** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
[اسم الله الأعظم في آية الكرسي]
روى الإمام أحمد ([1]) عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} و {الم * اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران:1، 2] «إن فيهما اسم الله الأعظم». وكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: حسن صحيح ([2]).
وروى ابن مَرْدُويه عن أبي أمامة يرفعه قال: «اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث: سورة البقرة وآل عمران وطه»([3]). وقال هشام -وهو ابن عمار خطيب دمشق-: أما البقرة فـ {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وفي آل عمران: {الم * اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وفي طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ } [طه:111].
(التفسير)
في سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ}[طه:111]
وفي سورة البقرة: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة:255]
في سورة آل عمران: {الم}[آل عمران:1] {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[آل عمران:2] جمع بين الحي والقيوم، فالحي ترجع إليه جميع الصفات، الحياة تستلزم العلم والقدرة والقيوم قيّم لنفسه ومُقيّم لغيره، جميع الصفات ترجع إلى هاتين الصفتين (الحي القيوم)، ولهذا قيل أنهما اسم الله الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، وقيل: اسم الله الأعظم يعني العظيم.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
[وهذه الآية مشتملة على عشر جمل مستقلة]
1 ـ فقوله: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} إخبار بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق.
2 ـ {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أي: الحي في نفسه الذي لا يموت أبدًا المقيم لغيره فجميع الموجودات مفتقرة إليه
(التفسير)
آية الكرسي عشر جمل كل جملة لها معان وصفات، لو تعدها وجدتها، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:255] عشر جمل.
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} الذي له الحياة الكاملة التي لا يلحقها نقص ولا ضعف، وليس لأول في بداية كما أنه ليس لأخرته نهاية، فالله هو الأول الذي لا بداية لأوليته وهو الآخر الذي لا نهاية لأخره، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، هو الظاهر الذي لا يسبقه شيء، وهو الباطن الذي لا يحجبه شيء من خلقه، قد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الأسماء الأربعة من أسماء الله في حديث الاستفتاح: اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقضي عنَّا الدَيّن وأغننا من الفقر([4])، فالأول هو الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن هو الذي لا يحجبه شيء، هذا تفسير أسماء الله الأربعة الأول والآخر متقابلان، والظاهر والباطن، فليس لأوليته بداية لأنه لو كان لأوليته بداية لكان من عدم، وكذلك ليس لآخرته بداية، الأول الذي لا بداية لأوليته.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
2 ـ {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أي: الحي في نفسه الذي لا يموت أبدًا المقيم لغيره فجميع الموجودات مفتقرة إليه وهو غني عنها ولا قوام لها بدون أمره كقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم:25].
3 ـ وقوله: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} أي: لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه بل هو قائم على كل نفس بما كسبت شهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا يخفى عليه خافية، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم، فقوله: {لاَ تَأْخُذُهُ} أي: لا تغلبه سنة وهي الوسن والنعاس ولهذا قال: {وَلاَ نَوْمٌ} لأنه أقوى من السنة.
(التفسير)
السِنة مبادئ النعاس، والنوم هو المستغرق، والله سبحانه وتعالى لا يلحقه نعاس ولا نومٌ، فإن هذا يلحق المخلوق الضعيف ولا يمكن أن يلحقه شيءٌ من ذلك لأن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولإن زالتا فلا يمسكهم أحد من بعده.
النوم والنعاس والمرض والضعف والنقص والأكل والشرب كل هذه مستحيلات على الله ، فهذه نقائص وهي مستحيلة على الله، مَن نسب إلى الله شيئا منها فقد كفر ولا تصح معها الألوهية، ولهذا استدل الله على أن عيسى وأمه ليسا بإلهين بأنهما يأكلان الطعام، والذي يأكل الطعام ضعيف مسكين محتاج إلى الطعام {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة:75] كيف يصلحان للإلهية؟ كيف تتخذونهما إلهين من دون الله وهما يأكلان الطعام؟ الذي يأكل الطعام ضعيف محتاج إلى غيره، فالملائكة صمد لا يأكلون ولا يشربون، والله الصمد لا يأكل ولا يشرب، وهو قائم بنفسه، ومقيم لغيره، وهو السيد الذي كمل سؤدده.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
وفي الصحيح عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل وعمل الليل قبل عمل النهار حجابه النور -أو النار-لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»([5]).
(التفسير)
حجابه يعني الذي احتجب به عن خلقه، الله احتجب عن خلقه بالنار أو النور لو كشف الحجاب لاحترق الخلق كلهم وهلكوا، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهذا من أدلة مَن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، لأنه محجوب، ومحمد من خلقه لو كشف الحجاب لاحترق، فلهذا النبي لم ير ربه بعين رأسه وإنما رآه بعين قلبه هذا هو الصحيح.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
4 ـ وقوله: {لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه كقوله:
{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 93-95].
(التفسير)
المعنى: أن كل مَن في السماء والأرض يأتي مُعبّدا مذللا مقهورا مصرّفا مدينا لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ينظر ماذا يُعمل فيه وهو منتظر لأمر الله، كل من في السماوات والأرض يأتون؛ العبيد ملوكهم ووزراؤهم وكبراؤهم وأعيانهم وأشرافهم وأغنياؤهم كلهم يأتون يوم القيامة عبيدا، ليس هناك من يأتي بملكه ولا جاهه أو بماله فكل هذه تزول يوم القيامة {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] لا ينفع الإنسان إلا عمله، يأتون يوم القيامة معبدين مذللين مقهورين مدينين مصرفين كل واحد ينظر ماذا يُعمل فيه، ماذا يكون مصيره، ضعيف ذليل معبد مقهور مصرف ولا ينجو إلا مَن عمِل صالحًا، لا ينجو إلا المخلصون الذين أخلصوا أعمالهم لله وصوبوها على كتاب الله وسنة رسوله هذا هو سبيل النجاة، إخلاص العمل لله وتصويبه على كتاب الله وسنة رسوله لهذا ينجو الإنسان، هذا طريق السعادة وطريق النجاة.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
5 ـ وقوله: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} كقوله: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [النجم:26] وكقوله: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده لأحد إلا بإذنه له في الشفاعة كما في حديث الشفاعة: «آتي تحت العرش فأخر ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع» قال: «فيحد لي حدًّا فأدخلهم الجنة»([6]).
(التفسير)
هذا بخلاف الشفاعة بالنسبة للمخلوق فإنه لا يحتاج إلى استئذان حتى ولو كان ملكا، يدخل على الملك أو على الرئيس أو على الوزير يشفع بدون اختياره، بدون استئذانه يدخل عليه يشفع في فلان، وقد تشفع زوجته أو ولده يقدرهم على قدر الشفاعة لما يحصل في المستقبل من المضرة عليه، قد يشفع ابنه وهو مكره، وقد تشفع زوجته، أما الله فلا يشفع عند أحد إلا بإذنه، حتى نبينا وهو أوجه الناس وأعظم الناس لا يشفع إلا بعد الإذن.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
6 ـ وقوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات: ماضيها وحاضرها ومستقبلها كقوله إخبارًا عن الملائكة: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64].
7 ـ وقوله: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} أي: لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه. ويحتمل أن يكون المراد لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه كقوله: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110].
8 ـ وقوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} روى وَكِيع في تفسيره عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره. وقد رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس موقوفًا مثله وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال الضحاك عن ابن عباس: لو أن السموات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعة الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة.
(التفسير)
المفازة: الصحراء، وفي هذه الآية بيان سعة نسبة السماوات والأراضين إلى الكرسي كحلقة في صحراء ، ونسبة الكرسي للعرش كحلقة في أيضًا، وهذه كلها مخلوقات، والله تعالى أعظم من خلقه، وثبت في الحديث الصحيح إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ جَعَلَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَنَا المَلِكُ»([7]) ، وفي الحديث الآخر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي يَدِ اللَّهِ إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ»([8]) الخردلة الحبة الصغيرة، إذا كان معك حبة خردل ماذا تكون بالنسبة إليك؟ إن شئت قبضتها، إن شئت استوليت عليها، إن شئت وضعتها هنا أو هناك ما تساوي شيئا بالنسبة لك، فهذه السماوات والأرض بالنسبة للرحمن كخردلة في يد أحدنا.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
9 ـ وقوله: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي: لا يثقله ولا يُكْرثُهُ حفظ السمواققت والأرض ومن فيهما ومن بينهما، بل ذلك سهل عليه يسير لديه وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة وهو الغني الحميد الفعال لما يريد، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وهو القاهر لكل شيء الحسيب على كل شيء الرقيب العلي العظيم لا إله غيره ولا رب سواه.
10 ـ فقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم} كقوله: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَال} [الرعد:9].
وهذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه.
(التفسير)
هذه الآية العظيمة وهي آية الكرسي كما سمعتم مشتملة على عشر جمل، كل جملة لها معان:
الجملة الأولى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة:255] فيها إثبات اسم الله وهذا الاسم لا يسمى بغيره، الله هو المألوه، أصل الله الإله وحذفت الهمزة فالتقت اللامين، اللام الزائدة واللام التي لام الكلمة على وزن فِعَّال، وفخمت اللامين في (الله) فهو فِعَّال بمعنى مفعول، إله بمعنى مألوه، الله هو المألوه الذي تألهه القلوب محبة وإجلالًا وتعظيمًا، قال ابن عباس رضي الله عنه: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
وفيه إثبات اسم الله وأنه لا يسمى بغيره، وفيه إثبات صفة الألوهية لأن كل اسم مشتمل على صفة، وأسماء الله مشتقة كل اسم مشتمل على صفة، فاسم الله مشتمل على صفة الألوهية، العزيز مشتمل على صفة العزة، العليم مشتمل على صفة العلم، القدير مشتمل على صفة القدرة، الكبير مشتمل على صفة الكبر، العلي مشتمل على العلو، والغفور مشتمل على صفة المغفرة، الرحيم مشتمل على صفة الرحمة، وهكذا كل اسم مشتمل على صفة، لكن الصفات لا تشتق منها أسماء الله، وفي قوله تعالى {غضب الله عليهم} إثبات صفة الغضب لكن لا نقول: نشتق منها اسم الله الغاضب، فالصفات لا يشتق منها أسماء، لكن الأسماء مشتملة على صفات ومعان.
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} لا إله إلا هو يعني لا معبود بحقٍّ سواه، لا نافية للجنس من أخوات إن، تنصب الاسم وترفع الخبر، إله اسمها، والخبر محذوف تقديره حقٌ، وإلا أداة استثناء، والله بدل من الخبر المحذوف، لا إله إلا الله كلمة التوحيد مشتملة على نفي وإثبات، مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} فيه إثبات اسم الحي واسم القيوم، وإثبات صفة الحياة وصفة القيومية، قيل: إنهما اسم الله الأعظم؛ لأن جميع الأسماء ترجع إليهما، الحي: جميع الصفات ترجع إلى الحياة، والحياة تستلزم العلم والقدرة والسمع والبصر والقوة، كذلك القيوم هو القائم بنفسه والمقيم لغيره، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} إثبات اسم الحي واسم القيوم، وإثبات صفة الحياة وصفة القيومية {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} هو سبحانه وتعالى لا تأخذه السِّنة: النعاس، ولا النوم، لأنه كامل، والنوم والنعاس نقص والله تعالى لا يمكن أن يلحقه نقص، فهذا مستحيل على الله تعالى، كيف وهو قائم على كل نفس بما كسبت وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته، فلا يمكن أن ينام وينعس، وإلا اختل الخلق فهذا مستحيل على الله، يمتنع على الله النوم والنعاس والضعف والعجز والأكل والشرب والحاجة {إن الله لغني عن العالمين} لا يحتاج لأحد، ونفي السِّنة والنوم مشتمل على كمال الحياة والقيومية، هذا من صفات الله.
وصفات الله نوعان: نفي وإثبات، فالإثبات: الحي القيوم، والنفي: لا تأخذه سِنة ولا نوم، لكن النفي ليس نفيًا مجردًا وإنما هو مشتمل على إثبات ضده من الكمال، لا تأخذه سِنة ولا نوم لكمال حياته وقيوميته، ففي نفي السِنة والنوم إثبات الحياة والقيومية، لا تأخذه سِنة ولا نوم لماذا؟ لكمال حياته وقيوميته.
{لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} فيه إثبات ملكه للسماوات والأرض، فهو مالك كل ذرة في السماوات والأرض من الآدميين والحيوانات والأراضين والأشجار والبحار والوحوش والأجواء والبحار كل شيء كل ما في السماوات والأرض فهو ملكه.
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} هذه الجملة مَن استفهام بمعنى النفي، والمعنى: لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، لكمال عظمته حتى ولو كان أفضل الناس نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أ، يشفع إلا بإذنه، إذا جاء يوم القيامة لا يشفع أولًا إنما يسجد تحت العرش، ويُمجد الله ويُثني عليه ويفتح الله عليه في تلك المواقف حتى يأتي الإذن، يتركه الله سبحانه وتعالى يمجده ويثني عليه ثم يقول الرب سبحانه وتعالى: يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع، جاء الإذن، فيشفع للخلائق حتى يقضى بينهم، ويشفع في أناس دخلوا النار أن يخرجوا منها، وفي أناس يستحقوا دخولها ألا يدخلوها.
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} إثبات العلم وأن الله علمه محيطٌ بكل شيء، لسعة علمه وإحاطته.
{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} فيه أن الخلق عاجزون عن الإحاطة بعلم الله إلا بما شاء وأطلعهم عليه.
{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} روي عن ابن عباس قيل: الكرسي هو العرش، وقيل: الكرسي هو العلم، وهذان القولان ضعيفان، وقيل: الكرسي موضع القدمين وهذا هو الصحيح، كما جاء عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدره أحد إلا الله، {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} لو كان وسع علمه يكون المعنى فاسدًا، فكيف ييقال: وسع علمه السماوات والأرض، بل علمه أوسع كما قال تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}[غافر:7].
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} هل يستطيع أحد أن يشفع عنده إلا بإذنه؟ لا يستطيع {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} لا يئوده يعني لا يكرسه ولا يثقله ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض، هذا نفي إثبات النفي مشتمل على إثبات الضد من الكمال، لا يئوده حفظهما لكمال قوته واقتداره في إثبات كمال القوة والقدرة، لا يئوده لا يعجزه ولا يثقله ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض، لأنه كامل القوة والقدرة فهذا الصفات مع صفة النفي صفة الإثبات، لكن صفة النفي مشتملة على إثبات ضدها من الكمال، لأن صفات الله ليست نفيا محضا لأنها لو كانت لا تستلزم كمالًا لكان كالمعدوم، المعدوم هو الذي يوصف بالنفي نقول: لا يرى ولا يتكلم ولا يسمع وكذا وكذا، والمعدوم لا يوصف بكمال، فالنفي المحض ليس فيه مدح ولا كمال لكن متى يكون مدحا وكمالا؟ إذا استلزم إثبات ضده من الكمال، {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} لكمال حياته وقيوميته، {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} لكمال قوته واقتداره .
{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} إثبات اسمين من أسماء الله وهو العلي والعظيم، وهذا الاسمان مشتملان على صفتين: العلي مشتمل على صفة العلو، والعظيم مشتمل على صفة العظمة.
والعلو ثلاثة أنواع: علو الذات، وعلو القدر والشأن، وعلو القهر والسلطان، فهو سبحانه عليٌّ بذاته، فذاته فوق العرش، وعليٌّ بقدره وعظمته، وعليٌّ بقهره وسلطانه، وأهل البدع وافقوا على نوعين من أنواع العلو وأنكروا النوع الثالث، وافقوا على علو القدر والشأن، وعلو القهر والسلطان، وأنكروا علو الذات، وقالوا: ذاته ليست فوق العرش فإذا قيل لهم فأين هو؟ انقسموا قسمين:
قسم قال: مختلط بالمخلوقات -أعوذ بالله- وهذا كفر، يعني مختلطا بالمخلوقات في كل مكان حتى قالوا أنه في أجواف الطيور وبطون السباع، تعالى الله عما يقولون.
وطائفة النفاة المتأخرين الملاحدة نفوا النقيضين، قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا متصل ولا منفصل به.
وهؤلاء ملاحدة، أنكروا علو الذات، وحملوا العلو على علو القدر والقهر فقط.
ولكن نحن نقول المعاني الثلاثة للعلو كلها ثابتة كما قال العلامة ابن القيم: والفوق أنواع ثلاثة كلها لله ثابتة بلا نكران، الفوق أنواعه ثلاث: علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، فذاته عليّة فوق العرش، وقدره عال، وقهره عال.
لكن أهل البدع قالوا: ذاته ليست فوق السماوات، وقالوا: لو كان فوق السماوات لكان محدودا ومتحيّزا ولهذا يقولون: مَن قال أن الله فوق العرش كافر، يكفرون أهل السنة، وإذا رفعت إصبعك الآن إلى السماء وعندك جهمي يقطع إصبعك، ويقول: هو ذاهب في جميع الجهات، ليس في جهة واحدة، إذا جعلته في جهة واحدة احتقرته، وجعلت له جسما متحيّزا !!
تعالى الله عما يقولون، فهم يكفرون أهل السنة الذين يقولون بإثبات العلو، ويقولون لنا أنتم مجسمة تنتقصون الرب وجعلتم لله جسمًا، وحدودًا، ومتحيّزًا، وجعلتموه في مكان... وهذا كفر بالله، نسأل الله السلامة والعافية.
ثم هم يقولون عن ربهم هو في كل مكان، ويقولون: مثل الهواء، في كل مكان!!
تعالى الله عما يقولون، وهؤلاء من الحلولية.
والنفاة ينفون النقيضين.. فيقولون: الله، لا داخل العالم ولا خارجه.
ومن العجيب أن هذا الكلام قد اعتنقه بعض العلماء وضلوا وهم علماء في الفقه وفي التفسير وفي الحديث لكن في العقيدة ضلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله، حتى قرروا أن الله في كل مكان حتى بعض المدرسين في بعض الجامعات يأتي ببعض الطلبة يقول لهم: أن الله في السماء وفي الأرض وفي كل مكان، وهذا من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فالجهمية ينكرون الأسماء والصفات، والمعتزلة ينكرون الصفات ويثبتون الأسماء، والأشاعرة يثبتون سبع صفات: الحياة، والكلام، والسمع، والبصر، والعلم، والقدرة، والإرادة، ويتأولون الباقي.
([1]) مسند أحمد (6/461).
([2]) سنن أبي داود برقم (1496) وسنن الترمذي برقم (3478) وسنن ابن ماجة برقم (3855).
([3]) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (8/282) والطحاوي في مشكل الآثار برقم (176).
([4]) صحيح مسلم (2713).
([5]) صحيح مسلم (179).
([6]) صحيح البخاري (7410 و7440) وصحيح مسلم (193).
([7]) صحيح البخاري (7513) وصحيح مسلم (2786) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
([8]) تفسير الطبري (20/246).