شعار الموقع

شرح سورة البقرة من مختصر تفسير ابن كثير 42

00:00
00:00
تحميل
87

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم * أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار * ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد} [البقرة: 174-176].

يقول تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ} يعني اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم التي بأيديهم، مما تشهد له بالرسالة والنبوة، فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم، وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم إياهم، فخسوا لعنهم الله إن أظهروا ذلك أن يتبعه الناس ويتركوهم، فكتموا ذلك إبقاء على ما كان يحصل لهم من ذلك، وهو نزر يسير، فباعوا أنفسهم بذلك. واعتاضوا عن الهدى واتباع الحق وتصديق الرسول والإيمان بما جاء عن الله، بذلك النزر اليسير، فخابوا وسخروا في الدنيا والآخرة.

أما في الدنيا فإن الله أظهر لعباده صدق رسوله بما نصبه وجعله معه من الآيات الظاهرات، والدلائل القاطعات، فصدقه الذين كانوا يخافون أن يتبعوه، وصاروا عونًا له على قتالهم، وباءوا بغضب على غضب، وذمهم الله في كتابه في غير موضع، فمن لك هذه الآية الكريمة: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً } وهو عرض الحياة الدنيا { أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ} أي إنما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحق نارًا تأجج في بطونهم يوم القيامة، كما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نارَ جهنم».

وقوله: { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم } [البقرة:174] وذلك لأنه تعالى غضبان عليهم، لأنهم كتموا وقد علموا، فاستحقوا الغضب، فلا ينظر إليهم ولا يزكيهم، أي لا يثني عليهم ولا يمدحهم، بل يعذبهم عذابًا أليمًا، ثم قال تعالى مخبرصا عنهم: { أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} [البقرة:175] أي اعتاضوا عن الهدى، وهو نشر ما في كتبهم من صفة الرسول، وذكر مبعثه، والبشارة به من كتب الأنبياء، واتباعه وتصديقه، استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه بالضلالة، وهو تكذيبه، والكفر به،  وكتمان صفاته في كتبهم {وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ} أي اعتاضوا عن المغفرة بالعذاب، وهو ما تعاطوه من أسبابه المذكورة، وقوله تعالى: { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار } يخبر تعالى أنهم في عذاب شديد عظيم هائل، يتعجب من رآهم فها من صبرهم على ذلك، مع شدة ما هم فيه من العذاب والنكال والأغلال، عياذًا بالله من ذلك.

وقوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } [البقرة: 176] أي إنما استحقوا هذا العذاب الشديد لأن الله تعالى أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحق وإبطال الباطل، وهؤلاء اتخذوا آيات الله هزوًا، فكتابهم أمرهم بإظهار العلم ونشره، فخالفوه وكذبوه، وهذا الرسول الخاتم يدعوهم إلى الله تعالى ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهم يكذبونه ويخالفونه ويجحدونه ويكتمون صفته، فاستهزءوا بآيات الله المنزلة على رسله، فلهذا استحقوا العذاب والنكال، ولهذا قال: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد}.

 (التفسير)

ما أنزل الله من العلم في كتبهم التي أنزلها عليهم، وآثروا الدنيا على الآخرة، واعتاضوا عن الدنيا بالآخرة، فكتموا ما أنزل الله من الحق، إيثارًا للعاجلة -وهي الدنيا- على الآخرة، فخابوا وخسروا وأهلكوا أنفسهم، واستحقوا العذاب الأليم.

وفي هذا تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسالكهم، فيصيبها ما أصابهم، والله تعالى أخبرنا عن حالهم تحذيرًا لنا من أن نشابههم فيصيبنا ما أصابهم، ولهذا قال -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} [البقرة:174]، وهم أهل الكتاب -اليهود والنصارى- كتموا ما أنزل الله في كتبهم من صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه النبي الخاتم، وأنه آخر الأنبياء، وأن رسالته عامة إلى الثَّقلين من الجن والإنس، وأن كل إنسان سمع به عليه أن يؤمن به، ومن لم يؤمن به فهو من أهل النار، وكتموا صفاته، وقالوا للمشركين العرب ليس هو النبي الموجود في كتبنا، وإنما قالوا ذلك إيثارًا للعاجلة -وهي الدنيا- على الآخرة، حتى تبقى لهم رئاستهم ومآكلهم، وتعظيم الأميين من المشركين لهم، فخابوا وخسروا، فاتهم ما أرادوا، وانعكس عليهم مقصودهم، وتبين صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- لكل أحد، فآمن العرب وقاتلوهم معهم، واستحقوا العذاب الأليم في الآخرة، مع الخسران العظيم في الدنيا.

وفي هذا تحذير لهذه الأمة، تحذير للعلماء أن يسلكوا مسالك أهل الكتاب وأن يكتموا الحق أو أن يعتاضوا عن الحق بشيء من الدنيا، فيهلكوا كما هلكوا، ولهذا قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} [البقرة:174]، وهم اليهود والنصارى، كتموا صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكتموا الأخبار التي أخبر الله بها عنه، وكتموا صفاته -عليه الصلاة والسلام-، وصفات أمته، وما أوجب الله عليهم من الإيمان به، وتصديقه ومتابعته وتعزيره وتوقيره، والجهاد معه، كل ذلك كتموه، واعتاضوا عن ذلك بالدنيا، والدنيا كلها ثمن قليل، ولهذا قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة:174] يعني يعتاضون عن ذلك، يعتاضون عما كتموه، اعتاضوا عن ذلك ثمنًا قليلاً، والدنيا كلها ثمن قليل، الدنيا من أولها إلى آخرها كلها ثمن قليل، وهم يحصل لهم -اليهود- يحصل لهم هدايا ويحصل لهم تحف ويحصلون على تعظيم المشركين؛ لأن المشركين العرب أهل أوثان ما عندهم كتاب فهم يعظمونهم ويسألونهم ويأتمون بهم ويعطونهم شيئًا من المال، ولو آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لفاتهم هذا، فهم آثروا العاجلة على الآخرة، آثروا الدنيا على الآخرة، آثروا الرياسات، آثروا الزعامة والتعظيم، وما يعطون من الدنيا، آثروا ذلك عن الإيمان بالله ورسوله، فهذا هو معنى قوله: {وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة:174]، والدنيا كلها ثمن قليل.

 بين الله -سبحانه وتعالى- ما استحقوه من العذاب فقال: {أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة:174]، هذا المال الذي يعطونه، يكون نارًا تتأجج في قلوبهم يوم القيامة، كما قال تعالى فيمن أكل مال اليتيم: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء:10]، كما قال -عليه الصلاة والسلام- فيمن يشرب في إناء الذهب والفضة: «إِنَّ الَّذي يَشرَبُ في آنية الذَّهب الفِضَّةِ إنما يُجرجِر في بَطْنه نارَ جَهنَّمَ»([1]).

 {أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} [البقرة:174] لا يكلمهم كلام رضا، وإنما يكلمهم كلام سَخَطِ، كلام سَخَطٍ وغضب، ولهذا فإن الله تعالى يقول لأهل النار وهم فيها: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [البقرة:174] هذا كلام غضب، كلام غصب يزدادون به بعدًا من الله -عز وجل- وعذابًا، ولا يُكلِّمهم الله، ولا يُزَّكيهم ولا يُطهِّرهم، لأنهم تشبَّثوا بالمعاصي والكفر، {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:174] وهو عذاب أليم وموجع وهو عذاب النار.

 كما قال -سبحانه وتعالى-: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ} [البقرة:175] يعني اعتاضوا الضلالة بالُهدى ، كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6]، فالاعتياض هو الشراء، والباء تدخل على المتروك، والمعنى أنهم تركوا الهُدى وأخذوا بدله الضلالة، {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ}[البقرة:175]، اعتاضوا الضلالة بالهُدى ، تركوا الهدى وأخذوا الضلالة مكانها، واعتاضوا المغفرة بالعذاب، {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:175] هذا تعجب من صبرهم، كيف يصبرون على النار! إذا لاقوا حرَّها وقاسوا شدة ألمها واستمروا فيها.

قال -سبحانه وتعالى-:{ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [البقرة:176] فهذا الذي أصابهم، أصابهم لأن الله تعالى نزَّل الكتاب بالحق، لأنه تعالى يُحِقّ الحقّ ويُبطِل الباطل، ومن إحقاقِه للحقّ -سبحانه وتعالى- وإبطالِه للباطل، أن يُعامِل كُل أحد بما يستحقه، فيجازي المؤمنين بأعمالهم الصالحة ويجازي الكافرين بأعمالهم السيئة.

{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة:176] الذين اختلفوا في الكتاب اختلفوا في الإيمان به، وفي تنزيله، فالاختلاف في الكتاب أنواع: الاختلاف في تنزيله، والاختلاف في الإيمان به، والاختلاف في تأويله، {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة:176] في نِزاع وخصومة، {بَعِيدٍ} [البقرة:176] عن الحق والهُدى.

في هذه الآيات الكريمات من الفوائد: التحذير من كتمان الحق، وأن أهل الكتاب كتموا الحق الذي أنزله الله في كتبهم، ولم يؤمنوا بالله وبرسوله، فكانوا ضُلالاً واستحقوا العذاب الأليم الموجع، وصاروا من أهل الخلود في النار، والله تعالى لم يظلمهم وإنما جازاهم بأعمالهم، وذلك أن الله تعالى نزَّل الكتاب بالحق.

وفيه من الفوائد: تحذير هذه الأمة، أن تسلك مسلك أهل الكتاب -في الكفر والتكذيب وإخفاء الحق وكتمانه- فيصيبهم ما أصابهم.

وفيه: التحذير من الاختلاف في الكتاب، وأن المختلفين في الكتاب في نزاع وشقاق وخصومة، وفي بُعْد عن الحق والصواب، فالذين اختلفوا في الكتاب في الإيمان به، منهم من آمن به ومنهم من لم يؤمن به.

واختلفوا في تنزيله منهم من آمن بتنزيله ومنهم من أنكر تنزيله، ومن ذلك المُعتَزِلة الذين أنكروا تنزيله وقالوا ليس بمنزَّل ولكنه مخلوق.

وكذلك الاختلاف في تأويله، وتأويله بالتأويلات الباطلة، كل هؤلاء في شقاق، فالذين اختلفوا في الإيمان بهذا الكتاب، والذين اختلفوا في تنزيله، والذين اختلفوا في تأويله، كلهم في شقاق وفي نزاع، وهم بعيدون عن الحق والصواب، نسأل الله السلامة والعافية.

وفيه: إثبات لكلام الله -عز وجل- وأن الله تعالى تكلم بهذا القرآن بحرف وصوت يسمع ففيه الرد على المعتزلة الذين أنكروا أن يكون القرآن كلام الله، وقالوا بأنه مخلوق لفظه ومعناه، وفيه رده على الأشاعرة والكلَّابية الذين قالوا أن القرآن معنى قائم بالنفس وأنه ليس بحرف ولا صوت.

 (المتن)

{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة:177]

[جامع البِرّ]

 اشتملت هذه الآية الكريمة، على جمل عظيمة، وقواعد عميمة، وعقيدة مستقيمة، وأما الكلام على تفسير هذه الآية ، فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولا بالتوجه إلى بيت المقدس، ثم حولهم إلى الكعبة، شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فأنزل الله بيان حكمته في ذلك، وهو أن المراد إنما هو طاعة الله، وامتثال أوامره، والتوجه حيثما وجه، واتباع ما شرع، فهذا هو البر والتقوى والإيمان الكامل، وليس في لزوم التوجه إلى جهة من المشرق أو المغرب برٌ ولا طاعة، إن لم يكن عن أمر الله وشرعه; ولهذا قال: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية، كما قال في الأضاحي والهدايا: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [الحج:37].

 وقال أبو العالية: كانت اليهود تقبل قبل المغرب، وكانت النصارى تقبل قبل المشرق، فقال الله تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل. وروي عن الحسن والربيع بن أنس مثله.

وقال الثوري: {وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} الآية، قال: هذه أنواع البر كلها. وصدق رحمه الله; فإن من اتصف بهذه الآية، فقد دخل في عرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله، وهو الإيمان بالله، وهو أنه لا إله إلا هو، وصدق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله، {وَالْكِتَابِ} وهو اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء، حتى ختمت بأشرفها، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كل خير، واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة، ونسخ به كل ما سواه من الكتب قبله، وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد -صلوات الله وسلامه عليه- وعليهم أجمعين .

وقوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ} أي: أخرجه، وهو محب له، راغب فيه. كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا: «أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر»([2]).

وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا} [الإنسان:8-9].

وقال تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92].

وقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] نمط آخر أرفع من هذا وهو أنهم آثروا بما هم مضطرون إليه، وهؤلاء أعطوا وأطعموا ما هم محبون له .

وقوله: {ذَوِي الْقُرْبَىٰ} وهم: قرابات الرجل، وهم أولى من أُعطى من الصدقة، كما ثبت في الحديث: «الصدقة على المساكين صدقة، وعلى ذوي الرحم اثنتان: صدقة وصلة»([3]). فهم أولى الناس بك وببرك وإعطائك. وقد أمر الله تعالى بالإحسان إليهم في غير موضع من كتابه العزيز.

{وَالْيَتَامَىٰ} هم: الذين لا كاسب لهم، وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب، وقد روى عبد الرزاق، عن علي رضي الله عنه ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يُتم بعد حُلم».

{وَالْمَسَاكِينَ} وهم: الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم وسكناهم، فيعطون ما تسد به حاجتهم وخلتهم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه».

{وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو: المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته فيعطى ما يوصله إلى بلده، وكذا الذي يريد سفرا في طاعة، فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه، ويدخل في ذلك الضيف، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس أنه قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين، وكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو جعفر الباقر، والحسن، وقتادة، والضحاك والزهري، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان.

{وَالسَّائِلِينَ}وهم: الذين يتعرضون للطلب فيعطون من الزكوات والصدقات.

{وَفِي الرِّقَابِ} وهم: المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم. وسيأتي الكلام على كثير من هذه الأصناف في آية الصدقات من براءة، إن شاء الله تعالى.

 وقوله: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} أي: وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها، وسجودها، وطمأنينتها، وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي.

وقوله: {وَآتَى الزَّكَاةَ}المراد به زكاة المال كما قاله سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان.

وقوله: {الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} كقوله: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد:20] وعكس هذه الصفة النفاق، كما صح في الحديث: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»([4]). وفي الحديث الآخر: «إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»([5]).

وقوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} أي: في حال الفقر، وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام، وهو الضراء. {وَحِينَ الْبَأْسِ} أي: في حال القتال والتقاء الأعداء، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وأبو العالية، ومرة الهمداني، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان، وأبو مالك، والضحاك، وغيرهم.

وإنما نُصِبَ {وَالصَّابِرِينَ} على المدح والحث على الصبر في هذه الأحوال لشدته وصعوبته، والله أعلم، وهو المستعان وعليه التكلان .

وقوله: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} أي: هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم; لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا {وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات.

(التفسير)

هذه الآيات الكريمة: تسمى (آية خصال البِر)، جمع الله فيها خصال البر كلها، جمعت أنواع الخير، جمعت القواعد العظيمة في الإيمان، والأخلاق الحميدة، والمعاملات الحسنة، مع الأقارب وغيرهم، فهي آية عظيمة، قال تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة:177].

وهذا فيه بيان لمن حصل عنده شيء من التَّكدُّر حينما حُوِّلت القِبلَة من بيت المقدِس إلى الكعبة، من اليهود ومن ضعفاء الإيمان من المسلمين، بين الله لهم إنما البر في طاعة الله ورسوله، وليس البر الاتجاه إلى المشرق أو الاتجاه إلى المغرب، إنما البر طاعة الله ورسوله، ومن طاعة الله أن تتوجه إلى ما وجهك الله له، فإذا وجهك إلى المشرق تتوجه، وإذا وجهك إلى المغرب تتوجه، طاعةً لله ولرسوله، البر هو تقوى الله هو طاعة الله ورسوله.

وليس البر الاتجاه للقبلة من حيث هي، القبلة من حيث هي والاتجاه من حيث هو ليس فيه بر، وإنما البر في اتباع أوامر الله وأوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، في طاعة الله ورسوله.

فإذا وجهك الله لهذه الجهة فإنك تتوجه، طاعةً لله ورسوله لا لأنها جهة، فنحن عبيد مأمورون، لو وجهنا لهذه الجهة نتوجه، وإذا وجهنا لجهة أخرى نتوجه، فالطاعة والبر إنما هو في طاعة الله ورسوله، وليس لذات الجهة، ولهذا قال سبحانه: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة:177]؛ ولكن البر من أتى بهذه الخصال.

هذه خصال البر، ابتدأها الله تعالى بأصول الإيمان، قال: {وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177]، هذه أصول الإيمان الخمسة: الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، وبقي الركن السادس وهو الإيمان بالقَدَر، بينه الله تعالى في قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49].

وقيل أنه يدخل في الإيمان بالله، الإيمان بالله وبقضائه وقدَرِه، لتكون أصول الإيمان خمسة، ولهذا أهل البِدَع استبدلوا أصول الإيمان، استبدلوا بهذه الأصول - وهي أصول الإيمان الخمسة - أصولاً أخرى، كالمعتزلة الذين استبدلوا بهذه الأصول الخمسة - الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر - استبدلوا بها أصولهم الخمسة وهي: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر عن المعروف والنهي عن المنكر.

هذه أصول المعتزلة الفاسدة، وستروا تحت كل أصل منها معرفة فاسدة، وهي مبنية على عقولهم الكاسدة، ولاسيما الأصلان الأولان.

أصل التوحيد، ستروا تحته عدم الإيمان برؤية الله، ونفي الكلام يعني إنكار كلام الله، وإنكار رؤية الله في الآخرة، وقولهم بأن القرآن مخلوق، هذا يسمونه التوحيد.

والعدل ستروا تحته التكذيب بالقَدَر، وقولهم بأن الله لا يخلق الشرَّ، ولا يَقدِر أن يَهدي ضالاً ولا يضل مُهتديًا.

والمنزلة بين المنزلتين ستروا تحتها القول بأن العاصي خرج من الإيمان، ولم يدخل الكفر.

وإنفاذ الوعيد ستروا تحته القول بخلود العصاة في النار.

الأمر بالمعروف ستروا تحته إلزامهم غيرهم باجتهاداتهم الفاسدة، والنهي عن المنكر ستروا تحته الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي.

هذه أصولهم الخمسة، استبدلوا الأصول -أصول الإيمان- استبدلوا بها بأصول الإيمان الخمسة هذه الأصول الفاسدة.

وهذه الأصول -أصول الإيمان: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر والقدر- دلت عليها نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء:136].

بين سبحانه أن الكفر، هو الكفر بهذه الأصول، فدل على أن الإيمان هو الإيمان بهذه الأصول، {وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء:136]، {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285].

وفي حديث جبرائيل الذي رواه الإمام مسلم، لما سأله عن الإيمان، فقال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»([6]).

هذه الأصول الخمسة دلت عليها نصوص الكتاب بل أنزل الله بها جميع الكتب، واتفقت عليها جميع الرسل، وآمن بها جميع المسلمين، ولم يجحد شيئًا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام وكان من الكافرين.

هذه أصول الإيمان من جحد شيئًا منها فهو كافر:

الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب المنزلة، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.

ولكن البر من آمن بالله، والإيمان بالله توحيد الله، والإيمان بوجوده، والإيمان بربوبيته، والإيمان بأسمائه وصفاته، والإيمان بألوهيته واستحقاقه للعبادة، والشهادة لله تعالى بالوحدانية، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، والبعد عن كل ما يناقض ذلك.

والإيمان بالملائكة، الإيمان بالملائكة وأنهم من عالم الغيب، وأنهم أشخاص وذوات محسوسة، تصعد وتنزل وترى وتذهب وتجيء وتخاطب الرسول، وليسوا أشكالاً نورانية كما تقول الفلاسفة الكفرة، والإيمان بأعمالهم ووظائفهم وشرفهم ومكانتهم عند الله -عز وجل-، وأن لهم وظائف، وظفهم الله، وأنهم خلقوا من نور، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

والتفصيل في هذه الأصول الخمسة والتفصيل في آية البر، يحتاج إلى وقت طويل، ولو كتبت فيه مجلدات لما استوفت الكلام على هذه الآية، مجلدات، الكلام عن هذه الآية يتحمل مجلدات كثيرة، بل الأصول الخمسة تحتاج مجلدات، كتب العقائد كلها تدل على هذه الأصول.

والإيمان بالملائكة الإيمان بأشخاصهم وذواتهم، ووظائفهم وشرفهم ومكانتهم عند الله، وأن كل حركة في السماوات والأرض فهي ناتجة عن الملائكة بإذن الله الكوني، قال ومنهم {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات:1]، ومنهم {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} [النازعات:1]، ومنهم {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} [المرسلات:2-4]، {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا} [النازعات:1-4]، هؤلاء هم الملائكة، وهم درجات، وأفضلهم ومقدمهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، أفضل الملائكة لأن هؤلاء كل منهم وُكِّل بما فيه الحياة، فجبريل وَكَّله الله بالوَحْي الذي فيه حياة القلوب والأرواح، وميكائيل وُكِّل بالقَطْر الذي فيه حياة الأبدان والنبات، حياة النبات وأبدان الحيوانات والآدميين، وإسرافيل وُكِّل بنفخ الصُّور الذي فيه إعادة الأرواح، فلهذا كانوا هم مُقدَّم الملائكة، يتوسل النبي إلى الله بربوبيته لهؤلاء الأملاك الأربعة في الاستفتاح في صلاة الليل في الحديث العاشر عند مسلم: «اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»([7]) .

 {وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } [البقرة:177] في هذه الآية قدَّم اليوم الآخر، في حديث جبرائيل جعلها الركن الخامس، والله تعالى كثيرًا ما يقرن بين الإيمان واليوم الآخر، لأن من آمن بالله واليوم الآخر، فلابد أن يؤدي ما أوجب الله عليه، ومن لا يؤمن بالله واليوم الآخر فإنه لا يستجيب، واليوم الآخر هو يوم القيامة، يقابله اليوم الأول، الآخِر بالكسر، فهما يومان: اليوم الأول وهو الدنيا، واليوم الآخر وهو الآخرة، الآخرة يوم والدنيا يوم.

والمراد الإيمان بالبعث والحساب والجزاء، وحشر الأجساد والصراط والميزان والجنة والنار، وما يتبعه من الإيمان بالقبر ونعيمه وعذابه وفتنة القبر وضغطته، وكذلك أيضًا ما يكون من أشراط الساعة في آخر الزمان.

 {وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ} [البقرة:177] جنس، المراد الكتب المنزلة، فالكتاب جنس يشمل جميع الكتب المنزلة والإيمان بها إجمالاً وتفصيلاً، تفصيلاً بأن نؤمن بالكتب التي سَمَّاها الله وهي أربعة، أربعة كتب: التَّوراة، والإنجيل، والزَّبور، والقرآن، وصحف إبراهيم وصحف موسى، ونؤمن إجمالاً بأن الله أنزل كتبًا كثيرة على أنبيائه ورسله لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله.

{وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177] الإيمان بالرسل إجمالاً وتفصيلاً، تفصيلاً فيمن سُمِّي من الأنبياء بأعيانهم وأسمائهم، وهم خمس وعشرون في الأنعام وفي النساء.

في النساء يقول الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء:163].

وفي الأنعام قول الله تعالى في إبراهيم: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } [الأنعام:84-86] .

مع هود وصالح ولوط وشعيب ونبينا محمد -عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم-، ونؤمن بأن لله تعالى أنبياء ورسل كثيرون، لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله، كما قال الله تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء:164].

والإيمان بالقَدَر بمراتبه الأربع، وهي: العلم، والكتابة، والإرادة والمشيئة، والخلق والإيجاد، الإيمان بأن الله عَلِم الأشياء قبل كوْنِها، وعُلِم الأشياء الحاضرة والمستقبَلة، وما لمَ يَكن لو كان كيف يكون، والإيمان بأن الله كَتَب كل شيء في اللوح المحفوظ، والإيمان بأن بإرادة الله ومشيئته لكل شيء في هذا الوجود، والإيمان بخلقِه وإيجاده.

 هذه أصول الإيمان التي اتفقت عليها الرسل والشرائع والمسلمون، ومن يجحد شيئًا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام وصار من الكافرين، فصَّل الله خصال البِرّ بالإيمان بهذه الأصول الخمسة، {وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177].

{وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ} [البقرة:177]، وآتى المال على حبه يعني أعطى المال وهو يحبه، أنفق المال وهو يحبه، {ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة:177]، {وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة:177] .

يعني أعطى المال وهو يحبه وأنفقه في هذه المصارف، والقرابات أقارب الإنسان المحتاجون من أقاربه، من إخوانه وأخواته وأبناء إخوانه وأبناء أخواته وأعمامه وأبناء أعمامه وعماته وأبناء عماته وأخواله وخالاته وأبنائهم وبناتهم، هؤلاء الأقارب، يُعطي المال على حبه ذوي القربى، الأقارب هم أفضل مصرِف للنفقات، ولهذا ابتدأ الله بهم، فالنفقة فيهم النفقة على القريب، فالصدقة على القريب صدقة وصِلَة، والصَّدقة على البعيد صَدقة، «وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»([8]).

{وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ} [البقرة:177] آتى المال وهو يحبه، {ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ} [البقرة:177] جمع يتيم وهو من فقد أباه وهو صغير دون البلوغ، يعني اليتامى المحتاجين، والغالب أنهم محتاجون وهم الذين مات كاسِبهم وليس لهم ما يكفيهم، أما إذا خلَّف لهم ما يكفيهم ولهم أموال، فلا يعطون من الزكاة، ليس كل يتيم يُعطى، يُعطى اليتيم المحتاج، لكن إذا الأيتام خلَّف لهم وارثهم مالاً يكفيهم، ويقوم بنفقتهم فلا يعطون من الزكاة، لأنهم أصبحوا أغنياء، أغنياء بهذا المال ولاسيما إذا كان المال كثيرًا، ووليُّ اليتيم ينمِّيه، ويجنِّبه الأخطار، مأمور بذلك أن ينميه ويجنبه الأخطار.

{وَالْمَسَاكِينَ} [البقرة:177] وهم الفقراء الذين لا يجدون ما يكفيهم، فيعطون ما يكفيهم لمدة سنة من الزكاة، نفقة وكسوة وسُكنى، والمسكين إذا أطلِق دخل فيه الفقير، وإذا استبعد فالفقير أشد حاجة، هو الذي لا يجد شيئًا أو يجد أقل من نصف الكفاية، والمسكين هو الذي يجد نصف الكفاية فأكثر إلا أنه لا يجد الكفاية فيتموا له كفايته يعني لمدة سنة، يُعطى ما يكفيه لمدة سنة نفقة وكسوة وسُكنى؛ لأن الزكاة من السنة إلى السنة، {وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ} [البقرة:177] وصدقة التطوع مبذولة في كل وقت، وليس لها حد.

{وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [البقرة:177]، ابن السبيل هو المجتاز الذي ترك بلده وانتهت نفقته، وانقطعت به السبيل فلا يستطيع أن يصل إلى بلده، فهذا يُعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، ولو كان غنيًا في بلده، يُعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، سُمِّي ابن السبيل -السبيل هو الطريق-، سمي ابن السبيل لأنه ملازم له، فهذا يُعطى.

لكن في هذا الزمان إن وُجد ابن السبيل ويستطيع أن يأخذ من ماله إذا كان له رصيد في البنوك فيستطيع في أي مكان في أي بلد أن يسحب من رصيده، لكن إذا قُدِّر أنه - ابن السبيل - ليس له مال وليس عنده شيء فمثل هذا يُعطى.

أما إذا كان ابن السبيل، يجد نفقته، فلا يأتي ويقول : أعطوني أنا انتهت نفقتي - وهو له رصيد في البنوك ويستطيع السحب، فنقول: اسحب من رصيدك، ولا تُعطى من الزكاة، فالآن اختلفت الأحوال، في هذا الزمن وُجِدت وسائل لأخذ المال في أي مكان، يستطيع أن يأخذ من ماله في أي مكان، في أي مكان من البلد إذا كان له رصيد، فلا يُعطى من الزكاة، لكن إذا كان فقيرًا أو لم يستطع وانقطعت به السبل، فإنه يُعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، أما صدقة التطوع فبابها واسع.

 {وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ} [البقرة:177]، السائل الذي يسأل ويتعرض للناس يُعطى من الزكاة من غيره إذا جُهِلَت حاله، أما إذا عُلِمَت حاله وأنه يسأل وهو غير محتاج فهذا لا يُعطى ويُزجر ويُخَوَّف بالله، وقد ورد الوعيد الشديد على من سأل وهو غير محتاج، وأن الذي يسأل الناس إنما يسأل جبرًا، وقال في الحديث: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ»([9])، لكن الذي يسأل وهو فقير محتاج يُعطى، يتعرض للسؤال، وكذلك إذا جُهِلت حاله.

فالسائل له ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى: أن يُعلم أنه غير محتاج وأن يسأل تكثُّرًا وهذا لا يُعطى ويزجر ويخوَّف ويرفع به إلى ولاة الأمور حتى يؤدَّب، وهذا حرام عليه أن يسأل.

الحالة الثانية: أن يُعلم أنه محتاج وأنه فقير فهذا يُعطى، وليس لأحد أن يمنعه ولا يزجره حتى ولو سأل في المسجد لأنه قد لا يجد مكانًا يعرِض حاله على إخوانه المسلمين إلا في المسجد.

الحالة الثالثة: من يُجهل حاله، ما يُدرى هل هو محتاج أم غير محتاج ،هذا يُعطى، يُعطى لأن الأصل في المسلم السلامة، إذا لم توجد قرائن ولا دليل على أنه كذاب وعلى أنه يسأل تكثُّرًا فيُعطى، يُعطى ولو شيئًا قليلاً.

{وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة:177]، الرقاب: الأرِقَّة الذين اشتروا أنفسهم، والرّقيق: العبد الذي اشترى نفسه من سيِّده، وكَاتَبَ سيِّده على نجوم يدفعها، فإنه يُعطى ما يسدد هذه النجوم حتى يتحرر، ومن ذلك بريرة في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- مولاة عائشة، اشترت نفسها من أهلها بتسع أواق، تسع أواق على تسع سنوات، كل سنة تدفع أوقية –نجم-، فاستعانت عائشة -رضي الله عنها- فاشترتها([10])، فهذا مثال في الرقاب، وكذلك يُشترى عبد ويعتق من الزكاة.

{وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ} [البقرة:177] أيضًا ذكر من خصال البر إقامة الصلاة، إقامتها ظاهرًا وباطنًا، ظاهرًا بأداء واجباتها وشروطها وهيئاتها ووضوئها، وباطنًا بحضور القلب والإخلاص والصدق مع الله.

{وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة:177] وأعطى الزكاة لمستحقيها، إلى مستحقيها مع طيب النفس في مصارفها الشرعية.

{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة:177] والموفون بعهدهم إذا عاهدوا يوفون بالعهود والعقود التي يعقدونها، يوفون بالأيمان، وكذلك أيضًا العقود التي يعقدونها.

{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة:177] الوفاء بالعهد، في الحديث بَيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من صفات المنافقين عدم الوفاء بالعهد([11])، {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة:177]، من صفات المؤمنين الوفاء بالعهد، ومن صفات المنافقين عدم الوفاء بالعهد، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] عقد البيع، وعقد الشراء، وعقد الزواج، وعقد المساقاة، والمزارعة، إلى غير ذلك.

 {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة:177] والصابرين نُصِب على الاختصاص، يعني أخص الصابرين أو أمدح الصابرين، والصابرون هم الذين لا يجزعون، ولا يتسَخطَّون، ولا يظهرون الجزع في ثلاثة أحوال: في البأساء: عند الفقر والحاجة، والضراء: عند المرض والمصائب، وحين البأس: عند القتال ومقارعة الأعداء. فهم يصبرون على الفقر حين يصيبهم، ويصبرون على المصائب والنَّكبات فلا يتسخَّطون، ويصبرون عند قتال الأعداء ومقارعة الخصوم. قال الله تعالى: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} [البقرة:177] أولئك الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا، هم الذين صدقت أفعالهم وأقوالهم ما في قلوبهم من الإيمان، آمنوا بالله ورسوله وصدقوا ذلك بالأقوال والأعمال، وهم المتقون الذين اتقوا غضب الله وسخطه، واستحقوا ما وعدهم الله به من الكرامة -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم-.

 هذه خصال البرّ، خصال البرّ خصال عظيمة، {وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة:177]، أولئك الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدَقوا، هم الذين صدَقوا الله، صدَقوا مع الله، صدَّقوا إيمانهم بالأقوال والأفعال. { وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177] الذين اتقوا الله وخافوه، وحذروا المعاصي، فهم المتقون، وسوف يُؤْتِي الله المتقين والمؤمنين أجرًا عظيمًا -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم .

*****

 

([1])  صحيح البخاري (5634) وصحيح مسلم (2065) من حديث أم سلمة.

([2]) صحيح البخاري (1419) وصحيح مسلم (1032).

([3])  أخرجه أحمد في "المسند" (4/16) وابن ماجة في "السنن" (1844) من حديث سلمان بن عامر الضبي.

([4]) صحيح البخاري (33 و2682 و2749 و6095) وصحيح مسلم (59) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([5])  صحيح البخاري (34 و2459 و3178) وصحيح مسلم (58) من حديث عبد الله بن عمرو بن  العاص رضي الله عنه.

([6]) صحيح مسلم (8) من حديث عمر رضي الله.

([7]) صحيح مسلم (770).

([8]) تقدم تخريجه.

([9])  صحيح البخاري (1474) وصحيح مسلم (1040) من حديث عبد الله بن عمر.

([10])  رواه البخاري في "الصحيح" (2168) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الوَلاَءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».

([11])  تقدم تخريجه.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد