإنسان؟ ولماذا؟

فالإجابة: قتل الأنبياء كفر -نعوذ بالله- لأنه أشدُّ من التكذيب، ومن كذَّب نبيًّا فقد كفر، ومن قتله، فذلك أعظم.

 

([1]) ينظر: تفسير ابن أبي حاتم (880).

([2]) ينظر: جامع البيان (2/220)، وتفسير ابن أبي حاتم (881).

([3]) ينظر: تفسير ابن أبي حاتم (884).

([4]) التفسير الوسيط للواحدي (1/ 171).

([5]) ينظر: جامع البيان (2/320)، وتفسير ابن أبي حاتم (884).

([6]) لم أجده عند البخاري، وأخرجه أبو داود (5015)، والترمذي (2846)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وحسنه الألباني كما في مختصر الشمائل (213)، وصححه كما في مشكاة المصابيح (4805)

([7])لم أجده عند ابن حبان، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (35473)، والبيهقي في الشعب (10376)، وحسنه الألباني في السلسة الصحيحة (2866).

وأخرج ابن ماجه (420)، وابن حبان (3239، 3241)- واللفظ له- من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:  «لَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ حَتَّى يَبْلُغَهُ آخِرُ رِزْقٍ هُوَ لَهُ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ: أَخَذِ الْحَلَالِ، وَتَرَكِ الْحَرَامِ» وصححه الأباني.

([8]) الكشاف (1/ 189).

([9]) أخرجه البخاري معلقا (4428) من حديث عائشة رضي الله عنها.

([10]) أخرجه البخاري (3442)، ومسلم (2365) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([11]) أخرجه البخاري (3213-4123-4124-6153)، ومسلم (2486) من حديث البراء رضي الله عنه .

([12]) سبق تخريجه .

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

قال تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ}.

روى محمد بن إسحاق عن ابن عباس: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أي: في أكنة.

وقال مجاهد: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} عليها غشاوة.

وقال عكرمة: عليها طابع.

وقال أبو العالية: أي لا تفقه. وقال السدي: يقولون: عليها غلاف، وهو الغطاء.

وقرأ ابن عباس (غُلُفٌ) بضم اللام وهو جمع غلاف أي: قلوبنا أوعية كل علم فلا نحتاج إلى علمك، قاله ابن عباس وعطاء {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} أي: طردهم من وأبعدهم من كل خير، {فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} قال قتادة: معناه لا يؤمن منهم إلا القليل، {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} هو كقوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} [فُصِّلَتْ: 5] ؛ ولهذا قال تعالى: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ}، أي: ليس الأمر كما ادعوا بل قلوبهم ملعونة مطبوع عليها، كما قال في سورة النساء: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا} [النساء: 155].

وقد اختلفوا في معنى قوله: {فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} وقوله: {فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا}، فقال بعضهم: فقليل من يؤمن منهم.

وقيل: فقليل إيمانهم. بمعنى أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب، ولكنه إيمان لا ينفعهم، لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضهم: إنهم كانوا غير مؤمنين بشيء، وإنما قال: {فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} وهم بالجميع كافرون، كما تقول العرب: قلما رأيت مثل هذا قط، تريد: ما رأيت مثل هذا قط.

(التفسير)

في هذه الآية كلمة ذمٌ لليهود في امتناعهم عن الإيمان وإعراضهم عما جاءت به الرسل حتى أنهم قالوا: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} يعني في غلاف محجوبة عنك يا محمد {وقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} يعني عليها حجاب وعليها غلاف وعليها غطاء، والآيات يفسر بعضها ببعض، وعليها ران {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم} قالوا: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} عليها طابع {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}.

وقيل: غُلُف بضمتين جمع غلاف يعني وعاء، ولكن هذا قول مرجوح، القول الأول أرجح، غلاف يعني: غطاء.

 قال الله تعالى: {بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} قيل المعنى: لم يؤمنوا إلا قليل، وقيل المعنى قليل إيمانهم في جانب كفرهم، المعنى أن الكفر ينقض الإيمان، إيمانهم قليل فينقضه كفرهم فهم كفار، ولهذا لعنهم الله وطردهم من رحمته، وهذا هو الأقرب {فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} الأقرب أن إيمانهم قليل مغمور في كفرهم، ينقضه كفرهم فلا ينفعهم هذا الإيمان القليل لأن الإيمان ينقضه الكفر فإذا فعل الإنسان مكفر نقض الإيمان، أعوذ بالله.

وفي هذا تحذيرٌ من أعمال بني إسرائيل وصدودهم وإعراضهم؛ بل على الإنسان أن يسأل ربه أن يوفقه للهداية.

 هذه الآيات الكريمة فيها: ذمٌ لبني إسرائيل وتوبيخ لأحفادهم حيث إنهم من صدودهم وإعراضهم قالوا: قلوبنا غلف فالأولى بالإنسان أن يقبل هدى الله وأن يسأل ربه أن يوفقه للإيمان والعمل الصالح، لا يقول في غلاف، هذا من صدودهم وإعراضهم وشدة نفورهم والعياذ بالله.

 وكان الأولى كما قال كفار قريش {وإذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إن كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} من شدة إعراضهم، كان الأولى أن يقولوا إن كان هذا هو الحق من عندك فوفقنا له واهدنا له، لكن من شدة إعراضهم قالوا أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، وهؤلاء قالوا قلوبنا غُلف ما نسمع منك يا محمد، نعوذ بالله من الصدود والإعراض ينبغي للإنسان أن لا يعرض.

فالإعراض عن شرع الله ودينه كفر، قال الله تعالى: {والَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} والصدود والإعراض من خلق الكفار.

 فالواجب على الإنسان أن يسمع هدى الله وأن يسأل ربه أن يوفقه للإيمان والقبول، لا أن يقول إن قلبه في غلاف ويصد ويعرض، ولذل قال هنا {بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ}؛ طردهم وأبعدهم عن رحمته، فقليل إيمانهم في جانب كفرهم، كفرهم كثير وإيمانهم قليل، وهذا دليل على أن من آمن ثم فعل ناقض من نوقض الإسلام فإنه لا ينفعه الإيمان لأن الكفر ينقض الإيمان نسأل الله السلامة والعافية.

فائدة مهمة: اليهود أشد الناس عناد، نعم لم يؤمن إلا قليل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يؤمن إلا نفر قليل، عبد الله بن سلام معروف القصة في جحدهم للحق، وفي الحديث «لو أمن بي عشره من اليهود لأمن بي اليهود».

 أما النصارى فإنهم أرق قلوب وأقرب إلى الحق فلذلك يؤمن منهم العدد الكثير، المئات والألوف أما اليهود قليل إيمانهم، نسأل الله السلامة والعافية، فلا نسمع أن يهوديًّا آمن. لكن نسمع عن نصارى كثيرين، في مكاتب الجاليات بالمئات، بالعشرات يؤمنون، يؤمن النصارى؛ لكن ما سمعنا أن يهوديًّا واحدًا أسلم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد