شعار الموقع

شرح سورة البقرة من مختصر تفسير ابن كثير 46

00:00
00:00
تحميل
81

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

[الله يسمع دعاء عباده]

وروى الإمام أحمد: عن أبي موسى الأشعري، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزَاة فجعلنا لا نصعد شَرَفًا، ولا نعلو شَرَفًا، ولا نهبط واديًا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير. قال: فدنا منا فقال: «يا أيها الناس، أرْبعُوا على أنفسكم؛ فإنَّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا، إن الذي تدعون أقربُ إلى أحدكم من عُنُق راحلته. يا عبد الله بن قيس، ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله».

أخرجاه في الصحيحين، وبقية الجماعة بنحوه.

وروى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني».

[الدعاء يُقبل ولا يضيع]

وروى الإمام أحمد أيضًا عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة -رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجِّل له دعوته، وإما أن يَدَّخرها له في الأخرى، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» قالوا: إذًا نكثر. قال: «الله أكثر».

وروى عبد الله بن الإمام أحمد أن عُبَادة بن الصامت حدّثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما على ظهر الأرض من رجل مُسْلِم يدعو الله، عز وجل، بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو كف عنه من السوء مثلها، ما لم يَدعُ بإثم أو قطيعة رحم» رواه الترمذي.

وروى الإمام مالك عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُسْتَجَاب لأحدكم ما لم يَعْجل، يقول: دعوتُ فلم يستجب لي».

أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك، به. وهذا لفظ البخاري، رحمه الله، وأثابه الجنة.

وروى مسلم عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل». قيل: يا رسول الله، وما الاستعجال ؟ قال: «يقول: قد دعوتُ، وقد دَعَوتُ، فلم أرَ يستجابُ لي، فَيَسْتَحسر عند ذلك، ويترك الدعاء».

[ثلاث لا ترد دعوتهم]

وفي مسند الإمام أحمد، وسنن الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى  يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين».

(التفسير)

هذه الآية الكريمة يقول تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] ذكرها الله تعالى في نهاية آية الصيام، وذلك أن الصائم مستجاب الدعوة، فذكر الله تعالى هذه الآية في قبول الدعاء {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} وهذه القرب قربٌ من الداعين بالإجابة، وقرب الله قربٌ خاص وليس قربًا عامًّا من كل أحد كما قرّر ذلك جمعٌ من المحققين أن قرب الله قربٌ خاص، ولم يذكر -سبحانه وتعالى- أنه قريب من كل أحد، فالقرب الخاص قرب من الداعين بالإجابة كما في هذه الآية {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} يعني قريبٌ من الداعين، فإذا سألك عبادي عني فإني قريب من الداعين بالإجابة {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ولهذا قال -سبحانه وتعالى-: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} فليستجيبوا لله ولينقادوا لشرعه وليؤمنوا به لعلهم يرشدون يفعلون ما يكون رشدًا بقلوبهم.

ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أنهم كانوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فارتفعت الأصوات بالتكبير: الله أكبر .. الله أكبر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ» ([1]) أقرب إلى أحدكم أي إلى الداعين.

كما أن النوع الثاني أنه قريب من العابدين بالإثابة كما قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] فالساجد قريب من الله بالإثابة، وكما قال -سبحانه وتعالى- لنبي الله صالح: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود:61] قريب مجيب من المستغفرين التائبين {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} كما أنه رحيم ودود بهم كما قال الله تعالى لشعيب: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}[هود:90] .

وأما قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:16] في سورة ق فالمعنى: أقرب من الملائكة، الملائكة أقرب إلى قلب العبد من حبل الوريد بدليل قوله: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[ق:17] فنحن أقرب إليه من حبل الوريد وقت تلقي المتلقيين، ولو كان المراد العموم لم يقيد وقت تلقي المتلقيين، وكما قال -سبحانه وتعالى-: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ}[الواقعة:85] الميت المحتضر، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} يعني بملائكتنا {وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} الملائكة.

هذه الآية الكريمة فيها: بيان أن الله -سبحانه وتعالى- قريبٌ من الداعين بالإجابة، وفي الحديث الصحيح الذي ساقه المؤلف عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ ، وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ، قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ»([2]) الله أكثر عطاءً.

ولكن إجابة الداعي لها شروط إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع أُجيب الدعاء، وإذا وجدت الموانع فلا، كما أن السلاح إنما يؤثر بشرط أن يكون حادًا، وأن يكون في يد رجل قوي، ويكون الشيء الذي يُضرب به السلاح محلًا قابلًا.

أما إذا كان السلاح مندثرًا فلا يفيد، أو كان السلاح قويًّا؛ لكن اليد التي تمسكه ضعيفة ترتعد ويسقط السلاح منها فلا يفيد، أو كان الشيء الذي يُضرب به صلبا كالحديد فإن السلاح يتكسر فلا يفيد.

كذلك الدعاء لابد أن توجد الشروط وتنتفي الموانع، لابد أن يكون الداعي حاضر القلب فلا يُستجاب الدعاء من قلب غافل لاهٍ.

ولابد أن يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ويحمد الله ويصلي على نبيه -عليه الصلاة والسلام.

ولابد أن تنتفي موانع الإجابة، كأن يدعو بإثم وقطيعة رحم ويتجاوز الحد ويسأل منزلة لا تليق به أو يدعو على رحمه، فهذا الدعاء لا يقبل؛ لأنه دعا بإثم وقطيعة رحم.

وكذلك أيضًا إذا كان متلبسًا بالمعاصي وكثرة السيئات، متلبسًا بأكل الحرام، خاصة الرجل الذي يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ويقول: يا رب يا رب، ولا يُستجاب له دعاؤه، فهذا مسافر والسفر من أسباب قبول الدعاء ويرفع يديه إلى السماء، ويتوسل إلى الله بربوبيته؛ يا رب يا رب، ولا يُستجاب له؛ لأنه متلبس بالحرام أكلًا وشربًا ولباسًا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟»([3]) .

فأكل الحرام وارتكاب السيئات والإثم، وقطيعة الرحم، والدعاء بقلب غافل؛ هذه كلها من الموانع (موانع قبول الدعاء)، والنصوص تضم بعضها إلى بعض.

قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} والصائم من الثلاثة الذين لا ترد دعوتهم، دعوة الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام.

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} قريب من السائلين بالإجابة {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} يعني بشروطها، {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} فالواجب الاستجابة لله ولرسوله والإيمان بالله ورسوله هذا من أسباب قبول الدعاء، الاستجابة لله ولرسوله والإيمان بالله ورسوله {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

في هذه الآية الكريمة أن الدعاء عبادة، وأن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة.

وفيه: أن الله قريب من السائلين بالإجابة.

وفيه: أن من أسباب قبول الدعاء الاستجابة لله ولرسوله والإيمان بالله ورسوله، وأن هذا من أسباب الرشاد، الاستجابة والإيمان هو سببٌ للرشد.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}

[الإذن بالأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان]

هذه رُخْصة من الله تعالى للمسلمين، ورَفْع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة. فوجدوا من ذلك مَشَقة كبيرة.

والرفث هنا هو: الجماع. قاله ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وطاوس، وسالم بن عبد الله، وعَمْرو بن دينار  والحسن، وقتادة، والزهري، والضحاك، وإبراهيم النَّخَعي، والسّدي، وعطاء الخراساني، ومقاتل بن حيان.

وقوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جُبَير، والحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان: يعني هن سَكَن لكم، وأنتم سكن لهن. وقال الربيع بن أنس: هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن.

وحاصله أنّ الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر ويُمَاسه ويضاجعه، فناسب أن يُرَخَّص لهم في المجامعة في ليل رمضانَ، لئلا يشقّ ذلك عليهم، ويحرجوا.

وقال أبو إسحاق عن البراء ابن عازب قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائمًا فنام قبل أن يفطر، لم يأكل إلى مثلها، وإن قَيْس بن صِرْمة  الأنصاري كان صائمًا، وكان يومه ذاك يعمل في أرضه، فلما حَضَر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام ؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك. فغلبته عينُه فنام، وجاءت امرأته، فلما رأته نائما قالت: خيبة لك! أنمت؟ فلما انتصف النهار غُشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ففرحوا بها فرحًا شديدًا.

ولفظ البخاري هاهنا من طريق أبي إسحاق: سمعت البراء قال: لما نزل صومُ رمضان كانوا لا يقرَبُون النساء، رَمَضَان كُلّه، وكان رجَال يخونون أنفسهم، فأنزل الله: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صَلُّوا العشاء حَرُم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن أناسًا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية، وكذا روى العوفي عن ابن عباس.

وقوله: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قال أبو هريرة، وابن عباس  وأنس، وشُرَيح القاضي، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعطاء، والربيع بن أنس، والسدي، وزيد بن أسلم، والحكم بن عتيبة ومقاتل بن حيان، والحسن البصري، والضحاك، وقتادة، وغيرهم: يعني الولد.

قال قتادة: وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم. وقال سعيد عن قتادة: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يقول: ما أحل الله لكم.

[آخر وقت السحور]

وقوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} أباح تعالى الأكل والشرب، مع ما تقدم من إباحة الجماع في أيّ الليل شاء الصائمُ إلى أن يتبين ضياءُ الصباح من سواد الليل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود، ورفع اللبس بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الله البخاري عن سهل بن سعد، قال: أنزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ} ولم يُنزلْ {مِنَ الْفَجْرِ} وكان رجال إذا أرادوا الصوم، رَبَطَ أحدُهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا أنما يعني: الليل والنهار.

وروى البخاري عن الشعبي، عن عَدِيّ قال: أخذ عَدي عقالا أبيض وعقالا أسود، حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا. فلما أصبح قال: يا رسول الله، جعلت تحت وسادتي. قال: «إن وسادك إذًا لعريض، إنْ كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك». وجاء في بعض الألفاظ: إنك لعريض القفا([4]).

ففسره بعضهم بالبلادة، وهو ضعيف. بل يرجع إلى هذا؛ لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه أيضًا عريض، والله أعلم.

ويفسره رواية البخاري أيضًا: عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال: «إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين». ثم قال: «لا بل هو سواد الليل وبياض النهار».

[استحباب السحور وبيان وقته]

وفي إباحته تعالى جوازَ الأكل إلى طلوع الفجر، دليل على استحباب السَّحُور؛ لأنه من باب الرخصة، والأخذ بها محبوب؛ ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحث على السَّحور ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا فإن في السَّحور بركة».

وفي صحيح مسلم، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فَصْل  ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحَر ».

وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السَّحور أكْلُهُ بركة؛ فلا تدعوه، ولو أنّ أحدكم تَجَرَّع جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين».

وقد ورد في الترغيب في السحور أحاديث كثيرة حتى ولو بجرعة من ماء، تشبهًا  بالآكلين. ويستحب تأخيره إلى وقت انفجار الفجر، كما جاء في الصحيحين، عن أنس بن مالك، عن زيد بن ثابت، قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة. قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال: قدر خمسين آية.

وقد رُوي عن طائفة كثيرة من السلف أنَّهم تسامحوا  في السحور عند مقاربة الفجر. روي مثل هذا عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت وعن طائفة كثيرة من التابعين، منهم: محمد بن علي بن الحسين، وأبو مِجْلز، وإبراهيم النَّخَعَي، وأبو الضُّحَى، وأبو وائل، وغيره  من أصحاب ابن مسعود وعطاء، والحسن، والحكم بن عتيبة ومجاهد، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد. وإليه ذهب الأعمش ومعمر بن راشد. وقد حررنا أسانيد ذلك في كتاب الصيام المفرد، ولله الحمد.

وقد وَرَدَ في الصحيحين من حديث القاسم، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنعكم أذانُ بلال عن سَحُوركم، فإنه ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر». لفظ البخاري.

وروى الإمام أحمد عن قيس بن طَلْق، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الفجرُ المستطيل في الأفق ولكن المعترض الأحمر».

ورواه أبو داود، والترمذي ولفظهما: «كلوا واشربوا ولا يَهِيدَنَّكُمْ الساطع المصعد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر».

و روى ابن جرير عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض، لعمود الصبح حتى يستطير».
ورواه مسلم في صحيحه مثله سواء.

لا يمنعنكم أذان بلال عن سحوركم" لم يقع في البخاري من حديث عائشة وإنما من حديث عبد الله بن مسعود، هذا ما ظهر لي بعد البحث، والله أعلم.
[مَن أصبح جنبًا فلا حرج في صيامه]

مسألة: ومِن جَعْله تعالى الفجرَ غاية لإباحة الجماع والطعام والشراب لمن أراد الصيام، يُسْتَدَلّ على أنه من أصبح جُنُبًا فليغتسل، وليتم صومه، ولا حرج عليه. وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء سلفًا وخلفًا، لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأم سلمة، رضي الله عنهما، أنهما قالتا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جُنُبًا من جماع غير احتلام، ثم يغتسل ويصوم. وفي حديث أم سلمة عندهما: ثم لا يفطر ولا يقضي.

وفي صحيح مسلم، عن عائشة: أن رجلاً قال: يا رسول الله، تُدْركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم». فقال: لست مثلنا - يا رسول الله - قد غفرَ اللهُ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: «والله إني لأرجو أن أكونَ أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي».

[الصيام ينتهي بدخول الليل فيشرع الإفطار على الفور]

وقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} يقتضي الإفطار عند غُرُوب الشمس حكمًا شرعيًا، كما جاء في الصحيحين، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، فقد أفطر الصائم».

وعن سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» أخرجاه.

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله، عز وجل: إن أحبّ عبادي إلي أعجلُهم فِطْرًا».

ورواه الترمذي من غير وجه، عن الأوزاعي، به. وقال: هذا حديث حسن غريب.

[النهي عن صوم الوصال]

ولهذا ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الوصال، وهو أن يصل صوم يومًا بيوم آخر، ولا يأكل بينهما شيئًا. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تواصلوا". قالوا: يا رسول الله، إنك تواصل. قال: "فإني لست مثلكم، إني أبِيتُ يُطْعمني ربي ويسقيني". قال: فلم ينتهوا عن الوصال، فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين، ثم رأوا الهلال، فقال: "لو تأخر الهلال لزدتكم" كالمُنكِّل لهم. وأخرجاه في الصحيحين.

فقد ثبت النهي عنه من غير وجه، وثبت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقوى على ذلك ويعان، والأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنويًا لا حسيًا، وإلا فلا يكون مواصلا مع الحسي، وأما من أحبّ أن يُمْسك بعد غروب الشمس إلى وقت السحر فله ذلك، كما في حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر". قالوا: فإنك تواصِل يا رسول الله. قال: "إني  لست كهيئتكم، إني أبيت لي مُطْعِم يطعمني، وساق يسقيني". أخرجاه في الصحيحين أيضًا.

[أحكام الاعتكاف]

وقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان، فحرّم الله عليه أن ينكح النساء ليلا أو نهارا  حتى يقضي اعتكافه.
وقال الضحاك: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد، جامع إن شاء، فقال الله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} أي: لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد  ولا في غيره. وكذا قال مجاهد، وقتادة وغير واحد إنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت هذه الآية.

قال ابن أبي حاتم: روي عن ابن مسعود، ومحمد بن كعب، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وقتادة، والضحاك والسُّدِّي، والربيع بن أنس، ومقاتل، قالوا: لا يقربها وهو معتكف. وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتفق عليه عند العلماء: أن المعتكف يحرمُ عليه النساءُ ما دامَ معتكفًا في مسجده، ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بد له منها فلا يحل له أن يتلبَّث  فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك، من قضاء الغائط، أو أكل، وليس له أن يقبل امرأته، ولا يضمها إليه، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه، ولا يعود المريض، لكن يسأل عنه وهو مار في طريقه.

وللاعتكاف أحكام مفصلة في بابه، منها ما هو مجمع عليه بين العلماء، ومنها ما هو مختلف فيه. وقد ذكرنا قِطْعَة صالحة من ذلك في آخر كتاب الصيام، ولله الحمد.

ولهذا كان الفقهاء المصنفون يُتْبِعون كتاب الصيام بكتاب الاعتكاف، اقتداء بالقرآن العظيم، فإنه نبه على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم. وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام، أو في آخر شهر الصيام، كما ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يعتكف العشرَ الأواخر من شهر رمضان، حتى توفاه الله، عز وجل. ثم اعتكف أزواجُه من بعده. أخرجاه من حديث عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها.

وفي الصحيحين أن صَفيَّة بنت حُيي كانت  تزور النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لترجع إلى منزلها - وكان ذلك ليلا - فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليمشي معها حتى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا - وفي رواية: تواريا - أي حياء من النبي صلى الله عليه وسلم لكون أهله معه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "على رِسْلكما إنها صفية بنت حيي" أي: لا تسرعا، واعلما أنها صفية بنت حيي، أي: زوجتي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا" أو قال: "شرًّا".

قال الشافعي، رحمه الله: أراد، عليه السلام، أنْ يعلم أمّته التبري من التُّهْمَة في محلها، لئلا يقعا في محذور، وهما كانا أتقى لله أن يظنا بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا. والله أعلم.

ثم المراد بالمباشرة: إنما هو الجماع ودواعيه من تقبيل، ومعانقة ونحو ذلك، فأما معاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به؛ فقد ثبت في الصحيحين، عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدْني إليّ رأسه فأرجِّلُه وأنا حائض، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. قالت عائشة: ولقد كان المريضُ يكون في البيت فما أسأل عنه إلا وأنا مارة.

وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي: هذا الذي بيناه، وفرضناه، وحددناه من الصيام، وأحكامه، وما أبحنا فيه وما حرّمنا، وذَكَرنا غاياته ورخصه وعزائمه، حدود الله، أي: شرعها الله وبيَّنها بنفسه {فَلا تَقْرَبُوهَا} أي: لا تجاوزوها، وتتعدوها.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني هذه الحدود الأربعة، ويقرأ  {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} حتى بلغ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} قال: وكان أبي وغيره من مَشْيَختنا يقولون هذا ويتلونه علينا.

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ} أي: كما بين الصيام وأحكامه وشرائعه وتفاصيله، كذلك يبين سائر الأحكام على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي: يَعْرفون كيف يهتدون، وكيف يطيعون كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 9].

(التفسير)

هذه الآية الكريمة فيها: كثير من أحكام الصيام وأحكام الاعتكاف، بيّن الله تعالى فيها الرخصة لعباده في ليالي الصيام، وأباح لهم الرفث وهو الجماع بعد أن كانوا ممنوعين من ذلك، فإن الصيام شرعه الله تعالى على أطوار:

الطور الأول: شرع الله تعالى صوم يوم عاشوراء في السنة الأولى التي هاجر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان واجبًا، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ: «مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ كَانَ أَكَلَ، فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ»([5]).

ثم في السنة الثانية: شرع الله صوم رمضان ونسخ وجوب صوم يوم عاشوراء، فكان صوم عاشوراء مستحبًا نسخ الله الوجوب وبَقِيَ الوجوب لصوم رمضان.

وفي الطور الأول من شرعية صوم رمضان كان الناس مخيرين بين الصيام وبين الإفطار مع الإطعام، مَن شاء صام، ومَن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكين، ثم نسخ الله ذلك فأوجب الصوم حتمًا على المقيم الصحيح في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] .

والطور الثالث: أنهم كانوا إذا غربت الشمس أباح لهم الطعام والشراب والنساء إلى صلاة العشاء أو إلى النوم، ما لم ينم أو لم يصل العشاء، فمَن نام أو صلى العشاء فإنه يحرم عليه الأكل والشرب والنساء إلى اليوم الثاني إلى الليلة الثانية، فوجدوا في ذلك مشقة شديدة وتخونوا أنفسهم، وحصل لقيس بن صرمة القصة ([6]) التي ذكرها المؤلف بأنه كان يعمل في مزرعته وكان متعبًا وكان صائمًا فلما جاء قال لأهله: هل عندكم شيء؟ قالت: لا، لكن سأطلب لك، فذهبت تطلب له الطعام فلما جاءت وجدته نائمًا، فقالت: خيبة لك! لأنه لا يحل له الأكل إلا في الليلة القابلة، فاستيقظ واستمر صائمًا وصام اليوم الثاني، فلما انتصف النهار غشي عليه وسقط، فأُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله هذه الرخصة هذه الآية {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:187].

وأباح الله تعالى الأكل والشرب والنساء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وهذا من فضله وإحسانه، فقال -سبحانه وتعالى-: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187] يعني الخلطة بينكم والقرب والملامسة أباح الله لكم بسببها الرفث إلى نسائكم.

وذكر الله تعالى في هذه الآية أصول المفطرات، وهي: الأكل والشرب والجماع، هذه أصول المفطرات ترجع إلى هذه الثلاثة: الأكل والشرب والجماع، قال تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} ثم قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] هذه أصول المفطرات الأكل والشرب والجماع.

وأغلظها وأشدها وأعظمها: الجماع، مَن جامع في نهار رمضان وكان عالمًا عامدًا صحيحًا مقيمًا فإنه قد أتى منكرًا عظيمًا وكبيرةً عظيمة، وعليه مع ذلك التوبة، والكفارة المغلظة، وقضاء ذلك اليوم، والكفارة المغلظة هي: عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا.

ثم الأكل والشرب يليان الجماع وليس فيهما كفارة، ليس فيهما إلا التوبة وقضاء ذلك اليوم.

ثم بعد ذلك تأتي بقية المفطرات الأخرى الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، وكذلك أيضًا ما في معنى الأكل والشرب، الإبر المغذية لحقن الدم للصائم، وكذلك أيضًا سحب الدم والحجامة، هذا ملحق عند أهل العلم من المفطرات، وإن كان المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، وكذلك القيء المتعمد.

قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة:187] جعل الله تعالى الفجر غاية للأكل والشرب فمَن أكل أو شرب شاكًا في طلوع الفجر ولم يتبين له طلوعه فإن صومه صحيح؛ لأن الأصل بقاء الليل، فإن تبيّن له طلوع الفجر فعليه قضاء ذلك اليوم في أصح قولي العلماء.

ومَن أكل أو شرب شاكًا في غروب الشمس وهو صائم ولم يتبين له غروبها فإن عليه قضاء ذلك اليوم؛ لأن الأصل بقاء النهار.

والسحور كما ذكر المؤلف مستحب وفيه فضلٌ عظيم، وفيه أن الله وملائكته تصلي على المتسحرين، وفيه مخالفة لأهل الكتاب، وفيه القوة على الصيام وهو مستحب.

والوصال مكروهٌ أو محرّم، والأقرب أنه مكروه في حق الأمة؛ لأن النبي نهى عن الوصال وهو أن يواصل يومين أو ثلاثة لا يأكل لا في الليل ولا في النهار، وأما الرسول -عليه الصلاة والسلام- فإن من خصائصه الوصال عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ تُوَاصِلُوا»، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي»، فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَالِ، قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَأَخَّرَ الهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ» كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ.([7]).

واختلف العلماء في هذا الإطعام قيل: إنه يؤتى بطعام وشراب من الجنة، وهذا قول ضعيف؛ لأنه لو يؤتى بطعام وشراب من الجنة، لما كان صائمًا، والصواب أن الطعام والشراب معنوي، وهو ما يفتح الله به عليه من مواد أنسه ونفحات قدسه بما يغنيه عن الطعام والشراب، كما قيل:

 لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد([8])

يعني: أن الإنسان إذا اشتغل بطاعة الله وذكره، فإن الله يفتح عليه بمواد أنسه ونفحات قدسه ما يغنيه عن الطعام والشراب.

ويجوز المواصلة إلى السَّحر ولا بأس، فهذا جائز، الذي يواصل للسحر يأكل مرة واحدة يجعل سحوره عشاء وعشاءه سحوره مرة واحدة، يأكل أكلة واحدة في آخر الليل، ويستمر في صومه إلى السحر هذا جائز لكنه خلاف الأولى والأفضل([9]).

فيأكل مرة واحدة، ويستمر إلى الفجر فهذا جائز، ولهذا قال النبي: «لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ يُرِيدُ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السَّحَرِ». ، يجعل سحوره عشاءه وعشاءه سحوره مرة واحدة.

والمواصلة هو أن يواصل يومين أو ثلاثة فلا يأكل ولا يشرب بالليل والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال للصحابة: "لا تواصلوا" وتأخروا يريدون الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- فلم يتأخروا مخالفةً له؛ ولكنهم يرجون أن يسمح لهم، يريدون أن يقتدوا به، قالوا: يا رسول الله، إنك تواصل يعني: نريد أن نكون مثلك، فقال: "إنكم لا تستطيعون، لا تواصلوا، إني لست كهيئتكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني".. فواصلوا رغبةً في أن يسمح لهم، فلما أرادوا أن يواصلوا واصل بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ليبين لهم أنهم لا يستطيعون كالمنكل بهم للتعذير، فواصل بهم لما بقي في الشهر يومان الثامن والعشرون والتاسع والعشرون .. فأكلوا وشربوا بالليل ثم رأوا الهلال فقال: "لو بقي لزدتكم يومًا ثالثًا" (اليوم الثلاثين) كالمنكل لهم لما لم يقبلوا، لو تم الشهر ثلاثين لزدتكم يومًا؛ يبين لهم أنهم لا يستطيعون، فهذا من باب التعذير.

وهذا دليل على أن الوصال ليس بمحرم بل مكروه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يفعل بهم محرمًا، فهو مكروه فالأحوال ثلاثة

 الحالة الأولى: أن يبادر بالفطر من غروب الشمس هذا هو الأفضل.

الحالة الثانية: أن يواصل إلى السحر وهذا جائز ولكن الأفضل منه المبادرة.

الحالة الثالثة: أن يواصل يومين أو ثلاثة وهذا مكروه أو حرام والأقرب أنه مكروه.

ورُويَ عن بعض السلف أنه فعل هذا حتى قيل أن أكثر مَن روي عنه ابن الزبير أنه صام ستة أيام أو سبعة أيا ([10])، إن صح عنه هذا لا شك أنه مدة طويلة ستة أيام أو سبعة أيام لا يأكل في ليل ولا نهار، ويقال إنه لما أراد أن يفطر وضع في فمه الدهن حتى يلين أمعاءه، على كل حال إن ثبت عنه فهذا اجتهاد منه والصواب والأفضل المبادرة بالفطر كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ ، أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا.([11]) ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»([12]) .

هذا هو الأفضل، وهذا هو الأكمل، والحالة الثانية: هي الجواز يجوز إلى السحر، والحالة الثالثة: الوصال وهذا مكروه أو حرام.

ودخول الوقت من طلوع الفجر كما في الآية من الفجر إذا تبين الفجر، لكن ما يتبين في المدن بسبب الأنوار فإنما يعمل بغلبة الظن والفجر والتقويم الآن مقارب فيعمل فيه بغلبة الظن فهو مقارب الآن؛ لأنه بالتتبع وجد أنه مقارب، طلوع الشمس موافق له، وغروب الشمس موافق له، فيغلب على الظن أن تحديد طلوع الفجر مقارب وليس ببعيد.

وبعضهم يأكل بعد الأذان ويقول دخول الوقت غير صحيح. ونحن نقول: هذا غلط، ينبغي أن يمسك، ويحتاط لهذه العبادة العظيمة.

وذكر الله تعالى في الآية الكريمة أحكام الاعتكاف {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] فالمعتكف هو الذي يلزم نفسه بطاعة الله -عز وجل- واختلف العلماء هل يجب أن يكون معه صوم أم لا:

فجمهور العلماء على أنه لابد من الصيام، وأن أقل الاعتكاف يوم، يصوم فيه عن الطعام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وقالوا: لا اعتكاف إلا بصوم، ولابد أن يكون في مسجد جامع.

والقول الثاني: أنه لا يشترط الصوم وهذا هو الصواب وليس له حدٌ محدد.

والدليل على ذلك عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ»([13]) والليل ليس فيه صيام، فدل على أن الاعتكاف لا يشترط فيه الصيام.

والمعتكف لا يجامع النساء فإذا جامع بطل اعتكافه.

ولا يخرج من المُعتَكف إلا لما لابد منه، فإن خرج لشيء ليس بضروري بطل اعتكافه.

وله أن يخرج لقضاء الحاجة في بيته أو في غيره، للأكل والشرب إذا لم يكن هناك مَن يأتي له بالأكل والشرب، ولكنه لا يلبث إلا مقدار الحاجة ولا يسعى للمريض إلا وهو في طريقه.

عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ: أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدَ جَنَازَةً، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً، وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ، إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ.([14]). إلا إذا اشترط فإذا اشترط عند اعتكافه فلا بأس، وإن لم يشترط فلا يعود المريض حتى لو كان على طريقه وهو يمشي ولا يجلس ولا يقف للسؤال عنه.

وللمعتكف أن يخرج ليغتسل للجنابة والجمعة، يخرج ويتوضأ ويغتسل مرة واحدة الاغتسال الكامل، ويستنجي ثم يتوضأ أولًا ثم يكمل الغسل.

وغسل الجمعة مستحب عند جمهور العلماء وهو واجب عند آخرين من أهل العلم.

وليس للاعتكاف حد عند المحققين ولو ساعة أو ساعتين، والجمهور يرى أن أقله يوم ولابد أن يكون صائما.

قال تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] في هذه الآية الكريمة إباحة الأكل والشرب والجماع للصائم في الليل في ليالي رمضان.

وفيه: أن الأكل والشرب والجماع من أصول المفطرات.

وفيه: أن الله تعالى أباح ذلك إلى طلوع الفجر وهذا من رحمته وإحسانه بعباده وقوله: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يعني من الرخصة أو من الولد.

وفيه: تحريم الجماع على المعتكف وأن ذلك يبطل اعتكافه.

وفيه: أن الاعتكاف لابد أن يكون في المساجد ولا يكون في البيوت ولهذا قال تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} .

وحدود الله تطلق على الأوامر وتطلق على النواهي، تطلق على الأوامر فلا يجوز تعديها كقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة:229] وتطلق على المحرمات كقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} فلا تقربوا المحرمات.

وفي هذه الآيات ختم الله هذه الآية بقوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الله تعالى يبين آياته لعباده لأجل أن

 

([1]) أخرجه البخاري (2992 و4205 و6384 و6610 و7386) ومسلم (2740).

وزاد أحمد في روايته في المسند (4/402) : إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ.

([2]) أخرجه أحمد في المسند (3/18) وعبد بن حميد في المنتخب (937) والبخاري في الأدب المفرد (710).

([3])  أخرجه أحمد في المسند (2/328) ومسلم في الصحيح (1015).

([4]) قال الشارح -حفظه الله-: يعني إذا كان تحت وسادتك بياض الليل وسواد النهار فإن وسادك عريض القفا، يعني المراد ببياض النهار وسواد الليل..

 

([5]) أخرجه مسلم (1135).

([6]) حديث قيس بن صرمة أخرجه البخاري (1915) وأبو داود (2314).

([7]) أخرجه البخاري (7299) ومسلم (1103).

([8])  لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا ... عَنِ الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَنِ الزَّادِ

لَهَا بِوَجْهِكَ نُورٌ تَسْتَضِيءُ بِهِ ... وَقْتَ الْمَسِيرِ وَفِي أَعْقَابِهَا حَادِي

إِذَا اشْتَكَتْ مِنْ كَلَالِ السَّيْرِ أَوْعَدَهَا ... رَوْحُ الْقُدُومِ فَتَحْيَا عِنْدَ مِيعَادِ

ينظر: جامع العلوم والحكم (2/500).

([9]) فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ يُرِيدُ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السَّحَرِ». قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي». أخرجه الدارمي (1747).

([10]) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَبَّرَ جَعَلَهَا خَمْسًا، فَلَمَّا كَبَّرَ جِدًّا جَعَلَهَا ثَلَاثًا». أخرجه الطبري في التفسير (3/256) وفي تهذيب الآثار (1045).

([11]) أخرجه أحمد في المسند (2/237) والترمذي (700).

([12]) أخرجه البخاري (1957) ومسلم (1098).

([13]) أخرجه البخاري (2032) ومسلم (1656).

([14]) أخرجه أبو داود (2473).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد