شعار الموقع

شرح سورة البقرة من مختصر تفسير ابن كثير 51

00:00
00:00
تحميل
44

]وقت الإفاضة من عرفات ومزدلفة[

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كان أهل الجاهلية يقفون بعرفة حتى إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال، كأنها العمائم على رؤوس الرجال، دفعوا، فأخر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الدفعة من عرفة حتى غربت الشمس([1]).

ورواه ابن مَرْدُويه، وزاد: ثم وقف بالمزدلفة، وصلى الفجر بغَلَس، حتى إذا أسفر كل شيء وكان في الوقت الآخر، دفع([2]). وهذا حَسَنُ الإسناد.

وفي حديث جابر بن عبد الله الطويل، الذي في صحيح مسلم، قال فيه: فلم يزل واقفا -يعني بعرفة- حتى غربت الشمس، وذهبت الصُّفْرَة قليلًا حتى غاب القُرْصُ، وأردف أسامة خلفه، ودفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقد شَنَقَ للقصواء الزّمام، حتى إنّ رأسها ليصيب مَوْرك رحله، ويقول بيده اليمنى: «أيها الناس، السكينة السكينة». كلما أتى جبلا من الجبال أرْخَى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المُزْدَلِفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا([3]) ثم اضطجع حتى طلع الفَجرُ فصلى الفجر حين تَبَيَّن له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعرَ الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله وكبره وهَلَّله ووحَّده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلُع الشمس»([4]) .

وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد، أنه سُئِل كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دَفَعَ؟ قال: «كان يسير العَنَق، فإذا وجد فَجْوَة نَص»([5]). والعنق: هو انبساط السير، والنص فوقه.

(التفسير)

هذه أنواع من السير، سئل أسامة عن دفع النبي -صلى الله عليه وسلم- من عرفة إلى مزدلفة قال: يسير العنَق، والعنَق مشي خفيف بسبب ازدحام الإبل، فإذا وجد فجوة يعني متسع نص أسرع للسير، أرخى لها الزمام، كان يشد الزمام حتى لا تسرع؛ لأن الناس عن يمينها الإبل وعن يسارها وأمامها، فإذا وجد فجوة (متسع) أرخى لها، أسرع، إذا وجد فجوة نص، كذلك السيارات ينبغي عليهم الرفق وعدم الإيذاء بالأصوات وأبواق السيارات، وإذا كانت فجوة يمشون فالازدحام موجود من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإبل ما كانت هناك خطوط، ما كان في إلا رمال .. تراب .. إبل قد تعثر الإبل وقد تسقط، رجل سقط عن دابته وهو واقف بعرفة ومات في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو محرم، سقط عن بعيره فمات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تطيبوه ولا تغطوا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا»([6]) الحوادث موجودة من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- حوادث الدواب .. حوادث السيارات.

(المتن)

]المشعر الحرام[

وروى عبد الرزاق عن سالم قال: قال ابن عمر: المشعر الحرام المزدلفة كلها([7]).

وقال هُشَيم، عن حجاجٍ عن نافع، عن ابن عمر: أنه سئل عن قوله: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} قال: فقال: هو الجبل وما حوله([8]).

وروي عن ابن عباس([9])، و(سعيد بن جُبير، وعكرمة، ومجاهد، والسدي، والربيع بن أنس، والحسن، وقتادة)([10]) أنهم قالوا: هو ما بين الجبلين.

وقد روى الإمام أحمد عن جبير بن مطعم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «كل عرفات موقف، وارفعوا عن عُرَنة. وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن مُحَسِّر، وكل فجاج مكة مَنْحر، وكل أيام التشريق ذبح»([11]).

وقوله: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } تنبيه لهم على ما أنْعَم الله به عليهم، من الهداية والبيان والإرشاد إلى مشاعر الحج، على ما كان عليه من الهداية إبراهيم الخليل، عليه السلام؛ ولهذا قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} قيل: من قبل هذا الهدى([12])، وقبل القرآن، وقبل الرسول، والكل متقارب، ومتلازم، وصحيح.

(التفسير)

في هذه الآية الكريمة: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}[البقرة:198] في هذه الآية الكريمة أنه لا حرج على المسلم الحاج البيع والشراء في أوقات الفراغ في مكة ما دام أنه يؤدي المناسك ولا يخل بها، لقول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} نزلت هذه الآية لما تأثموا من التجارة في الحج وخشوا أن يكون عليهم شيء في مناسكهم، فالله تعالى أنزل هذه الآية وأباح لهم البيع والشراء، وفيه وجوب الوقوف بعرفة وأنه الركن الأعظم {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} عند المشعر الحرام وهو مزدلفة، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، والوقوف بمزدلفة واجب من واجبات الحج عند جمهور العلماء، ويرى بعض العلماء أنه أيضًا ركن (الوقوف بمزدلفة) نقل عن بعض العلماء أنه ركن والجمهور على أنه واجب، وفيه مشروعية الذكر، الإكثار من الذكر في عرفة وفي مزدلفة ولهذا أمر الله تعالى بالذكر {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} إذا انصرف الحجاج من عرفة فعليهم الإكثار من ذكر الله والتلبية.

{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} اذكروا الله ويحمدوه على توفيقه لهم وهدايتهم لمناسك الحج على ما هدى الله عليه إبراهيم ومحمد -عليهم الصلاة والسلام-، {وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} فيه هداية الله تعالى للمؤمنين وأن مَن كان قبل ذلك ضال يعني لا يدري الحق فأرشده الله كما قال الله تعالى لنبيه: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:7] وقال: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:113] وهنا قال -سبحانه وتعالى-: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة:198] لا تدرون الحق والله تعالى أعلمكم وهداكم للطريق المستقيم ودلكم على الحق وكنتم قبل ذلك لا تدرون أنتم ضالون عن الحق فهداكم الله فاشكروه على هذه النعمة.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

 قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}.

]الأمر بالتزام الوقوف بعرفة والإفاضة منها لمَن لم يكن يقف بها في الجاهلية[

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: «ثم» هاهنا لعطف خبر على خبر وترتيبه عليه، كأنه تعالى أمر الواقف بعرفات أن يَدْفَع إلى المزدلفة، ليذكر الله عند المشعر الحرام، وأمره أن يكون وقوفه مع جمهور الناس بعرفات، كما كان جمهور الناس يصنعون، يقفون بها إلا قريشًا، فإنهم لم يكونوا يخرجون من الحرم، فيقفون في طرف الحرم عند أدنى الحِل، ويقولون: نحن أهل الله في بلدته، وقُطَّان بيته.

وروى البخاري عن عائشة قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يُسَمّون الحُمْس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات.

فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يَأتَي عرفات، ثم يقف بها ثم يُفيض منها، فذلك قوله: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}([13]).

وكذا قال ابن عباس([14])، و(مجاهد، وعطاء، وقتادة، والسدي)([15])، وغيرهم. واختاره ابن جرير وحكى عليه الإجماع([16]).

وروى الإمام أحمد([17]) عن جبير بن مطعم قال: أضللتُ بعيرًا لي بعرفة، فذهبت أطلبه، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف، قلت: إن هذا من الحُمْس ما شأنه هاهنا؟([18]) أخرجاه في الصحيحين.

(التفسير)

يعني استنكر وجود النبي -صلى الله عليه وسلم- في عرفة، أن قريش يسمون الحمس لتشددهم يقولون: نحن أهل الحرم ما نتجاوز الحرم، حد الحرم مزدلفة وعرفة كل الناس الحجاج أما هم ما يتجاوزون الحرم يقولون: نحن أهل الحرم قطان البيت ما نتجاوز حدنا حد الحرم، وهم الذين يقودون الناس، قريش هم القادة للناس في الجاهلية والناس تبع لهم، هذه من الأشياء التي خالفوا وغيروا في المناسك أنهم لا يتجاوزون الحرم ويسمحون للناس يقفون بعرفة أما هم يقولون: لا ما نتجاوز الحرم، نحن أهل الحرم حدنا الحرم حد الحرم مزدلفة، فلما جاء جبير بن مطعم وضل بعيرًا له وظل يبحث فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- واقف على عرفة مع الناس استنكر هذا قرشي ما له واقف هنا؟ أحمس من الحمس كيف تجاوز الحرم استنكر.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

 ثم روى البخاري عن ابن عباس ما يقتضي أن المراد بالإفاضة هاهنا هي الإفاضة من المزدلفة إلى منى لرمي الجمار([19]). فالله أعلم.

]الأمر بالاستغفار وبعض أدعية الاستغفار[

وقوله: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} كثيرًا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات؛ ولهذا ثبت في صحيح مسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر الله ثلاثًا([20]).

وفي الصحيحين أنَّه ندب إلى التسبيح والتحميد والتكبير، ثلاثًا وثلاثين، ثلاثًا وثلاثين([21]).

وقد أوردناه في جُزْء جمعناه في فضل يوم عرفة.

وأورد ابن مَرْدويه هاهنا الحديث الذي رواه البخاري، عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك عَلَيّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها في ليلة فمات في ليلته دخل الجنة، ومن قالها في يومه فمات دخل الجنة»([22]).

وفي الصحيحين عن عبد الله بن عَمْرو: أن أبا بكر قال: يا رسول الله، عَلمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ فقال: «قل: اللهمّ إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مَغْفِرةً من عندك وارحمني، إنَّك أنت الغفور الرحيم»([23]).
والأحاديث في الاستغفار كثيرة.

(التفسير)

وهذه الآية أمر من الله لعباده إذا أفاضوا من عرفة أن يُفيضوا من حيث أفاض الناس وأن يقفوا بعرفة جميعًا قريش وغيرها أهل مكة وغيرها، كلهم يقفون بعرفة ثم يفيضون جميعًا لهذا قال: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة:199] فالإفاضة هنا من عرفة وقيل: أن المراد بالإفاضة هنا الإفاضة من مزدلفة، لكن القول الأول أرجح {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}.

وفيه: الأمر بالاستغفار {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} الهمزة والسين والتاء يعني ادعوا الله واسألوا الله أن يغفر لكم {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فالإفاضة من عرفة إلى مزدلفة لابد منها ولابد من المبيت بمزدلفة {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} فيه أن الاستغفار تختم به الأعمال كما أن الصلاة تختم بالاستغفار، والصيام يختم بالاستغفار، والحج يختم بالاستغفار، فيه إثبات اسم الغفور والرحيم وأنهم من أسماء الله، وفيه أن التوسل إلى الله بأسمائه من أسباب قبول الدعاء.

الأمر بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} ما يؤيد قول مَن قال: أن الإفاضة من مزدلفة قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة:198] ثم قال: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} قال بعض العلماء: إن هذا الإفاضة من مزدلفة؛ لأن الإفاضة من عرفات ذكرت قبل ذلك، وكذلك عطف عليه الأمر بالإفاضة والأمر بالاستغفار عطف أحكام على أحكام.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

 {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)}.

]الأمر بكثرة الذكر وطلب خيري الدنيا والآخرة بعد قضاء النسك[

يأمرُ تعالى بذكره والإكثار منه بعد قَضَاء المناسك وفراغها.

وقوله: {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} قال سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحَمَالات ويحمل الديات. ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم. فأنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}([24]).

والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل؛ ولهذا كان انتصاب قوله: {أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} على التمييز، تقديره كذكركم آباءكم أو أشد منه ذكرًا.

و«أو» هاهنا لتحقيق المماثلة في الخبر، كقوله: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74]، وقوله: {يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء: 77]،
{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147]، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9].

فليست هاهنا للشك قطعًا، وإنما هي لتحقيق المخبَرِ عنه بأنه كذلك أو أزْيَد منه. ثم إنه تعالى أرشد إلى دُعَائه بعد كثرة ذكره، فإنه مظنة الإجابة، وذَمَّ من لا يسأله إلا في أمر دنياه، وهو معرض عن أخراه، فقال: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}؛ أي: مِنْ نَصِيب ولا حظ.

وتضمَّن هذا الذمّ التنفير عن التشبه بمن هو كذلك.

قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف، فيقولون: اللهم اجعله عام غَيث وعام خِصْب وعام ولاد حسن. لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا، فأنزل الله فيهم: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}.

وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} فأنزل الله: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}([25]) ولهذا مدح من يسأله للدنيا والأخرى، فقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} فجمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا، وصرَفت كلّ شر فإن الحسنة في الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي، من عافية، ودارٍ رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين، ولا منافاة بينها، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا. وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العَرَصات، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة، وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا، من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام.

وقال القاسم بن عبد الرحمن: من أعطي قلبا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وجسدًا صابرًا، فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ووقي عذاب النار([26]).

ولهذا وردت السنة بالترغيب في هذا الدعاء. روى البخاري عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللَّهم ربَّنا، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»([27]).

وروى أحمد([28]) عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رَجُلا من المسلمين قد صار مثل الفَرْخ. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تدعو الله بشيء أو تسأله إيَّاه؟ » قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله! لا تطيقه، أو لا تستطيعه، فهلا قلت: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}». قال: فدعا الله، فشفاه([29]). انفرد بإخراجه مسلم.

وروى الحاكم في مستدركه عن سعيد بن جبير قال: جاء رَجُل إلى ابن عباس فقال: إني أجَّرت نفسي من قوم على أن يحملوني، ووضعت لهم من أجرتي على أن يَدعُوني أحج معهم، أفيجزئ ذلك؟ فقال: أنت من الذين قال الله: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}([30]) ثم قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

(التفسير)

في هذه الآيات الكريمات: أمر بذكر الله ودعاءه بعد انتهاء المناسك، وهذا أيضًا يؤمر به في جميع العبادات الأمر بذكر الله بعد الصيام، بعد الصلاة، بعد الصلاة في التهليل (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) بعد الصيام كذلك في جميع الأعمال، والأعمال كلها ذكر لله بالمعنى الصائم ذاكر لله، والمصلي ذاكر لله، والحاج ذاكر لله، وفي هذه الآية الكريمة الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام في قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}[البقرة:200] أمر الله تعالى بالذكر عند الانتهاء من المناسك وعند قضاء المناسك وأن يكون ذكر الله على ألسنتهم يلهجون به كما كانوا يذكرون آبائهم ومفاخرهم، كانوا في الجاهلية يقفون في الموقف ويذكرون مفاخر آبائهم وأجدادهم؛ كان أبي كذا وكذا، وكان جدي كذا، وكان يطعم، وكان كذا وكذا، فأمرهم الله أن يذكروه سبحانه مثل ذكرهم لآبائهم أو أشد ذكرًا، وهذا للتحقيق (أو) ليست للشك، وإنما للتحقيق -تحقيق الخبر.

وفي هذه الآية الكريمة الأمر بذكر الله والإكثار من ذكره عند قضاء المناسك، وفيها الأمر بالدعاء وأن الناس قسمان:

قسم: همته ضعيفة فيقتصر على الدعاء الذي ينفعه في أمور دنياه.

والقسم الثاني: مَن يسأل الله خيري الدنيا والآخرة.

ولهذا قال سبحانه: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} ليس له في الآخرة من نصيب، ليس إلا ما يتعلق بأمور دنياه ومعاشه {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة:201] وهذا القسم الثاني يسأل الله خيري الدنيا والآخرة، قال الله: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة:202] وهذا من أجمع الدعاء وينبغي أن يختم به الدعاء، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يختم به الدعاء «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»، حسنة الدنيا تشمل الزوجة الصالحة والمال الحلال والرزق الواسع والمركب الهني والأولاد الصالحين، والحسنة في الآخرة أعلاها كما ذكر المؤلف الجنة وتيسير الحساب وتثقيل الموازين والمرور على الصراط، {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} هذا سؤال الله الوقاية من عذاب النار بأن يجنب الله -سبحانه وتعالى- المسلم سبب دخولها وأعظمها الشرك والمعاصي أسباب دخول النار، يعني جنبنا يا الله أسباب دخولها، فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وينبغي أن يختم به الدعاء «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» قال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أما القسم الأول من الناس لا يسألون إلا ما يتعلق بأمور الدنيا ولهذا قال -سبحانه وتعالى-: {وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} وأما القسم الثاني قال الله: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.

فيه مشروعية الإكثار من الذكر والدعاء بخيري الدنيا والآخرة بعد قضاء المناسك، وأن الناس قسمان:

قسم همته سافلة لا يسأل الله إلا ما يتعلق لأمور الدنيا.

وقسم يسأل الله خيري الدنيا والآخرة.

*****

** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}.

 ]الذكر في أيام التشريق وهي أيام أكل وشرب[

قال ابن عباس: «الأيام المعدودات» أيام التشريق، و«الأيام المعلومات» أيام العَشْر([31]).

وقال عكرمة: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} يعني: التكبير أيامَ التشريق بعد الصلوات المكتوبات: الله أكبر، الله أكبر([32]).

وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم عَرَفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدُنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب»([33]).
وروى الإمام أحمد([34]) أيضًا عن نُبَيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيامُ أكل وشرب وذكر الله»([35]). رواه مسلم أيضًا وتقدم حديث جبير بن مطعم: «عَرَفَة كلها موقف، وأيام التشريق كلها ذبح»([36]).

وتقدم أيضًا حديث عبد الرحمن بن يَعْمَر الدِّيلي «وأيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه»([37]).

وروى ابن جرير أيضًا عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيام التشريق أيام طُعْم وذكر»([38]).

وروى ابن جرير عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حُذافة يطوف في منى: «لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب، وذكر الله، عز وجل»([39]).

]بيان الأيام المعدودات[

وقال مِقْسَم عن ابن عباس([40]): الأيام المعدودات: أيام التشريق، أربعة أيام: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده، ورُوي عن (ابن عمر، وابن الزبير، وأبي موسى، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جُبَير، وأبي مالك، وإبراهيم النخَعي، ويحيى ابن أبي كثير والحسن، وقتادة، والسدي، والزهري، والربيع بن أنس، والضحاك، ومقاتل بن حيّان، وعطاء الخراساني، ومالك بن أنس)([41])، وغيرهم مثل ذلك.

وعليه دل ظاهر الآية الكريمة، حيث قال: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} فدل على ثلاثة بعد النحر.

ويتعلق بقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} ذكْرُ الله على الأضاحي، والذكر المؤقت خلف الصلوات، والمطلق في سائر الأحوال.

ويتعلق بذلك أيضًا التكبيرُ وذكر الله عند رمي الجمرات كلّ يوم من أيام التشريق.

وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: «إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله عز وجل»([42]).

ولما ذكر الله تعالى النَّفْر الأول والثاني، وهو تفرق الناس من موسم الحج إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم في المشاعر والمواقف، قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المؤمنون: 79].

(التفسير)

هذه الآية الكريمة هي أمر بذكر الله في أيام معدودات، وفيها الرخصة للتعجل في يومين في الحج قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203] والأيام المعدودات على الصحيح هي أيام التشريق الثلاثة وهي يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، والأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة وهي التي أقسم الله تعالى في قوله: {وَالْفَجْرِ}[الفجر:1] {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] عشر ذي الحجة هي الأيام المعلومات، والأيام المعدودات هي أيام التشريق {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}.

وذكر الله يكون بالقول وبالفعل يشمل التكبير في أيام التشريق التكبير المقيد:

 (الله أكبر  الله أكبر.. لا إله إلا الله  **  الله أكبر  الله أكبر ..ولله الحمد)

 يشرع التكبير المقيد للحاج من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق، وأما غير الحاج فيبدأ التكبير المقيد من فجر يوم عرفة (خمسة أيام) تكبير مقيد لغير الحاج، يوم عرفة ويوم العيد وثلاثة أيام التشريق، وأما الحاج فإنه في يوم عرفة مشغول بالتلبية فإذا رمى جمرة العقبة بدأ التكبير في حقه، قطع التلبية وبدأ التكبير فتكون أيام التكبير في حق الحاج يوم العيد وثلاثة أيام بعده، فإذا غربت الشمس في اليوم الثالث عشر انتهت الأيام المعدودات وانتهت الأيام المعلومات، وانتهت أيام الحج وانتهت أيام الرمي.

والحكم الثاني في قول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} الله تعالى شرع لعباده التعجل والتأخر، فالتعجل هو أن يرمي اليوم الثاني عشر ثم يتعجل ولا يرمي اليوم الثالث عشر بشرط أن يخرج من منى قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر وبعد رمي الجمار الثلاثة هذا المتعجل، والمتأخر هو الذي يتأخر ويرمي اليوم الثالث عشر وبعض العامة يغلط ويحسب أيام العيد معها، يحسب يوم العيد ويبدأ أن يتعجل في اليوم الحادي عشر، كثير ما تأتي الأسئلة من الحجاج ويفهم الآية على غير ما أراد الله قال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} ويستدل بهذا ويريد أن يتعجل في اليوم الحادي عشر يقول: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} يقول: أن هذا يوم العيد واليوم الحادي عشر وهذا خطأ، يوم العيد ما هو من أيام التشريق، مَن تعجل في يومين الحادي عشر والثاني عشر يرمي في اليومين، ومَن تأخر اليوم الثالث عشر ومَن تأخر فهو أفضل؛ لأنه فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأن فيه زيادة عبادة والمبيت تلك الليلة ليلة الثالث عشر والرمي والصلاة في منى كل هذه من ذكر الله، ذكر الله يكون بالقول والفعل، من ذلك أيضًا: ذكر الله على الهدي وذبح الأضاحي، وجاء في الحديث: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله -عز وجل-»([43]) وفي حديث آخر: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وبِعال»([44]) يعني نكاح، لا تصام، فيه من أحكام أيام التشريق الثلاثة لا تصام إلا لصنف واحد من الناس وهو الحاج الذي لم يجد الهدي لا يستطيع الهدي ولم يصم قبل العيد، يجوز أن يصوم أيام التشريق الثلاثة، لما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: لم يرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمَن لم يجد الهدي([45])، ومَن عاداه فلا يجوز لهذا يقال: خمسة أيام في السنة يحرم صومها ما هي؟ خمسة أيام في السنة يحرم صومها: يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، وثلاثة أيام التشريق بعد يوم النحر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.

أما يوم العيد فحرام صومه على كل أحد، لا يجوز لأحد أن يصومه مطلقًا لا يجوز لأحد أن يصوم يوم عيد الفطر أو يوم عيد الأضحى حتى ولو كان عليه أيام صيام، لو كان عليه أيام نذر، لو كان عليه أيام كفارة، لو كان يصوم متتابع لابد أن يفطر يوم العيد عيد الفطر وعيد الأضحى، وأيام التشريق الثلاثة كذلك لا يجوز صومها إلا لمَن لم يجد الهدي ولم يصمها قبل يوم النحر.

 

 

 

 

([1]) أخرجه ابن أبي حاتم (1849)، وابن خزيمة (2838).

([2]) أخرجه ابن خزيمة (2838)، وأبو يعلى (المطالب العالية 1250).

([3]) قال الشارح -حفظه الله-: (يسبح) يعني يصلي صلاة الصبح وهي النافلة، يصلي صلاة الصبح؛ لأن الصلاتين المجموعتين لا يفصل بينهما بشيء، لا يفصل بينهما بصلاة ولا بغيرها.

([4]) أخرجه مسلم (1218).

([5]) أخرجه البخاري (1666-2999-4413)، ومسلم (1286).

([6]) أخرجه البخاري (1265-1266-1267-1268-1851)، ومسلم (1206) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

([7]) أخرجه الطبري (3/517)، وابن أبي حاتم (1856).

([8]) أخرجه الطبري (3/516)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/123).

([9]) أخرجه الطبري (3/516).

([10]) ينظر: جامع البيان (3/516)، وتفسير ابن أبي حاتم (1856).

([11]) أخرجه أحمد (16751-16752)، وابن حبان (3854)، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (2464)

([12]) قال الشارح -حفظه الله-: الهدى يعني هداية الله.

 

([13]) أخرجه البخاري (4520)، ومسلم (1219).

([14]) أخرجه الطبري (3/526).

([15]) ينظر: جامع البيان (3/527، 528).

([16]) ينظر: جامع البيان (3/ 531).

([17]) المسند (16737).

([18]) أخرجه البخاري (1664)، ومسلم (1220).

([19]) صحيح البخاري (4521).

([20]) أخرجه مسلم (591) من حديث ثوبان رضي الله عنه .

([21]) أخرجه البخاري (843)، ومسلم (595) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([22]) أخرجه البخاري (6306).

([23])أخرجه البخاري (834، 6326، 7387)، ومسلم (2705).

([24]) أخرجه ابن أبي حاتم (1870).

([25]) أخرجه ابن أبي حاتم (1874،1876)، إلا أنه جعلهما حديثين.

([26]) ينظر: تفسير ابن أبي حاتم (1887)

([27]) أخرجه البخاري (4522-6389).

([28]) المسند (12049-14067).

([29]) أخرجه مسلم (2688).

([30]) أخرجه ابن خزيمة (3053)، والحاكم (3099) وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه»

([31]) أخرجه البخاري معلقا قبل الحديث رقم (969)، ووصله البخاري في التغليق (2/377).

وأخرجه البيهقي في الكبرى (5/ 228).

([32]) أخرجه ابن أبي حاتم (1893).

([33]) أخرجه أحمد (17379-17383)، وأبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي (3004)، وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود (2090).

([34]) المسند (20722).

([35]) أخرجه مسلم (1141).

([36]) سبق.

([37]) سبق.

([38]) أخرجه أحمد (7134)، والطبري (3/553)، وصححه الألباني في الصحيحة (1282).

([39]) أخرجه أحمد (10664، 10917)، والنسائي في الكبرى (2896)، والطبري (3/554)، وقال الألباني في الإرواء: إسناده صحيح.

([40]) أخرجه ابن أبي حاتم (1895).

وأخرجه الطبري (3/549) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما.

([41]) ينظر: جامع البيان (3/551-553)، وتفسير ابن أبي حاتم (1895).

([42]) أخرجه أحمد (24468،25080)، وأبو داود (1888)، والترمذي (902)، وقال: «وهذا حديث حسن صحيح»، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (328).

([43]) سبق تخريجه.

([44]) أخرجه ابن أبي شيبة (15500)، وعبد بن حميد (1560)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4095)، ولفظة: «بعال» أسانيدها ضعيفة ، أما بقية الحديث فصحيح ثابت.

([45]) أخرجه البخاري (1997).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد