شعار الموقع

شرح سورة البقرة من مختصر تفسير ابن كثير 39

00:00
00:00
تحميل
95
 

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} يُخبرُ تعالى عن تفرده بالإلهية، وأنه لا شريك له، ولا عَديل له، بل هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا إله إلا هو، وأنه الرحمن الرحيم.

وقد تقدم تفسير هذين الاسمين في أول الفاتحة. وفي الحديث عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} و {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1، 2]» ([1]) ([2]).

ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية بتفرده بخلق السماوات والأرض وما فيهما، وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته فقال:

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.

[دلائل التوحيد]

يقول تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} تلك في ارتفاعها ولطافتها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها، وهذه الأرض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها وَوِهَادها وعُمْرانها وما فيها من المنافع {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} هذا يجيء ثم يذهب ويخلفه الآخر ويعقبه، لا يتأخر عنه لحظة، كما قال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] وتارة يطول هذا ويقصر هذا، وتارة يأخذ هذا من هذا ثم يتقارضان، كما قال تعالى: { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج: 61] أي: يزيد من هذا في هذا، ومن هذا في هذا.

{وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} أي: في تسخير البحر لحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش الناس، والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم، ونقل هذا إلى هؤلاء وما عند أولئك إلى هؤلاء.

{وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}  كما قال تعالى: {وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس: 33-36] {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} أي: على اختلاف أشكالها وألوانها ومنافعها وصغرها وكبرها، وهو يعلم ذلك كله ويرزقه لا يخفى عليه شيء من ذلك، كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6].

{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} أي: فتارة تأتي بالرحمة وتارة تأتي بالعذاب، وتارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب، وتارة تسوقه، وتارة تجمعه، وتارة تفرقه، وتارة تصرفه، [ثم تارة تأتي من الشمال وهي الشامية، وتارة تأتي من ناحية اليمن وتارة صَبَا وهي الشرقية التي تصدم وجه الكعبة، وتارة دبور وهي غربية تفد من ناحية دُبُر الكعبة.

وقد صنف الناس في الرياح والمطر والأنواء كتبًا كثيرة فيما يتعلق بلغاتها وأحكامها، وبسط ذلك يطول هاهنا، والله أعلم.

{وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أي: سائر بين السماء والأرض يُسَخَّر إلى ما يشاء الله من الأراضي والأماكن، كما يصرفه تعالى: {لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي: في هذه الأشياء دلالات بينة على وحدانية الله تعالى، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191].

(التفسير)

في هاتين الآيتين الكريمتين استدل الله تعالى بهما على وحدانيته، واستحقاق العبادة، وانفراده سبحانه وتعالى بالخلق والرزق والتدبير والإماتة والإحياء، وانفراده بالألوهية دون ما سواه، قال سبحانه: {وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ} .

هاتان الآيتان الكريمتان: فيهما استحقاق الله تعالى للألوهية والعبادة، وبيان أن الله تعالى هو الإله الحق، وهو المعبود بالحق، وأن غيره معبود بالباطل، {وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} يعني معبودكم معبود واحد، {لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ} لا إله غيره ولا معبود بالحق سواه، فكلمة التوحيد {لَّا إِلَـٰهَ} الإله هو المعبود، «لا» من أخوات إنَّ لنفي الجنس، تنصب الاسم وترفع الخبر، و«إله» اسمها، والخبر محذوف تقديره حق، و«إلا» أداة استثناء، والاسم الشريف بدل، لا إله حق إلا الله، فالله تعالى هو المعبود بالحق، وهو الإله الحق، وغيره معبود بالباطل.

ثم استدل سبحانه وتعالى على استحقاقه للألوهية والعبادة، بتوحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية دليل على توحيد الألوهية، والله تعالى كثيرًا ما يستدل بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، كما في أول الأوامر في سورة البقرة، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} هذا أمر بالعبادة، ثم جاء الدليل {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {٢١} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [البقرة:21، 22] هذا هو توحيد الربوبية، يعني اعبدوا ربكم الذي هذا صفته، والذي فعل بكم ذلك هو مستحق العبادة، وكما في هذه الآية: {وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} والدليل {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} فالذي خلق السماوات والأرض والذي سخر الليل والنهار، وسخر السحاب فهو المستحق للعبادة.

وكثيرًا ما يستدل سبحانه وتعالى بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، كقوله تعالى في سورة النمل: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّـهِ} [النمل:60]، وقوله تعالى: {أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّـهِ} [النمل:61] وقوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّـهِ} [النمل:62] وقوله تعالى: {أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّـهِ} [النمل:63] وقوله تعالى: {أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّـهِ} [النمل:64] فهو يستدل بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، وما في هذه الآية: {وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} هو المعبود بالحق، {لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.

والرحمن الرحيم اسمان من أسمائه سبحانه وتعالى، اسمان رقيقان كما قال بعض الناس، إحداهما أرق من الآخر، الرحمن أعم من الآخر، رحمن الدنيا والآخرة، الرحيم خاص بالمؤمنين.

{وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} إلهكم معبود، معبودكم هو المعبود بالحق، هو الله فهو الرحمن الرحيم، لا معبود بحق سواه، وهو الذي خلقكم وخلق السماوات والأرض، وهو الذي جعل الليل والنهار، يخلق الواحد تلو الآخر، وهو الذي أنزل من السماء الرزق، وهو الذي سخر السحاب وهو مستحق العبادة، ولهذا قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ}.

هذه السماء العظيمة، خلقها الله تعالى ورفعها وبسطها، وأوسعها وجعل فيها الكواكب، الثابتة والسيارة والشمس والقمر، والعالم العلوي والأرض، حيث بسطها وجعلها مسطحة، وجعلها قارة يسير الناس عليها، ويستقرون عليها ويحفرون ويزرعون، ويسيرون، واختلاف الليل والنهار، الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، وكل واحد منهما يطلب الآخر يطلبه حثيثًا، {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40] قال ابن عباس: في فلكة كفلكة المغزل، دوران باستمرار، {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40] .

والليل يخلف النهار والنهار يخلف الليل بانتظام، وليس هناك اختلاف ولا اختلال، ليس هناك اختلال وهناك توازن، كل هذا يدل على قدرة الله ووحدانيته واستحقاقه للعبادة، وانتظام فصول السنة الربيع والشتاء، والصيف والخريف، كلها تنشأ من اختلاف الليل والنهار، ودخول إحداهما في الآخر، {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد:6] فتارة يأخذ الليل من النهار فيزيد في الآخر حتى ينتهي في الشتاء، في نهاية الشتاء، ثم يبدأ النهار يأخذ من الليل ويبدأ الليل في النقص، حتى ينتهي طول النهار في شدة الصيف في شدة الحر، ويعتدلان يعتدل الليل والنهار مرتين، في فصل الربيع وفي فصل الخريف، يكون الليل اثنى عشر ساعة، والنهار اثنى عشر ساعة، وفي فصل الخريف يبدأ الليل يأخذ يزيد حتى ينتهي طوله في الشتاء، وفي فصل الربيع يعتدلان ثم يبدأ النهار يأخذ، حتى ينتهي طول النهار في شدة الصيف {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} .

{وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ} تحمل عليها البضائع، وتنتقل من  بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر، وفي هذا الزمن وجدت مراكب بحرية عظيمة، كبيرة واسعة مما أعطى الله الناس من القدرة، وعلم الإنسان ما لم يعلم، ما كانت موجودة في الزمن السابق، تنقل في هذه المراكب الطائرات والمراكب العظيمة والأسلحة والعتاد والتجارات والبضائع .

{وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ  وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ} ما أنزل الله من السماء من مطر، ومن رزق الذي يحيي الله به الأرض، فتمتلئ الآبار، وإذا تأخر المطر غارت الآبار، ويخرج الله النبات فتحيى الأرض، وتحيى الدواب، {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ} بث فيها من الدواب الصغيرة والكبيرة والحيوانات، التي لا يعلم عددها إلا الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه وتعالى هو الخالق لها والرازق لها، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} الرياح التي يصرفها الله عز وجل، فالرياح تارة تكون رحمة وهي الرياح وتارة تكون علامة وهي الريح، ولهذا جاء في الحديث: «اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا»([3]) .

قال الله تعالى في الريح التي أهلك الله بها عاد: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ } [الأحقاف:24، 25].

{مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون} [آل عمران:117].

فلريح عذاب والرياح رحمة، وأنواع الرياح وأنواع السحب كما قال الحفاظ لها مؤلفات ولها كتب ولها أناس مختصون بها، كذلك.

{وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} يسوقه الله تعالى إلى ما يشاء من العباد والبلاد، كل هذا فيه آيات ودلالات على وحدانية الله تعالى وقدرته، واستحقاقه للعبادة وأنه معبود بالحق، لكن لا يرى هذه الآيات ولا يعتبر بها كل أحد، إنما هذا للذين أعطاهم الله تعالى العقول السليمة، التي ترشدهم عقولهم إلى وحدانية الله واستحقاقه للعبادة، ولهذا قال تعالى: {لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} هم أولو الألباب، وأصحاب العقول السليمة، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] أصحاب العقول.

أما الذين لم يعطوا عقولًا زاكية فإنهم لا يرونها ولا يشاهدونها إلا مشاهدة عابرة، لا يستفيدون منها، يرونها أشياء مكررة، وأشياء يشاهدونها، فلا يعتبرون ولا يتعظون، ولا يتذكرون وإنما أصحاب العقول السليمة، هم الذين ينتفعون ويتعظون.

وفي هذه الآيات الكريمات: استحقاق الله تعالى للعبادة، بيان أن الله تعالى هو مستحق للألوهية وحده، وأنه هو المعبود بالحق وأن غيره معبود بالباطل، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:62].

وفيه: دليل على أن الله تعالى هو الخالق، وإثبات أن الله تعالى هو الخالق والمالك والمدبر والمصرف.

في هذه الآيات الكريمات: إثبات ألوهية الله واستحقاقه للعبادة، وفيه إثبات ربوبيته، وإثبات أنه الخالق، وإثبات ملكه وأنه المالك، وإثبات تدبيره وأنه المدبر.

وفي هذه الآيات: دليل على أنه سبحانه وتعالى هو الخالق وغيره مخلوق، وأنه الرب وغيره المربوب، وأنه المالك وغيره المملوك، وأنه مدبر، وغيره مدبر، وأنه مستحق العبادة دون سواه وأنه غيره لا يستحق شيء من العبادة.

وفيه: دليل على أن الذي يتعظ بالآيات ويتذكر هم أصحاب العقول السليمة، الذين أرشدتهم عقولهم إلى معرفة الله تعالى والإيمان به وعبادته وإخلاص الدين له.

وفيه: رد على النصارى الذين جعلوا الآلهة ثلاثة.

وفيه: رد على المشركين والوثنيين أيضًا.

وفيه: رد على جميع طوائف الكفر.

وفيه: رد على النصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة.

وفيه: رد على اليهود الذين قالوا: عزير هو الله.

وفيه: رد على المشركين الوثنيين الذين عبدوا اللات والعزى ومناة وعبدوا غيره.

وفيه: رد على الاتحادية أعظم الناس كفرا الذين قالوا: أن الوجود واحد.

وفيه رد على جميع طوائف الكفرة، أسأل الله السلامة والعافية.

 

([1]) رواه الدارمي في "السنن" (3432) وأبو داود (1496) والترمذي (3478) وابن ماجه (3855) وفيه شهر بن حوشب وفيه كلام، ففي صحته نظر.

([2]) قال الشارح حفظه الله: الحديث ضعيف، والجزم بأن اسم الله الأعظم غير الرحمن الرحيم يعني ليس بواضح، وقيل: الحي القيوم، وقيل: اسم الله الأعظم معناه العظيم، كل أسماء الله عظيمة، وأن الأعظم بمعنى العظيم.

([3]) حديث ضعيف رواه أبو يعلى (2456).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد