بسم الله الرحمن الرحيم
(المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدًا وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين.
قال رَحِمنا اللهُ وإياه: فصل
وهو الحيي فليس يفضح عبده |
|
عند التجاهر منه بالعصيان |
لكنه يلقي عليه ستره |
|
فهو الستِّير وصاحب الغفران |
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبد الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد, فإن المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ذكر في هذا الفصل ذكر اسمين من أسماء الرب U.
الاسم الأول: (الحيي).
الاسم الثاني: (الستير).
في الحديث: «إن الله حيي ستير, يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما إليه صفرًا», فإن من أسماءه الحيي, ويعبد يقال عبد الحيي وهو غير الحي, الحي, الحي القيوم من أسمائه الحي القيوم عبد الحي, والاسم الثاني الحيي بيائين من الحياء, مشتمل على صفة الحياء فمن أسمائه الحيي وهو مشتمل على صفة الحياء كل اسم من أسماء الله مشتق, مشتمل على صفة.
فالحي مشتمل على صفة الحياة, والحيي مشتمل على صفة الحياء, الفرق بين الاسمين؟ ما يشتبه الاسم هذا بهذا, اسم الله الحي مشتمل على صفة الحياة, وهو مقترن بالقيوم الحي القيوم, قرن الله بينهما في ثلاثة مواضع من كتابه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة/255], في آية الكرسي.
وفي أول سورة آل عمران: {الم (1) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[آل عمران/1-2].
وفي سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ}[طه/111].
حتى قيل أنهما اسم الله الأعظم, وجميع الصفات ترجع إلى صفة الحياة وصفة القيومية, وهذا الاسم الحيي من الحياء مشتمل على صفة الحياء.
والستير مشتمل على صفة الستر, يقال عبد الستير, بعض الناس يحرف هذا الاسم ويقول: الستار, عبد الستار, الستار ليس من أسماء الله وبعض الناس يقول: يا ستار, يا ستير قد يُخبر عن الله بأنه ستار من باب الخبر لكن ليس اسم الله الستار وإنما اسمه الستير.
والتعبيد يا عبد الستار خطأ لأنه ليس من أسماء الله, ويُعبد عبد الستار وهذا لا يصح لأن الستار ليس من أسماء الله اسم الله الستير إن الله حيي ستير, ولهذا قال المؤلف: (وهو الحيي فليس يفضح عبده, عند التجاهر منه بالعصيان) هو سبحانه الحيي يستحي من عبده يستر عليه ستره.
فيستره سبحانه وتعالى وهو جاء بالعصيان, وجاء في الحديث أن من المجاهرة أن يفعل الإنسان معصية في الليل, ثم يتحدث عنها بالنهار, ربه يستره وهو يكشف ستر الله عليه يفضح نفسه, يفعل المعصية في الليل ثم في النهار يتحدث فعلت كذا وفعلت كذا, فعلت كذا مع المرأة الفلانية فالله يستره وهو يكشف ستر الله عليه.
قال r: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون», فالمجاهر بالمعصية نُفيت عنه العافية ولا حول ولا قوة إلا بالله, فالحيي هو مشتمل على صفة الحياء ومن أثر هذه الصفة أن الله يستر عبده وهو يفعل المعصية فلا يفضحه سبحانه, بل يلقي عليه ستره, قال: فهو الستير وصاحب والغفران.
إن الله حي ستير, فهو الستير يستر عبده ويغفر ذلته, هذا إحسانه وهذا فضله U.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: هذا مأخوذ من الحديث الذي رواه الترمذي عن النبي صلي الله عليه وسلم : «إن الله حيي ستير يستحيي من عبده, إذا مد يده إليه أن يردهما صفرًا», وهذا من رحمته وكرمه وكماله وحلمه أن العبد يجاهره بالعصيان, وهو الفقير إلى ربه غاية الافتقار حتى أنه لا يمكنه أن يفعل معصية الله إلا بالتقوي عليها بنعم ربه.
فيستحي ربه الكريم الرؤوف الرحيم من هتكه، وفضيحته، وإحلال العقوبة عليه، فيستره بما يقيض له من أسباب الستر ما لا يخطر على البال ويعفو عنه، ويغفر له ذنوبه، فهو يتحبب إلى عباده بالنعم وهم يتبغضون إليه بالمعاصي، خيره إليهم نازل بعدد اللحظات، وشرهم إليه صاع، ولا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بعمل قبيح.
(الشرح)
الملك الذي يكتب الحسنات, والملك الذي يكتب السيئات لا يزال يصعد إليه منهم بعمل قبيح, الأعمال السيئة التي يكتبها من على يسار الإنسان: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[ق/17].
عن اليمين ملك يكتب الحسنات وعن الشمال ملك يكتب السيئات (فلا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بعمل قبيح).
(المتن)
قال: ولا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بعمل قبيح,
(الشرح)
يعني من العصاة, يصعد إليه منهم من العصاة بعمل قبيح.
(المتن)
ويستحيي تبارك وتعالى ممن شاب في الإسلام أن يعذبه، وممن يمد إليه يديه أن يردهما من غير شيء، بل يدعو العباد إلى دعائه، ويعدهم بالإجابة.
)الشرح)
في قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر/60].
فالله تعالى دعا عباده إلى العبادة, ووعدهم بالاستجابة: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر/60].
وقال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة/186].
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وهو الحيي الستير يحب أهل الحياء والستر, ومن ستر مسلما ستر الله عليه في الدنيا والآخرة.
(الشرح)
لأن الجزاء من جنس العمل, فمن ستر مسلمًا ستر الله عليه, ومن كان في عون العبد كان الله في عونه, ومن فرج كربة عن مسلم فرج الله كربته يوم القيامة, فالجزاء من جنس العمل.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ: ولهذا يكره من عبده إذا فعل معصية أن يذيعها، بل يتوب إليه فيما بينه وبينه ولا يظهرها للناس، وإن من أمقت الناس إليه من بات عاصيًا والله يستره، فيصبح يكشف ستر الله عليه، وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}[النور/19].
(الشرح)
هذا من المجاهرة بالمعصية, كان يستحسن أن يأتي بالحديث, لعل المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى غاب عنه الحديث هذا فيه أن, قول النبي r: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين», وأن من المجاهرة أن يفعل الإنسان المعصية بالليل ثم يتحدث عنها بالنهار, فيبيت يستره ربه ويكشف ستر الله عليه, الحديث هذا مناسب هذا مكانه, لعل غاب عن المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
«كل أمتي معافى إلا المجاهرين» يَعْنِي: اللي يستتر بالمعصية أهون وأسهل, والمعصية لا تضره إلا هو.
لكن إذا أعلنها للناس صار منكر يجب إنكارها, وصار مجاهر بالمعصية صار يقتدي به السفهاء والعصاة, لكن إذا كان يستتر هذا لا تضر له ويتوب فيما بينه وبين الله وهو حري بالتوبة, لكن إذا كان مجاهر بعض الناس يتبجح والعياذ بالله ويجاهر بالمعصية, فتجد بعض الناس خصوصًا الذي يسافرون إلى بلاد الكفار يقول: أنا فعلت كذا وكذا.
ذهبت إلى مكان الخمارات, ذهبت إلى مكان الخنى وفعلت كذا وكذا مع النساء وبعضهم حتى ولو في بلاده, يقول البارحة فعلت كذا وكذا اتصلت بالمرأة الفلانية وفعلت كذا وكذا, شربت الخمر مع فلان وكذا, ربه يستره وهو يفضحه يكشف ستر الله عليه ويجاهر بالمعصية هذا غير معافى.
«كل أمتي معافى إلا المجاهرين», وهذا قد لا يوفق إلى التوبة ولا حول ولا قوة إلا بالله والله تعالى يمقت هذا, المستتر هذا, هذا مستحي حري به أن يتوب وأن يرجع إلى الله أخفى المعصية ولم يظهرها للناس سلم الناس من شره ولم يقتضي به الفساق والعصاة.
لكن المجاهر هذا معناه أنه سهل المعصية للناس, يقول: افعلوا ما عليكم افعلوا مثل ما فعلت, دعوة إلى المعاصي والفجور والخنى نَسأَلُ اللهَ العَافِيَةَ, ولهذا قال النبي r: «كل أمتي معافى إلا المهاجرين», المصيبة كون الإنسان تُرفع عنه العافية لا يُعافى.
وإن من المجاهرة أن يفعل الإنسان المعصية بالليل ثم يتحدث عنها في النهار, يبيت يستره ربه ثم يكشف سر الله عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ: وثبت عن النبي r أنه قال: «إن الله يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة, فيقرره بذنوبه حتى إذا ظن أنه قد هلك, قال: إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم, فُيعطى كتابه بيمينه».
(الشرح)
هذا متفق عليه.
(المتن)
قال: ومن العجب أن الكريم يستحي من فضيحة عبده والظالم الجاهل لا يستحي من ربه.
(الشرح)
لا حول ولا قوة إلا بالله هذا من العجب, الكريم وهو الله U يستحي من فضيحة عبده والظالم الجاهل لا يستحي من ربه, لا يستحي ولا يخجل من ربه ولا من الناس والله يستحي منه فلا يفضحه وهو لا يستحي من ربه فيجاهر بالمعصية.
(المتن)
بل لا يزال دائبا في معصيته متبع لسخطه يدعوه ربه إلى بابه, فيشرد عنه ويدعو عدوه إلى ولايته فيلبي دعوته, قد أقبل على عدوه الذي يشقى بطاعته في دنياه وأخراه وتولى عن وليه الذي كل السعادة في الإقبال عليه والاشتغال بخدمته وكل الأرباح في معاملته: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف/50].
ولما كان ترك الحق وترك بيانه على أي حال كان, لا يكون من الحياء المحمود أخبر تعالى أنه لا يستحي من الحق فقال: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}[الأحزاب/53], وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}[البقرة/26], وذلك لأن بيانه الحق لعباده بأي طريق كان من أجل نعمه عليهم.
(الشرح)
يعني بيان الحق وترك الحق لا يكون من الحياء, والله تعالى لا يستحي من الحق, فَإِذًاْ ما يظنه بعض الناس من السكوت عن الحق وترك بيانه وكذلك السؤال, السؤال عما أشكل عليه تظن أن هذا من الحياء هذا ليس من الحياء, هذا ليس من الحياء كون الإنسان يستحي فلا يسأل عما أشكل عليه يبقى في جهله.
ولهذا قال البخاري: «لا ينال العلم مستحىً ولا مستكبر», المستحي ما ينال العلم يبقى على جهله, وكذلك المتكبر لأنه لا ينبغي للإنسان أن يمنعه الخجل هذا ليس حياء وإنما خور وجبن, اللي يمنع الإنسان من سؤال ما أشكل عليه هذا ليس حياءً محمودًا ولكنه خجل لكنه خور وجبن.
أم سليم جاءت وسألت النبي r عن أمر يستحي منه, وقدمت وقالت: «يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء, فقالت أم سلمة: وتحتلم المرأة؟ فقال: نعم تربت يمينك, فبم يشبهها ولدها», فأم سليم قدمت هذه المقدمة إن الله لا يستحي من الحق, سألت عن مشكل عليها أمر واقع هذا.
كأن عند النساء قليل احتلام المرأة, ولهذا أنكرت أم سلمة وهكذا بعض النساء كأنه قليل بالنسبة للمرأة الاحتلام وإن كان في الرجل أكثر, ولكن واقع فلا ينبغي للإنسان أن يمنعه الخجل والحياء من سؤال عما أشكل عليه, فإن الحياء الذي يمنع الإنسان من سؤال عما أشكل عليه في دينه في طهارته في صلاته في صيامه في عقيدته, في صفاته هذا لا يُسمى حياء صحيحًا بل هو خور وجبن.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وهو الحليم فلا يعاجل عبده |
|
بعقوبةٍ ليتوب من عصيان |
وهو العفو فعفوه وسع الورى |
|
لولاه غار الأرض بالسكان |
(الشرح)
(غار الأرض) الأصل غارت الأرض بالسكان إذا طلعت الشمس, يجوز إثبات التاء أو حذفها, طلع الشمس وطلعت الشمس, غارت الأرض وغار الأرض.
(المتن)
وهو العفو فعفوه وسع الورى |
|
لولاه غار الأرض بالسكان |
(الشرح)
يَعْنِي: هذا البيتان, ذكر فيهما اسمان من أسماء الله U, الاسم الأول الحليم من أسماء الله الحليم مشتمل على صفة الحلم, ومن ثمرات هذا الاسم أن الله لا يعاجل عبده بالعقوبة بل يمهله حتى يتوب هذا من آثار هذا الاسم.
من آثار اسم الله الحليم إن الله لا يعاجل عبده بالعقوبة بل يمهله وينذره لعله يتوب من عصيانه, واسمه الثاني العفو مشتمل على صفة العفو, ومن آثار هذا الاسم أن عفو الله وسع الخلائق جميعًا, ولولا عفو الله لغارت الأرض بالسكان لخسفت بهم وابتلعتهم, لكن عفو الله U جعل الأرض تثبت على حالها ولا تنهار بالسكان هذان الاسمان اسم الحليم مجتمع على صفة الحلم.
ومن آثار هذه الصفة؛ أن الله لا يعاجل العاصي بالعقوبة بل يمهله لعله يتوب, والاسم الثاني العفو مشتمل على صفة العفو ومن آثار هذا الاسم أن عفو الله وسع الخلائق جميعًا, ولولا عفو الله لغارت الأرض بالسكان وابتلعتهم ولكن عفو الله وسعهم.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: يعني أنه تعالى الحليم الذي لَه الحلم الكامل, العفو الذي له العفو الشامل ومتعلق هذين الوصفين الكريمين معصية العاصين وذنوب المجرمين, فإن الذنوب في الأصل تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة, فحلمه تعالى يقتضي إهمال العاصين وعدم معاجلتهم بالعقوبة ليتوبوا من عصيانهم.
(الشرح)
هذا متعلق هذا الاسم ومن آثار هذا الاسم أنه تعالى: يمهل العاصين ولا يعاجلهم بالعقوبة, (ليتوبوا من عصيانهم).
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ: وعفوه تعالى يقتضي مغفرة ما صدر منهم من الذنوب خصوصًا إذا أتوا بأسباب العفو من الاستغفار والتوبة النصوح.
(الشرح)
وهذا من آثار اسم الله العفو, أنه يقتضي مغفرة الذنوب إذا أتوا بأسباب العفو من الاستغفار والتوبة.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ: خصوصًا إذا أتوا بأسباب العفو من الاستغفار والتوبة النصوح, فإن حلمه وعفوه وسع أهل السموات والأرض, فلولا حلمه وعفوه لغارت الأرض بسكانها, قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}[النحل/61].
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[فاطر/41], وهو تعالى عفوًا يحب العفو ويحب من عباده أن يجتهدوا في تحصيل أسباب عفوه من السعي في مرضاته على الدوام والعفو عن زلات العباد قالت عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها للنبي r: «يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فبما أدعوا؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني» رواه مسلم.
فمن سامح عباد الله سامحه الله ومن عفا عنهم عفا الله عنه.
(الشرح)
لأن الجزاء من جنس العمل, (من سامح عباد الله سامحه الله ومن عفا عنهم عفا الله عنه), ولهذا الرجل الذي كان يداين الناس, في الحديث تلقت الملائكة روح رجل فُسئل هل لك من عمل؟ قال: كنت أداين الناس وأيسر على الموسر وأتجاوز عن المعسر, فقال الله: نحن أولى بذلك تجاوزوا عنه, فتجاوز الله عنه, فالجزاء من جنس العمل.
(من سامح عباد الله, سامحه الله ومن عفا عن العباد عفا الله عنه), ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج كربة مسلم فرج الله كربته يوم القيامة.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: ومن كماله تعالى أن عفوه مقرونًا بالقدرة فيعفو عن قدرة لا كمن يعفو لعجزه عن الانتقام ولهذا جمع الله بينهما في قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[النساء/149].
(الشرح)
وهذا العفو لا يكون عفو عن كمال إلا إذا كان مع القدرة, أما إذا كان عاجز فلا ينفع العفو, لابد أن يكون عن قدرة, مثال عن العاجز شخص له عبد يريد أن يعتقه في زمن الحياء يقال: أعتق يا فلان, العتق فيه فضل وفيه أجر: «من أعتق عبدًا, اعتق الله بكل عضو عضوا من النار», فقال: جعل يسوف تأخر.
فجاء العبد مرة وسقط في بئر, فلما سقط وتحقق أنه ميت قال أنت حر لوجه الله, هذا ما يفيد يكون مع العجز هذا, لابد يكون مع القدرة وكذلك الصدقة, الصدقة, «أفضَلُ الصّدَقَةِ أَنْ تَصَّدَقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمَلُ الْغِنَى، وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الروح الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلانٍ كذَا ولفلان كذا وقد كان لفلان», صدقة عند الموت لما حضر الموت.
الصدقة في زمان الصحة, «صحيح شحيح», أما عند الموت يرخص المال عنده يصير المال رخيص الآن عرف أنه مرتحل عن الدنيا.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: ومن تمام حلمه وعفوه أن المجرم الذي أفنى عمره بالكفر به وبرسله وبتكذيبه, وتكذيب رسله والسعي في محاربته ومحاربة أولياءه والحرص على إخفاء الحق وإظهار الباطل, أنه إذا تاب توبةً نصوح ورجع إليه نادمًا على جرمه فإنه يعفو عنه في ساعة واحدةً جميع ما تقدم من المعاصي والإجرام.
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال/38].
وقال تعالى, لما ذكر أصحاب الأخدود الذين حرقوا أولياءهم المؤمنين بالنار يدعوهم إلى التوبة: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}[البروج/10], وقال النبي r: «الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها».
(الشرح)
وهذا رواه الإِمَامِ أحمد في مسنده عن عمرو بن العاص, فمن تاب, تاب الله عليه, المهم يأتي بشروط التوبة, يتوب يقلع عن المعصية ويتخلى عنها, أما من يزعم أنه تائب وهو متلبس في المعصية فليست توبة من شروط التوبة؟
الشرط الأول: الإقلاع عن المعصية, بمعنى أنه يتخلى عن المعصية ويتركها جانبًا, إن كان يتعامل بالربا يترك التعامل بالربا, إذا كان يأكل رشوة يترك أكل الرشوة, إذا كان يعق والديه يتخلى عن العقوق وهكذا, أما من يزعم أنه تائب وهو متلبس بالمعصية لا يصح.
الشرط الثاني: الندم على ما مضى, التأثر والتحسر, أما إذا كان لم يندم ما لا يكون مستحلي للمعصية مستمرء لها, لابد من الندم والأسف والحزن.
الشرط الثالث: العزم الصادق الجازم على عدم العود إلى المعصية مرة أخرى, فإن كان يحدث نفسه بأنه سيعود أو يتوب لمقصد يتوب لأجل ماذا؟ لغرض من الأغراض أو يتوب توبة مؤقتة, يتوب في رمضان ويحدث نفسه أنه بعد رمضان سيعود إلى المعاصي هذه ليست توبة لابد من العزم الصادق الجازم على أن لا يعود للمعصية.
ولابد أن تكون توبة لله خالصة لله, ما تقول: لأجل أغراض دنيوية لأن التوبة عبادة والعبادة لابد فيها من الإخلاص بعض الناس يتوب لمقصد من المقاصد لأمر دنيوي يتوب لأجل مثلًا أنه سيعمل في مكان, ذهب إلى مؤسسة دينية وهم يتركون المعاصي فتاب من أجلهم هو ما تاب لله, تاب لأجل عمله الذي سيحصل عليه هذه ليست توبة.
لأنه لابد من الإخلاص التوبة عبادة, تتوب لأجل المخلوق ولابد أن تكون التوبة قبل الموت, فقبل بلوغ الروح إلى الحلقوم, في الحديث: «إنَّ اللهَ يقبلُ توبة العبدِ ما لم يُغَرغِرْ».
والله تعالى يقول: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}[النساء/18], ولابد أن يرد المظلمة إلى أهلها إذا كانت بينه وبين الناس, إن مال يرد المال إليه وإن كان يتعلق بالبدن يسلم نفسه لهم حتى يقتصوا منه أو يعفوا عنه أو يصطلحوا معه على مال.
وإن كان غيبة يستحلها منهم, فإن كان يترتب على هذا مفسدة يدعو لهم بظهر الغيب ويذكر محاسنهم وصفاتهم في الأمكنة التي اغتابهم فيها, يخبر بالحال لا يكذب, كم شرط هذا؟ خمسة أو ستة والشرط السابع أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها, فَإِذاْ طلعت الشمس من مغربها, فلا توبة.
في الحديث: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلَعَ الشَمْسُ مِن مَغْرِبِهَا».
قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}[الأنعام/158].
جاء في تفسير الآية: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}[الأنعام/158], أنها طلوع الشمس من مغربها, الشرط الثامن: أن تكون التوبة قبل نزول العذاب, فَإِذاْ نزل العذاب فلا توبة, قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}[غافر/85].
فرعون تاب عند الموت لما رأى العذاب, لكن ما تنفع التوبة: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ }[يونس/90].
فرعون الذي يقول للناس: أنا ربكم الأعلى تاب في وقت الذي لا تنفع فيه التوبة: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ}[يونس/90], فرعون الذي كان يقول: أنا ربكم الأعلى.
يقول: أمنت: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس/90 ], فرعون يقول: أنا من المسلمين ويقول: أنا ربكم الأعلى, قال الله: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس/91], انتهى الأمر.
لما رأى العذاب ما ينفع هذه شروط, إذا وُجدت هذه الشروط, هذه التوبة النصوحة أن يقلع عن المعصية وأن يندم على ما مضى وأن يعزم عزما صادقا أن لا يعود إليها وأن تكون التوبة لله وأن يرد المظلمة إلى أهلها إذا كانت بينه وبين الناس وأن تكون قبل الموت وأن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها وأن تكون قبل نزول العذاب ثمانية شروط.
إذا وُجدت هذه الشروط فهذه التوبة النصوح يمحو الله بها ما سلف, فَإِذاْ بُلي بالذنب مرة أخرى تكون التوبة السابقة محت الذنب والذنب الجديد يحتاج إلى توبة وهكذا, لأنه قد يبتلى الإنسان بالذنب, وهذه الآيات كما سمعتم, حتى الكفر يُغفر إذا وُجدت هذه الشروط: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال/38].
والله تعالى عرض التوبة على المثلثة الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة/73-74].
ومن الدليل القاطع؛ على أن التوبة مقبولة من جميع الذنوب إذا وجدت الشروط, قال الله تعالى في سورة الزمر: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر/53], جميعًا الشرك والكفر أَيْضًا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر/53].
أجمع العُلَمَاءِ على أن هذه آية في التائبين, لأن الله عمم وأطلق بخلاف آية النساء: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء/48], هذا في غير التائبين لأن الله خص وعلق, خص الشرك بأنه لا يغفره وعلق ما دونه بالمشيئة, فدل على أنها في غير التائبين.
أما آية الزمر فالله عمم وأطلق لأنها في التائبين: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(....)[الزمر/53].
(المتن)
وهو الصبور على أذى أعدائه |
|
شتموه بل نسبوه للبهتان |
قالوا له ولد وليس يعيدنا |
|
شتما وتكذيبا من الإنسان |
هذا وذاك بسمعه وبعلمه |
|
لو شاء عاجلهم بكل هوان |
لكن يعافيهم ويرزقهم وهم يؤذونه بالشرك والكفران
(الشرح)
ذكر في هذه الأبيات اسم الله (الصبور), هذا من أسماء الله ويعبد ويقال: عبد الصبور, مشتمل على صفة الصبر, ومن آثار هذا الاسم أن الله تعالى يصبر على أذى أعداءه, يشتمونه ويسبونه وهو يعافيهم ويرزقهم, وهم يؤذونه بالشرك والكفر هذا من آثار هذه الصفة, لأن الصفة الأسمى.
بعض الأسماء لها آثار تتعلق بالمخلوقين وبعضها ليس لها آثار مثل الاستواء هذا ليس له آثار تتعلق بالمخلوقين, مثل الصبور والغفور والرحيم هذه آثار تتعلق بالمخلوقين, من آثار هذا الاسم أن الله يصبر على عباده يشتمونه ويسبونه وهو يعافيهم ويرزقهم وهم يؤذنه بالشرك والكفر, من شتمهم له أنهم قالوا: إن لله ولد والشتم معناه الذم.
الشتم والسب يُطلق على الذم, فمن ذم شخصًا يُقال شتمه وسبه قال تعالى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}[الإسراء/60].
يَعْنِي: المذمومة وهي شجرة الزقوم الملعونة يعني المذمومة, فشتموه يعني ذموا الرب U ونسبوه للبهتان, من ذلك قولهم: إن الله له ولدًا, وهذا من أعظم الجرائم نسبة الولد إلى الله.
أمر عظيم نسبة الولد إلى الله, لأن الله U هو الكامل في ذاته وأسماءه وصفاته وهو الغني فلا يحتاج إلى أحد, فكيف ننسبه إلى الولد, الولد إنما يحتاجه المخلوق الضعيف, يحتاج إلى الولد يساعده يعينه ويسنده عند الكبر.
أما الرب U فلا يحتاج إلى أحد, فهو مالك السموات والأرض وكل ذرة في السموات والأرض فقيرة محتاجة إليه, فكيف يكون له الولد والولد جزء من أبيه ومماثل لأبيه والله ليس له مثيل وليس بحاجة, كل من في السموات والأرض هو معبد مقهور مذلل.
ولهذا بين الله U في سورة مريم, أن نسبة الولد لله من أعظم الجرائم وأنه أمر عظيم تكاد تتشقق السموات وتنشق الأرض وتتدهده الجبال من نسبة الولد لله, وقال سبحانه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}[مريم/88-89], يعني أمرًا عظيمًا هائل.
{تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم/90-93].
كل من في السموات والأرض يأتي يوم القيامة معبد مقهور مذلل مدين ليس له من أمره شيء, فكيف يكون لله ولد؟ تعالى الله عما يقولونه علوًا كبير سبحانه وتقدس, فنسبة الولد إلى الله هذا هو شتم لله وسب لله وذم لله وعيب لله, وأما تكذيبهم لله, فقولهم: إنكارهم البعث, وقولهم: إن الله لا يعيدنا, فشتم لله هو نسبة الولد إليه, وتكذيب الله وإنكار البعث.
فالكفار شتموا الله وذموه ونسبوه للبهتان حيث نسبوا الولد إليه وكذبوه U حيث قالوا: إن الله لا يعيدهم ولا يبعثهم خلقًا جديد وهو سبحانه وتعالى يسمع ويعلم ولو شاء لعاجلهم العقوبة ولكنه حليم وصبور على آذاهم يصبر على آذاهم ويعافيهم ويرزقهم.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وهو الصبور على أذى أعدائه شتموه بل نسبوه للبهتان
قالوا له ولد وليس يعيدنا شتما وتكذيبا من الإنسان
هذا وذاك بسمعه وبعلمه لو شاء عاجلهم بكل هوان
(الشرح)
الولد هذا الشتم وليس يعيدنا هذا التكذيب, نسبتهم الولد إلى الله والتكذيب كله بسمعه وعلمه ومع ذلك يحلم عليهم ولا يعاجلهم بالعقوبة سبحانه وتعالى
(المتن)
لكن يعافيهم ويرزقهم وهم |
|
يؤذونه بالشرك والكفران |
وهذه الأبيات مأخوذة من قوله r في الحديث الثابت الصحيح: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم»
(الشرح)
متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري
(المتن)
وبما ثبت عنه r في الصَّحِيْحَيْنِ من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t أنه قال, قال الله تعالى: «كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك, فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته, وأما شتمه إياي بقوله: إن لي ولدا وأنا الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد».
(الشرح)
هذا عبارة كلمة الفرد في هذا الحديث, إذا ثبت كلمة الفرد تكون الفرد من أسماء الله, وأنا الأحد الفرد الصمد, الحديث الآخر: «اللهم إني أسالك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصمد» وليس فيه الفرد ويُراجع الحديث إذا ثبت الفرد يكون من أسماء الله.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: ولهذا قال المؤلف: وهو الصبور على آذى أعداءه شتموه أي سبوه سبًا لا يليق بجلاله, ونسبوه للبهتان الذي يتنزه عنه فالشتم هو السب.
(الشرح)
(الشتم هو السب) والذم والعيب, الذم والسب والعيب يسمى شتمًا و يسمى لعنًا, فَإِذاْ سب شخصًا وذمه يُقال شتمه, ويقال لعنه, ويقال سبه ومنه الآية الكريمة: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}[الإسراء/60].
وما معنى: {الْمَلْعُونَةَ}[الإسراء/60], يعني المذمومة لأنه الله ذمها في القُرْآنَ, فقال: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ}[الدخان/43-44].
والشجرة المعلونة في القُرْآنَ, يعني المذمومة وهي شجرة الزقوم.
فاللعن هو الذم, يعني ما يُشترط أن يقول: لعنك الله, إذا سبه وذمه, سبه وعابه وتنقصه يُقال: لعنه, ويقال شتمه, فلان شتم فلان ولعن فلان يعني ذمه وعابه وتنقصه, فهؤلاء تنقصوا الرب المشركون ونسبوه للنقص, وقالوا له الولد, فاُعتبر ذلك شتمًا لله.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فالشتم هو السب بقولهم له ولد, فإن هذا مناقض لوحدانيته وغناه وأنه مالك السموات والأرض.
(الشرح)
واضح قوله: سبًا لأنه مناقض لوحدانية الله, ومناقض لغناه هو الواحد سبحانه وتعالى فلو كان له ولد لكان مماثل هذا الولد صنو أبيه, الولد مثل أبيه لو كان له ولد لكان له شريك هو واحد U الأحد الفرد الصمد, ليس له شريك, وليس له مماثل تعالى الله عما يقولون, والولد صنو أبيه والوالد مجبنة مبخلة, يجبن من أجل ولده ويبخل من أجل ولده.
يُراعي من أجل ولده, فالله منزه عن الولد الشبيه بالوالد والمثيل بالوالد هذا نسبة الولد له مناقض لوحدانية الله ومناقض لغناه ومناقض لملكه السموات والأرض وما بينهما, فلو كان له ولد لما كان واحدًا ولو كان له ولد لما كان غنيًا, فالفقير محتاج إلى الولد.
الوالد محتاج إلى الولد, ولو كان له ولد لما كان مالكا للسموات والأرض تعالى عما يقولون, فنسبة الولد مناقض لوحدانية الله ومناقض لغنى الله, ومناقض لملك الله للسموات والأرض وما بينهم.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فإن هذا مناقض لوحدانيته وغناه وأنه مالك السموات والأرض كما قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ}[البقرة/116], عن هذه النسبة الباطلة التي لا تصدر إلا من أعظم المبطلين, ثم ذكر ما يدفع ذلك فقال: هو الغني, له ما في السموات وما في الأرض, ثم ذكر مصدر هذا القول الذي قالوه.
وأنهم يقولون ويتكلمون بلا علم, وهذا من أعظم المحرمات, فقال: إن عندكم من سلطان بهذا.
(الشرح)
(إن) نافية بمعنى ما, والمعنى ما عندكم, هل عندكم من سلطان بهذا, ما عندكم سلطان بهذا القول الذي تقولونه ونسبة الولد لله, ما عندك دليل والسلطان الدليل والحجة والبرهان, (إن عندك) يعني ما عندكم سلطان ما عندكم حجة, ما عندكم دليل على هذا القول, فالذين نسبوا الولد لله, قال: هل عندكم سلطان, هل عندكم دليل, هل عندك حجة, هل عندكم برهان.
ما عندكم, فيكون هذا القول باطل من أبطل الباطل ولا يقبل القول إلا بدليل, وحجة وبرهان.
(المتن)
وهذا من أعظم المحرمات, فقال: إن عندكم من سلطان بهذا أي ليس عندكم أدنى حجة بهذا القول الذي قلتم أتقولون على الله ما لا تعلمون.
(الشرح)
يعني إذا لم يكن عندكم دليل فصار هذا من القول على الله بلا علم, وصار من أعظم افتراء الكذب على الله: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}[يونس/69].
(المتن)
ثم ذكر أنه افتراءً فقال: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}[يونس/69].
وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه}[المؤمنون/91].
وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}[البقرة/116].
ونسبته للبهتان هو تكذيبه بقول المنكرين للبعث لن يعيدنا وهذا تكذيب له ولرسله, قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[التغابن/7].
(الشرح)
الآية فيها الحكم بالكفر على من أنكر البعث: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}[التغابن/7], وأمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاث مواضع, أن يقسم بنفس الكلمة ثلاث مواضع في القُرْآنَ لا رابع لها, أمر الله نبيه أن يقسم بنفس الكلمة بالله على وقوع البعث, هذا أحدها في سورة التغابن.
{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[التغابن/7], أقسم أمر به أن يقسم بربه على البعث, والثانية: قوله تعالى في سورة يونس: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}[يونس/53], ويستنبئونك: أي يستخبرونك أمر نبيه يقسم بربه أنه الحق.
والثالث: في سورة سبأ وهو قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}[سبأ/3], أمر به أن يقسم بربه على وقوع الساعة والقيامة والبعث, ثلاث مواضع لا رابع لها, أمر نبيه أن يقسم بربه على البعث, وهذه الآية فيها الحكم على من أنكر البعث بالكفر.
{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}[التغابن/7], من أنكر البعث فهو كافر, بإجماع المسلمين وبنص القرآن, المراد بعث الأجساد, والفلاسفة أنكروا بعث الأجساد وقالوا: البعث للأرواح هم كفار وهناك رسالة لابن سينا اسمها الأضحوية فيها إنكار البعث رسالة صغيرة, فالفلاسفة يقولون: البعث والمعاد للأرواح هم كفار.
لأن الأرواح ما تموت, الأرواح باقية, المؤمن إذا مات نُقلت روحه إلى الجنة ولا صلة بالجسد والكافر إذا مات نُقلت روحه للنار ولا صلة بالجسد والروح تنعم مفردة ومتصلة بالجسد وتعذب مفردة ومتصلة بالجسد.
إعادة الأرواح ما فيه إشكال, الروح ما تموت, الموت هو مفارقة الروح للجسد, لكنها تنتقل وتعود إلى الجسد بعد أن يُدفن, فالفلاسفة قالوا: البعث للأرواح فهم كفار بذلك, فمن أنكر بعث الأجساد فهو كافر, الأجساد الجسد الذي بلي وصار عليه ترابًا يعيده الله, يعيد الذرات التي استحالت ترابًا وتعود كما كانت.
وينشأ الله الخلق تنشئةً جديدة تبدل الصفات والذوات إلهية لأن الله قادر وعالم, فهو عالم بالذرات التي استحالت وقادر على جمعها وإعادتها, {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[القيامة/4].
(المتن)
قال U: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}[الروم/27].
(الشرح)
والمعنى وهو هين عليه, أهون بمعنى هين, وليس هناك شيئًا أهون من شيء ما هناك شيئًا صعب على الله, أو شاق بل كله هين وهنا أهون بمعنى هين.
(المتن)
فلم يبالي المعاندون بقول الله, بل كذبوه: {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا}[الإسراء/49], أي لا يكون ذلك بزعمهم, فإنهم من جهلهم قاسوا قدرة العظيم بقدرة العبد الضعيف ولم يفقهوا قوله تعالى مخبرًا عن عظمته وكمال اقتداره ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة.
لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس, فقول المؤلف شتمًا عائد إلى نسبة الولد له, وقوله تكذيبًا عائد لإنكارهم البعث, ثم قال هذا وذاك أي نسبة الولد والتكذيب بالبعث بسمعه تعالى, يسمع ما به ينطقون ويعلم ما يسرون وما يعلنون, والحال أنه لو شاء لعاجلهم بكل هوان أي بكل عقوبةٍ تستأصلهم لكمال قدرته.
وعدم امتناعهم عن تنفيذ إرادته فيهم ومع هذا يعافيهم ويرزقهم, فيدر لهم الأرزاق وينعم عليهم بالنعم وهم يؤذونه بالشرك والكفران, فهل مثل هذا الصبر شيء فإنه صبر متضمن لإحسانه وقدرته فإن الصبر قد يوجبه عدم قدرة الصابر على مقابلة المؤذي.
وقد يصبر على الأذى ولا يحسنه إلى من أساء إليه.
(الشرح)
الشيخ: يعني الإنسان صبر الله أعظم الصبر, الإنسان يعني صبر الله متضمن لإحسانه إلى من أذاه, مع قدرته U الصبر قد يعني قد يكون الصابر ما يستطيع على مقابلة الأذى يعني الصبر يوجب عدم قدرة الصابر على مقابلة الأذى.
بعض الناس إذا أذي ما يستطيع يصبر على الأذى وإذا صابر ما يحسن إليه يكرهه ولا يطيق النظر إليه, فهل يستطيع الإنسان يؤذيه ويشتمه ويلاحقه بكل أذى ماذا تعمل معه؟ تصبر إذا صبرت هذا طيب, لكن إذا صبرت هذا طيب لكن إذا صبرت تحسن إليه تدعو له وتعطيه الهدايا وكذا من يستطيع هذا؟ والله تعالى يصبر على شتمهم له وتكذيبهم له.
ولا يعاجلهم بالعقوبة ثم يحسن إليهم ويدر عليهم الأرزاق وهم يشتمونه, ويكذبونه, فلا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله فهو الصبور U.
(المتن)
فهل مثل هذا الصبر شيء, فإنه صبر متضمن لإحسانه وقدرته فإن الصبر قد يوجبه عدم قدرة الصابر على مقابلة المؤذي وقد يصبر على الأذى ولا يحسن إلى من أساء إليه وأما الله تعالى فهو الصبور على الحقيقة يؤذيه العبد الضعيف العاجز بمعاداته ومعاداة رسله ومحاربة أولياءه, والسعي في إطفاء دينه.
وناصيته بيد الله وهو المتصرف فيه في حركاته وسكناته ومع ذلك يمهله ويستدعيه إلى التوبة ويحثه على الإنابة ويدر عليه الأرزاق الواسعة, فتبارك الرب الرحيم الذي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى/11], الصابر الذي يحب الصابرين ويعينهم في جميع أمورهم.
(الشرح)
سبحانه وبحمده.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فصلٌ
وهو الرقيب على الخواطر واللواحظ |
|
كيف بالأفعال بالأركان |
(الشرح)
هذا البيت اشتمل على إثبات اسم من أسماء الله, وهو (الرقيب), الرقيب بمعنى الشهيد, الرقيب على كل شيء رقيب على أفعال العباد وأقوالهم ورقيب على خواطرهم, ولواحظهم وخطرات قلوبهم, وهو لا يخفى عليه شيء, من أحوال عباده, يعني رقيب على الخواطر يعلم ما يخطر في القلوب من الأفكار والوساوس.
التي يتكلم بها العبد وعلى اللواحظ بالأبصار اللواحظ الخفية والجلية إذا كان سبحانه وتعالى رقيب على الخواطر, خواطر القلوب الوساوس والأفكار التي ترد على القلب, الله تعالى رقيب عليها واللواحظ التي يلحظها الإنسان, اللواحظ الخفية يراقبها الرب U.
مثل ما قال بعض الناس يلحظ إذا رأى امرأة جميلة وحوله من؟ يخشى منه يلحظها إذا حصلت فرصة لحظها بعينه, لحظة خفية, هذه اللحظات لا تخفى على الله هذه اللحظة الخفية خفية على الناس, تجده يستر مثلًا غطرته على عينه وهو يلحظ, يلحظ إذا سنحت الفرصة, فالله رقيب على اللواحظ الخفية, والجلية ورقيب على الخواطر والأفكار التي ترد على القلوب.
فكيف بالأفعال والأقوال الواضحة من باب أولى هذا من أسماءه سبحانه الرقيب, الرقيب على الخواطر واللواحظ والأفعال والأقوال سبحانه وتعالى.
وهذا يدل على أي شيء؟ يدل على إحاطة سمع الله لجميع المسموعات وإحاطة بصره لجميع المبصرات, وإحاطة علمه بجميع المعلومات ولهذا فإن الإحسان من أفضل المقامات, فالدين, وأعظم مرتبة من مراتب الدين.
- فالدين يشمل ثلاث مراتب:
- مرتبة الإِسْلَامِ.
- مرتبة الإيمان.
- مرتبة الإحسان.
كما جاء في حديث جبرائيل حينا سأل النبي صلى الله عليه وسلم, قال النبي r: «هُذا جِبْرِيل، أَتَاكُم يعلمكم دينكُمْ»، دل على أن الدين له ثلاث مراتب, مرتبة الإِسْلَامِ, ثم الإيمان, ثم الإحسان, الإحسان له مرتبتان:-
المرتبة الأولى: أن تعبد الله كأنه يراك, هذه المراقبة.
المرتبة الثانية: فإن لم تكن تراه فإنه يراك, أن تعبد الله كأنه يراك المرتبة الأولى أكمل, المرتبة الأولى أن تعبد الله كأنك تراه.
فالمراقبة تعبد الله باسمه الرقيب, تتعبد باسمه الرقيب فأنت تعبد الله كأنك تراه لأنه يراقبك, فَإِذاْ أنت تراه فإنه يراك.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وهو الرقيب على الخواطر واللواحظ |
|
كيف بالأفعال بالأركان |
(الشرح)
من باب أولى إذا كان رقيب على الخواطر, والوساوس التي ترد على القلوب واللواحظ الخفية التي يلحظها الإنسان خفية دون الناس بعينيه, فكيف بالأفعال من باب أولى بالأفعال والأركان, والأعضاء ما تفعله الجوارح من باب أولى.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الرقيب والشهيد مترادفان, وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بجميع المسموعات وبصره بجميع المبصرات, وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية ولهذا قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وهو الرقيب على الخواطر, أي يعلم ما يخطر في القلوب من الأفكار والوساوس التي لم يتكلم بها العبد.
وعلى اللواحظ بالأبصار, اللواحظ الخفية والجلية, فَإِذاْ كان رقيبًا على الخواطر واللحظات فكيف لا يكون رقيبًا على ما هو أظهر منها من الأفعال بالأركان والحركات قال تعالى:
{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا}[الأحزاب/52].
وقال تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المجادلة/6].
(الشرح)
وهذا الدليل الآن: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا}[الأحزاب/52].
{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المجادلة/6], فالشهيد والرقيب مترادفان, يراقب أعمال عباده ويشهدها ويعلمها.
(المتن)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق/16], ولهذا كانت المراقبة هي التعبد لله باسمه الرقيب, فَإِذاْ علم العبد أن حركاته.
(الشرح)
(المراقبة هي التعبد لله باسمه الرقيب) مراقبة العبد لربه.
(المتن)
فَإِذاْ علم العبد أن حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بعلمها واستحضر العبد لهذا العلم في جميع أحواله أوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكر وهاجس يبغضه الله.
(الشرح)
يعني (إذا علم العبد أن حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بها واستحضر هذا العلم), أوجب له أن يحرس باطنه عن كل فكر وهاجس يبغض الله الأفكار الرديئة سيحاربها, يعني تعلم أن الله تعالى رقيب يعلم الخواطر فعليك أن تحارب هذه الوساوس الرديئة, التي هي التشكيك في الله أو في أسماءه أو في صفاته أو في الجنة والنار وما أشبه ذلك.
ولهذا الصحابة رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم كانوا يحاربون هذه الوساوس, الوساوس ترد من الشيطان والشيطان عدو للإنسان يرد هذه الوساوس حتى يعذب الإنسان يعذبه, الصحابة رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم شكوا إلى النبي r قالوا: «يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعني من الخواطر والوساوس الرديئة ما لأن يخر من السماء خير له من أن يتكلم به».
وفي لفظ ما لأن يكون حمما يعني فحمًا «خير له من أن يتكلم به, فقال النبي: وقد وجدتموه قالوا: نعم, قال: ذاك صريح الإيمان» يَعْنِي: محاربة الوساوس مدافعتها ومغالبتها (....)التكلم بها ومحاربتها هو صريح الإيمان, ليست الوساوس صريح الإيمان, لكن دفعها ومحاربتها (....) التكلم بها هو صريح الإيمان.
وهذا هو الفرق بين الصحابة وبين من بعدهم, فالصحابة حاربوا الوساوس والأفكار الرديئة, ودفعوها ولم يتكلموا بها والمتأخرون سودوا بها الأوراق وتكلموا بها وشككوا الناس بها, فما أعظم الفرق بين السلف الصحابة والتابعين ومن بعدهم, هذه الوساوس التي سُود فيها القلوب وأهل الكلام الآن في الصفات وفي غيرها.
كلها سودوا بها الأوراق كلها وساوس وأفكار رديئة, ملئوا بها الكتب وشوشوا على الناس وآذوا الناس وحرفوا أسماء الله وصفاته, وصرفوها عن معانيها اللائقة بها, كل بسبب الأفكار والوساوس التي ترد عليهم, لم يكتموها ولم يحاربوها والسلف كتموها وحاربوها ففازوا بالرضوان.
ولهذا جاء في الحديث عن أَبِي هُرَيْرَةَ: «أن الشيطان يأتي للإنسان ويقول له: من خلق كذا, ومن خلق كذا, حتى يقول: من خلق الله, فَإِذاْ وجد ذلك, فنقول: أمنت بالله ورسله ولينتهي ويقطع التفكير» يقطع التفكير ويقول: أمنت بالله ورسله.
وجاء في حديث آخر: يقرأ الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أمنت بالله ورسوله ويقطع التفكير, فمن وجد ذلك فلينتهي وليستعيذ بالله, ينتهي يعني يقطع التفكير, وعليك أن تسأل فيما أنت فيه, من أمور دينك ودنياك وتقطع التفكير في هذا لهذه الوساوس, كثير من الناس يشكوا في هذا, هذا من الشيطان يعذب الإنسان, هذا يقول فيها الإنسان: أمنت بالله ورسله وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم, ويقطع التفكير ولا تضره.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: واستحضر العبد لهذا العلم في جميع أحواله, أوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكر وهاجس يبغضه الله, وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله.
(الشرح)
يعني الباطن يحرسه عن الأفكار والهواجس الرديئة, والظاهر يحفظه عن كل قول أو فعل يسخط الله.
(المتن)
ويتعبد لله بمقام الإحسان, فعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراك.
(الشرح)
تعبد الله كأنه يراك هذه المرتبة الأولى, وإن لم يكن يراه فإنه يراك فهذه المرتبة الثانية ولهذا قال النبي r لجبريل, لما سأله عن الإحسان, قال: «أن تعبد الله كأنك تراه هذه المرتبة الأولى, فإن لم تكن تراه فإنه يراك هذه المرتبة الثانية».
(المتن)
قال الله U منبهًا على هذا المعنى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الشعراء/217-220], وقال الشاعر:
كأنَّ رقيباً منكَ يرعَى خواطرِي |
|
وآخر يرعَى ناظرِي ولسانِي |
فما خطرت في القلب مني |
|
خطرة لغيرك إِلَّا عرج بجنان |
(الشرح)
الجنان القلب, والجِنان الجنة.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
ولا نظرت عيني لغيرك نظرة |
|
من الخلق إلا قلت قد رمقاني |
ولا بدرت من في بعدك لفظة |
|
لغيرك إلا قلت قد سمعاني |
(الشرح)
الضمير يعود ماذا؟ للرقيبين, كأن رقيب يرعى خواطري وآخر يرعى ناظري, الرقيب الذي يرعى الخواطر والثاني الذي يرعى الناظر واللسان.
(المتن)
ثم قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وهو الحفيظ عليهم وهو الكفيل |
|
بحفظهم من كل أمر عان |
(الشرح)
هذا الحفيظ من أسماء الله, يُعبد له, فيُقال: عبد الحفيظ, (وهو الحفيظ عليهم وهو الكفيل لهم بحفظهم من كل أمر عانِ), عانِ الأمر الشاق, فذكر أن الحفيظ الكفيل, الحفيظ ذكر له معنيان:-
المعنى الأول: أنه الحفيظ على عباده بجميع ما عملوه من الأعمال من الطاعات والمعاصي والخير والشر.
والمعنى الثاني: أنه الحافظ لعباده, من جميع ما يكرهون من كل أمر عاني من كل أمر شاق يحفظهم, وهو حفيظ لجميع الأعمال وحافظ للعباد من جميع ما يكرهون وجميع ما يشق عليهم, ثم أَيْضًا الحفيظ من جهة أخرى حفظ أعم وحفظ خاص.
فالحفظ الأعم يشمل جميع المخلوقات, يعني يسر لهم المخلوقات حفظ الله جميع المخلوقات يعني ماذا؟ يسر لهم ما يقيم بنيتهم, كل إنسان يسر له الرزق ما يقيم (....), حتى الحيات في جحرها يسر الله لها رزقها تأكله حتى بعض الحيات كما يقول بعض الناس هناك بعض الحيات العمياء, ما تشوف ولا ترى حتى تأكل لكنها تخرج في كل يوم وتفتح فمها فيأتي طائر وتأكله.
هذا من تيسير الرزق لها, هذا من حفظ الله لجميع المخلوقات يحفظهم وييسر لهم ما يقيم بنيتهم ويحفظ قوتهم كل هذا الخلق كفل الله برزقهم, الدواب والآدميون الجن والأنس والزواحف وغيرهم كل له رزقه قائم وباقي يسر الله لها أرزاقها.
هذا من حفظ الله لها, هذا حفظ عام لجميع المخلوقات حفظها, والخلائق من الذي يتكفل برزقهم؟ هو الله U هذا يسر الله رزقه عن طريق كذا وعن طريق كذا وعن طريق هذا, هذا يمر عليه يوم ما أكل أو يومان أو ثلاثة ثم يسر الله إلى ما يقيم بنيته, هذا الحفظ العام لجميع المخلوقات.
والثاني الحفظ الخاص, للمؤمنين يحفظهم عما يضر إيمانهم أو يزلزلهم يقينهم يحفظهم وييسر لهم ويثبت قلوبهم حتى يبقوا على الإيمان ويصرف عنهم الشبه التي تزعزع الإيمان, وإذا ابتلوا ببلوى يسر لهم الخروج منها, فالحفظ نوعان, حفظ عام لجميع المخلوقات مؤمنهم وكافرهم جميع الناس مؤمنهم وكافرهم.
والحيوانات والدواب ييسر الله لهم ما يقيم بنيتهم, الدنيا عرض (....) يأكل منها البر والفاجر (....) يمشون ويعيشون, هذا الحفظ العام الشامل والكامل, الحفظ الخاص خاص بالمؤمنين يحفظهم لإبقاء إيمانهم وإزالة ما يضر إيمانهم أو ينقصه أو يضعفه وإزالة الشبه عنهم, وكشف ما يكون سببًا في ضعف إيمانهم,
وإذا ابتلوا ببلية يسر الله لهم الخروج منها هذا حفظ خاص.
كل هذا من أثر اسم الله الحفيظ, هذا من آثار اسم الله الحفيظ وهذا من الأسرار والفقه في الأسماء والصفات وهو من فقه في الدين, «من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين», والدين عام ومن أعظم الفقه في الدين, الفقه في أسماء الله وصفاته والفقه في أسرار الشريعة وهذا هو الفقه الأكبر.
والفقه الأصغر؛ وهو الفقه في أحكام الطهارة والصلاة والصوم والحج هذا الفقه الأصغر العبادات وهذا هو الفقه الأكبر, نحن الآن ندرس الفقه الأكبر ولهذا الإِمَامِ أبو حنيفة لما كتب كلاما في أصول الدين سماه الفقه الأكبر.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى, ذكر رَحِمَهُ اللهُ للحفيظ معنيان أحدهم أنه الحفيظ عليهم جميع ما عملوه من خير وشر وطاعة ومعصية, فإن علمه تعالى محيط بجميع أعمالهم ظاهرها وباطنها, وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ ومع ذلك فقد وكل بالعباد ملائكة كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون, قال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المجادلة/6].
{وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[يس/12].
وقال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحج/70].
وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق/18].
وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار/10-12].
فهذا المعنى من حفظه تعالى على عبده متضمن لإحاطة علم الله تعالى بأحوال عبده الظاهرة والباطنة, والأقوال والأفعال وكتابتها باللوح المحفوظ وبالصحف التي بأيدي الملائكة وعلمه تعالى بمقاديرها وكمالها ونقصها ومقادير جزاءها في الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بعدله وفضله U.
(الشرح)
عدله أن يجازي بالسيئة سيئة مثلها, يُعاقب على السيئة وفضله أن يعفو عن السيئة ويثيبه على الطاعة.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: والمعنى الثاني من معنى الحفيظ, أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون ولهذا قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وهو الكفيل بحفظهم من كل أمر عانِ.
(الشرح)
العانِي يعني أمر شقّ, يعاني من كل يشق على الإنسان ويكره وهو سبحانه وتعالى كفيل بحفظ من كل من جميع ما يكرهون كما أن المعنى العام أنه حفظ عليهم (....) من الخير والشر, والثاني حفظهم من كل ما يشق عليهم.
(المتن)
من كل أمر عان أي مشق مكروه وحفظه تعالى لخلقه نوعان, عام, خاص.
(الشرح)
هذا بالنسبة للخلق, هناك تقسيم, التقسيم الأول حفظ عام أَيْضًا وحفظ الخاص, حفظ عام لأعمال العباد يحفظها من خير وشر, وثاني حفظ خاص حفظ لعباده مما يشق عليهم, وهنا التقسيم حفظ عام لجميع المخلوقات وحفظ خاص بالمؤمنين, خاص عام للمخلوقات من الآدميين وغيرهم والحيوانات.
والثاني حفظ خاص للمؤمنين, صار في فرق بين التقسيمين ولا ما في فرق, التقسيم الأول خاص ببني آدم, وهنا عام وخاص, فالعام حفظ الله لجميع أعمال العباد من خير شر, والخاص حفظ للمؤمنين مما يشق عليهم ويكرهونه والتقسيم الثاني تقسيم عام لجميع المخلوقات من الآدميين والحيوانات وغيرها.
يحفظهم بأن ييسر لهم ما يقيم (....), ييسر لهم الرزق حتى يعيشون في هذه الدنيا وتقوم أجسادهم والثاني خاص بالمؤمنين, يحفظهم مما ينقص إيمانه أو يضعفه أو يزعزعه.
(المتن)
قال: وحفظه تعالى لخلقه نوعان, عام وخاص فالعام حفظه لجميع المخلوقات, للتيسير لها ما يقيم بنيتها, ويحفظ قوتها.
(الشرح)
يعني ما يقيم جسمه, إذا ما أكل الإنسان مات, وإذا ما أكل الحيوان مات, فَإِذاْ أكل قامت بنيته, بنيته يعني جسده يقوم الجسد بأي شيء, بالأكل والشرب الله تعالى يسر لكل مخلوق رزق من الحيوانات والدواب وغيره ما يقيم بنيتها.
أنت ترى الآن كل الناس يمشون الآن يأكلون ويشربون والدواب والحيوانات في البر والبحر كل يسر الله لها رزق والوحوش, والحشرات كل هذا يسر الله لها رزقها والدواب والحيات والعقارب كلها يسر لها رزقها, يسر الله لها ما يقيم بنيتها, كل عائش في هذه الدنيا إلى الأجل الذي قدر الله أن تموت.
(المتن)
ويحفظ قوتها وتمشي إلى مصالحها بهدايته العامة.
(الشرح)
الذي أعطى كل شيئًا خلقه ثم هدى, كل مخلوق هداه الله, هدى الأنعام إلى مراعيها, وهدى الطفل لثدي أمه وهكذا, الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى تجد الحيوانات هداها الله, تمشي مسافة طويلة إلى الماء من الإبل وغيرها هداها الله, تمشي هداها الله إلى مراعيها وتأكل تعرف هداية وهي حيوانات عجماوات, البعير يمشي حتى يجد النبات ويأكل منه.
يمشي إلى الماء حتى يصل إليه, قد لا تكون تعرف أنت وهو يعرف, يعرف الماء حتى يصل إليه ويشرب وهكذا, هذا داخل في قوله تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه/50].
هدى الطفل حينما يسقط إلى ثدي أمه من الذي هداه؟ هو الله.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وتمشي إلى مصالحها بهدايته العامة التي قال الله عنها: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه/50], أي هدى كل مخلوق إلى ما قدر له وقضى له, مما هو من ضروراته, كالهداية للمأكل والمشرب والمنكح والسعي في أسباب ذلك وكدفعه عنهم أنواع المكاره.
(الشرح)
المنكح هدى الحيوانات حتى يبقى النسل, كيف؟ الإبل والبقر والغنم هداها للجماع تجامع الأنثى حتى ماذا؟ حتى يحصل النسل هذا من الهداية, من الذي علم البقر والثور والحمار ينكح أنثاه وكذلك وغيرها هذا من الهداية.
هداها للمنكح والمشرب والمأكل حتى يبقى النسل.
(المتن)
والسعي في أسباب ذلك وكدفعه عنهم أنواع المكاره وأصناف المضار التي يشترك فيها الأبرار والفجار بل الحيوانات وغيرها, فهو الذي يحفظ السموات والأرض أن تزولا ويحفظ الخلائق بنعمه أن يفسدوا أو يتلفوا وقد وكل بالآدميين حفظةً من الملائكة الكرام يحفظونه من أمر الله يدفعون عنه كل ما يضره مما هو بصدد أي يضره لولا حفظ الله.
قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[الرعد/11].
وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}[الأنبياء/42].
أي لو تخلى عنكم الرحمن الذي رحمكم بحفظكم من ذا الذي يقوم بكالئتكم في نومك ويقظتكم غيره.
أي لا أحد يقوم بذلك سوى الرحمن, فتعين أن يكون هو المعبود وحده, والنوع الثاني حفظه الخاص لأوليائه وعباده المؤمنين.
(الشرح)
هذا النوع خاص بالمؤمنين من الآدميين, والأول عام يشمل المؤمنين والكفار ويشمل الحيوانات والدواب كلها.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: والنوع الثاني حفظه الخاص لأوليائه وعباده المؤمنين سوى ما تقدم يحفظهم عما يضر إيمانهم ِأو يزلزل إيقانهم من أنواع المحن والفتن والشبه التي يُخاف معها على الإيمان فيعافيهم الله منها وإن اُبتلوا بها يسر لهم الخروج منها بعافية.
ويحفظهم من أعدائهم من الأنس والجن فينصرهم عليهم ويدفع عنهم كيدهم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج/38].
ولم يذكر ما يدفع عنهم لأجل العموم والشمول وأنه يدفع عنهم كل ما يضر إيمانهم وعلى حسب ما مع العبد من الإيمان يكون دفع الله عنه, قال تعالى في دفعه العام للمؤمنين: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}[البقرة/251].
وقال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}[الحج/40], ومن الحفظ الخاص ما ورد عن النبي r في الدعاء الذي يُقال عند المنام, (إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).
(الشرح)
هذا متفق عليه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ, هذا يُشرع للمسلم إذا أراد النوم أن يتوضأ وضوئه للصلاة ثم ينام على شقيه الأيمن يقول: باسمك ربي وضعت جنبي, هو يقول هذا الدعاء أوله اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهة وجهي إليك رغبةً ورهبةً إليك لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك, أمنت بكتابك الذي أرسلت, وهنا قال: إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين, هذا أو هذا كلاهما مشروع, والشاهد فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.
إن أمسكت نفسي فارحمها, إن أمسكتها يعني بالموت, وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين لأن الإنسان قد يموت إذا نام: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ}[الأنعام/60], فالله تعالى يقبض الأرواح في النوم بعضها يمسكها وبعضها يردها يرسلها الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى, إن أمسكت نفسي يعني بالموت فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.
(المتن)
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فصار معنى الحفيظ الذي يحفظ على العباد أعمالهم ليجازيهم بها ويحفظهم مما يكرهون.
(الشرح)
المعنى الـأول: (الذي يحفظ على العباد أعمالهم ليجازيهم) هذا المعنى الأول العام, (ويحفظهم مما يكرهون) هذا المعنى الخاص بعباده, وفق الله الجميع لطاعته وثبت الله الجميع وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.