*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
قال تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
[هل يحاسب العباد على ما أخفوه في صدورهم؟]
يخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض وما فيهن وما بينهن، وأنه المطلع على ما فيهن، لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر، وإن دقت وخفيت، وأخبر أنه سَيُحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 29]، وقال: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7]، والآيات في ذلك كثيرة جدًّا، وقد أخبر في هذه بمزيد على العلم، وهو: المحاسبة على ذلك، ولهذا لما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على الصحابة رضي الله عنهم، وخافوا منها، ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها، وهذا من شدة إيمانهم وإيقانهم.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة، قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جثوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله، كُلِّفنا من الأعمال ما نُطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير». فلما أقَر بها القوم وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله في أثرها: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} إلى آخره.
ورواه مسلم فذكر مثله ولفظه: «فلما فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: نعم، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: نعم، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال: نعم.
روى الإمام أحمد عن مجاهد، قال: دخلت على ابن عباس فقلت: يا أبا عباس، كنت عند ابن عمر فقرأ هذه الآية فبكى. قال: أيَّة آية؟ قلت: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} قال ابن عباس، إن هذه الآية حين أنزلت غَمَّت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غمًا شديدًا، وغاظتهم غيظًا شديدًا، وقالوا: يا رسول الله، هلكنا، إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل، فأما قلوبنا فليست بأيدينا، فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «قولوا: سمعنا وأطعنا»، فقالوا: سمعنا وأطعنا. قال: فنسختها هذه الآية: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ} إلى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ} فتَجوز لهم عن حديث النفس وأُخذوا بالأعمال.
وقد روى الجماعة في كتبهم الستة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تكلَّم أو تعمل».
وفي الصحيحين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: إذا هَم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنَة، فإن عملها فاكتبوها عشرًا».
(التفسير)
وهذه الآيات الكريمات من آخر سورة البقرة آيات عظيمة، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فضل هذه الآيات، الآيتين من آخر سورة البقرة {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} و{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وأنه من قرأهما في ليلة كفتاه، وهذا ثابت في الحديث الصحيح.
قيل: معنى كفتاه، أي كفتاه من قيام الليل، وقيل: كفتاه من كل سوء، وهذا فضل عظيم، ويشرع قراءتهما كل ليلة {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} و{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.
والآية التي قبلها {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فيه إثبات أن الله تعالى مالك السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وأنهما ملك لله، وأنه ليس لأحد معه تصرف ولا ملك، فالملك لله سبحانه وتعالى.
وأما قوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}[الحج:56] يوم القيامة؛ لأنه لا يتصرف أحد يوم القيامة، ولا يستطيع أحد أن يملك لأحد شيئًا، وإلا فالله تعالى مالك الدنيا والآخرة، وهذا أيضًا المعنى من قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4] وهو يوم الجزاء والحساب؛ لأن في يوم الجزاء والحساب لا أحد يتصرف، ولا أحد يملك شيئًا؛ ولهذا خصه بالملك فقال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4].
قوله: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} يعني: هو مالكهما والمتصرف فيهما، كما هو خالقهما ومبدعهما ومنشئهما على غير مثال سابق.
وقوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فيه: أن الله تعالى يعلم السر وأخفى، ويعلم الجهر والخفي، يعلم ما يعمله العباد جهرًا وخفاء، ويعلم ما تكنه النفوس وما تنطوي عليه الضمائر.
وفي هذه الآية: أن الله تعالى أخبر أنه يحاسب الناس على ما يعملونه سرًّا أو جهرًا {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}.
فلما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة وجثوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله، كُلِّفنا من الأعمال ما نُطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها.
وهي المحاسبة على ما في النفس، من يستطيع أن يمنع الوساوس التي في النفس، من يستطيع منعها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير».
فلما أقَر بها القوم وذلت بها ألسنتهم، نسخها الله، وأنزل الله في أثرها: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.
والإنسان لا يستطيع أن يمنع ما في نفسه مما يدور من حديث نفس، فهذا لا يكلفه الله ولا يحاسبه عليه، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه.
ولهذا ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تكلَّم أو تعمل» وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم، نسخها الله، وأنزل الله في أثرها: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه.
وهذا فيه: بيان كمال علم الصحابة وإيمانهم وتقواهم، فقد خافوا وجثوا على الركب –كما في الصحيح- وقالوا: يا رسول الله، كُلِّفنا من الأعمال ما نُطيق: الصلاة، الصيام، الجهاد، الصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. وهي المحاسبة على ما في النفس، قلوبنا ليست بأيدينا، لا نستطيع أن نمنع الوساوس، وحديث النفس، أما الأعمال نستطيع أن نعمل بجوارحنا.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الأدب مع ربهم سبحانه وتعالى فقال: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير» فقالوا: سمعنا وأطعنا.
فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ثم أنزل في إثرها: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل إليه مَلَك، فقال: يا محمد، أبشر بنورين قد أوتيتَهُمَا، لم يؤْتَهُمَا نبيٌّ قَبْلَكَ: فاتحةُ الكتاب، وخواتيمُ سورة البقرة، لن تقرأ حرفًا منهما إلا أوتيتَه.
هذا فضل عظيم.
وقوله: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} سألوا الله المغفرة فغفر، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.
فيه: أن الله سبحانه وتعالى صاحب المغفرة، وأنه سبحانه وتعالى يغفر الذنوب، وأن رحمته تسبق غضبه كما في الحديث: «إن رحمتي سبقت غضبي».
وفيه: أن حديث النفس لا يؤاخذ به الإنسان، وأنه منسوخ.
وفيه: إثبات ملكية الله للسموات والأرض.
وفيه: إثبات علم الله تعالى للظواهر والبواطن.
وفيه: أنه سبحانه وتعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء دون الشرك.
وفيه: إثبات قدرته تعالى على كل شيء؛ ولهذا قال: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وفيه: فضل الصحابة حيث بادروا وامتثلوا، وأنزل الله: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} وهكذا يجب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعا، ولا يفرق بين الرسل، فيؤمن ببعض ويكفر ببعض كحال أهل الكتاب الذين أخبر الله عنهم فقال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ}[البقرة:85] وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}[النساء:150-151].
وقوله: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} فيه: مشروعية أن يقول المسلم لأمر ربه ولأمر رسوله: سمعنا وأطعنا.
وقوله: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فيه: أن المصير والمرجع إلى الله، هو المحاسب للخلائق.
وفيه: سؤال الله المغفرة {غُفْرَانَكَ} يعني: أسألك يا الله غفرانك.
ثم أنزل الله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وفيه: دليل على أن الله لا يكلف الإنسان إلا بقدر طاقته واستطاعته.
ومن ذلك حديث النفس، فلا يكلف به الإنسان إلا إذا تكلم به، إذا تكلم به أو كتبه أو عمل به حوسب عليه.
وأما إذا كان في نفسه ولم يتكلم به، ولم يعمل، ولم يكتب، فلا يحاسب، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه، وهذا الذي في وسع الإنسان.
وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} أخذ العلماء منه قاعدة: أن التكليف على حسب الوسع والطاقة؛ ولهذا استنبط العلماء قاعدة: لا واجب مع عجز.
وقوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} فيه: أن الإنسان له ثواب عمله، وعليه إثم سيئته، {لَهَا مَا كَسَبَتْ} من الحسنات و لها ثوابها {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} من الآثام.
وقوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} فيه: فضل هذا الدعاء، وأنه ينبغي للإنسان أن يدعوا به؛ لأنه من دعاء القرآن.
وفيه: دليل على أن الإنسان لا يؤاخذ بالنسيان أو الخطأ، وهو الغلط، الذي يفعله غلطا وخَطأً ، كسبق اللسان؛ ولهذا عفا الله للرجل الذي فقد ناقته وعليها طعامه وشرابه وأيس منها فجلس تحت شجرة ليموت فلما استيقظ وجدها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، هذه كلمة كفرية، يخاطب الله ويقول: اللهم أنت عبدي وأنا ربك!
لكنه غلط، قالها خَطأً، فعفا الله عنه.
فمن تكلم بكلمة خَطأ أو غلط أو نسيانٍ، فإنه لا يؤاخذ.
وفيه: أن الخطأ معفو عنه، والنسيان معفو عنه. {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.
وقوله: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} الإصر هو الإثم الثقيل، فيه: دليل على أن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الآصار والأغلال التي كانت على بني إسرائيل.
وقوله: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} فيه: دليل على أن ما لا يطيقه الإنسان معفو عنه.
وقوله: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} فيه: دليل على أن هذه الأمة معفو عنها، مغفور لها، ومرحومة؛ لأن الله استجاب هذا الدعاء؛ ولهذا جاء في صحيح مسلم، لما ذكر الآية: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} «قال الله: قد فعلت»، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} «قال الله: قد فعلت»، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} «قال الله: قد فعلت»، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} «قال الله: قد فعلت».
وهنا يرد سؤال: في قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} عاقب الله على مجرد الإرادة دون الفعل؟
الجواب: الإرادة ليست حديث النفس، فهي العزم الجازم والتصميم، وهذا من خصائص الحرم، أن من أراد فيه بإلحاد ولو لم يفعل يُعاقب، وهذا موجود على مر السنين، كل من أراد فيه إلحادًا أهلكه الله، من ذلك القرامطة الذين قلعوا الحجر أصابهم ما أصابهم، وكذلك أبرهة أصابه ما أصابه، هذا من خصائص الحرم.
والإرادة فوق حديث النفس، حديث النفس يكون أولا حديث، ثم يكون هما، ثم يكون إرادة وتصميم، ثم يأتي الفعل بعده.
*****
** قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله فيما اختُصِرَ عنه:-
قال تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
[ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الآيتين الكريمتين نفعنا الله بهما]
روى البخاري عن أبي مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كَفَتَاه»([1]).
وقد أخرجه بقية الجماعة مثله. وهو في الصحيحين من طرق متعددة. وهكذا رواه أحمد بن حنبل.
وروى مسلم عن عبد الله، قال: لما أسْريَ برسول الله صلى الله عليه وسلم انْتُهِيَ به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة([2]) إليها ينتهي ما يُعْرَج به من الأرض فَيُقْبَض منها، وإليها ينتهي ما يُهْبَطُ به من فوقها فيُقْبَض منها، قال: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16]، قال: فرَاش من ذهب. قال: وأُعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا: أُعْطِيَ الصلوات الخمس، وأُعْطِي خواتيم سورة البقرة، وغُفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئًا المُقْحَماتُ (6)([3]).
وقد تقدم في فضائل الفاتحة، عن ابن عباس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل؛ إذ سمع نقيضًا فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السماء، فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فُتِح قَط. قال: فنزل منه مَلَك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفًا منهما إلا أوتيته، رواه مسلم والنسائي (7)، وهذا لفظه.
[تفسير الآيتين]
ثم أخبر عن الجميع فقال: {كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره، ولا رب سواه. ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء، لا يفرقون بين أحد منهم، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مَهْديون هادون إلى سُبُل الخير، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله، حتى نُسخ الجميع بشرع محمدّ صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي تقوم الساعة على شريعته، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين.
وقوله: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أي: سمعنا قولك يا ربنا، وفهمناه، وقمنا به، وامتثلنا العمل بمقتضاه، {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} سؤال للغَفْر والرحمة واللطف.
وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} أي: لا يكلف أحدًا فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم، وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة، في قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}([4]) أي: هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه، فأما ما لا يمكن دفعه من وسوسة النفس وحديثها، فهذا لا يكلف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان.
وقوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} أي: من خير، {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} أي: من شر، وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف.
ثم قال تعالى مرشدًا عباده إلى سؤاله، وقد تكفل لهم بالإجابة، كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} أي: إن تركنا فرضًا([5]) على جهة النسيان، أو فعلنا حرامًا كذلك، {أَوْ أَخْطَأْنَا} أي: الصوابَ في العمل، جهلًا منا بوجهه الشرعي.
وقد تقدم في صحيح مسلم لحديث أبي هريرة: «قال الله: نعم» ولحديث ابن عباس قال الله: «قد فعلت».
وقوله: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} أي: لا تكلّفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها([6])، كما شرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والآصار التي كانت عليهم([7])، التي بعثتَ نبيَك محمدًا صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به، من الدين الحنيف السهل السمح.
وقد ثبت في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: نعم» (3).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: قد فعلت».
وجاء الحديث من طرق، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بعثت بالحَنيفيَّة السمحة».
وقوله: {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} أي: من التكليف والمصائب والبلاء، لا تبتلينا بما لا قبل لنا به.
وقد قال مكحول في قوله: {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: الغُرْبة والغُلمة، رواه ابن أبي حاتم، «قال الله: نعم» وفي الحديث الآخر: «قال الله: قد فعلت».
وقوله: {وَاعْفُ عَنَّا} أي فيما بيننا وبين عبادك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا {وَاغْفِرْ لَنَا} أي فيما بيننا وبين عبادك، فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة {وَارْحَمْنَا} أي فيما يستقبل، فلا توقعنا بتوفيقك في ذنبٍ آخر، ولهذا قالوا: إن المذنب مُحتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه، وأن يستره عن عباده، فلا يفضحه به بينهم، وأن يعصمه، فلا يوقعه في نظيره.
وقد تقدم في الحديث أن الله قال: «نعم»، وفي الحديث الآخر: قال الله: «قد فعلت».
وقوله: {أَنْتَ مَوْلَانَا} أي: أنت ولينا وناصرنا، وعليك توكلنا، وأنت المستعان، وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} أي: الذين جحدوا دِينك، وأنكروا وحدانيتك، ورسالة نبيك، وعبدوا غيرك، وأشركوا معك من عبادك، فانصرنا عليهم، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة، قال الله: نعم.
وفي الحديث الذي رواه مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما: «قال الله: قد فعلت».
وروى ابن جرير: عن أبي إسحاق، أن معاذًا رضي الله عنه كان إذا فرغ من هذه السورة {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال: آمين.
([1]) قال الشارح -حفظه الله-: كفتاه من قيام الليل، وقال بعض العلماء: كفتاه من كل سوء، وهذا فضل عظيم، والليلة تبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، «من قرأها في ليلة» سواء قرأها عند الأذان أو بعد المغرب أو عند النوم، إلى الفجر، وكفتاه من قيام الليل، أي: حصل ثواب قيام اليل وإن لم يقمه.
([2]) قال الشارح -حفظه الله-: والصحيح أنها فوق السماء السابعة، ورد في روايات الإسراء أن سدرة المنتهى فوق السماء السابعة وفي بعض الروايات ذكر السماء السادسة، وهذا خطأ؛ لأنها سميت سدرة المنتهى لأنه ينتهي إليها ما يجيء من أمر الله، وينتهي إليها ما يرفع أيضا، فهي فوق السماء السابعة.
([3]) قال الشارح -حفظه الله-: المقحمات هي التي تقحم صاحبها في النار، والكبيرة تحت مشيئة الله، ما دامت دون الشرك، فهي تحت مشيئة الله؛ لأن الله قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، وقد تغفر بالحسنات العظيمة الكبيرة.
([4]) قال الشارح -حفظه الله-: يعني: رفعت بقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وحديث النفس ليس في وسع الإنسان دفعه، فهو معفو عنه ولا يكلف به العبد، فالحمد لله على إحسانه ولطفه.
([5]) قال الشارح -حفظه الله-: يعني: إن تركنا واجبا على جهة النسيان، أو فعلنا محرما على جهة النسيان، فلا تؤاخذنا يا الله، وفرضا يعني: واجبا، وليس المراد فريضة مثل الصلاة، بل أمرا واجبا لازما مفروضا علينا فعله، وهي الواجبات.
([6]) قال الشارح -حفظه الله-: ومن الأعمال الشاقة التي كلفوا بها أن بني إسرائيل لما عبدوا العجل، كانت توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ}[البقرة:54]، هذه كانت توبتهم، جاءت الظُلمة، وأخذوا سيوف وكل يقتل من أمامه، فانجلت الظُلمة عن قتلى كثيرين، وأما نحن فالحمد لله، رفعت عنا هذه الآصار، فهناك التوبة والندم والإقلاع عما مضى -حتى من الشرك-، وعزم على عدم العود.
([7]) قال الشارح -حفظه الله-: ومن ذلك أن الواحد منهم إذا أصابت النجاسة ثوبه فلا يجزئه غسله وإنما يقرضه بمقراض، وهذا من الآصار التي كانت عليهم، يقص الثوب إن أصابته نجاسة، ومن ذلك في شريعة التوراة أنه يجب قتل القاتل قصاصا، وليس له الدية ولا العفو، وفي شريعة الإنجيل ليس له إلا العفو والتسامح، وليس فيه القصاص ولا الدية، فمكتوب في الإنجيل: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، وفي شريعتنا الكاملة يخير أولياء القتيل بين القصاص وبين العفو مع الدية وبين العفو المجاني.