شعار الموقع

شرح سورة البقرة من مختصر تفسير ابن كثير 22

00:00
00:00
تحميل
67

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)}

قال الإمام أبو جعفر بن جرير([1])في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أي: أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات دالات على نبوتك، وتلك الآيات هي ما حواه كتاب الله من خفايا علوم اليهود، ومكنونات سرائر أخبارهم، وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارُهم وعلماؤهم، وما حرفه أوائلهم وأواخرهم وبدلوه من أحكامهم، التي كانت في التوراة. فأطلع الله في كتابه الذي أنزله على نبيه محمد ﷺ؛ فكان في ذلك من أمره الآيات البينات لمن أنصف نفسه، ولم يَدْعُها إلى هلاكها الحسدُ والبغيُ، إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة تصديقُ من أتى بمثل ما جاء به محمد ﷺ من الآيات البينات التي وَصَفَ، من غير تعلُّم تعلَّمه من بَشَريٍّ ولا أخذ شيئًا منه عن آدمي. كما قال الضحاك، عن ابن عباس([2]): {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية، وبين ذلك، وأنت عندهم أميٌّ لم تقرأ كتابًا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه. يقول الله: في ذلك لهم عبرة وبيان، وعليهم حجة لو كانوا يعلمون.

وقال مالك بن الصيف([3]) -حين بُعث رسولُ الله ﷺ وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق، وما عَهد إليهم في محمد ﷺ والله ما عُهِد إلينا في محمد ﷺ ولا أُخذ له علينا ميثاقًا. فأنزل الله: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}.

وقال الحسن البصري ([4])في قوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} قال: نَعَم، ليس في الأرض عَهْدٌ يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه، يعاهدون اليوم، وينقضون غدًا.

قال السدي([5]): {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا} قال: لما جاءهم محمد ﷺ عارضوه بالتوراة فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف، وسِحْرِ هاروت وماروت، فلم يوافق القرآن، فذلك قوله: {كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}

وقال قتادة ([6])في قوله: {كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} قال: إن القوم كانوا يعلمون، ولكنهم نبذوا علمهم، وكتموه وجحدوا به.

وقال السدي ([7])في قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي: على عهد سليمان. قال: كانت الشياطين تصعد إلى السماء، فتقعد منها مقاعد للسمع، فيستمعون من كلام الملائكة مما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم. فتحدِّث الكهنة الناسَ فيجدونه كما قالوا.

فلما أمنتهم الكهنة كذبوا لهم، وأدخلوا فيه غيره، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتب الناسُ ذلك الحديثَ في الكتب[8]، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب. فبُعث سليمانُ في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق. ثم دفنها تحت كرسيه. ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق. وقال: لا أسمع أحدًا يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه.

فلما مات سليمان عليه السلام، وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان، وخلف من بعد ذلك خَلْف؛ تمثل شيطان في صورة إنسان، ثم أتى نفرًا من بني إسرائيل، فقال لهم: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدًا؟

قالوا: نعم. قال: فاحفروا تحت الكرسي.

وذهب معهم وأراهم المكان، وقام ناحية، فقالوا له: فَادْنُ. قال: لا، ولكنني هاهنا في أيديكم، فإن لم تجدوه فاقتلوني. فحفروا فوجدوا تلك الكتب. فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر. ثم طار وذهب. وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرًا. واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب، فلما جاء محمد ﷺ خاصموه بها؛ فذلك حين يقول الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}.

وقوله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} اختلف الناس في هذا المقام، فذهب بعضهم إلى أن «ما» نافية، أعني التي في قوله: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} قال القرطبي: «ما» نافية ومعطوفة على قوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} ثم قال: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ} أي: السحر {عَلَى الْمَلَكَيْنِ} و ذلك أن اليهود -لعنهم الله-كانوا يزعمون أنه نزل به جبريل وميكائيل فأكذبهم الله في ذلك وجعل قوله: {هَارُوتَ وَمَارُوتَ} بدلًا من: {الشَّيَاطِينَ} قال: وصح ذلك، إما لأن الجمع قد يطلق على الاثنين كما في قوله: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] أو لكونهما لهما أتباع، أو ذُكِرَا من بينهم لتمردهما، فتقدير الكلام عنده: تُعلِّمون الناس السحر ببابل، هاروت وماروت. ثم قال: وهذا أولى ما حملت عليه الآية وأصح، ولا يلتفت إلى ما سواه.

وروى ابن جرير بإسناده من طريق العوفي، عن ابن عباس([9])، في قوله: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} يقول: لم ينزل الله السحر.

وبإسناده، عن الربيع بن أنس([10])، في قوله: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} قال: ما أنزل الله عليهما السحر.

قال ابن جرير([11]): فتأويل الآية على هذا: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر، وما كفر سليمان، ولا أنزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل؛ هاروت وماروت.

فيكون قوله: {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} من المؤخر الذي معناه المقدم.

قال: فإن قال لنا قائل: وكيف وجه تقديم ذلك؟

قيل: وجه تقديمه أن يقال: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} -من السحر- {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} وما أنزل الله السحر على الملكين، {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} ببابل هاروت وماروت فيكون معنيًّا بالملكين: جبريل وميكائيل، عليهما السلام؛ لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبهم الله بذلك، وأخبر نبيه محمدًا ﷺ أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر، وبرأ سليمان، عليه السلام، مما نحلوه من السحر، وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين، وأنها تُعلم الناس ذلك ببابل، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان، اسم أحدهما هاروت، واسم الآخر ماروت، فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة عن الناس، وردًا عليهم. هذا لفظه بحروفه، وهذا التأويل فيه من التكلف ما لا يخفى.

وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء، وأنهما أنزلا إلى الأرض، فكان من أمرهما ما كان.

وعلى هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ثبت من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصًا لهما، فلا تعارض حينئذ، كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق، وفي قول: إنه كان من الملائكة، لقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى} [طه: 116]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك. مع أن شأن هاروت وماروت - على ما ذكر- أخف مما وقع من إبليس لعنه الله.

وقد حكاه القرطبي([12]) عن على، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وكعب الأحبار، والسدي، والكلبي.

وأما قصة الزُّهْرة فموضوعة بلا مرية.

قال أصحاب الهيئة: وبُعْدُ ما بين بابل، وهي من إقليم العراق، عن البحر المحيط الغربي، ويقال له: أوْقيانُوس سبعون درجة، ويسمون هذا طولًا وأما عرضها وهو بعد ما بينها وبين وسط الأرض من ناحية الجنوب، وهو المسامت لخط الاستواء، اثنان وثلاثون درجة، والله أعلم.

وقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} قال أبو جعفر الرازي([13])، عن الربيع بن أنس، عن قيس بن عباد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهي، وقالا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر، وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والإيمان، فعرفا أن السحر من الكفر.

قال فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا، فإذا أتاه عاين الشيطان فَعلمه، فإذا تعلمه خرج منه النور، فنظر إليه ساطعًا في السماء، فيقول: يا حسرتاه! يا ويلاه! ماذا أصنع؟.

وعن الحسن البصري([14]) أنه قال في تفسير هذه الآية: نعم، أنزل الملكان بالسحر، ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله أن يبتلي به الناس، فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلما أحدًا حتى يقولا {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} رواه ابن أبي حاتم([15]).

 وقال قتادة([16])  : كان أخذ عليهما ألا يعلما أحدًا حتى يقولا {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} - أي: بلاء ابتلينا به- {فَلَا تَكْفُرْ}.

وقال السدي([17]) : إذا أتاهما إنسان يريد السحر، وعظاه، وقالا له: لا تكفر، إنما نحن فتنة. فإذا أبى قالا له: ائت هذا الرماد، فبُلْ عليه. فإذا بال عليه خرج منه نور فسطع حتى يدخل السماء، وذلك الإيمان، وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه وكلِّ شيء منه. وذلك غضب الله.

فإذا أخبرهما بذلك علماه السحر، فذلك قول الله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} الآية.

وقال سُنَيد، عن حجاج، عن ابن جريج([18])  في هذه الآية: لا يجترئ على السحر إلا كافر.

وأما الفتنة فهي المحنة والاختبار.

وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر، ويُستشهد له بالحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار([19])  عن عبد الله، قال: من أتى كاهنًا أو ساحرًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ.

وهذا إسناد صحيح وله شواهد أخر.

وقوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} أي: فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر ما يتصرفون به فيما يتصرفون من الأفاعيل المذمومة، ما إنهم ليفَرِّقُون به بين الزوجين المرء وزوجه مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف.

وهذا من صنيع الشياطين، كما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما عن النبي ﷺ، قال: «إن الشيطان ليضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا. فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئًا. ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله قال: فيقربه ويدنيه ويلتزمه، ويقول: نِعْم أنت([20]) ».

وسبب التفرق بين الزوجين بالسحر: ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر، أو خلق أو نحو ذلك أو حقد أو بغْضة، أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة.

والمرء عبارة عن الرجل، وتأنيثه امرأة، ويُثَنَّى كل منهما ولا يجمعان، والله أعلم.

وقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} قال سفيان الثوري([21]): إلا بقضاء الله.

وقال الحسن البصري([22]): {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} قال: نَعَم، من شاء الله سلطهم عليه، ومن لم يشأ الله لم يسلط، ولا يستطيعون ضر أحد إلا بإذن الله، كما قال الله تعالى.

وقوله تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} أي: يضرهم في دينهم، وليس له نفع يوازي ضرره.

{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} أي: ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول ﷺ لمن فعل فعلهم ذلك، أنه ما له في الآخرة من خلاق.

قال ابن عباس ومجاهد والسدي([23]): من نصيب .

وقوله تعالى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} يقول تعالى: {وَلَبِئْسَ} البديل ما استبدلوا به من السحر عوضًا عن الإيمان، ومتابعة الرسل لو كان لهم علم بما وعظوا به {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} أي: ولو أنهم آمنوا بالله ورسله واتقوا المحارم، لكان مثوبة الله على ذلك خيرًا لهم مما استخاروا لأنفسهم ورضوا به، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80].

*****

(التفسير)

في هذه الآيات الكريمات: بيان الآيات والدلالات على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والدلائل على نبوة نبينا محمد كثيرة لا حصر لها، والدلائل المعنوية والدلائل الحسية وقد ألف العلماء في هذا مؤلفات في معجزات النبي صلي الله عليه وسلم ودلائل النبوة مثل «دلائل النبوة» للبيهقي وكذلك غيره من أهل العلم من ألف مؤلفات في دلائل النبوة وفي معجزات نبينا صلي الله عليه وسلم، يقول سبحانه: {ولَقَدْ أَنزَلْنَا إلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ومَا يَكْفُرُ بِهَا إلاَّ الفَاسِقُونَ} هذه من الآيات الدالات على نبوته عليه الصلاة والسلام أنه أخبر على أحوال اليهود السابقين وما جرى لهم مع أنبيائهم وخيانتهم وتعنتاتهم وأفعالهم وأقوالهم كلها جاء بها في هذا القرآن العظيم، وهو عليه الصلاة والسلام رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب لم يتعلم القراءة والكتابة وجاء بأخبارهم وخفايا أمورهم، فدل ذلك على أنه نبي الله، وأنه جاء به من عند الله وأنه نبي الله حقًا، وأن الله أرسله، فهذه الآيات التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم هو من عند الله عز وجل فيه الهدي والنور، فيه الدلائل والمعجزات، فيه أخبار من سبقنا من أحوال اليهود وما جرى لهم مع أنبيائهم فمن كفر به فهو الفاسق الخارج عن طاعة الله، {ومَا يَكْفُرُ بِهَا إلاَّ الفَاسِقُونَ} الفاسقون المراد بالفسق الكفر، الفسق نوعان، فسق أكبر وهو فسق الكفر، كما في هذه الآية والفسق الثاني فسق المعاصي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} هذا فسق المعاصي، وهنا {ومَا يَكْفُرُ بِهَا إلاَّ الفَاسِقُونَ} هذا فسق الكفر، وكونه سبحانه وتعالى: {قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} يعني فسق فِسقَ كفرٍ، وفي الآية الثانية، يقول الله تعالى: {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} فيه أن اليهود نقضوا العهود، وكلما عاهدوا عهدًا نقض هذا العهد فريق منهم، ففيه دليلٌ على ما كان عليه اليهود من نقض العهود وعدم التزامهم بها، ففيه تحذير الآمة، أن تسلك مسلكهم فيصيبها ما أصابهم، فيه التحذير من نقض العهود، والحث على الإيمان بالله وبرسوله وبكتابه والالتزام بالعهود والمواثيق وأدائها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} {ولَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} في هذه الآية وصف اليهود، وأنهم لما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم، بالآيات والمعجزات وبالقرآن الذي يوافق ما عندهم من التوراة والإنجيل نبذ فريقٌ منهم كتاب الله وراء ظهورهم ولم يؤمنوا، بل تولوا وأعرضوا وكفروا والله تعالي قال: نبذ فريقٌ منهم ولم يقل نبذ كلهم؛ لأن هناك منهم من آمن، هناك من اليهود، من بني إسرائيل من آمن بالله، كما قال الله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)} فيهم أخيار، {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهُمْ يَسْجُدُونَ (113)} ولهذا لم يعمم الله سبحانه وتعالى: {ولَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} ففريقٌ كفروا واستعاضوا عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر

 

الملف الصوتي رقم (15)

....................... باقي التفسير  .............................

وفريق كفروا واستعاضوا عن إتباع النبي-صلى الله عليه وسلم- بالسحر ولهذا قال: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة:102] من السحر. عندما توفي سليمان أشاعت الشياطين أن سليمان يحكم الناس بالسحر فاتبع اليهود ما تتلوه الشياطين ما تشيعه وما تخبر به على ملك سليمان، من السحر.

قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102].

في هذه الآية أن الله تعالى برأ سليمان عليه الصلاة والسلام، وهو نبي ٌكريم نبيٌ ملك آتاه الله الملك والنبوة برأه الله مما رماه به الشياطين من السحر وقال: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة:102].

وقوله: {وَمَا أُنزِلَ} فيه قولان لأهل العلم:

القول الأول: أن «ما» نافيه والله تعالى ينفى قال ما أنزل الله على الملكين السحر، والمراد بالملكين جبريل وميكائيل.

فإن اليهود اتهما هذين الملكين بالسحر قال الله تعالى: {وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} وما كفر سليمان نفي، وما أنزل على الملكين، ما كفر سليمان: برأه الله من الكفر فما كفر سليمان، وما أنزل الله على الملكين وعلى هذا يكون الملكان جبريل وميكائيل، وتكون الآية {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}. الشياطين هم الذين يعلمون السحر ببابل ولم ينزل على هاروت وماروت.

والقول الثاني: قول الجمهور: أن «ما» موصولة والمراد بالملكين: هما هاروت وماروت، أنزلهما الله وفتن فتنة، وكتب الله على الملكين الابتلاء والامتحان، ويكون المستثنى من الملائكة، الملائكة معصومون، ولكن الله استثنى هذين الملكين. كما إن إبليس سبق في علم الله أنه لا يؤمن فكذلك هؤلاء.

ويكون المعنى واتبع اليهود ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان؛ ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر والذي أنزل على الملكين، يعلمون الناس السحر ويعلمون الذي أنزل على الملكين من السحر. والذي أنزل على الملكين {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}، بابل مكان في العراق، ولكن هاروت وماروت اسم لملكين.

واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، ويعلمون الناس الذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ}؛ يعني: الملكين، ما يعلمان من أحد السحر حتى يقولا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر

لا يعلمان أحد حتى ينهيانه أشد النهي. ويقولون لا تكفر فإذا أبى علماه، {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}؛ يعنى فلا تكفر بتعلم السحر، وهذا فيه دليل على أن تعلم السحر كفر.

قوله: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}، وهذا من أنواع السحر، {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}، بإذن الله المراد بالإذن الكوني القدري، فإن إذن الله نوعان؛ إذن كوني قدري كما في هذه الآية، وإذن شرعي ديني كما في قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}[الحشر:5].

فبإذن الله الشرعي، حينما حاصروا بني النضير وقطعوا النخيل، فبعض الصحابة قطعها إغاظة لليهود، وبعضهم أبقاها؛ لأنهم مالٌ صائرٌ للمسلمين. فأقر الله الصنفين، قال: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}،أي من نخلة، {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}، أو تركتموها فبإذن الله، إذن الله الشرعي، {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة:102].

وقوله: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}، وهو السحر فيه دليل على أن السحر ضررٌ محض، {وَلَقَدْ عَلِمُوا}؛ يعنى: اليهود {لَمَنِ اشْتَرَاهُ}؛ يعنى اعتاضه عن الدين والإسلام ومتابعة نبيه السحر {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}، من اعتاض عن دين الله ومتابعة نبيه-صلى الله عليه وسلم- السحر فليس له عند الله من نصيب، وهذه دليل على كفر الساحر، ماله في الأخرة من نصيب، {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[البقرة:102]

هذا ذمٌ لهم، {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.

وقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[البقرة:103]

في هذه الآيات الكريمات: إثبات دلائل النبوة لنبينا-صلى الله عليه وسلم- وإن معجزات النبي كثيرة، معنوية وحسية، وقد استدلت خديجة([24])-رضى الله عنها- في أول البعثة على نبوة النبي-صلى الله عليه وسلم- وقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، هذه من دلائل النبوة.

ومن دلائل النبوة ما استدل به هرقل ملك الروم([25])، حينما سأل أبا سفيان هل من أباءهم من ملك، هل أتباعه يزيدون أو ينقصون، هل أتباعه ضعفاء الناس أم أشرافهم، وهل يرتد منهم أحد سخطة لدينه، واستدل بذلك على نبوته، فهذه من دلائل النبوة.

ومن دلائل النبوة تكثير الماء، وتكثير الطعام، وانشقاق القمر إلى غيره من الآيات الحسيه والمعنوية، فدلائل النبوة كثيرة.

وفى الرد على الأشاعرة وغيره من أهل البدع الذين يقولون أن الدلائل، دلائل النبوة خاصة بالآيات الحسيه، والمعجزات الحسيه وهذا غلط فالآيات والدلائل كثيره منها ما ذكر الله في هذه الآية: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ}[البقرة:99]

وفي هذه الآيات إثبات نبوته-صلى الله عيه وسلم- وأن الدلائل نوعان معنوية وحسية.

وفيه: أن من أوصاف اليهود نقض العهود.

وفيه: تحذير هذه الأمه من نقض العهود، وحثهم على الإيمان بالله ورسوله.

وفيه: دليل أن من لم يؤمن بالنبي-صلى الله عليه وسلم- فهو كافر فاسق، {ومَا يَكْفُرُ بِهَا إلاَّ الفَاسِقُونَ}.

وفيه: أن السحر من أعمال اليهود وأن اليهود من أتباع السحرة.

وفيه: دليل على كفر الساحر وكفر السحرة، وأن تعلم السحر وتعليمه كفر؛ لأن الله قال: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا؛ إنما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ}[البقرة:102]

 وفيه: أن من السحر التفريق بين المرء وزوجه.

وفيه: أن السحر وغيره لا يضر إلا بإذن الله الكوني القدري، {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}.

وفيه: أن تعلم السحر ضرر محض، {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}.

وفيه: دليل على أن ما استعاض عن الإيمان بالله ورسوله السحر، فليس له عند الله من حظ وليس له عند الله من نصيب.

وفيه: أن اليهود لو آمنوا واتقوا الله لكان خيرًا لهم، و لكانوا من أحباب الله، ولكنهم كفروا واعتاضوا عن الإيمان بالله بالسحر، فبئس ما صنعوا وبئس ما اختاروا لأنفسهم، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون.

مسألة: هل تقبل توبة الساحر؟

الجواب: توبة الساحر فيها خلاف بين العلماء، من العلماء ما قال تقبل توبته، ومن العلماء من قال: لا تقبل إلا إذا سلَّم نفسه، إذا سلم نفسه فإنها تقبل، وإلا فلا تقبل في أحكام الدنيا لئلا يتجرأ الناس على الكفر الغليظ، كالساحر والزنديق والمنافق ومن تكررت ردته اختلف العلماء في توبته.

ومن العلماء من قال: لا تقبل توبته في الدنيا ولابد أن يقتل وأما في الآخرة فأمره إلى الله، ومن العلماء من قال تقبل توبته.

وقد ألف أبو العباس-رحمه الله- كتاب في هذا سماه «الصارم المسلول على شاتم الرسول» عليه الصلاة والسلام، وبيَّن أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم، وسب الله وسب الرسول وسب دين الإسلام واستهزأ بالله وكتابه ورسوله. وكذلك الساحر لا تقبل توبته في الدنيا بل لابد من قتلهم حتى لا يتجرأ الناس على هذا الكفر الغليظ. وأما في الآخرة فأمرهم إلى الله، إن كانوا صادقين فالله يقبل توبة الصادقين، لكن في الدنيا ما تقبل.

والقول الثاني لأهل العلم: إنها تقبل كغيرهم يستتابوا فإن تابوا خلى سبيلهم، وإلا قتلوا.

 

([1]) ينظر: جامع البيان (2/397)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/344) .

([2]) ينظر: جامع البيان (2/397)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/344) .

([3]) ينظر: جامع البيان (2/400)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/345) .

([4]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/345) .

([5]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/345) .

([6]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/345) .

([7]) ينظر: تفسير ابن أبي حاتم (987) .

[8] قال الشارح حفظه الله: الصحيح أن مع كل كلمة مائة كذبة.

([9]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/351) .

([10]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/351)  .

([11]) جامع البيان (2/ 331)  .

([12])  الجامع لأحكام القرآن (2/51) .

([13]) تفسير ابن أبي حاتم (1021) .

([14]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/362) .

([15]) تفسير ابن أبي حاتم (1011) .

([16]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/363) .

([17]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/363) .

([18]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/363) .

([19]) إسناده حسن؛ أخرجه البزار (1931) .

([20]) كذا عند ابن كثير (1/364)، ولفظ مسلم،  «إن عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة»، (2813).

([21]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/364).

([22]) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/364) .

([23]) ينظر: تفسير ابن أبي حاتم  (1026)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/364).

([24]) أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160) .

([25]) أخرجه البخاري (7) .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد