شعار الموقع

التوضيح المبين لتوحيد الأنبياء والمرسلين 18

00:00
00:00
تحميل
81

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى أشرف الأنبياء والمرسلين نَبِيُّنَا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا, قَالَ الإمام العلامة اِبْن القيم رحمه الله تعالى عليه:

(المتن)

فاصبر قليلا إنما هي ساعة
 

 

يا مثبت الأوصاف للرحمن
 

فلسوف تجني أجر صبرك حــين    

 

 

يجني الغير وزر الإثم والعدوان

 

فالله سائلنا وسائلهم عن    
 

 

الإثبات والتعطيل بَعْدَ زمان
 

فأعد حينئذ جوابا كافيًا      
 

 

عِنْد السؤال يكون ذا تبيان
 

 

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك عَلَى عبد الله ورسوله نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْدَ:

هَذِهِ الأبيات فِيهَا ترغيب من المؤلف رحمه الله للواحد من أهل السنة الَّذِي مَنَّ الله عليه بإثبات الأسماء والصفات لله عز وجل أن يصبر في هَذِهِ الدنيا فإنها دار ابتلاء وامتحان, فَإنما هِيَ ساعة والمراد بالساعة جزء من الزَّمَان, والساعة من الزَّمَان قَد تكون طويلة وقد تكون قليلة, وليس المراد بالساعة ستون دقيقة كما نعرف, ولهذا قَالَ النَّبِيِّ r لما فُتحت مكة: «إِنَّمَا أُحلت لي ساعةً من نهار» وكانت هَذِهِ الساعة من الضحى إِلَى بَعْدَ العصر وسماها ساعة.

(فاصبر قليلا إنما هي ساعة) الدنيا كلها ساعة يَعْنِي جزء من الزَّمَان, أيام تسمى ساعة, اصبر الدنيا كلها قليل وتحمل ما يُصيبك من الأعداء الذين ينكرون الأسماء والصفات ويسمون أهل السنة والجماعة بالأوصاف الذميمة بالمجسمة, والمشبهة, النوابت..إلى آخره.

المؤلف يقل: (فاصبر قليلا إنما هي ساعة) الدنيا قليل, (يا مثبت الأوصاف للرحمن) ما مَن مَنَّ الله عليك بإثبات الأوصاف للرحمن وكنت من أهل السنة والجماعة اصبر.

(فلسوف تجني أجر صبرك) يوم القيامة, (حين يجني الغير وزر الإثم والعدوان) أنت تجني أجر الصبر, أجر صبرك عَلَى إثبات الأسماء والصفات لله عز وجل, بينما أهل البدع يجنون وزر إثمهم وعدوانهم حيث حرفوا الأسماء والصفات, وصرفوها عن معانيها الحقيقية, ثُمَّ قَالَ:

فالله سائلنا وسائلهم عن    
 

 

الإثبات والتعطيل بَعْدَ زمان
 

 

الله يسألنا عن إثباتنا للأسماء والصفات وأننا عَلَى الحق, وسائل أَيْضًا أهل التعطيل بَعْدَ زمان, يَعْنِي: يوم القيامة, قَالَ تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف/6].

(فأعد حينئذ جوابا كافيًا) أعد جواب كافي قل: يا ربِ آمنت بكتابك وسنة رسولك r, أنزلت علينا كتابًا وأرسلت إلينا رسولًا فوجدنا في كتابك الصفات الَّتِي أثبتها لنفسك وأثبتها لك رسولك r فأثبتناها, (عند السؤال يكون ذا تبيان) يكون ذا وضوح.

(المتن)

قَالَ الإمام اِبْن سعدي رحمه الله:

يرغب رحمه الله المثبت لصفات الله عَلَى صبره عَلَى ذلك, ولو كثر المخالفون ورأى منهم المعارضة والمعاكسة, فَإِن الصبر عاقبته حميدة خصوصًا في المحن الَّتِي ستنقطع, وربما عاقبه في الدنيا السعادة والفلاح والعز والصلاح, فَإِن الدنيا كلَها قليل وعمر الإنسان منها أقل القليل, وأوقات الابتلاء والامتحان نذرٌ يسير بالنسبة إِلَى عمره ووقته, فالله سائل العباد عما كَانُوا عليه في الدنيا, فمن كَانَ جوابه أن يَقُولُ: قَد قلت يا ربِ ما قلته في كتابك وقاله رسولك محمدٌ r فهذا الجواب المنجي.

ومن كَانَ جوابه تقديم العقول الكاسدة والآراء الفاسدة عَلَى ما قاله الله وقاله رسوله لَمْ يكن ذلك منجيًا له من العقاب ولا موصلًا له إِلَى الثواب, فَإِن الله لا يسأل العباد إلا عما جاءت بِهِ المرسلون إقرارًا وعلمًا وعملًا.

هذا وثالثهم فنافيها
 

 

ونافي ما تدل عليها بالبهتان
 

ذا جاحد الرحمن حقًا
 

 

لَمْ يقر بخالق أبدًا ولا رحمن
 

 

(الشرح)

هَذَا القسم الثالث من أقسام الملحدين الثلاثة, سبق أن قَالَ أن الملحدون ثلاثة:

  1. ملحدون بالإشراك.
  2. ملحد بالتعطيل.
  3. ملحد بالجحود والنكران.

الملحد الأول: ملحد بالإشراك؛ الَّذِي سمى الأصنام واشتق لها اسم من أسماء الله فسموا اللات واشتقوا لها اسم من الإله, والعزى اشتقوا لها اسم من العزيز, ومناة اشتقوا لها اسم من المنان, وَكَذَلِكَ الاتحادية الذين يَقُولُونَ: الوجود واحد؛ كذلك هؤلاء أعظم النَّاس كفرًا وشركًا (.....) .

الملحد الثاني: المعطل؛ الَّذِي عطل الأسماء عن أوصافها وأنها أسماءٌ بلا أوصاف, الرحمن رحمن بلا رحمة, عليم بلا علم, حكيم بلا حكمة, هَذَا المعطل كالجهمية والمعتزلة الذين أثبتوا مجرد أسماء (.....) قول المعطلة.

الملحد الثالث: النافي والجاحد؛ الَّذِي ينفي الأسماء والصفات من الأساس ويجحدها؛ هَذَا أعظمهم.

الأول أشرك, والثاني عطل, والثالث جحد, جحد وأنكر الأسماء كلها نفاها من الأساس, ويلزم من جحود الأسماء والصفات إنكار الخالق؛ لِأَنَّه لا وجود بدون أسماء وصفات, ما يوجد شيء إِلَّا له أسماء وصفات حَتَّى الجماد هذا الكرسي هَذَا له أسماء وصفات؛ له طول, وله عرض وله عمق, فَإِذَا نفيت الأسماء عنه والصفات صار عدم, كُلّ شيء موجود لابد له من أسماء وصفات سواء إنسان أو جماد أو حيوان, فَإِذَا نفيت الأسماء والصفات عنه صار عدمًا, إذا قلت: هناك إنسان لَكِنْ ليس له طول ولا عرض ولا عمق وليس مركب من دم ولا لحم ولا عصب وليس له يدين ولا رجلين ولا عينين ولا يوصف بأيْ صفة, ماذا يصير؟ عدم؛ لِأَنَّ وجوده بلا أسماء والصفات.

لو قلت: عندي كرسي الآن ليس له طول ولا عرض ولا عمق وليس فوق الأرض ولا تَحْتَ الأرض ولا من خشب ولا من زجاج ولا من حديد ولا متصل بالعالم ولا منفصل عن العالم ولا موصوف بأي صفة, ماذا يكون؟ عدم, ما يوجد الشيء إِلَّا بالأسماء والصفات.

فهؤلاء الملاحدة والعياذ بالله الذين جحدوا صفات الرب وأسماءه وأنكروها يلزمهم إنكار الرب, إنكار الأسماء والصفات جحودٌ للرب؛ لِأَنَّه لا وجود للذات إِلَّا بالأسماء والصفات, أيْ ذات, ذات الخالق أو ذات المخلوق أو ذات الجماد, ذات الحيوان لا وجود لها إِلَّا بالأسماء والصفات, فَإِذَا سلبت الأسماء والصفات ولم تثبت أيْ صفة فهو عدم بَلْ قَد يكون ممتنع ويكون مستحيل, ولهذا قَالَ المؤلف: (هَذَا وثالثهم) ثالث الملاحدة, أولهم: المشركون, وثانيهم: المعطلة, وثالثهم: الجاحدون.

هذا وثالثهم فنافيها
 

 

ونافي ما تدل عليه بالبهتان
 

 

نافي ما تدل عليه من الصفات والمعاني الحقيقية, ينفي الرحمن وما تدل عليه من صفات الرحمة.

   

ذا جاحد الرحمن حقًا
 

 

لَمْ يقر بخالق أبدًا ولا رحمن
 

 

لَمْ يُقر بخالق أبدًا؛ هَذَا جاحد للرحمن, بجحوده للأسماء والصفات يعتبر جاحد للرب.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: يَعْنِي: أن الملحد الثالث هُوَ النافي لأسماء الله ونافي ما تدل عليه من صفات الكمال بالبهتان والقول الباطل, وهذا أعظم أنواع الإلحاد, فَإِنَّهُ متضمنٌ لجحد الخالق وجحد ربوبيته وأوصافه المقدسة, وذاك كفرعون ونحوه, وكالفلاسفة الذين يشتمل قولهم عَلَى جحد رب العالمين.

(الشرح)

فرعون أنكر الرب العظيم لما قَالَ لموسى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء/23]؛ جاحد, والفلاسفة كذلك هؤلاء جحدوا رب العالمين.

(المتن)

قَالَ رحمه الله:

هذا هو الإلحاد فاحذره
 

 

لعــل الله أن ينجيك من نيران
 

وتفوز بالزلفى لديه وجنة
 

 

المــأوى مع الغفران والرضوان
 

 

(الشرح)

المؤلف يَقُولُ: هَذَا هُوَ الإلحاد بأنواعه الثلاثة: الإشراك, التعطيل, الجحود والنكران.

هذا هو الإلحاد فاحذره
 

 

لعــل الله أن ينجيك من نيران
 

 

إذا حذرت وابتعدت عن الإلحاد بأنواعه الثلاثة لعل الله أن يُنجيك من النيران.

(وتفوز بالزلفى لديه) يَعْنِي: بالقرب للرب تعالى, (وجنة المأوى) تفوز بالقرب لدى الله وبالجنة, (مَعَ الغفران والرضوان) مَعَ مغفرة الله ورضوانه.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: هَذَا أيْ جميع ما تقدم من الأقسام هُوَ الإلحاد بينه المصنف لأجل أن يُحذر منه فَإِنَّهُ موجبٌ لدخول النَّارِ, والحذر منه موجبٌ للنجاة منها, والفوز بالزلفى عِنْد الله في جنات النعيم ونيل المغفرة والرضى من الرب الكريم.

فَإِن العبد إذا نجى من الإلحاد في أسماء الله وآياته كَانَ متبعًا لكتاب الله ولما جاءت بِهِ الرسل, وهذا الطريق الموصل للسعادة الأبدية وإذا فاته هَذَا الطريق فما ثَم إِلَّا طريق الجحيم.

ولما كَانَ أكثر النَّاس قَد سلكوا طرق المهالك واقتطعتهم الشياطين عن سعادتهم إِلَّا النادر منهم, وكانت النفس مجبولة عَلَى وحشة التفرد وعدم الرفيق حث المصنف رحمه الله عَلَى لزوم الاستقامة وإن قل الموافق وكثر المخالف فَقَالَ:

لا توحشنك غربة بين الورى
 

 

فالناس كالأموات في الجبان
 

أو ما علمت بأن أهل السنة
 

 

الغرباء حقًا عند كل زمان
 

قل لي متى سلم الرسول وصحبه
 

 

والتابعون لهم على الإحسان
 

من جاهل ومعاند ومنافق
 

 

ومحارب بالبغي والطغيان
 

وتظن أنك وارث لهم وما
 

 

ذقت الأذى في طاعة الرحمن
 

كلا ولا جاهدت حق جهاده
 

 

في الله لا بيد ولا بلسان
 

منّتك والله المحال النفسُ فاســتحدث
 

 

سوى ذا الرأي والحسبان
 

لو كنت وارثه لآذاك الألى
 

 

ورثوا عداه بسائر الألوان
 

 

(الشرح)

المؤلف يَقُولُ: لا تستوحش من الغربة بين النَّاس, فَإِن كنت من أهل السنة والجماعة والناس أكثرهم سلكوا طريق البدع لا تستوحش, هَذَا طريق الْجَنَّة وطريق الرسل وأتباعهم, (فالناس كالأموات في الجبان) النَّاس كلهم المنحرفون كالأموات, الجبان هُوَ القبور الصحراء التي تدفن فيها القبور, لا تستوحش إذا رأيت النَّاس ما يوافقونك في هَذَا ويخالفون معتقد أهل السنة والجماعة وتظن أنك وحدك لا تستوحش.

لا توحشنك غربة بين الورى
 

 

فالناس كالأموات في الجبان
 

 

قَالَ الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}[الأنعام/122]؛ فالكافر ميت والمؤمن حي, (فالناس كالأموات في الجبان) في القبور, لا تستوحش من قلة الموافق لأهل الحق, فأنت الجماعة وإن كنت وحدك, والزم الحق ولو كنت وحدك.

أو ما علمت بأن أهل السنة
 

 

الغرباء حقًا عند كل زمان
 

 

أهل السنة هم الغرباء وقال النَّبِيِّ r: «طوبى للغرباء».

يَقُولُ النَّبِيِّ r في الحديث الصحيح: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء, فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قَالَ: الذين يصلحون إذا فسد النَّاس».

وفي لفظٍ: «يُصلحون ما أفسد النَّاس», وفي لفظٍ: «هم النزاع من القبائل», وفي لفظٍ: «هم قومٌ صالحون قليل في قومٍ سوءٍ كثير».

لا تستوحش فالناس كالأموات, أَمَّا علمت أن أهل السنة هم الغرباء في كُلّ زمان! فكن من الغرباء, هَذَا تسلية من المؤلف.

قل لي متى سلم الرسول وصحبه
 

 

والتابعون لهم على الإحسان
 

 

هَلْ سلم الرسول والتابعون والصحابة من الأذى؟ كيف أنت تريد تسلم وأنت تتبع طريقهم؟! من اتبع طريق الرسول والصحابة ما يسلم لأن كل له أعداء, الرسل لهم أعداء, وأتباعهم لهم أعداء, قَالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}[الأنعام/112].

من جاهل ومعاند ومنافق
 

 

ومحارب بالبغي والطغيان
 

 

ما سلم الرسول من الجهال الذين يجهلوا عليه, الأعرابي الَّذِي جاء للنبي r وجبذه جبذة شديدة حَتَّى أثرت حاشية البُرد في جسمه, وقال: أعطني يا محمد من المال ليس من مال أبيك ولا أمك, فالتفت إليه وهو يضحك وأمر له بالعطاء, هَذَا جاهل ما سلم الرسول من الجاهل.

ومعاند: كذلك المعاند كالمنافقين اللي يعاندونه, ومنافق: المنافقين الذين آذوه, ومحارب: كاليهود والمشركين, ما سلم الرسول.

وتظن أنك وارث لهم وما
 

 

ذقت الأذى في نصرة الرحمن
 

 

تظن أنك وارث للرسول r وأنت ما أصابك أذى, لابد يصيبك أذى:  {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت/1-3].

تظن أنك وارث للرسول r والصحابة وما أصابك أذى؟ ما يمكن.

كلا ولا جاهدت حق جهاده
 

 

في الله لا بيد ولا بلسان
 

 

كيف تظن أنك وارث للرسول والصحابة وأنت ما أصابك أذى ولا جاهدت بيدك ولا جاهدت بلسانك.

(منّتك والله المحال النفسُ) نفسك منتك المحال, هَذَا محال, محال أنك تسلم وأنت عَلَى طريق الرسول والصحابة, نفسك تمنيك أنك تسلم وهذا محال, (منّتك والله المحال النفسُ) التقدير منتك النفس والله المحال.

منّتك والله المحال النفسُ فاســتحدث
 

 

سوى ذا الرأي والحسبان
 

 

استحدث للصبر عَلَى الأذى, أحدث نشاطًا وقوة غير هَذَا الكسل الموجود فيك.

لو كنت وارثه لآذاك الألى
 

 

ورثوا عداه بسائر الألوان
 

 

لو كنت وارث النَّبِيِّ r لآذاك الذين آذوه, لكل قومٍ وارث, أنت وارث الرسول والصحابة, وَالَّذِينَ عادوا الرسول r لهم وارث أَيْضًا يعاديك, الرسول r والصحابة لهم وارث في الصبر عَلَى الأذى, وأعداؤه الذين آذوه لهم وارث أَيْضًا يؤذون أتباعه, (الألى) اسم موصول, الذين ورثوا عداوته, مَن هم؟ الكفار واليهود.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: وكل هَذَا من حكمة الله تعالى حيث جعل لأهل الحق من يعارضهم ويقاومهم, ويحرص عَلَى أذيتهم ورد ما معهم بأي طريق ليقوم بِذَلِكَ سبيل الجهاد, وليتبين الحق من الباطل, فَإِن الحق إذا عارضه الباطل وأهله ظهر من أدلته وبراهينه ما يبهر العقول, ووضح واستعلن وتبين من بطلان الباطل وفساده ما بِهِ العبرة لمن اعتبر, وليحصل بِذَلِكَ التمييز بين الصادق من الكاذب, فَإِن الْمُؤْمِن الصادق المتبع للحق عَلَى الحقيقة لا تزيده المعارضات إِلَّا ثباتًا عَلَى ما هُوَ عليه, ويزداد إيمانه ويكمل إيقانه؛ بخلاف من لَمْ يباشر الإيمان قلبه ولم يصل اليقين في حقه إلى مرتبة الجزم الذي لاشك فِيه؛ فهذا لا يكاد يثبت عِنْد المحن والقلاقل, فَإِنَّهُ ممن يعبد الله عَلَى حرف فمع العافية المستمرة ربما لزم ما هُوَ عليه.

ومن لطف الله في حَقّ هَذَا ألا يقيض له من المحن ما يُزيل إيمانه بَلْ يعافيه, وإلا فسنة الله الجارية الَّتِي لا تُغير ولا تُبدل أَنَّهُ لابد من الابتلاء كمال قَالَ الله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت/1-3].

فلو سلم أحد من المعارضين من المعاندين والمنافقين والمحاربين لسلم الرسول وأصحابه والتابعون لهم بإحسان, فمن ظن أَنَّهُ متبعٌ لهم عَلَى الحقيقة وأنه سيسلم من الأذى في سبيل الله فهو غالط, فَإِنَّهُ لابد أن يكون للرسول وأصحابه وارث ولأعدائهم وارث ويقوم سوق الجهاد, فَإِن الدنيا دار مجاهدة وعبادة لا محل طمأنينة واستقرار فَإِن الراحة التامة في جنات النعيم.

ومن المعلوم أن الراحة لا تُدرك بالراحة بَلْ لابد من التعب والعناء وَلَكِن قَد يهونه الله عَلَى عباده الْمُؤْمِنِين فيجدون من لذة المجاهدة في طاعة ربهم أعظم ما يجده أهل الشهوات الحسية؛ وهذا هُوَ الواقع, وَلَكِن مرارة الابتداء تمنع أكثر النَّاس عن هَذَا الْأَمْرِ العظيم ليقضي الله أمرًا كَانَ مفعولًا.

قَالَ رحمه الله:

فصل: في النوع الثاني من نوعي توحيد الأنبياء والمرسلين المخالف لتوحيد المشركين والمعطلين.

وهذا النوع هُوَ زبدة رسالة الله لرسله, فَإِنَّهُ كُلّ نبي يبعثه الله تعالى يدعو قومه إِلَى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه, فكل نبي يَقُولُ لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ}[الأعراف/65].

وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل/36].

وهو الذي خلق الله الخلق لأجله، وأمرهم بِهِ عَلَى ألسنة رسله, وشرع الجهاد لإقامته، وجعل الثواب الدنيا والآخرة لمن قام بِهِ, والعقاب في الدنيا والآخرة لمن تركه، وبه الفرق بين أهل السعادة وأهل الشقاء.

وعلى العبد أن يبذل جهده في معرفته وتحقيقه من كُلّ وجه، فيعرف حده وتفسيره، ويعرف حكمه ومرتبته، ويعرف آثاره ومقتضياته ويعرف شواهده وأدلته وبراهينه، وحججه الَّتِي تؤيده وتنميه وتقويه, ويعرف شروطه ومكملاته, ويعرف نواقضه ومفسداته؛ لِأَنَّه الأصل الأصيل الَّذِي لا تصح الأصول إِلَّا بِهِ, فكيف بالفروع!

فأما حده وتفسيره وأركانه ومكملاته فقد ذكرها المصنف في ضمن قوله.

(الشرح)

هَذَا النوع الثاني من توحيد الأنبياء والمرسلين, وتوحيد العبادة والألوهية, والنوع الأول: التوحيد في المعرفة والإثبات.

  • يَعْنِي توحيد الأنبياء والمرسلين نوعان:

النوع الأول: توحيدٌ في المعرفة والإثبات وهذا يشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.

النوع الثاني: توحيد في الإرادة والطلب وهذا هُوَ توحيد الألوهية.

وهذا النوع الثاني وهو توحيد العبادة هُوَ الَّذِي لأجله خلق الله الخلق, وهو الَّذِي لأجله أرسل الله الرسل, وهو زبدة الرسالة الألهية, يسمى توحيد الألوهية بالنسبة للرب سبحانه وتعالى؛ لِأَنَّه هُوَ المألوه والمعبود, ويسمى توحيد العبادة بالنسبة للعبد؛ لِأَنَّه هُوَ الَّذِي يتعبد الله ويعبد الله, وهذا التوحيد هُوَ الغاية المحبوبة لله والمرضية له.

وأما التوحيد الأول: توحيدٌ في المعرفة والإثبات وتوحيد الربوبية؛ هَذَا وسيلة إِلَى الثاني, فأنت الآن تعرف ربك بأسمائه وصفاته وأفعاله فَإِذَا عرفت ربك تتوصل بِذَلِكَ إِلَى أن تعبده وتؤدي حقه, بهذا يتبين أن توحيد المعرفة والإثبات وتوحيد الربوبية وسيلة إِلَى توحيد العبادة والألوهية, وتوحيد العبادة والألوهية هُوَ الغاية المحبوبة لله تعالى والمرضية له, وهو زبدة الرسالة الإلهية, وهو الَّذِي لأجله خلق الله الخلق, ولأجله أرسل الله الرسل, وهو إفراد الله بالعبادة, كُلّ نبي بعثه الله إِلَى قومه يبدأ بادئ ذي بدء بالدعوة إِلَى الوحيد, قَالَ تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ}[المؤمنون/23].

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ}[الأعراف/65].

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف/73].

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف/85].

إذًا كُلّ نبي يدعو قومه إِلَى هَذَا التوحيد, وهذا هُوَ الغاية المحبوبة والمرضية لله, وهذا اللي وقعت فِيه الخصومة بين الأنبياء والرسل, وهو الَّذِي من أجله أهلك الله الأمم الَّتِي أشركت وكذبت بالله وكذبت أنبيائه ورسله ولم توحد بالله.

وأما توحيد الربوبية؛ توحيد الأسماء والصفات هَذَا أمرٌ فطري فطر الله عليه الخلائق ولم يحصل فِيه نزاع بين الأمم وبين الرسل.

(المتن)

قَالَ رحمه الله:

هذا وثاني نوعي التوحيد
 

 

توحيد العبادة منك للرحمن
 

أن لا تكون لغيره عبدًا ولا
 

 

تعبد بغير شريعة الإيمان
 

 

(الشرح)

أصلها ولا تتعبد وحُذفت التاء الأولى حَتَّى لا ينكسر البيت, وتُحذف لأجل الضرورة.

(المتن)

فتقوم بالإسلام والإيمان
 

 

والـإحسان في سرّ وفي إعلان
 

والصدق والإخلاص ركنا ذلك
 

 

التــوحيد كالركنين للبنيان
 

 

(الشرح)

يَقُولُ: (ثاني نوعي التوحيد توحيد العبادة) وأول النوعين: توحيده في المعرفة والإثبات, وهو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله, فسره بقوله:

أن لا تكون لغيره عبدًا ولا
 

 

تعبد بغير شريعة الإيمان
 

 

يَعْنِي: أن لا تكون لغير الله عبدًا بَلْ تكون عبدًا لله, ولا تتعبد بغير شريعة الإيمان, لا تتعبد بغير الشريعة الَّتِي جاءت من عِنْد الله, الْقُرْآن الكريم والسنة.

فتقوم بالإسلام والإيمان
 

 

والـإحسان في سرّ وفي إعلان
 

 

يَعْنِي: تقوم بالإسلام وهي الأعمال الظاهرة كالصلاة, الزَّكَاة, الصوم, الحج ونحوٍ من الأعمال الظاهرة, وتقوم بالإيمان: بأن تلتزم بالقيام بما أوجب الله عليك وترك ما حرم الله عليك, فتكون هنا مسلمًا مؤمنًا, الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه.

قَالَ:

والصدق والإخلاص ركنا ذلك
 

 

التــوحيد كالركنين للبنيان
 

 

الصدق والإخلاص, والصدق هُوَ أن تصدق مَعَ الله في إراداته والتعبد له سبحانه وتعالى والتأله له, تكون إرادتك لله عز وجل, والإخلاص هُوَ ألا يكون في عملك شرك.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: فحده أن يعلم العبد أن الله المألوه المعبود عَلَى الحقيقة فيفرده بأنواع العبادة كلها الظاهرة والباطنة, يَعْنِي: أَنَّهُ يقوم بالإسلام كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها من الأعمال الظاهرة, وبالإيمان كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

(الشرح)

الآن المؤلف قَالَ: (فحده أن يعلم العبد أن الله المألوه المعبود عَلَى الحقيقة فيفرده بأنواع العبادة كلها الظاهرة والباطنة) ويؤدي الإيمان أَيْضًا ويعتقد الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, والتزام القيام بما أوجب الله وترك ما حرم الله؛ هَذَا هُوَ الإيمان, فتكون مؤمنًا كامل الإيمان بِذَلِكَ, وتقوم بالإحسان وهي حقائق الإيمان, حقائق العلم والأعمال الصالحة وهو لُبها والمقصود منها, فيكون بِذَلِكَ كله خالصًا لوجه الله تعالى متبعًا لرسوله؛ هكذا يكون مسلم يؤدي ما أوجب الله عليه وينتهي عما حرم الله عليه, ويقوم بالإحسان, ويقوم بِذَلِكَ كله خالصًا لوجه الله متبعًا سنة نبيه r.

والإخلاص لله تعالى والمتابعة لرسوله ركنان وسماه بعض العلماء شرطان إذا صح العمل, الإخلاص لله كما قَالَ تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[الزمر/3], والمتابعة للنبي r, وإن شئت قلت: شرطان لكل عبادة ظاهرة وباطنة, كُلّ عبادة خلت منهما أو من أحدهما فَهِيَ باطلة غير معتدٍ بها, قول الله تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[الزمر/3], {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } [هود: 7].

(المتن)

قَالَ رحمه الله: فحده أن يعلم العبد أن الله هو المألوه المعبود عَلَى الحقيقة فيفرده بأنواع العبادة كلها الظاهرة والباطنة.

(الشرح)

الظاهرة مثل: الصلاة, الصيام, الزَّكَاة, الحج.

الباطنة مثل أعمال القلوب: الخوف, الرجاء, المحبة, الصدق مَعَ الله.

(المتن)

يَعْنِي: أَنَّهُ يقوم بالإسلام كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها من الأعمال الظاهرة, وبالإيمان كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, والتزام القيام بما أوجب الله وترك ما حرم الله.

(الشرح)

وحينئذ هنا قام بالإسلام والإيمان فيسمى مسلم مؤمن.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: وبالإحسان كالقيام بحقائق العلم والإيمان والأعمال الصالحة وهي روحها ولُبها المقصود منها, فيقوم بِذَلِكَ كله خالصًا لوجه الله تعالى متبعًا فِيه سنة رسول الله محمدٍ r, وهذان الركنان: الإخلاص للمعبود, والمتابعة للرسول ركنان, وإن شئت قلت: شرطان لكل عبادة ظاهرة وباطنة.

(الشرح)

لا تصح العبادة إِلَّا بهذين الأصلين والشرطين: أن يكون العمل خالصًا لله, فَإِن أُريد بِهِ غيره فهو الشِّرْك, وثانيًا: المتابعة للنبي r, فَإِذَا تخلفت المتابعة حل محلها البدع.

(المتن)

فكل عبادة خلت منهما أو من أحدهما فَهِيَ باطلة غير معتدٍ بها, قَالَ تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة/5].

وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[الزمر/3].

وقال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[هود/7].

قَالَ الفضيل بْنِ عياض رحمه الله: أخلصه وأصوبه, قالوا: وما أخلصه وأصوبه؟ قَالَ: إن العمل إذا كَانَ خالصًا ولم يكن صوابًا لَمْ يُقبل, وإذا كَانَ صوابًا ولم يكون خالصًا لَمْ يُقبل, فالخالص: أن يكون لله, والصواب: أن يكون عَلَى السنة.

وقال r في الحديث الَّذِي رواه البخاري ومسلم: «من أحدث في أمرنا هَذَا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية لمسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد».

وحقيقة هَذَا التوحيد أَنَّهُ يسمى توحيد الإلهية بالنسبة إِلَى وصف الله المقتضي لِأَنَّ يكون هُوَ المحبوب والمألوه المعظم المعبود وحده, ويسمى توحيد العبادة بالنسبة إِلَى وصف العبد الَّذِي هُوَ إخلاص جميع أنواع العبادة الَّتِي شرعها الله ورسوله لله تعالى.

(الشرح)

إذًا التوحيد يسمى توحيد الألوهية بالنسبة إلى وصف الله, (المقتضي لِأَنَّ يكون هُوَ المحبوب والمألوه المعظم المعبود وحده) توحيد الألوهية, فهو يسمى توحيد الإلهية أو الألوهية بالنسبة إِلَى وصف الله المقتضي لِأَنَّ يكون هُوَ المحبوب والمألوه المعظم المعبود وحده, (ويسمى توحيد العبادة بالنسبة إِلَى وصف العبد) بالنسبة إِلَى وصف الرب يسمى توحيد الألوهية؛ لِأَنَّ الله هُوَ المألوه, وبالنسبة إِلَى وصف العبد يكون توحيد العبادة, (الَّذِي هُوَ إخلاص جميع أنواع العبادة الَّتِي شرعها الله ورسوله r).

قَالَ المؤلف: (هَذَا التوحيد أَنَّهُ يسمى توحيد الإلهية بالنسبة إِلَى وصف الله المقتضي لِأَنَّ يكون هُوَ المحبوب والمألوه المعظم المعبود وحده, ويسمى توحيد العبادة بالنسبة إِلَى وصف العبد).

(المتن)

قَالَ رحمه الله: وحقيقة هَذَا التوحيد أَنَّهُ يسمى توحيد الإلهية بالنسبة إِلَى وصف الله المقتضي لِأَنَّ يكون هُوَ المحبوب والمألوه المعظم المعبود وحده, ويسمى توحيد العبادة بالنسبة إِلَى وصف العبد الَّذِي هُوَ إخلاص جميع أنواع العبادة الَّتِي شرعها الله ورسوله لله تعالى.

فالإلهية وصف الله تعالى والعبودية وصف العبد, ولهذا جمع الله بين الأمرين في قوله لموسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي}[طه/14].

وفي قوله: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ}[مريم/36].

(الشرح)

{وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} هَذَا بالنسبة للرب, {فَاعْبُدُوهُ}بالنسبة للعبد.

(المتن)

وقول الرسل لأممهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[المؤمنون/23].

وإذا علمنا أن هَذَا حده وتفسيره فمن المعلوم أن الداخلين في هَذَا الاسم متفاوتون تفاوتًا عظيمًا, وأنه بحسب قيام العبد بالإسلام والإيمان والإحسان والأعمال الصالحة علمًا وعملًا وحالًا تكون مرتبة العبد في التوحيد وكماله فِيه, والأجر والثواب في الدنيا والآخرة عَلَى هَذَا الأصل, بَلْ كُلّ خيرٍ في الدنيا والآخرة فَإِنَّهُ من آثار التوحيد وثمراته كما أَنَّهُ كُلّ شرٍ في الدنيا والآخرة فمن آثار ترك التوحيد.

(الشرح)

إن الداخلين في الإسلام متفاوتون تفاوتًا عظيمًا, وأنه بحسب قيام العبد بالإسلام والإيمان والإحسان والأعمال الصالحة علمًا وعملًا وحالًا تكون مرتبة العبد في التوحيد وكماله فِيه, والأجر والثواب في الدنيا والآخرة عَلَى هَذَا الأصل, بَلْ كُلّ خيرٍ في الدنيا والآخرة فَإِنَّهُ من آثار التوحيد.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: ثُمَّ فسر المؤلف الإخلاص والمتابعة فَقَالَ:

وحقيقة الإخلاص توحيد
 

 

المراد فلا يزاحمه مراد ثان
 

لكن مراد العبد يبقى واحدًا
 

 

ما فيه تفريق لدى الإنسان
 

 

(الشرح)

هَذَا حقيقة الإخلاص والمتابعة, (حقيقة الإخلاص توحيد المراد) المراد هُوَ الله, (فلا يزاحمه مرادٌ ثاني) يكون مرادك ربك ولا تقصد إِلَّا وجهه.

لكن مراد العبد يبقى واحدًا
 

 

ما فيه تفريق لدى الإنسان
 

 

مراد العبد غير مراد الرب, مراد الرب الإخلاص, (فلا يزاحمه مرادٌ ثاني) توحد مرادك ويكون مرادك هُوَ الله فلا يزاحمه مرادٌ ثاني, لا تريد آخر مَعَ الله كَأن تريد الله وتريد المخلوق لا, الإخلاص أن توحد المراد وهو الله فلا يزاحمه مراد ثاني, (لَكِنْ مراد العبد يبقى واحدًا) مراد العبد مستقل, (ما فِيه من تفريقٍ لدى الإنسان).

(المتن)

قَالَ رحمه الله: يَعْنِي: أن الإخلاص حقيقة أن يوحد العبد مراده ومقصوده فتكون نيته وإرادته متعلقة بالله وحده لا شَرِيك له فلا يكون لهذا المراد مزاحمٌ يزاحمه من الأغراض النفسية بَلْ يكون وصف العبد الإخلاص لله عَلَى الدوام ويقوم بما يقوم بِهِ من الأعمال مستحضرًا لهذا المعنى الشريف خاليًا من الرياء والمقاصد المخالفة لهذا المقصود وبهذا يكون العمل صالحًا مقبولًا مثمرًا للثواب.

(الشرح)

هَذَا حقيقة الإخلاص (حقيقة أن يوحد العبد مراده ومقصوده) مقصود ربه, (نيته وإرادته متعلقة بالله وحده لا شَرِيك له) لا ينظر إِلَى شيء غير ربه, (بَلْ يكون وصف العبد الإخلاص لله عَلَى الدوام ويقوم بما يقوم بِهِ من الأعمال مستحضرًا لهذا المعنى الشريف) وهو الإخلاص, (خاليًا من الرياء والمقاصد المخالفة لهذا المقصود وبهذا يكون العمل صالحًا مقبولًا مثمرًا للثواب) حقيقة الإخلاص؛ أن توحد مرادك وهو الله فلا تريد غيره ولا تقصد غيره, بِذَلِكَ يقوم العبد بما قام بِهِ من الأعمال مستحضرًا لهذا المعنى الشريف خاليًا من الرياء والمقاصد المخالفة لهذا المقصود وبهذا يكون العمل صالحًا مقبولًا مثمرًا للثواب.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: ولهذا قَالَ النَّبِيِّ r: «إِنَّمَا الأعمال بالنيات وَإِنَّمَا لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إِلَى الله ورسوله فهجرته إِلَى الله ورسوله ومن كانت هجرته إِلَى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إِلَى ما هاجر إليه» متفقٌ عليه.

ففاوت بين العملين وصورتهما واحدة بحسب تفاوت النية والمقصود.

(الشرح)

النَّاس كَانُوا يهاجرون من مكة إِلَى المدينة لما أمرهم النَّبِيِّ r أن يهاجروا, يهاجروا من مكة إِلَى المدينة ابتغاء مرضات الله ونصرة لله ورسوله وطاعة لله ورسوله, فلهم أجر الهجرة, وهذا خاص بالصحابة فلا يلحقهم من بعدهم ولما فُتحت مكة صارت مكة دار إسلام فلا يهاجرون منها, وهناك رجل هاجر من مكة إِلَى المدينة لا بقصد طاعة الله ورسوله وَإِنَّمَا هاجر لأجل أن يتزوج امرأة في المدينة تسمى أم قيس, فسمي هَذَا الرجل مهاجر أم قيس, فَقَالَ النَّبِيِّ r: «إِنَّمَا الأعمال بالنيات وَإِنَّمَا لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إِلَى الله ورسوله فهجرته إِلَى الله ورسوله ومن كانت هجرته إِلَى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها» مثل هَذَا الرجل اللي هاجر ليتزوج امرأة, «فهجرته إِلَى ما هاجر إليه».

فالصورة واحدة لَكِنْ النية مختلفة, هَذَا سافر هجرة ونصرة لله ورسوله, وهذا سافر لأجل المال أو لأجل أن يتزوج امرأة والصورة واحدة لكن القصد مختلف.

(المتن)

ففاوت بين العملين وصورتهما واحدة بحسب تفاوت النية والمقصود.

(الشرح)

الصورة واحدة والسفر واحد كله سفر من مكة إِلَى المدينة.

(المتن)

وَكَذَلِكَ  لما سُئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليُرى مكانه أيْ ذلك في سبيل الله؟ فَقَالَ: «من قاتل لتكون كلمة الله هِيَ العليا فهو في سبيل الله» متفقٌ عليه.

(الشرح)

وَكَذَلِكَ  هنا المقاتلون الذين يقاتلون الكفار, العمل صورته واحدة لَكِنْ النية مختلفة هَذَا يقاتل لإعلاء كلمة الله فهذا في سبيل الله, ورجل آخر يقاتل للشجاعة حَتَّى يقال شجاع ويرائي النَّاس, ورجلٌ يقاتل حمية لقومه, ورجل يقاتل للعصبية والدم, فهذه الصورة واحدة كلهم يسافرون, وكلهم يقاتلون الأعداء, لَكِنْ النية مختلفة, فاللي يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل رياءً ليس له أجر الجهاد, واللي يقاتل لإعلاء كلمة الله له أجر الجهاد, فالصورة واحدة والنية مختلفة وكلٌ عَلَى نيته, وهم كلهم في جيش واحد يقاتلون.

كذلك النَّاس الآن يصلون يقفون خلف الإمام يصلون, فتجد الرجلين كلٌ منهما بجانب الآخر وبين صلاتهما كما بين السَّمَاءِ والأرض, هَذَا صف مَعَ الإمام مستحضرًا عظمة الله عز وجل مخلصًا عمله لله ويتذكر ويقرأ الآيات ويتدبرها ويتأمل معانيها ليس عنده وساوس, والثاني يفكر في البيع والشراء والسفر إِلَى بلدان, مثل ما يقال: إن بعض النَّاس كَانَ يصلي مَعَ الإمام فَقَالَ الإمام: إن اليوم نقصت من صلاتك, قَالَ: لماذا؟ قَالَ: لِأَنَّ في العادة أنا إذا دخلت أذبح الجمل وأفرقه وأوزعه قبل السلام والآن أنت سلمت وأنا ما انتهيت, فهذا كلٌ له نيته بين صلاتهما كما بين السَّمَاءِ والأرض والصورة واحدة, الصورة واحدة والنية مختلفة.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: فعلى العبد أن يجاهد نفسه عَلَى الدوام في كُلّ فردٍ من أفراد العبودية عَلَى أن يقصد بِهِ وجه الله وحده لا شَرِيك له, ويجتهد في دفع الخواطر المنافية لذلك ليكون الإخلاص له وصفًا وخُلقًا, وهو روح التوحيد والأعمال الصالحة, وتمام ذلك أن يراعي متابعة الرسول r في جميع أقواله وأفعاله الظاهرة والخفية, وذلك تحقيق شهادة أن لا إله إِلَّا الله وأن محمدًا رسول الله, فينفي الإلهية عما سوى الله تعالى ويُثبتها لله وحده, ويتحقق بمعناها, ويصدق الرسول في خبره ويطيعه في أمره.

(الشرح)

هَذِهِ فسرها المؤلف: (فعلى العبد أن يجاهد نفسه عَلَى الدوام) باستمرار يَعْنِي, (في كُلّ فردٍ من أفراد العبودية) جاهد نفسك في الصلاة حَتَّى تؤديها بإخلاص,  الزَّكَاة جاهد نفسك حَتَّى تؤديها بإخلاص, الحج جاهد نفسك حَتَّى تؤديه بإخلاص, بر الوالدين جاهد نفسك حَتَّى تؤديه بإخلاص, أمرك بالمعروف جاهد نفسك حَتَّى تؤديه بإخلاص, نهيك عن المنكر جاهد نفسك؛ وهكذا.

(فعلى العبد أن يجاهد نفسه عَلَى الدوام في كُلّ فردٍ من أفراد العبودية) العبادات كثيرة, تجاهد نفسك عَلَى أيْ شيء؟ (عَلَى أن يقصد بِهِ وجه الله وحده لا شَرِيك له, ويجتهد في دفع الخواطر المنافية لذلك) الخواطر والوساوس الرديئة الَّتِي ترد عَلَى الإنسان إذا دخل في الصلاة, جاهد نفسك حَتَّى ترد هَذِهِ الوساوس.

(ليكون الإخلاص له وصفًا وخُلقًا, وهو روح التوحيد والأعمال الصالحة, وتمام ذلك أن يراعي متابعة الرسول r في جميع أقواله وأفعاله الظاهرة والخفية, وذلك تحقيق شهادة أن لا إله إِلَّا الله وأن محمدًا رسول الله, فينفي الإلهية عما سوى الله تعالى ويُثبتها لله وحده, ويتحقق بمعناها, ويصدق الرسول في خبره ويطيعه في أمره) وبذلك حصل للمسلم الإخلاص والمتابعة فكان العمل مقبولًا عِنْد الله.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: ثُمَّ ذكر نموذجًا من الأدلة الدالة عَلَى التوحيد والعبادة فَقَالَ:

إن كان ربك واحدًا سبحانه
 

 

فاخصصه بالتوحيد مع إحسان
 

أو كان ربك واحدا أنشاك لم
 

 

يشركه إذ أنشاك رب ثان
 

فكذاك أيضا وحده فاعبده لا
 

 

تعبد سواه يا أخا العرفان
 

 

(الشرح)

يَعْنِي يَقُولُ المؤلف رحمه الله: إذا كَانَ ربك واحد فأنت تخصه بالتوحيد لا تُشرك غيره فِيه, أنت تعتقد أن ربك واحد ليس له شَرِيك في الربوبية فكذلك اخصصه بالتوحيد ولا تشرك معه غيره, خصه بالتوحيد كما أَنَّهُ ربك ليس لك ربٌ سواه فاخصصه بالتوحيد ولا تعبد غيره, ولهذا قَالَ:

إن كان ربك واحدًا سبحانه
 

 

فاخصصه بالتوحيد مع إحسان
 

 

اخصصه بالتوحيد مَعَ إحسان العمل, وإحسان العمل هُوَ المتابعة للنبي r, اخصصه بالتوحيد, إذا كنت تعتقد أن لك رب واحد وليس له شَرِيك فخصه بالتوحيد, وهو أن تخلص العمل له مَعَ الإحسان وهو المتابعة للنبي r.

أو كان ربك واحدا أنشاك لم
 

 

يشركه إذ أنشاك رب ثان
 

 

تعتقد أَنَّ ربك هُوَ الَّذِي أنشأك, ولم يشركه أحد فكذلك أنت لا تشرك غيره في عبادتك, ولذلك قَالَ:

فكذاك أيضا وحده فاعبده لا
 

 

تعبد سواه يا أخا العرفان
 

 

خصه بالعبادة ولا تعبد سواه؛ لِأَنَّه ربك ليس لك ربٌ سواه, فاخصصه بالعبادة ولا تعبد غيره.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: يَعْنِي: إذا كنت مقرًا بأن ربك واحدٌ فهو الخالق الرازق المربي لك ولسائر المخلوقات فخصه بالتوحيد والأعمال الصالحة, فَإِذَا علمت أَنَّهُ الَّذِي أنشأك وحده من غير مشارك له ولا معاون فكذلك اعبده وحده لا تعبد غيره ممن لَمْ يكن كذلك, وهذا الدليل هُوَ الاستدلال بتوحيد الربوبية عَلَى صحة توحيد العبادة, كثيرًا ما يذكره الله في كتابه.

(الشرح)

هَذَا المؤلف استدل بتوحيد الربوبية عَلَى توحيد الألوهية, يَعْنِي: إذا كنت تُقر بأن الله ربك فاعبده ولا تشرك معه في عبادته أحد, والله تعالى كثيرًا ما يستدل بتوحيد الربوبية عَلَى توحيد الألوهية منه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} ثُمَّ جاء الدليل: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة/21-22].

ستة أدلة عَلَى وجوب إفراد الله بالعبادة, اعبدوا ربكم لِأَنَّه هُوَ الَّذِي خلقكم, والذي خلق من قبلكم, والذي جعل الأرض فراشًا, والذي جعل السَّمَاءِ بناءً, والذي أنزل من السَّمَاءِ ماءً, والذي أخرج الثمرات هُوَ المستحق للعبادة, هَذَا استدلال بتوحيد الربوبية عَلَى توحيد الألوهية, مثله كذلك: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}[يونس/31].

إذًا الفاعل لهذه الأشياء هُوَ المستحق للعبادة, {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون/84-89].

إذًا الفاعل لهذه الأسماء هُوَ المستحق للعبادة.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: وهذا الدليل هُوَ الاستدلال بتوحيد الربوبية عَلَى صحة توحيد العبادة, كثيرًا ما يذكر الله في كتابه ويستدل عَلَى المشركين الذين يُنكرون توحيد الألوهية فيُلزمهم بأقوالهم توحيد الربوبية عَلَى ما أنكروه من توحيد الإلهية كما قَالَ تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}[يونس/31].

وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون/84-89]؛ إِلَى غير ذلك من الآيات.

وهذا دليل واضح جدًا ينتقل الذهن منه إِلَى المدلول بأول وهلة.

(الشرح)

ينتقل الذهن من الدليل: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ}[يونس/31]؛ هُوَ المستحق للعبادة, ننتقل من الدليل إِلَى المدلول, الدليل هَذِهِ الأدلة, والمدلول توحيد العبادة والألوهية.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: وهذا دليل واضح جدًا ينتقل الذهن منه إِلَى المدلول بأول وهلة, فَإِنَّهُ إذا كَانَ من المعلوم المتقرر عِنْد كُلّ أحدٍ حَتَّى المشركين بالله أن الله هُوَ الخالق وحده المدبر لجميع الأمور وكل ما سواه مخلوقٌ مدبر فَإِن العقل والفطر يجزمان بتعين عبادة الله وحده, وأنه المستحق للعبادة دون من سواه ممن لا يملك نفعًا ولا ضرًا ولا حياةً ولا نشورًا ولا له من الكمال ما يقتضي أن يُعبد لأجله.

واعلم أن أدلة التوحيد كثيرة جدًا يعسر عد أنواعها فضلًا عن أفرادها, وَلَكِن سننقل هنا عبارتنا في التفسير عَلَى قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[محمد/19].

(الشرح)

المؤلف يَقُولُ: أدلة التوحيد كثيرة ما تُحصى, وَلَكِن سأنقل لك عبارتي الَّتِي كتبتها عَلَى التفسير, تفسير الشيخ اِبْن سعدي تيسير الكريم المنان عَلَى هَذِهِ الآية, سأنقل لك عبارتي وهي الاستدلال عَلَى توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية, ينقلها من كتابه في التفسير: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[محمد/19].

قَالَ: قلت من القائل؟ عبد الرحمن  بْنِ سعدي رحمه الله في كتابه التفسير عَلَى هَذِهِ الآية.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: قلت: العلم لابد فِيه من إقرار القلب ومعرفته بما طُلب منه علمه وتمامه العمل بمقتضاه, وهذا العلم الَّذِي أمر الله بِهِ وهو العلم بتوحيد الله فرض عينٍ عَلَى كُلّ إنسان لا يسقط عن أحدٍ معه عقله كائنًا من كَانَ بَلْ كلٌ مضطرٌ إِلَى ذلك.

(الشرح)

العلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد/19]؛ العلم لابد فِيه من إقرار القلب ومعرفته بما طُلب منه علمه, أنت الآن طُلب منك أداء الصلاة, أقيموا الصلاة, لابد أن يُقر قلبك وأن تعرف ما هُوَ الَّذِي طُلب منك, ما الَّذِي طُلب منك؟ إقامة الصلاة, تعرف أن الصلاة هيئة من العبادة مكونة من ركوع وسجود وقراءة وذكر وتسبيح, مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم في أوقات معينة لابد أن تعرف هَذَا, تصور.

(قلت: العلم لابد فِيه من إقرار القلب ومعرفته بما طُلب منه علمه) أنت مطلوب منك أن تعلم كيف تصلي, (وتمامه العمل بمقتضاه) تمامه أن تطبق تقوم وتصلي, (وهذا العلم الَّذِي أمر الله بِهِ وهو العلم بتوحيد الله فرض عينٍ عَلَى كُلّ إنسان) كُلّ إنسان عليه فرض عين أن يعرف كيف يصلي, لما أمر الله بقيام الصلاة لابد أن يُقر بقلبه ولابد من أن يعرف الشيء الَّذِي طُلب منه, ولابد أن يعمل بِهِ ويؤديه.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: والطريق للعلم بأنه لا إله إِلَّا الله أمور.

(الشرح)

الله تعالى يَقُولُ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد/19]؛ اعلم أَنَّهُ لا معبود بحق إِلَّا الله, الطريق إِلَى العلم بأنه لا إله إِلَّا الله أمور.

(المتن)

أحدها: بَلْ أعظمها؛ تدبر أسماءه وصفاته وأفعاله الدالة عَلَى كماله وعظمته وجلاله, فإنها توجب بذل الجهد في التأله والتعبد للرب الكامل الَّذِي له كُلّ حمدٍ ومجدٍ وجلالٍ وجمال.

(الشرح)

تدبر الأسماء والصفات والأفعال فإنها تدل عَلَى كمال الله وعظمته وهي الَّتِي توجب للعبد أن يبذل جهده في التأله والتعبد لله الَّذِي له كُلّ حمدٍ ومجدٍ وجلالٍ وجمال.

(المتن)

الثاني: العلم بأنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير فيُعلم بِذَلِكَ أَنَّهُ المنفرد بالألوهية.

(الشرح)

هَذَا استدلال بالربوبية عَلَى الألوهية, تعلم أن الله هُوَ المنفرد بالخلق والتدبير, ليس له شَرِيك في الخلق ولا في التدبير إذًا ينبغي أن يُفرد بالعبودية والألوهية, الله منفرد بأي شيء؟ الله منفردٌ بالخلق والتدبير, هَلْ معه خالق, هَلْ هناك أحد يستطيع يخلق مَعَ الله, هَلْ من خالق غير الله؟ لا يوجد, هَلْ هناك أحد يدبر مَعَ الله في هَذَا الكون؟ لا, إذًا هُوَ منفردٌ بالخلق, إذًا أفرده أنت بالألوهية والعبادة, كما أَنَّهُ المنفرد بالخلق والتدبير فأفرده بالعبادة.

(المتن)

الثالث: العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية فَإِن ذلك يوجب تعلق القلب بِهِ ومحبته والتأله له وحده لا شَرِيك له.

(الشرح)

 (العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة) تعلم أن الله هُوَ المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة, كُلّ النعم من الله: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل/53].

أول شيء: خلقنا ووجدنا من العدم, ثُمَّ ربانا بالنعم, وأعطانا الأسماع والأبصار والأفئدة, ومَنَّ علينا بالرزق, والمال والولد إِلَى غير ذلك من النعم, هَلْ هناك أحد منعم غير الله؟ لا, إذًا هُوَ المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية, النعم الدينية: مَنّ علينا بالإسلام والإيمان, أعظم النعم الَّتِي أنعم الله بها عَلَى اَلْمُسْلِم أن وفقه للإيمان وهداه للإسلام, إذًا هَلْ هناك أحد مَعَ الله في هَذَا, هَلْ هناك مشارك لله في هَذِهِ النعم؟ لا, وهذا يوجب أن يتعلق القلب بالله ومحبته والتأله له.

(المتن)

الرابع: ما نراه ونسمعه من الثواب لأوليائه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة, ومن عقوبته لأعدائه المشركين بِهِ فَإِنَّهُ هَذَا داعٍ للعلم بأنه تعالى وحده المستحق للعبادات كلها.

(الشرح)

الرابع: ما يُرى ويُسمع من الثواب الَّذِي أعطاه الله لأوليائه من الثواب المعجل في الدنيا بالنصر والنعم العاجلة, وفي الآخرة بالثواب العظيم والتمتع بدار كرامته وجنته, وَكَذَلِكَ أَيْضًا ما نراه ونسمعه من عقوبات الله للمشركين وهزيمتهم وخذلانهم, هَذَا يدعو العبد إِلَى أَنَّ يعلم أن الله تعالى هُوَ المستحق للعبادة دون ما سواه.

(المتن)

الخامس: معرفة أوصاف الأوثان والأنداد الَّتِي عُبدت مَعَ الله واُتخذت آلهة, وأنها ناقصة من جميع الوجوه فقيرة بالذات لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفًا ولا ضرًا ولا حياةً ولا موتًا ولا نشورًا, ولا ينصرون من عبدهم, ولا ينفعونهم بمثقال ذرة من جلب خيرٍ أو دفع شر, فَإِن معرفة ذلك والعلم بِهِ يوجب العلم بأنه لا إله إِلَّا الله وبطلان إلهية ما سواه.

(الشرح)

هَذَا الخامس: (معرفة أوصاف الأوثان والأنداد) وأنها ناقصة وأنها لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا ولا حياةً ولا نشورًا وهي ناقصة من جميع الوجوه, اللي يعبد الأصنام واللي يعبد الأوثان, واللي يعبد الحيوانات, ناقصة من جميع الوجوه وفقيرة بالذات إِلَى الله, لا تملك شَيْئًا لا لنفسها ولا لعابديها, ولا تنصر من عبدها, ولا تنفعه ولو بمثقال ذرة, إذا عرفت ذلك وعلمت ذلك فهذا يوجب لك أن تُفرد الله بالألوهية والعبادة.

(المتن)

السادس: اتفاق كتب الله عَلَى ذلك وتواطئها عليه.

(الشرح)

يَعْنِي: كتب الله كلها اتفق عَلَى هَذَا, وتواطأت عَلَى أن الله هُوَ المستحق للعبادة وأنه يَجِبُ إفراده بالعبادة.

(المتن)

السابع: أن خواص الخلق الذين هم أكمل الخليقة أخلاقًا وعقولًا ورأيًا وصوابًا وعلمًا وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيون قَد شهدوا لله بِذَلِكَ.

(الشرح)

شهدوا لله بأن الله هُوَ المستحق للعبادة, أكمل الخلق الأنبياء والرسل والعلماء, قَالَ تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران/18]؛ قرن الله شهادة العلماء بشهادته وشهادة ملائكته عَلَى أجل مشهودٍ بِهِ وهو الشهادة لله تعالى بالوحدانية.

(المتن)

الثامن: ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية الَّتِي تدل عَلَى التوحيد أعظم دلالة, وتنادي عليه بلسان حالها بما أودعها من لطائف صنعته وبديع حكمته وغرائب خلقه.

(الشرح)

(ما أقامه الله من الأدلة الأفقية) في الأفاق أفاق السموات والأرض, (والنفسية) في الأنفس: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات/21].

فكر في آفاق السموات والأرض, هَذِهِ الأجواء وهذه السموات وهذه الأراضين وهذه البحار, وهذه الأنهار, وهذه الوحوش والسباع والبحار وما فِيهَا من المخلوقات العظيمة, هَذِهِ كلها أدلة تدل عَلَى أن الله تعالى منفردٌ بخلقها وإيجادها, وأنه أحكم خلقه ما فِيه من تفاوت, فحينئذٍ تستدل بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ المستحق للعبادة وحده.

كذلك ما في نفسك: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات/21]؛ فكر في نفسك الآن كيف نشأ الإنسان وهو في بطن أمه ثُمَّ نشأ طفلًا ثُمَّ صبيًا ثُمَّ شابًا ثُمَّ كهلًا ثُمَّ شيخًا, فكر في نفسك الآن, فكر في أمعاءك الآن والدورة الدموية, كيف تفكيرك الآن, فكر, هَذِهِ الآيات كلها تدل عَلَى قدرة الله ووحدانيته وأنه المستحق للعبادة وحده دون ما سواه, الآيات الأفقية الَّتِي في الآفاق والنفسية ما في الأنفس وأنفس بني آدم.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: فهذه الطرق الَّتِي أكثر الله من دعوة الخلق بها إِلَى أَنَّهُ لا إله إِلَّا هُوَ وأبداها في كتابه وأعادها عِنْد تأمل العبد في بعضها, لابد أن يكون عنده يقينٌ وعلمٌ بِذَلِكَ, فكيف إذا اجتمعت وتواطأت واتفقت وقامت براهين التوحيد من كُلّ جانب فهناك يرسخ الإيمان والعلم في قلب العبد بحيث يكون أعظم من الجبال الرواسي ولا تزلزله الشبه والخيالات, ولا يزداد عَلَى تكرار الباطل والشبه إِلَّا نموًا وكمالًا.

(الشرح)

سبحان الله, (فهذه الطرق الَّتِي أكثر الله من دعوة الخلق بها إِلَى أَنَّهُ لا إله إِلَّا هُوَ وأبداها في كتابه) الأدلة في الآفاق وفي الأنفس ومعرفة أوصاف الأوثان, شهادة خواص الخلق, تدبر أسماء الله وصفاته, العلم بأنه منفرد بالنعم, ما نراه ونسمعه من ثواب الله لأوليائه وعقابه لأعدائه, كُلّ هَذِهِ إذا اجتمعت وتواطأت وقامت البراهين من كُلّ جانب, (هناك يرسخ الإيمان في قلب العبد بحيث يكون أعظم من الجبال الرواسي ولا تزلزله الشبه والخيالات, ولا يزداد عَلَى تكرار الباطل والشبه إِلَّا نموًا وكمالًا).

(المتن)

قَالَ رحمه الله: هَذَا وإن نظرت إِلَى الدليل العظيم والأمر الكبير وهو تدبر هَذَا الْقُرْآن العظيم والتأمل في آياته فَإِنَّهُ الباب الأعظم للعلم بالتوحيد ويحصل بِهِ من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره إِلَى آخر ما ذكرته عَلَى تلك الآية الكريمة.

(الشرح)

هَذَا كلام المؤلف في التفسير عَلَى قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد/19].

(الدليل العظيم والأمر الكبير وهو تدبر هَذَا الْقُرْآن العظيم والتأمل في آياته فَإِنَّهُ الباب الأعظم للعلم بالتوحيد ويحصل بِهِ من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره).

(المتن)

قَالَ: وهذه المذكورات أجناسٌ وأنواعٌ للأدلة ولو فُسرت وبُسطت لبلغت شَيْئًا كثيرًا.

(الشرح)

يَعْنِي هَذِهِ المذكورات أنواع وكل نوع تحته أفراد, يَعْنِي: لو تريد أن تحصر ما تستطيع تحصر أفراد الأدلة, هَذِهِ أجناس وأنواع وكل جنس تحته أفراد متعددة, ولذلك مثل ما قَالَ بعض العلماء: الأدلة عَلَى علو الله عَلَى خلقه تزيد أفرادها عَلَى ألف دليل, كذلك هنا المذكورات أجناسٌ وأنواعٌ للأدلة الَّتِي تدل عَلَى أن الله المستحق للعبادة هَذِهِ أجناس وأنواع وكل جنس تحته نوع ولا حصر لها.

(المتن)

قَالَ المصنف في مدارج السالكين لما ذكر توحيد المبطلين والمثبتين:

فصل.

وأما التوحيد الَّذِي دعت إليه رسل الله ونزلت بِهِ كتبه فوراء ذلك كله وهو نوعان: توحيدٌ في المعرفة والإثبات, وتوحيدٌ في الطلب والقصد.

(الشرح)

هَذَا إعادة لما سبق, يَقُولُ: وأما التوحيد الَّذِي دعت إِلَى رسل الله ونزلت بِهِ كتبه فوراء ذلك كله وهو نوعان:

  1. توحيدٌ في المعرفة والإثبات؛ وهذا يسمى توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.
  2. وتوحيدٌ في الطلب والقصد؛ هَذَا توحيد العبادة والألوهية.

فذكر الأول ويذكر الثاني إعادة لما سبق, فالأول, ما هُوَ الأول؟ توحيدٌ في المعرفة والإثبات؛ وهذا يسمى توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: فالأول: هُوَ إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله, وعلوه فوق سمواته عَلَى عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده, وإثبات عموم قضاءه وقدره وحكمه, وقد أفصح الْقُرْآن عن هَذَا النوع جِد الإفصاح كما في أول الحديد, وسورة طه, وآخر سورة الحشر, وأول تنزيل السجدة, وأول آل عمران, وسورة الإخلاص بكاملها وغير ذلك.

(الشرح)

هَذَا الأول: الَّذِي هُوَ توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات, ما هُوَ؟ حقيقته: (إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله, وعلوه فوق سمواته عَلَى عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده, وإثبات عموم قضاءه وقدره وحكمه) أين يوجد هَذَا في الْقُرْآن؟ يَقُولُ: موجود في الْقُرْآن كثير وقل أن تجد سورة إِلَّا وفيها, أول سورة الحديد: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحديد/1].

سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه/5].

آخر سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[الحشر/22].

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى}[الشورى/24].

أول آل عمران: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[آل عمران/2].

سورة الإخلاص بكمالها, هذه أمثلة, والنوع الثاني توحيد العبادة والألوهية كذلك سيذكر لها أمثلة.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: النوع الثاني: مثل ما تضمنه سورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[الكافرون/1].

وقوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}[آل عمران/64].

وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها, وأول سورة يونس ووسطها وآخرها, وأول سورة الأعراف وآخرها, وجملة سورة الأنعام.

(الشرح)

 هَذَا النوع الثاني توحيد العبادة والألوهية: مثل ما تضمنه سورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون/1-6]؛ في توحيد العبادة.

 أول سورة تنزيل السجدة: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[الزمر/2-3]؛ هَذَا توحيد العبادة.

وأول سورة يونس وأوسطها وآخرها في توحيد العبادة, وأول سورة الأعراف وآخرها, وجملة سورة الأنعام.

ثُمَّ قَالَ المؤلف: (غالب سور الْقُرْآن مشتملة عَلَى النوعين بَلْ كُلّ سورة في الْقُرْآن) ما تخلو من التوحيدين, وهذا كلام اِبْن القيم في مدارج السالكين.

(المتن)

وغالب سور الْقُرْآن بَلْ كُلّ سورة في الْقُرْآن فَهِيَ متضمنة لنوعي التوحيد.

(الشرح)

لتوحيد المعرفة والإثبات وهو الربوبية والأسماء والصفات, وتوحيد العبادة وتوحيد الألوهية؛ كُلّ سورة متضمنة للنوعين.

(المتن)

قَالَ: بَلْ نقول قولًا كليًا: إن كُلّ آية في الْقُرْآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدةٌ بِهِ داعية إليه.

(الشرح)

هَذَا قول كلي: (إن كُلّ آية في الْقُرْآن في متضمنة للتوحيد شاهدةٌ بِهِ داعية إليه).

(المتن)

فَإِن الْقُرْآن إِمَّا خبرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو توحيد العلمي الخبري.

(الشرح)

اللي هُوَ توحيد الربوبية والأسماء والصفات.

(المتن)

وإما دعوة إِلَى عبادته وحده لا شَرِيك له وخلع ما يُعبد من دونه فهو التوحيد الطلبي الإرادي.

(الشرح)

اللي هُوَ توحيد العبادة.

(المتن)

وإما أمرٌ ونهيٌ وإلزامٌ بطاعته ونهيه وأمره فهو من حقوق التوحيد ومكملاته, وإما خبرٌ عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يُكرمهم بِهِ في الآخرة فهو جزاء توحيده, وإما خبرٌ عن أهل الشِّرْك وما فُعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبرٌ عن حكم من خرج عن التوحيد.

(الشرح)

عَلَى هَذَا يكون الْقُرْآن كله في التوحيد من أوله إِلَى آخره, لماذا؟ الْقُرْآن إِمَّا خبرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وهذا توحيد الربوبية والأسماء والصفات, وإما دعوة إِلَى عبادته وحده لا شَرِيك له وخلع ما يُعبد من دونه فهو التوحيد الطلبي الإرادي, وإما أمرٌ ونهيٌ وإلزامٌ بطاعته ونهيه وأمره فهو من حقوق التوحيد ومكملاته, وإما خبرٌ عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما حصل لهم في الدنيا من النصر, وما يحصل لهم في الآخرة من الثواب فهذا جزاء أهل التوحيد.

وإما خبرٌ عن أهل الشِّرْك وما فُعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبرٌ عن حكم من خرج عن التوحيد, فصار الْقُرْآن كله للتوحيد وحقوقه ومكملاته وفي شأن الشِّرْك وأهله, فالقرآن كله في التوحيد.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشِّرْك وأهله وجزائهم.

(الشرح)

الْقُرْآن كله في هَذَا, إِمَّا في التوحيد أو في حقوقه أو جزاء أهله, أو في شأن الشِّرْك وأهله أو جزاء أهله.

(المتن)

{الْحَمْدُ لِلَّهِ}[الفاتحة/2]؛ توحيدٌ.

{رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة/2]؛ توحيد.

{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة/3]؛ توحيد.

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة/4]؛ توحيد.

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ توحيد.

{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة/5] ؛ توحيد.

{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة/6] ؛ توحيد.

متضمن لسؤال الهداية إِلَى طريق أهل التوحيد الذين أنعم الله عَلَيْهِمْ, {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة/7]؛ الذين فارقوا التوحيد.

(الشرح)

بهذا يكون الْقُرْآن كله من أوله إِلَى آخره في التوحيد.

(المتن)

قَالَ رحمه الله: ثُمَّ أطال الكلام في هَذَا الموضع بما لا يستغني عنه الْمُؤْمِن.

(الشرح)

يَعْنِي: المؤلف استطرد في هَذَا الكلام, يَعْنِي ينبغي للمؤمن أن يفرح.

ونقف عَلَى هَذَا, ووفق الله الجميع لطاعته.

 

  

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد