شعار الموقع

التوضيح المبين لتوحيد الأنبياء والمرسلين 16

00:00
00:00
تحميل
69

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد وأن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد وأن سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله.

أمام المتقين وخاتم الأنبياء والمرسلين r وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد فإني أحمد الله إليكم وأثني عليه الخير كله وأسأله المزيد من فضله وأسأله U أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذريتنا, كما أسأله U أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماع مرحوما, وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرق معصوما وأن لا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محروما.

كما أسأله U أن يجعل جمعنا هذا جمع خير وعلم ورحمة تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة ويذكر الله فيمن عنده, فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي r قال: «وما اجتمع قومًا في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيما عنده».

ونحمد الله U أن أعادنا إلى الدروس العلمية ونسأل الله أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح ولاشك أيها الإخوان أن المؤمن الذي وفقه الله U للتوجه لطلب العلم ودراسة الكتب العلمية وسؤال أهل العلم فإن الله تعالى منَّ عليه بمنة عظيمة اختاره لئن يكون وارثًا للرسل عليهم الصلاة والسلام ولنبينا محمد r.

فإن العُلَمَاءِ لم يرثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر كما ثبت ذلك في الحديث والله تعالى قال لنبيه r: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه/114].

ولم يأمر الله نبيه أن يستزيد من شيء إلا من العلم, والله تعالى يقول في كتابه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر/28].

والمعنى: إنما يخشى الله الخشية الكاملة.

وفي مقدمة العُلَمَاءِ  الرسل عليهم السلام, وإلا فكل مؤمن له نصيب من الخشية من لم يخشى الله ومن لم يتقي الله فليس بمؤمن كل مؤمن عنده أصل الخشية لكن الخشية الكاملة إنما هي لأهل العلم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر/28].

قد ثبت في الصَّحِيْحَيْنِ من حديث معاوية t أن النبي r قال: «من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين», وهذا الحديث قال العُلَمَاءِ له منطوق وله مفهوم.

فمنطوقه أن من فقه الله بالدين فقد أراد به خيرًا ومفهومه أن من لم يفقه الله في الدين لم يريد به خيرًا ولا حول ولا قوة إلا بالله, والفقه في الدين عام, الفقه الأكبر هو الفقه في أسماء الله وصفاته وأفعاله, الفقه في أسماء الله الحسنى وصفاته الله العلا فقه عظيم.

هذا هو الفقه الأكبر كما قال الإِمَامِ أبو حنيفة رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في كلماتً وضعها وسماها الفقه الأكبر ما يتعلق بأصول الدين, وهذا هو أشرف العُلَوم وهو العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم العلم بالله وأسماءه وصفاته لأنه شرف العلم بشرف المعلوم والمعلوم هو الله U.

فيتفقه المسلم في أسماء الله وصفاته, وأحكام الأسماء والصفات هذا هو الفقه الأكبر, وهذا هو أشرف العلوم أن تعلم ربك ومعبودك سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله, ثم تنتقل بعد ذلك إلى النوع الثاني من العلم وهو العلم بالأوامر والنواهي, العلم بالحلال والحرام, الفقه في الحلال والحرام.

وهو التفقه في حق الله U تعرف حقه الذي أوجبه عليك, والذي خلقك من أجله فالمؤمن وطالب العلم على خير عظيم وعليه أن يحمد الله تعالى ويشكره, وعليه أن يغتبط بهذه النعمة وهذا الخير وأن يسأل الله المزيد من فضله, والثبات على ذلك وأن يسأل الله أن يرزقه الإخلاص.

فإن من فقه الله في الدين فقد أراد الله به خيرًا, فَإِذاْ وُفق للإخلاص والصدق والمتابعة للنبي r فقد تمت النعمة عليه لأن العلم الشرعي تعلم العلم وتعليمه أشرف العبادات, فالعبادة لا تصح ولا تكون نافعة ولا مقبولة عند الله إلا إذا توفر فيها هذان الركنان أو هذان الشرطان وهم الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله r.

قال الله تعالى في كتابه العظيم: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف/110].

وقال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}[لقمان/22].

{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة/112].

وثبت في الصَّحِيْحَيْنِ من حديث عمر بن الخطاب t أن النبي r قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى», الأعمال بالنيات وهذا مقتضى شهادة أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.

وثبت في الصَّحِيْحَيْنِ  من حديث عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها أن النبي rقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

وفي لفظ لمسلم «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد», فهذا هو مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله, وإذا تخلف الأصل الأول حل محله الشرك وإذا تخلف الأصل الثاني حل محله البدع ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في العمل والصدق في القول وأن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح وأن يثبتنا على دينه القويم أنه ولي ذلك والقادر عليه.

(المتن)

بسم الله الرحمن الرحيم, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا, قال الإِمَامِ العلامة ابن القيم في الشافي الكافية فصل

ودلالة الأسماء أنواع


 

 

ثلاث كلها معلومة ببيان


 

دلت مطابقة كذاك تضمنا
 

 

وكذا التزاما واضح البرهان
 

أما مطابقة الدلالة فهي أن
 

 

الاسم يفهم منه مفهومان
 

ذات الإله وذلك الوصف الذي
 

 

يشتق منه الاسم بالميزان
 

لكن دلالته على إحداهما
 

 

بتضمن فافهمه فهم بيان
 

وكذا دلالته على الصفة التي
 

 

ما اشتق منها فالتزام دان
 

وإذا أردت لذا مثالا بينا
 

 

فمثال ذلك لفظة الرحمن
 

ذات الإله ورحمة مدلولها
 

 

فهما لهذا اللفظ مدلولان
 

إحداهما بعض لذا الموضوع فــهي





 

 

فهي تضمن ذا واضح التبيان
تضمن ذا واضح التبيان







 

لكن وصف الحي لازم




 

 

ذلك المــعنى لزوم العلم للرحمن
المــعنى لزوم العلم للرحمن






 

فلذا دلالته عليه بالتزام


 

 

بين والحق ذو تبيان


 

 

(الشرح)

بسم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله هذا الفصل في بيان دلالة الأسماء وهي دلالة الأسماء ثلاثة أنواع:-

  1. دلالة مطابقة.
  2. دلالة تضمن.
  3. دلالة التزام.

وهذا ليس خاصًا بأسماء الله بل هذا عام لدلالة الألفاظ كلها, دلالة المطابقة هي دلالة الشيء على جميع معناها وعلى كل معناها, ودلالة التضمن دلالة الشيء على جزء معناها وبعض معناها ودلالة الالتزام دلالة الشيء على خارج معناها.

هذه تُسمى أنواع الدلالات الثلاث, دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام, فمثلًا الكلام, الكلام اسم للفظ والمعنى مثلًا فدلالة الكلام على اللفظ والمعنى تُسمى دلالة مطابقة إنما دل على الجميع على اللفظ والمعنى, دلالة الكلام على اللفظ أو على المعنى وحده تُسمى دلالة تضمن لأنه تدل على جزء من معناه.

دلالة الكلام على متكلم هذه دلالة التزام لأن خارج الكلام, مثال واضح الآن دلالة الكلام اسم للفظ والمعنى مسمى الكلام يشمل اللفظ والمعنى, فدلالة الكلام على اللفظ والمعنى دلالة مطابقة لأنه دل على كل معنى يجيب عنها, دلالة الكلام على اللفظ وحده أو على المعنى وحده تُسمى دلالة تضمن لأنه دل على بعض معناه أو جزء من معناه دلالة الكلام على متكلم هذه دلالة التزام لأنه خارج دل على شيء خارج من معناه.

في موضوعنا في الأسماء الحسنى المؤلف مثل بالرحمن, الرحمن يدل على ذات الرب U ويدل على الرحمة, فدلالة لفظ الرحمن على ذات الرب, على الرب U وعلى الرحمة تُسمى دلالة مطابقة ودلالة الرحمن على ذات الرب أو على الرحمة تُسمى دلالة تضمن, ودلالة الرحمن على الحياة والعلم والقدرة تُسمى دلالة ماذا؟

التزام لأن الرحمن لابد أن يكون حيًا ولابد أن يكون عالمًا ولابد أن يكون قادرًا هذه تُسمى دلالة التزام هذه تسمى الدلالات الثلاثة, دلالة المطابقة, ودلالة التزام ودلالة تضمن, اقرأ مرة أخرى.

(المتن)

ودلالة الأسماء أنواع


 

 

ثلاث كلها معلومة ببيان


 

دلت مطابقة كذاك تضمنا
 

 

وكذا التزاما واضح البرهان
 

أما مطابقة الدلالة فهي أن
 

 

الاسم يفهم منه مفهومان
 

ذات الإله وذلك الوصف الذي
 

 

يشتق منه الاسم بالميزان
 

لكن دلالته على إحداهما
 

 

بتضمن فافهمه فهم بيان
 

وكذا دلالته على الصفة التي
 

 

ما اشتق منها فالتزام دان
 

وإذا أردت لذا مثالا بينا
 

 

فمثال ذلك لفظة الرحمن
 

ذات الإله ورحمة مدلولها
 

 

فهما لهذا اللفظ مدلولان
 

 

 

إحداهما بعض لذا الموضوع فــهي





 

 

فهي تضمن ذا واضح التبيان
تضمن ذا واضح التبيان







 

لكن وصف الحي لازم




 

 

ذلك المــعنى لزوم العلم للرحمن
المــعنى لزوم العلم للرحمن






 

فلذا دلالته عليه بالتزام


 

 

بين والحق ذو تبيان


 

 

   قال الإِمَامِ السعدي عليه رحمة الله: هذه القاعدة التي ذكرها المصنف ليست خاصةً بدلالة الأسماء الحسنى على معانيها بل عامة في جميع الألفاظ بالنسبة لمدلولاتها وضابط ذلك أن الدلالة نوعان, لفظية وعقلية, فاللفظية إما أن تعطي الألفاظ كل ما تناولته من المعاني والأوصاف فُتسمى دلالة مطابقة.

(الشرح)

 يعني إذا أُعطي اللفظ جميع ما يتناول من المعاني سُميت دلالة مطابقة وهو دلالة اللفظ على جميع معناها وعلى كل معناه.

(المتن)

 لأن اللفظ طابق المعنى من غير زيادة ولا نقص.

(الشرح)

يعني لِمَاذَا سُميت دلالة مطابقة؟ لأن اللفظ طابق المعنى من غير زيادة ولا نقصان, فمثلًا الرحمن دل على الذات وعلى الرحمن, إِذًاْ طابق اللفظ والمعنى, الكلام اسم للفظ والمعنى طابق اللفظ المعنى من غير زيادة ولا نقصان, فُسميت الدلالة دلالة مطابقة.

(المتن)

وإما أن تعطى الألفاظ بعض ما تناولته من المعاني, فُتسمى دلالة تضمن لأن المعنى بعض اللفظ وداخل في ضمنه.

(الشرح)

 لأن المعنى بعض اللفظ وداخل في ضمنه هذه الدلالة الثانية دلالة الألفاظ على الدلالة الجزئية أو دلت على دلالة التضمن, دلالة اللفظ على جزء معناه وبعض معناه تُسمى دلالة تضمن لِمَاذَا سُميت دلالة تضمن لأن المعنى بعض اللفظ وداخل في ضمنه, فُسميت دلالة تضمن.

(المتن)

وأما الدلالة العقلية فهي خاصية العقل والفكر لعدم دلالة اللفظ بمجرده عليها وإنما يُنظر العقل في ذلك المعنى الذي دل عليه اللفظ وما يلزمه من المعاني الخارجية وما يشترط له من الشروط التي لا يتم بدونها فهذه قاعدة أصولية تجري في جميع الألفاظ وتعتبر في كل موضع.

(الشرح)

 الدلالة العقلية خاصية العقل والفكر, لعدم دلالة اللفظ المجرد عليها وإنما ينظر العقل في ذلك المعنى الذي دل عليه اللفظ وما يلزمه من المعاني الخارجية وما يُشترط له من الشروط التي لا يتم بدونها يعني دلالة الالتزام هذا, دلالة عقلية خاصية العقل وفكر الإنسان مثلًا الرحمن دل على صفة الرحمة, والراحم لابد أن يكون عالمًا كيف يرحم ولا يكون عالمًا ولابد أن يكون قادرًا لابد أن يكون حيًا هذه دلالة العقل.

كذلك دلالة الكلام على متكلم, الكلام دل على اللفظ والمعنى لكن عقلًا فكر الكلام لابد له من متكلم ولابد أن يكون المتكلم ينطق ولابد أن يكون المتكلم عنده قدرة واستطاعة كل هذا خاصية المتكلم هذه تُسمى دلالة التزام, وهي دلالة الشيء على خارج معناه فأخصر عبارة أن تقول: دلالة المطابقة دلالة اللفظ على كل معناه أو على جميع معناه, دلالة التضمن دلالة اللفظ على بعض معناه أو جزء معناه, دلالة الالتزام دلالة الشيء على خارج معناه, هذه أخصر عبارات فيها.

(المتن)

قال: وذكر المصنف هنا منها ما يتعلق بالأسماء الحسنى فأخبر أن الاسم من أسماءه الكريمة إن دل على الذات الإلهية والوصف الذي اُشتق منها فدلالته دلالة مطابقة وإن دل على أحد الأمرين, إما الذات وحدها أو الصفة وحدها فدلالته دلالة تضمن.

وإن دل على صفةً أخرى لازم لما دل عليه فدلالة التزام.

(الشرح)

(أخبر أن الاسم من أسماءه الكريمة إن دل على الذات الإلهية والوصف الذي اُشتق منها فدلالته دلالة مطابقة), مثل الرحمن دل على ذات الرب وعلى ماذا؟ على الوصف وهو وصف الرحمن, (وإن دل على أحد الأمرين, إما الذات وحدها أو الصفة وحدها فدلالته دلالة تضمن).

(وإن دل على صفةً أخرى لازم لما دل عليه), كدلالته على الحياة على القدرة على العلم, فتكون دلالة التزام.

(المتن)

قال: ومثال ذلك من الأسماء الحسنى لفظ الرحمن, فإن دلالته على ذات الإله وعلى رحمته الواسعة دلالة مطابقة ودلالته على الذات وحدها أو على الرحمة وحدها دلالة تضمن, ودلالته على الحياة الكاملة وعلمه المحيط دلالة التزام.

لأنه لا توجد الرحمة من دون حياة الراحم وعلمه بحال المرحوم وما يوصل إليه من الرحمة وكذلك ما تقدم من استلزام المُلك جميع صفات الملك الكامل الذي لا يتم بدونها واستلزام الرب جميع صفات الربوبية.

(الشرح)

(وكذلك ما تقدم من استلزام الملك جميع صفات الملك الكامل).

(المتن)

واستلزام الإله جميع صفات الإلهية.

(الشرح)

 كل هذه تُعتبر دلالة استلزام, الملك الآن يلزم من الملك جميع صفات الملك التي لا يتم بدونها إذا قلت ملك فأنت تفهم عقلًا أن جميع صفات الملك متوفرة لديه, لأنه ما صار ملك إلا بهذا كذلك الرب يلزم منه جميع الصفات الربوبية, الإله يلزم منه جميع الصفات الإلهية.

(المتن)

قال: وكثيرًا من أسماءه الحسنى يستلزم عدة أوصاف كالكبير والعظيم والمجيد والحميد والصمد.

(الشرح)

كل هذه من الصفات العظيمة التي تستلزم عدة صفات, المجيد, الواسع واسع الصفات, والحميد واسع الحمد والصمد التي تصمد إليه الخلائق في حوائجها كماله والكبير والعظيم كل هذه من الصفات العظيمة التي تستلزم عدة أوصاف.

(المتن)

قال: وحيث ذكر المصنف هذه القاعدة المتعلقة بأسمائه الحسنى, فلنضف إلى ذلك عدة قواعد تتعلق بالأسماء والصفات تميما للفائدة ذكرها في بدائع الفوائد.

(الشرح)

يعني ذكرها ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد.

(المتن)

قال رَحِمَهُ اللهُ: فائدة جليلة ما يجري صفة أو خبرًا على الرب تبارك وتعالى أقسام:

أحدها ما يرجع إلى نفس الذات كقولك ذات وموجود وشيء.

(الشرح)

هذا يرجع إلى الخبر, يعني القاعدة أن باب الخبر أوسع من باب الوصف, فاللي يطلق على الرب نوعان أحيانًا يكون خبر وأحيانًا يكون وصف أما الصفة فهذه لا تُطلق على الرب إلا بدليل لأن القاعدة أن الأسماء والصفات توقيفية ومعنى توقيفية أنه يُوقف فيها عند النصوص, فليس للناس أن يخترعوا لله سماء من عند أنفسهم أو صفات لا.

الله تعالى سمى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات وسماه الرسول بالأسماء ووصفه الرسول بصفاته, يجب الاقتصار عليها فلا يُسمى الله إلا بما سمى به نفسه, أو سماه به رسول الله r لأن الرسول معصوم r بينما إذا سمى ربه فهو بالوحي وكذلك أَيْضًا لا يُوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو صف به رسول الله r.

لأن الرسول r لا يصف الله لأنه وصف به نفسه بالوحي هذه قاعدة عند أهل العلم وهي أن يُقال الأسماء والصفات توقيفية قاعدة, ما معنى توقيفية؟ المعنى أنه يُوقف فيها عند النصوص, ما ورد في النصوص من الأسماء والصفات تُطلق على الله ما لم يرد أما باب الخبر فهو أوسع, يُطلق على الله يُخبر عن الله بشيء غير الصفات.

فُيخبر عنه بأنه ذات ولا يُقال من أسماء الله الذات, قال إبراهيم عليه السلام كذب الإنسان بثلاث كذبات يجادل فيهن في ذات الله, قال خبيب وذلك في ذات الإله فهذا من باب الخبر ويُخبر عن الله بأنه موجود ولا يُقال: من أسمائه الموجود.

ويُخبر عن الله بأنه شيء, ولا يُقال من أخباره شيء, قال الله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}[الأنعام/19].

فسمى نفسه شيئًا هذا من باب الخبر, وكذلك أَيْضًا يُخبر عنه بأنه شخص, يقول في الحديث: «لا شخصَ أَغْيَرُ من الله» هذه كلها من باب الخبر ويُخبر عنه بأنه مريد وأنه الصانع كما ذكر شيخ الإِسْلَامِ هذا كله من باب الخبر وليس الاسم هذه ليس أسماء الله ما يقال من أسماء الله المريد ولا الصانع ولا الشيء ولا الموجود ولا الشخص.

 كل هذا من باب الخبر, باب الخبر فالقاعدة أن باب الإخبار أوسع من باب الصفات.

(المتن)

قال ثاني: ما يرجع إلى صفاته ونعوته, كالعليم والقدير والسميع.

(الشرح)

هذه الصفات, الأول الخبر ما يرجع إلى نفس الذات, والثاني ما يرجع إلى نفس الصفات من يرجع إلى نفس الذات هذا خبر كالذات والموجود والشخص والصانع والمريد كلها يرجع إلى نفس الذات, والثاني ما يرجع إلى الصفات هذه توقيفية لابد أن تُؤخذ من الكتاب والسنة.

(المتن)

 قال الثالث: ما يرجع إلى أفعاله كالخالق والرازق.

(الشرح)

الأفعال, كالخلق والرزق والإماتة والإحياء, الخالق الرازق المحيي الميت كل هذه ترجع إلى أفعاله.

(المتن)

قال الرابع: ما يرجع إلى التنزيه المحض ولابد من تضمنه ثبوتًا إذ لا كمال في العدم المحض كالقدوس السلام.

(الشرح)

الرابع: (ما يرجع إلى التنزيه المحض) لابد وهو النفي يعني, النفي لابد أن يتضمن ثبوتًا وهو إثبات ضده من الكمال لأنه لو لم يتضمن ثبوتًا لكان عدمًا محضا والعدم لا يُمدح, مثال ذلك قال الله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة/255].

  • صفة الله نوعان:
  1. صفات ثبوتية.
  2. صفات سلبية.

صفات ثبوتية؛ مثل العليم العلم والقدرة والسمع والبصر هذه صفات ثبوتية.

صفات سلبية؛ كقوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة/255], نفي السنة والنوم يستلزم لإثباته ضده من الكمال وهو كمال الحياة والقيومية: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة/255], لكمال حياته وقيوميته, إِذًاْ النفي هنا تضمن ماذا؟

إثبات ضده من الكمال, فنفي السنة والنوم تضمن إثبات ضده وهو كمال الحياة وقيوميته, لا يؤده حفظهما يعني لا يعجزه حفظهما, ولا يشق عليه حفظ السموات والأرض هذا النفي, يتضمن إثبات ضده من الكمال وهو لكمال قوته وقدرته.

{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف/49], نفي الظلم يتضمن إثبات كمال ضده وهو العدل, {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف/49], لكمال عدله, وهكذا: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام/103], لكونه لكمال عظمته وكونه أكبر من كل شيء, وهكذا.

فالصفات السلبية التي ترد في أسماء الله وصفاته لابد أن تستلزم إثبات ضدها من الكمال أما إذا كانت الصفة أو كان النفي محض لا يستلزم كمال لا مدح فيه, النفي المحض لا مدح فيه لأن المعدوم يُوصف بأنه لا يُرى والمعدوم لا يُوصف بالكمال إِذًاْ لا تدركه الأبصار ليس معناه أنه لا يُرى بل المعنى أنه يُرى ولكن لا يُحاط به رؤية لكمال عظمته.

لأنه لو كان المراد النفي المحض لا يُرى فكان المعدوم لا يُرى ولا يُوصف بأنه لا يُرى ولا يعتبر هذا كمال, لأنه قصد بأنه لا يُرى, لكن كون الله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام/103], يعني يُرى ولا يُحاط به رؤية لكمال عظمته وكونه أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء.

بل بعض المخلوقات الآن تراها ولا تحيط بها رؤية الجيل إذا كان مسافة مثلًا كيلوين جبل تمشي فيه تراه ولا ما تراه؟ تراه, لكن هل تحيط به رؤية؟ ما تحيط به رؤية ما تستطيع لابد أن تمشي بالسيارة وتدير عليه حتى تحيط به.

كذلك المزرعة إذا كانت عشرة كيلو في عشرة كيلو أنت تراها, لكن ما تحيط بها رؤية حتى تستطيع ماذا؟ تدور عليها كذلك أنت في مدينة جدة الآن ترى جدة لكن لا تحيط بها رؤية ترى السماء ولا تحيط بها رؤية ترى الأرض ولا تحيط بها رؤية هذه مخلوقات.

فالخالق أعظم وأعظم إذا كانت المخلوقات تُرى ولا يُحاط بها رؤية فالخالق أعظم وأعظم المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة لكن لا يحيطون به رؤية فقوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام/103], يعني أنه يُرى ولا تحاط به رؤية.

وليس المراد أنه لا يُرى كما يقول: أهل البدع, لأن نفي الرؤية, النفي المجرد هذا ليس فيه كمال المعدوم يُوصف بأنه لا يُرى ولا يُعتبر هذا مدح, ولكن المدح والكمال في كونه يُرى ولا يُحاط به رؤية لكمال عظمته وكونه أعظم من كل شيء.

(المتن)

قال الخامس: ولم يذكره أكثر الناس وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدةً لا يختص بصفة معينة, بل دال على معاني لا على معنى المفرد نحو المجيد العظيم الصمد, فإن المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال ولفظه يدل على هذا, فإنه موضوعًا للسعة والكثرة والزيادة ومنه استمجد المرخ والعفار.

وأمجد الناقة علفًا, ومنه رب العرش المجيد صفة للعرش لسعته وعظمته وشرفه.

(الشرح)

يعني أن بعض الصفات تدل على معاني متعددة مثل المجيد والعظيم والصمد, هذه كلها تدل على صفات متعددة.

(المتن)

قال: وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترنًا بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه r.

(الشرح)

يعني في قوله: اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد فهذا اسم اقترن بطلب الصلاة من الله على رسوله.

اللهم صلي على محمد كما صليت على إبراهيم ثم قال: إنك حميد مجيد لأنه في مقام طلب المزيد, فاختار هذا الاسم المجيد لأنه يدل على صفات عظيمة لأنه في طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه.

(المتن)

قال: لأنه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطايا وكثرته ودوامه, فأتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه كما تقول: اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم, ولا يحسن إنك أنت السميع البصير.

(الشرح)

لأن التوسل يكون باسم مناسب للمطلوب أنت لما سألت ربك الرحمة, تقول: إنك أنت الغفور الرحيم ولا تقول: إنك أنت السميع البصير, ولا تقول: لو قال اللهم اغفر لي إنك أنت الجبار, ما يصلح لابد أن يكون الاسم مناسب لكن إذا أردت أن تدعو على من ظلمك.

اللهم اكفني شر هذا العدو إنك أنت الجبار القهار لا بأس مناسب, لكن يكون التوسل بالاسم المناسب للسؤال, فأنت تسأل ربك المغفرة اللهم اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ولا تقل: إنك أنت السميع البصير, ولا تقل: إنك أنت الجبار القهار وإن كان هذا من أسماءه.

لكن التوسل يكون باسم يناسب الحال وحاجته والسؤال.

(المتن)

قال: فهو راجع إلى التوسل إليه بأسمائه وصفاته وهو من أقرب الوسائل وأحبها إلى الله, ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي: «ألِظُّوا بيَا ذا الجَلاَلِ والإكْرامِ». 

(الشرح)

«ألظوا» يَعْنِي: أكثروا من السؤال بهذا الاسم, «يا ذا الجلال والإكرام».

(المتن)

ومنه اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لَا إِلَهَ إِلَّا أنت المنان بديع السموات والأرض, يا ذا الجلال والإكرام, فهذا سؤال له وتوسل إليه بحمده وأنه لَا إِلَهَ إِلَّا هو المنان فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته وما أحق ذلك بالإجابة.

وأعظمه موقعًا عند السؤال وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد أشرنا إليه إشارةً وقد فتح لمن بصره الله.

(الشرح)

 يعني يقول: إذا سألت, اللهو إني أسألك بأنك أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أنت المنان هذا توسل الله بأسمائه, المنان من أسماء الله وصفاته, يقول: ما أحق ذلك بالإجابة وأعظم قيل يعني حريًا بأن يُجاب لما تتوسل الله بأسمائه.

(المتن)

ثم قال: فلنرجع إلى المقصود وهو وصفه تعالى بالاسم المتضمن لصفات عديدة فالعظيم من اُتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال, وكذلك الصمد قلت: وقد تقدم ذلك في الصمد, ثم قال: السادس صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر, وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو الغني الحميد, الغفور القدير الحميد المجيد.

وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن, فإن الغنى صفة كمال, والحمد كذلك واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر فله ثناء من غناه وثناء من حمده وثناء من اجتماعهما, وكذلك العفو القدير والحميد المجيد والعزيز الحكيم فتأمل فإنه من أشرف المعارف.

(الشرح)

نعم هذا السادس, الصفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر, وهذا قدر زائد على مفرديهما يعني مثل الغني والحميد, الغني هذا له وصف ومعنى صفة الغنى والحميد وصف ومعنى وصفة الحمد وإذا اجتمع أَيْضًا صار وصف ثالث وكذلك العفو القدير.

العفو له وصف مستقل والقدير كذلك وإذا اجتمعا وصف ثالث, وكذلك الحميد والمجيد وهكذا عامة الصفات المزدوجة والمقترنة.

فالغنى يقول المؤلف صفة كمال والحمد صفة كمال وإذا اجتمع الغنى مع الحمد صار كمال آخر, كمال ثالث, ولهذا قال المصنف: فله ثناء من حمده وثناء من غناه وثناء من اجتماعهما, وكذلك العفو والقدير, العفو صفة كمال والقدير صفة كمال وإذا واجتمعا صفة كمال ثالث أَيْضًا وكذلك الحميد والمجيد والعزيز والحكيم.

فعند انفراد الاسم يكون له كمال, وعند اقترانه باسم آخر يكون كمال آخر.

(المتن)

قال: وأما صفات السلب المحض فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا أن يكون متضمنًا للثبوت, كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يناقض كماله, وكذلك الإخبار عنه بالسلوك هو لتضمنها ثبوتًا.

كقوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة/255], فإنه متضمن لكمال حياته وقيوميته.

وكذلك قوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}[ق/38], متضمن لكمال قدرته.

وكذلك: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ ولا في السماء}[يونس/61].      

وكذلك قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص/3], متضمن لكمال صمديته وغناه.

وكذلك قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص/4], متضمن لتفرده بكماله وأنه لا نظير له.

وكذلك قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام/103], متضمن لعظمته وأنه جلا عن أن يُدرك بحيث يُحاط به وهذا مطرد في كل ما وصف به نفسه من السلوب.

(الشرح)

هذا سبق الكلام فيه, وهو أن صفات النفي والسلب التي تأتي في الكتاب والسنة إنما تستلزم إثبات ضدها من الكمال وأنه لا يأتي السلب المحض في صفات الله, السلب المحض الذي لا مدح فيه لا يأتي بينما يأتي السلب المتضمن لإثبات ضده من الكمال كما سبق.

{لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة/255], هذا نفي السنة والنوم, النوم معروف والسنة النعاس, {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة/255], لِمَاذَا لا تأخذه؟ لكمال حياته وقيوميته, أما المخلوق ضعيف حياته ناقصة ولذلك يأخذه النوم والسنة, فالنوم نقص في الحياة.

نقص ضعف يحتاج الجسم إلى راحة لأن جسم الإنسان ناقص يحتاج إلى راحة أما الرب U فله الكمال: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة/255], لكمال حياته, حياته كاملة, وقيوميته كاملة فلا يحتاج إلى نوم, ولا نعاس تعالى الرب, كذلك قوله: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}[ق/38].

أي من تعب وإعياء, {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}[ق/38], كمال قوته, بخلاف المخلوق فإنه يُمسه التعب والإعياء لأن عنده ضعف في القوة وكذلك: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ}[يونس/61], يعني ما يفوته شيء في السموات ولا في الأرض من علم.

ما يفوته علم شيء في السموات والأرض هذا يتضمن ماذا؟ كمال علمه, لكون علمه كامل فلا يفوته شيء في السموات ولا في الأرض, وكذلك قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص/3].

المتضمن لكمال صمديته وغناه بخلاف المخلوق, الآدمي فإنه له ولد وله والد وأصل وجوده سبب وجوده الوالدان وأولاده أَيْضًا هو سبب في وجودهما وهكذا, أما الرب فهو كامل صمديته وغناه كاملة لا يحتاج إلى أحد, لم يلد ولم يُولد لم يتفرع من شيء ولم يتفرع منه شيء, ليس له أصل ولا فرع.

فليس له ولد ولا والد, لم يلد ولم يولد بل هو واجب الوجود لذاته U ووجوده لذاته بخلاف المخلوق, فإن وجوده بوجود الله له, وكذلك قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص/4], متضمن لأنه متفرد بالكمال وأنه لا نظير له, وكذلك قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام/103], متضمن لعظمته وأنه لا يدرك ولا يحاط لكونه أعظم من كل وأكبر من كل شيء.

(المتن)

ويجب أن يُعلم هنا أمور أحدها, أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسماءه وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه, فإن هذا يُخبر به عنه ولا يدخل في باب أسمائه الحسنى وصفاته العلا.

(الشرح)

يعني باب الإخبار أوسع من باب الصفات ومثلها المريد والصانع والشخص كل هذا يدخل في باب الخبر.

(المتن)

قال الثاني: أن الصفة إذا كانت منقسمةً إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه, بل يُطلق عليه منها كمالها, وهذا كالمريد والصانع والفاعل فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعال لما يريد فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة.

ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلًا وخبرا.

(الشرح)

هذا المسألة بين الصفة منقسمة إلى كمال ونقص, إذا كانت الصفة كمال تُطلق على الله مثل العلم والقدرة والسمع والبصر والرحمة, والرضا والغضب والمحبة هذه صفة كمال تُطلق على الرب, لكن إذا كانت الصفة منقسمة إلى كمال ونقص فلا تُطلق على الله بمطلقها, مثل المريد والصانع والفاعل والمكر والكيد والخداع, وغيرها هذه لا تُطلق على الله.

إنما تُطلق عليه كمال, مثلًا المكر الآن, المكر صفة ذم, ولكن متى يكون صفة مدح إذا كان عقوبة للماكر, وجزاءً له صارت مدح ولهذا قال: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}[الأنفال/30], مكر الله عقوبةً لهم على مكرهم, يسخرون سخر الله منهم.

السخرية صفة ذم, لكن إذا كان عقوبة للساخر صارت صفة مدح, يستهزئون بالله الله يستهزأ بهم عقوبةً لهم, {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق/15-16], فالكيد صفة ذم لكن إذا كان عقوبة وجزاء للكائد صارت صفة مدح يُوصف الله به.

قال الله في قصة يوسف عليه السلام, لما رأى الرؤية وهو صغير قال: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}[يوسف/4].

قال له والده:  {قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}[يوسف/5].

كادوا له, فأخذوه وطلبوه من أبيه وذهبوا به: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ}[يوسف/10]؛ إلى آخره.

الله تعالى كاد لهم, كيدًا مقابل كيدًا, لما مضى ثلاثين سنة أو أربعين سنة لما بيع وصار عند العزيز ثم سُجن, ثم رأى الرؤية ثم خرج وفسر عبر الرؤية ثم ولي خزائن مصر وعبر الرؤية وجاءت السبع السنين الشداد, ودبر الأمور حتى جمع الحبوب الكبيرة.

جاءت السبع الشداد العجاف وصار الناس يأتون إليه من كل مكان يكيل لهم, وجاءوا أخوته من فلسطين وهو في مصر وجاءوا يكيلون له: {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ}[يوسف/59], ثم لما جاؤوا بأخيه, أخبر أنه أخوه ووضع المكيال في رحل أخيه, ولما ولوا أتاهم قال: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}[يوسف/70], في سرقة الآن سُرق الملك قالوا: ما هو؟ قال: صواع الملك, قالوا: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ}[يوسف/73].

نحن مساكين ما جئنا للسرقة: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[يوسف/74-75], حكموا على أنفسهم اللي يوجد معه يُؤخذ.

قال الله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}[يوسف/76], هذا كيد من الله مقابل كيدهم هذا مدح لأنه مقابل كيدهم, الكيد مذموم لكن إذا كان جزاء للكائد صار مدح, {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}[يوسف/76], كيف كاد الله ليوسف؟

هم حكموا على أنفسهم بأن من وُجد في رحله يُؤخذ.

{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}[يوسف/76], في شريعة الملك ما يُؤخذ السارق لكن هم لما حكموا بأنفسهم أُخذ, {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}[يوسف/76], هذا كيد فالشاهد في هذا أن الكيد والمكر والخداع كذلك خداع صفة ذم, لا يُوصف الله به على الإطلاق, لكن يُوصف به مقابل عقوبة الخادعين, {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء/142], هذا معنى الصفة هذه.

إذا كانت الصفة منقسمة إلى ماذا؟ إلى كمال ونقص, فلا تُطلق على الله وإنما يُطلق عليه الكمال منها وهو بقيد وهو العقوبة والجزاء لمن فعل المكر أو الخداع أو الكيد.

(المتن)

قال الثالث: أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدًا, أن يُشتق منه اسم مطلق كما غلط فيه بعض المتأخرين فجعل من أسماءه الحسنى المضل الفاتن الماكر تعالى الله عن كل قولهم, فإن هذه الأسماء لم يُطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة, فلا يجوز أن يُسمى بأسمائه المطلقة.

(الشرح)

نعم هذا المكر والكيد والخداع, لا تُطلق على الله إلا مقيدة على اللفظ التي وردت:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}[الأنفال/30], يعني يمكر الله للماكرين ولا تُقال: من أسماء الله الماكر ما تُشتق له اسم ولكن تأتي بالصفة على وردته, يمكر الله بالماكرين: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء/142], ما تقول صفة الله الخادع بل تقول: يخدع الله المخادعين.

وكذلك: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}[إبراهيم/27], ما تشتق وتقول: من أسماء الله المضل لا بل تقول: يضل الله الظالمين:{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}[الأنعام/53], ما تشتق تقول: من أسماء الله الفاتن؟ لا تقول: إن الله فتن بعضهم ببعض على اللفظ الذي ورد.

ولهذا غلط بعض الناس كما يقولون: اشتق بعض الناس من أسماء الله الماكر والكائد والمخادع والمضل والفاتن هذا باطل.

(المتن)

قال الرابع: أن أسماءه الحسنى هي أعلام وأوصاف والوصف فيها لا ينافي العلمية بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم لأن أوصافه مشتركة وفائدته العلمية المحضة بخلاف أوصافه تعالى.

(الشرح)

هذا القائل: أن أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف والوصف فيها لا ينافي العلمية مثل الله تعالى من أسماءه العليم, العليم علم ووصف مشتق من صفة العلم فهو علم ووصف علم على الله اسم من أسمائه, الله علم من أعلامه ووصف صفة الألوهية, الرحمن علم على الله ووصف صفة الرحمة وهكذا.

فالوصف لا ينافي العلمية بخلاف أوصاف العباد فإن العباد يكون علم ولكن لا يكون فيه الوصف, يُسمى الرجل صالح هذا علم لكن قد يكون فاسد ما هو صالح, لكن له العلم فقط والوصف ليس له أما أوصاف الرب فهي أعلام وأوصاف, علم ووصف متحقق الوصف متحقق.

أما المخلوق فقد يكون علم, يُسمى ماذا؟ يسمى محمد وهو مذموم كل أفعاله كلها مذمومة لانحرافه, يُسمى صالح وهو فاسد منحرف له العلم والوصف ما ينطبق عليه, أما أسماء الله فهي أوصاف وأعلام.

(المتن)

قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أن الاسم من أسمائه له دلالات, دلالة على الذات والصفة بالمطابقة ودلالاته على أحدهما بالتضمن ودلالةً على الصفة الأخرى باللزوم.

(الشرح)

نعم هذه الدلالة اللي سبقت دلالة الذات.

(المتن)

قال السادس: أن أسمائه الحسنى لها اعتباران, اعتبار من حيث من الذات واعتبار من حيث الصفات, فهي بالاعتبار الأول مترادفة وبالاعتبار الثاني متباينة.

(الشرح)

نعم, مثل أسماء الله العليم والقدير والسميع والبصير هل مترادفة, ولا متباينة؟ مترادفة, إذا نظرت إلى دلالته على الذات كلها تدل على ذات الرب تكون مترادفة وإذا نظرت إلى المعاني, العليم تدل على العلم والسميع تدل على البصر والسمع, فهي متباينة من جهة المعاني متباينة من جهة دلالته على ذات الرب مترادفة.

المتباين يعني المختلف والمترادف المعنى واحد والألفاظ مختلفة, مثل قعد وجلس اللفظ مختلف والمعنى واحد قام ووقف هذه مترادفة, الألفاظ مختلفة والمعنى واحد, لكن المعاني المتباينة مثل قام وجلس هذه متباينة.

(المتن)

قال السابع: ما يُطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يُطلق عليه في الإخبار لا يجب أن يكون توقيفيًا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه, فهذا فصل الخطاب في مسألة أسماءه هل هي توقيفية أو يجوز أن يُطلق عليها منها ما لم يرد به السمع هذا سبق.

(الشرح)

هذا سبق, يعني الأسماء والصفات توقيفية قلنا, لا تُطلق على الله إلا بماذا؟ إلا بدليل أما الإخبار يُخبر عن الله بأنه قديم والشيء والموجود والقائم بنفسه والمريد والصانع هذا من باب الخبر.

(المتن)

قال الثامن: أن الاسم إذا أُطلق عليه جاز يُشتق منه المصدر والفعل فُيخبر به عنه فعلًا ومصدرًا نحو السميع البصير القدير يُطلق عليه منه اسم السمع والبصر والقدرة ويُخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو قد سمع الله فقدرنا فنعم القادرون, هذا إن كان الفعل متعديًا, فإن كان لازمًا لم يُخبر عنه به نحو الحي يُطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل, فلا يُقال حيي.

(الشرح)

يعني الاسم إذا أُطلق على الله اشتق منه المصدر والفعل مثل السميع يُقال: يخبر عنه بأنه يسمع, قال: سمع, قال: يسمع سمع الله لمن حمده, القدير يقدر قدر الله, قدرًا نعم القادرون, هذا إذا كان متعديا أما إذا كان لازم يُطلق عليه الاسم والمصدر.

مثل الحي, يُطلق عليه الاسم الحي والمصدر حياة, ولا يقُال حيي.

(المتن)

قال التاسع: أن أفعال الرب تعالى صادرة عن أسمائه وصفاته وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم, فالرب تعالى فعاله عن كماله والمخلوق كماله عن فعاله فأُشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل والرب تعالى لم يزل كاملًا فحصلت أفعاله عن كماله لأنه كامل بذاته وصفاته فأفعاله صادرة عن كماله.

كمل ففعل والمخلوق فعل فكمل الكمال اللائق به.                                

(الشرح)

نعم هذا الفرق بين أفعال الرب وأفعال المخلوق, أفعال الرب صادرة عن أسمائه وصفاته وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم, الرب تعالى فعاله صادرة عن كماله كمل ففعل, والمخلوق إنما حصل له الكمال من فعله لما كان كريم صار كامل, قبل أن يكون كريمًا ما صار كامل ما صار ممدوحًا.

أما الرب U هو متصف بالصفات قبل الفعل, أفعال الرب صادرة عن أسمائه وصفاته الرب كامل سبحانه وتعالى, أسمائه وصفاته صادرة عن كماله والمخلوق كماله صادر عن أفعاله المخلوق فعل فكمل, وأما الرب كمل ففعل, الرب U كمل ففعل فأفعاله صادرة عن كماله أما المخلوق لا.

لما كمل المخلوق لما فعل أولا, ثم حصل له الكمال متى يُمدح المخلوق؟ لأفعاله لما فعل أما الرب U فهو كامل قبل الفعل.

(المتن)

قال العاشر: إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقًا له تعالى أو أمرا, إما علم بما كونه أو علم بما شرعه ومصدر الخلق والأمر عن أسماءه الحسنى وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضي بمقتضيه, فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسن ولهذا كله حسن لا يخرج عن مصالح العباد والرأفة والرحمة بهم والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به, ونهاهم عنه فأمره كله مصلحة وحكمة  ورحمة ولطف وإحسان, إذ مصدره أسمائه الحسنى وفعله كله لا يخرج عن العدل والحكمة والمصلحة والرحمة, إذ مصدره أسمائه الحسنى فلا تفاوت في خلقه ولا عبث ولم يخلق خلقه باطلًا ولا عبثًا ولا سدى

وكما أن كل موجود سواه بإيجاده, فوجود من سواه تابع لوجود, فالعلم بأسمائه وإحصائها أصل لسائر العلوم فمن أحصى أسمائه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم.

إذا إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم, لأن المعلومات هي مقتضياتها ومرتبطة بها فتأمل صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى, ولهذا لا تجد فيها خللًا ولا تفاوتا, لأن الخلل الواقع فيما يأمر به العبد أو يفعله إما يكون لجهله به أو لعدم حكمته, وأما الرب تعالى فهو العليم الحكيم فلا يلحق فعله ولا أمره خلل ولا تفاوت ولا تناقض.

(الشرح)

يقول: إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم, يعني من أحصى أسماء الله تعالى وعلم بها إحصاء أسماء الله والعلم بها هذا أصل للعلم بكل معلوم لأن المعلومات, إما أن تكون خلقا لله أو تكون أمرا به, والأمر هو العلم والخلق هو مكونات الأشياء ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى وهما مرتبطان بهما.

الأمر كله صادر عن أسمائه الحسنى, ولهذا كل الأوامر حسنة فلا يخضع لمصالح العباد والرأفة بهم والرحمة بهم وفعل الله كله لا يخرج عن العدل والحكمة أمر الله لا يخرج عن المصلحة وفعله لا يخرج على الحكمة؛ لأنه مصدر الأسماء الحسنى, وإذًا لا يوجد تفاوت لا في الخلق ولا عبث لأنه صادر عن الحكمة بخلاف المخلوق ما عنده حكمة ولهذا يعمل أشياء عبث يكون في خلقه عبث.

أما الرب فلا يكون في خلقه تفاوت لأنه صادر عن الحكمة, وكذلك الأوامر صادرة عن الرحمة, فليس فيها إلا الرحمة والرأفة بالعباد والإحسان إليهم لأن الأوامر كلها لتكميل العباد, أمرهم تعالى ونهاهم تكميلًا لهم, ولهذا الأمر كله مصلحة ورحمة ولطف والأفعال كلها صادرة عن الحكمة, فلا تفاوت ولا خلل ولا نقص في أفعال الله.

لأن أفعال الله صادرة عن الحكمة وأوامره صادرة عن الرحمة, فالأوامر هي لمصلحة العباد وتكميلهم والأفعال صادرة عن الحكمة فلا يكون فيها خلل ولا تفاوت ولا نقص.

(المتن)

قال الحادي عشر: أنَّ أسماءه كلَّها حسنى ليس فيها اسمٌ غير ذلك أصلاً، وقد تقدم أنَّ من أسمائه ما يطلق عليه باعتبار الفعل؛ نحو الخالق والرازق والمحيي والمميت، وهذا يدل على أنَّ أفعاله كلَّها خيراتٌ محضةٌ لا شر فيها.

 لأنَّه لو فعل الشر لاُشتق له منه اسم ولم تكن أسماؤه كلُّها حسنى، وهذا باطلٌ، فالشر ليس إليه، فكما لا يدخل في صفاته ولا يلحق في ذاته فلا يدخل في أفعاله، فالشر ليس إليه، فلا يضاف إليه فعلاً ولا وصفًا، وإنَّما يدخل في مفعولاته.

وفرقٌ بين الفعل والمفعول، فالشر قائمٌ بمفعوله المباين له، لا بفعله الذي هو فعله، فتأمل هذا فإنه خفي على كثير من المتكلمين وزلت فيه أقدامٌ وضلت فيه أفهامٌ، وهدى اللَّه أهل الحق لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

(الشرح)

هذه القاعدة فيها أن أسماء الله حسنى كلها, ليس فيها اسم غير حسن بل كلها حسنى ومن أسمائه ما يُطلق عليه باعتبار الفعل مثل خالق من الخلق, الرازق من الرزق, المحي من الإحياء وهذا دليل على أن كلها خير محض, أفعاله كلها خير لا شر فيها, لأنه لو فعل الشر لاشتق له منه اسم, أفعاله الآن يعني من أسمائه باعتبار الفعل.

الخالق, الخلق, الرازق, الرزق, والشر ليس من أفعاله لو كان الشر من أفعاله لاشتق له اسم منها, ولكن الشر إنما يكون في المفعولات, المفعول المخلوق المباين, مثل الشياطين, الشياطين مخلوقة لله, الشر فيها في المخلوق, أما الرب وفعله فليس فيه إلا الخير المحض ولهذا لا يُطلق الشر لا يُضاف إلى الله كما قال تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}[الفلق/2].

وانظر إلى مؤمن الجن لما قالوا: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}[الجن/10], في الشر قالوا: أريد في البناء للمجهول, لما جاء الخير نسبوه إلى الله قالوا: { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}[الجن/10], فالخير يُضاف إلى الله والشر يُبهم إنما يُضاف إلى المخلوقات.

(المتن)

قال رَحِمَهُ اللهُ: الثاني عشر:

في بيان مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة وهو قطب السعادة، ومدار النجاة والفلاح, قال الأول: إحصاء ألفاظها وعددها, والمرتبة الثانيةفهمُ معانيها ومداركها ومدلولها, المرتبة الثالثةدعاؤه بها؛ كما قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف/180].

وهو مرتبتان إحداهما دعاء وثناء وعبادة, والثانية: دعاء طلب ومسألة, ولا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولذلك لا يُسأل إلا بها، فلا يُقال: يا موجود أو يا شيء أو يا ذات, اغفر لي وارحمني، بل يُسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيًا لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسلاً إليه بذلك الاسم, ومن تأمل أدعية الرسل، ولاسيما خاتمهم وإمامهم صلوات الله وسلامه عليهم وجدها مطابقةً لهذا يتخلق بأسماء اللَّه.

(الشرح)

هنا مراتب إحصاء أسماء الله تعالى, في الحديث: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة» ما هو إحصاؤها؟ يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إحصاؤها ثلاث مراتب:-

المرتبة الأولى: قال الأول: إحصاء ألفاظها وعدها, في الحديث: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة».

هل الحديث يفيد حصر أسماء الله بتسع وتسعين؟ لا, أسماء الله كثيرة ولكن هناك أسماء أخفاها الله عن عباده, كما في الحديث: «أسألك بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك» في أسماء استأثر الله بها حتى قيل إن لله ألف اسم.

ولكن إِذًاْ ما معنى الحديث إن لله تسعًا وتسعين اسمًا؟ معناه أن لله تسعًا وتسعين اسمًا موصوف بهذا الوصف من أحصاها دخل الجنة «إن لله تسعة وتسعين اسمًا موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة» وله أسماء أخرى غير موصوفة بهذا الوصف.

ما هو الإحصاء, كيف أحصاها دخل الجنة؟ قال: (الأول إحصاء ألفاظها وعددها) أخفاها الله ما هي التسعة وتسعين؟ ما ندري أخفاها الله حتى يجتهد العباد في تعرفها وطلبها والبحث عنها في الكتاب والسنة, كما أخفى الله ليلة القدر حتى يجتهد العباد في العشر الأواخر من رمضان, وكما أخفى ساعة الجمعة ساعة الاستجابة حتى يجتهد العباد في طلبها.

فكذلك أخفى هذه الأسماء الحسنى حتى يتعرفها العباد ويبحثون عنها, المرتبة الأولى إحصاء ألفاظها وعددها, والمرتبة الثانية (فهمُ معانيها ومداركها ومدلولها), أول شيء تطلبها من الكتاب والسنة وتحفظ عددها, تستخرجها, ثانيًا: تتفهم معانيها ومداركها, ثالثًا: تدعو الله بها, كما قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف/180].

  • والدعاء مرتبتان:

الأولى: (دعاء عبادة).

والثانية: (دعاء مسألة).

دعاء المسألة تقول: يا غفار اغفر لي, يا رحمن ارحمني, ودعاء العبادة هو أن تثني على الله تعالى وتتعبد لله بذلك, (ولا يثنى على الله إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك لا يُسأل إلا بها), أما الشيء اللي يُخبر به عن الله ما يُسأل, (فلا يُقال: يا موجود أو يا شيء أو يا ذات يا أنت).

(المتن)

قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الثالث عشراختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد؛ كالحي والسميع والبصير والعليم والعزيز والملك ونحوها فقالت طائفة من المتكلمينهي حقيقةٌ في العبد مجازٌ في الرب وهذا قول غلاة الجهمية، وهو أخبث الأقوال.

الثاني: مقابلُهُ، وهو أَنَّها حقيقةٌ في الرب مجازٌ في العبد، وهذا قول أبي العباس الناشي.

الثالث: أَنَّها حقيقة فيهما، وهذا قول الأكثرين، وهو الصواب, واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها حقيقة فيهما، وللرب تعالى منها ما يليق بجلاله، وللعبد منها ما يليق به.

وليس هذا موضع التعرض لمأخذ هذه الأقوال وإبطال باطلها وتصحيح صحيحها، فإِنَّ الغرض الإشارةُ إلى أمورٍ ينبغي معرفتها في هذا الباب، ولو كان المقصود بسطها لاستدعت سفرين أو أكثر.

(الشرح)

)اختلف النظار), النظار الذين ينظرون ويتأملون, وغالبًا يُطلق على المتكلمين لأنهم ينظرون في الأدلة العقلية, ويتركون النصوص, يعني اختلف الناس في أسماء التي تُطلق على الله مثل (الحي والسميع والبصير والعليم والعزيز), وتُطلق على المخلوق, أسماء مشتركة, أسماء الله نوعان أسماء مشتركة مثل العليم والسميع والبصير والقدير وأسماء خاصة بالله مثل الله الرب, خالق الخلق رب العالمين, السميع البصير العليم القدير,؟ القابض الباسط الخافض الرافع النافع الضار.

  • فالأسماء مشتركة هل هي حقيقة أو مجاز؟ الناس لهم أقوال:-

القول الأول: قول الجهمية: يقولون: (إن هذه الأسماء هي حقيقةٌ في العبد مجازٌ في الرب), يطلقوا على الله مجاز لأنه لا يتصف بها وإنما تُطلق على العبد حقيقة هذا يقولها المؤلف: (وهو أخبث الأقوال وأشدها فسادً), يطلقوا السميع والبصير على الله هذا مجاز وليس متصفًا بها لأنه أسمائه التي خلقها ليست له, وأما أن نطلقها على العبد فهي حقيقة هذا أخبث الأقوال.

القول الثاني: عكس, (وهو أَنَّها حقيقةٌ في الرب مجازٌ في العبد) وهذا أيضا قول غير صحيح.

القول الثالث: (أَنَّها حقيقة فيهما) حقيقة في الرب وحقيقة في العبد.

لكن الله تعالى له الكمال, والمخلوق له ما يناسبه, إذا أطلقت على الله السميع والبصير والعليم فله الكمال, وإذا أطلقت على المخلوق فله ما يناسبه وهي حقيقة, حقيقة في الخالق وحقيقة في المخلوق وهذا هو الصواب.

(المتن)

قال الرابع عشرأن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاثُ اعتباراتِ اعتبارٌ من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب أو بالعبد , الاعتبار الثانياعتباره مضافا إلى الرب مختصًا بهالثالثاعتباره مضافًا إلى العبد مقيدًا به,  فما لزم الاسم لذاته وحقيقته كان ثابتًا للرب والعبد وللرب منه ما يليق بكماله وللعبد ما يليق به وهذا كاسم السميع الذي يلزمه إدراك المسموعات والبصير الذي يلزمه رؤية المبصرات، والعليم والقدير وسائر الأسماء، فإنَّ شرط صحة إطلاقها حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها. كما لزم هذه الأسماء لذاتها فإثباته للرب تعالى لا محذور فيه بوجه، بل يثبت له على وجه لا يماثلُ فيه خَلْقَهُ ولا يشابهُهُم، فمن نفاه عنه لإطلاقه على المخلوق ألحد في أسمائه وجحد صفات كماله، ومن أثبته على وجهٍ يماثل فيه خلقه فقد شبهه بخلقه، ومن شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أثبته له على وجهٍ لا يماثل فيه خلقه بل كما يليق بجلاله وعظمته فقد برئ من فرث التشبيه ودم التعطيل وهذا طريق أهل السنة.

وما لزم الصفةَ لإضافتها إلى العبد وجب نفيه عن الله، كما يلزمُ حياة العبد من النومِ والسِنةِ والحاجةِ إلى الغذاءِ ونحو ذلك، وكذلك ما يلزمُ إرادته من حركة نفسه في جلب ما ينتفع به ودفع ما يتضرر به، وكذلك ما يلزمُ من علوه من احتياجه إلى ما هو عالٍ عليه وكونه محمولاً به مفتقرًا إليه محاطًا به كلُّ هذا يجب نفيه عن القدوس السلام تبارك وتعالى.

وما لزم الصفة من جهة اختصاصهِ تعالى بها فإنَّه لا يَثْبُتُ للمخلوق بوجه كعلمه الذي يلزمه القِدَمُ والوجوبُ والإحاطةُ بكل معلومٍ، وقدرتهِ، وإرادتهِ، وسائر صفاته. فإنَّ ما يختصُ به منها لا يمكنُ إثباتُهُ للمخلوق.

فإذا أحطتَ بهذه القاعدة خبرًا وعَقَلْتَها كما ينبغي خلصتَ من الآفتين اللتين هما أصل بلاءِ المتكلمينآفةِ التعطيل وآفةِ التشبيه، فإنَّك إذا وفيت هذا المقامَ حقه من التصور أثبت لله الأسماء الحسنى والصفاتِ العلى حقيقةً فخلصت من التعطيل، ونفيت عنها خصائص المخلوقين ومشابهتهم فخلصت من التشبيه، فتدبر هذا الموضع واجعله جُنتك التي ترجعُ إليها في هذا الباب والله الموفق للصواب.

(الشرح)

هذه القاعدة يقول: (أن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاثُ اعتباراتِ اعتبارٌ من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب تبارك وتعالى أو العبد) .

(الاعتبار الثانياعتباره مضافا إلى الرب مختصًا به .

الثالث(اعتباره مضافًا إلى العبد مقيدًا به) إذا قلت مثلًا سميع صفة السمع, صفة السمع هذا باعتبار انفراده إذا قطعت النظر عن الرب عن العبد كلمة سمع ماذا يلزم من هذه الصفة؟ يلزم منها إدراك المسموعات, إدراك المسموعات هذا نقول: يلزم صفة السمع, إذا وُصف بها الرب له الكمال وإذا وُصف بها العبد له الإدراك ما يليق به.

الثاني: إذا وصف السمع باعتبار إضافته إلى الله, قال الله هو السميع البصير هنا الكمال إذا وصف العبد بها, له ما يناسبها, هذا اعتبار من حيث إذا قطع النظر عن تقييده بالرب أو بالعبد, الثاني: اعتباره مضافا إلى الرب, الثالث: اعتباره مضافًا للعبد.

(فما لزم الاسم لذاته وحقيقته كان ثابتًا للرب والعبد) يَعْنِي: صفة السمع صفة البصر, صفة الحياة مثلًا قطعت النظر عن الخالق وعن المخلوق هنا ما الذي يلزم من هذا الوصف؟ يلزم أن اللي يُوصف بهذه الحياة يكون ماذا؟

يكون حي ضد الميت, هنا يثبت للرب والعبد, فللرب منها كمال الحياة: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة/255], وللعبد ما يليق به كذلك البصير إدراك المبصرات, للرب الكمال وللمخلوق ما يناسبه وهكذا.

فهذه القاعدة يبين لك أن الصفة أحيانًا تكون تُقطع عن المضاف مثل حياة علم قدرة سمع بصر, هذه تكون في الذهن الآن هذا مشترك, مشترك بين الخالق والمخلوق, ولكن وهذا نوع فيه مشابهة, كيف نوع من المشابهة؟ يعني المخلوق يشابه الخالق في مسمى الشيء, في مسمى العلم والقدرة والسمع والرحمة.

لكن أين يكون هذا التشبيه؟ المشابهة تكون في الذهن محبوسة في الذهن, ومتى يكون إذا قُطعت عن الإضافة والاختصاص متى يزول الاشتباه؟ يزول الاشتباه إذا أضفت وخصصت ويخرج عن الذهن للخارج إذا كان اشتباه محبوسة في الذهن اشتراك بين الخالق والمخلوق, علم حياة سمع بصر قدرة يُشترك بين الخالق والمخلوق.

لكن هذا الاشتراك أين يكون؟ في الذهن, محبوس في الذهن تصور فقط في الخارج ما في اشتراك, متى يكون في الخارج؟ إذا أُضيفت حياة الخالق حياة المخلوق خلاص خرج من الذهن, وصار في الخارج وزال الاشتراك, وهذا النوع من المشابهة لابد من إثبات هذا النوع, من لم يثبت هذا النوع معناه أنكر صفات الله.

إِذًاْ تقول: لابد من نوع من المشابهة بين الخالق والمخلوق في الصفات وهو المشابهة في مسمى الشيء عند القطع عن الإضافة والاختصاص متى يكون هذا الشيء؟ متى يكون الاشتباه ومتى يزول؟ متى يكون الاشتراك ومتى يزول؟ يكون الاشتراك إذا قُطع عن الإضافة والاختصاص وأين يكون؟ في الذهن محبوس في التصور فقط.

متى يزول هذا الاشتراك؟ إذا أُضيف أو خُص ويخرج من الذهن ويكون في الخارج ويزول الاشتراك, هذا لابد منه من لم يثبت هذا النوع, معناه أنكر وجود الأشياء لو يقول قائل: أنا أقول إنه ما في مشابهة بين الخالق والمخلوق, نقول: لابد تثبت المشابهة, وهي مشابهة عند القطع والإضافة والاختصاص, فَإِذاْ لم تظهر المشابهة أنكرت الخالق والمخلوق.

ولهذا لما قالت الجهمية للإمام أحمد: إن الله لا يشبه المخلوقات ولا بوجه من وجه الشبه, قال الإِمَامِ أحمد كفرتم, قالوا: كيف نحن ننزه الرب؟ قال: كفرتم أنكرتم وجود الرب, يعني أنكرتم المشابهة في مسمى الشيء أنكرتم أن يسمى الله شيئًا, أنكرتم مسمى الحياة, أنكرتم مسمى القدرة.

فالكتاب الرد على الزنادقة الإِمَامِ أحمد كفر الجهمية لما قالوا: إن الله لا يشبه المخلوق ولا بوجه من وجوه الشبه, نقول: لا, لابد تذكر نوع من المشابهة من لم يثبت هذا النوع, بل جميع الأشياء فيه مشابهة, الآن مثلًا البعوض والفيل, في مشابهة ولا ما في؟ في مشابهة في اشتراك في المشابهة ما هي؟

البعوض يُسمى شيء والفيل يُسمى شيء, البعوض فيه حياة فيه روح, والفيل فيه حياة, البعوض يسمى موجود, والفيل نفس الشيء, فَإِذاْ  قال قائل: يُشتبه عليّ البعوض والفيل, ما فيهم؟ قال يا أخي في مشابهة, البعوض مخلوق صغير والفيل مخلوق كبير.

الفيل له خرطوم, والبعوض ليس له خرطوم, الفيل يأكل البرسيم والبعوض لا يأكل وهكذا, قاعدة إِذًاْ ما من شيء في الدنيا والآخرة إلا وبينهم اشتراك ولا اشتباه, ما تجد أبدًا اشتراك الفيل والبعوض السماء والأرض في اشتراك ولا ما في؟ في اشتراك, مسمى الشيء والوجود والأرض تُسمى شيء.

لكن في فراق ولا لا؟ السماء مرفوعة والأرض مسطوحة, السماء فيها النجوم والكواكب والأرض فيها الأنهار وهكذا, الذهب والبصل في اشتراك ولا ما في؟ في مسمى الشيء هذا شيء وهذا شيء, هذا موجود وهذا موجود في افتراق, نعم, الخالق والمخلوق في اشتراك؟ في مسمى الشيء والوجود, من نفى هذا الشيء أنكر وجود الأشياء لابد من إثبات هذا الشيء, هذا أقره شيخ الإِسْلَامِ في رسالة التدمرية رسالة عظيمة.

وهي أن الأشياء لابد فيها اشتراك في مسمى الشيء والوجود, وهذا الاشتراك يكون في محبوس في الذهن, عند قطع الإضافة والاختصاص ومتى يزول؟ حين نخرج من الذهن إلى الخارج, هذه قاعدة مفيدة.

(المتن)

قال: الخامس عشرأنَّ الصفة متى قامت بموصوفِ لزمها أمورٌ أربعةٌ: أمران لفظيان، وأمران معنويان.

فاللفظيانثبوتي وسلبي، فالثبوتيأنْ يشتق للموصوف منها اسمٌوالسلبيأنْ يمتنع الاشتقاق لغيره.

والمعنويانثبوتي وسلبي؛ فالثبوتيأنْ يعود حكمها إلى الموصوف ويخبر بها عنه. والسلبي أنْ لا يعود حكمها إلى غيره ولا يكون خبرًا عنه.

وهذه قاعدةٌ عظيمةٌ في معرفة الأسماء والصفات، فلنذكر من ذلك مثالاً واحدًا وهي صفةُ الكلام. فإنَّها إذا قامت بمحل كان هو المتكلم دون من لم يقم به، وأُخبر عنه بها وعاد حكمها إليه دون غيره، فيقالقال، وأمر، ونهى، وناد، وناجى، وأخبر، وخاطب، وتكلم، وكلم، ونحو ذلك، وامتنعت هذه الأحكامُ لغيره فيستدل بهذه الأحكام والأسماء على قيام الصفة به وسلبها عن غيره على عدم قيامها به، وهذا هو أصل أهل السنة الذي ردوا به على المعتزلة والجهمية وهو من أصح الأصول طردًا وعكسًا.

(الشرح)

نعم هذه القاعدة,أنَّ الصفة متى قامت بموصوفِ لزمها أربعة أمورٌ), أمران لفظيان، وأمران معنويان.

(فاللفظيانثبوتي وسلبي، فالثبوتيأنْ يشتق للموصوف منها اسمٌ( (والسلبيأنْ يمتنع الاشتقاق لغيره).

  • مثل الكلام الآن, يلزم أمران:

الأمر الأول: أن يكون الكلام, أن يُضاف الكلام للمتكلم, والسلبي أن يُمنع هذا الكلام عن غيره, فإذًا قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف/180].

{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}[الضحى/1-2], هذا الكلام مضاف إلى الله إذًا الأمر الأول يُضاف إلى الله, والأمر الثاني: يُنفى عن غيره, يُقال: لم يقل هذا الكلام غيره بل هو كلام الله, هذا الأمران ثبوتيان.

  (والمعنويانثبوتي وسلبي)؛ (فالثبوتيأنْ يعود حكمها إلى الموصوف ويخبر بها عنه), فيقال: الله تكلم بهذا, الله أخبر عن هذا, (والسلبي أنْ لا يعود حكمها إلى غيره ولا يكون خبرًا عنه), يقول: حكم هذه الآيات ليست من كلام غيره ولا يُنسب إلى المخلوق ولا يعود حكمها إليه, إِذًاْ هذه الأمور واضحة.

اللفظي أن يُضاف اللفظ إلى من تكلم, والسلبي أن يُنفى عن غيره, وكذلك الحكم والأخبار يُضاف إلى المتكلم يتكلم بها تلزمه أحكامه وتُنفى هذه الأحكام عن غيره, هذه الأمور الأربعة.

(المتن)

قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: السادس عشرأن الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصرٍ ولا تحد بحد إلى آخر ما ذكره مما تقدم مضمونه ومما سيأتي له تتمة في الفصل بعده.

(الشرح)

يعني هذه القاعدة تقول: الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حد ولا حصر كما سبق في الحديث, يعني ليست محصورة ولا يستطيع الإنسان يحصرها في قوله كما جاء في الحديث: «أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك».

إِذًاْ في أسماء يُستأثر الله بها في علم الغيب عنده, فلا يستطيع الإنسان أن يقول: إن أسماء الله محصورة بشيء, لو قال: إنسان أنا أستطيع أستخرج الأسماء من القُرْآنَ من السنة, أكون أحصيت أسماء الله؟ نقول: لا ما حصتها, يقول كيف؟ نقول: في أسماء أخفاها الله عن عباده, أو استأثر بها في علم الغيب عنده.

هناك أسماء ما تعلم ماذا تستطيع أن تقول: إني أحصيت الأسماء, إِذًاْ لا تدخل تحت حصر أسماء الله لا تدخل تحت حصر, ووفق الله الجميع.

 

 

 

 

         

                                                                                

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد