بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى أشرف الأنبياء والمرسلين نَبِيُّنَا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا, قَالَ المصنف عليه رحمه الله تعالى:
(المتن)
والصدق توحيد الإرادة وهو |
|
بذل الجهد لا كسلا ولا متوان |
والسنة المثلى لسالكها فتوحيد |
|
الطريق الأعظم السلطاني |
فلواحد كن واحدا في واحد |
|
أعني سبيل الحق والإيمان |
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك عَلَى عبد الله ورسوله نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بَعْدَ:
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى:
والصدق توحيد الإرادة وهو |
|
بذل الجهد لا كسلا ولا متوان |
الصدق: هَذَا هُوَ الْأَمْرِ الثاني من الأمور الَّتِي لا يتم التوحيد إِلَّا بها, الْأَمْرِ الأول: هُوَ الإخلاص وقد ذكره فيما سبق, في قوله ذكر الصدق والإخلاص وأنهما ركنان في التوحيد, فقَالَ:
والصدق والإخلاص ركنا ذلك |
|
التــوحيد كالركنين للبنيان |
ثُمَّ فسر الإخلاص فَقَالَ:
وحقيقة الإخلاص توحيد المراد |
|
فلا يزاحمه مراد ثان |
يَعْنِي: حقيقة الإخلاص؛ أن توحد المراد, ومرادك الله عز وجل لا تقصد بعملك إلا الله وهذا هُوَ الإخلاص, (توحيد المراد فلا يزاحمه مرادٌ ثاني) لا يكون لك مرادًا آخر, لا يزاحم مراد الله مرادًا آخر:
لكن مراد العبد يبقى واحدًا |
|
ما فيه تفريق لدى الإنسان |
هَذَا هُوَ الصدق, الصدق: هُوَ أن يبقى العبد واحدًا ما فِيه تفريق, وهو توحيد الإرادة, وهو بذل الجهد بألا تكون الإرادة منقسمة, بأن يبذل العبد جهده وطاقته وقدرته في القيام بما أمره الله بِهِ علمًا وعملًا من دون كسل ولا تواني, ولا فتور عزيمة, هَذَا هُوَ الصدق والصدق توحيد الإرادة, والإخلاص توحيد المراد, والمراد هُوَ الله, يَعْنِي: تُخلص عملك لله, فلا يزاحم مرادك مرادًا آخر من المخلوقين, ومرادك هُوَ الله.
وأما الصدق: فهو توحيد الإرادة, إرادتك أنت تكون متوحدة غير منقسمة, بأن تكون إرادتك في القيام بِأَمْرِ الله بنشاط وعدم كسل وتواني, ولا ضعف عزيمة, ولهذا قَالَ المؤلف:
والصدق توحيد الإرادة وهو |
|
بذل الجهد لا كسلًا ولا متوان |
وأما الثالث: فهو المتابعة للنبي r, وإتباع النَّبِيِّ r ظاهرًا وباطنًا, وتوحيد الطريق, ولهذا قَالَ:
والسنة المثلى لسالكها فتوحيد |
|
الطريق الأعظم السلطاني |
توحيد الطريق ما هُوَ؟ هُوَ كتاب الله وسنة رسوله, الطريق إِلَى الله, الطريق الموصل إِلَى الله هُوَ كتاب الله وسنة رسوله r, ليس هناك طريقٌ آخر, توحد الطريق ما يكون الطريق الآخر طريق الفلاسفة أو عن طريق الصبو, أو عن طريق العقل, لا, طريقٌ واحد وهو الكتاب والسنة, مافي فلسفة بعض النَّاس يقول هناك طرق اخرى يرى أَنَّ هناك طريق اخر يصل عن طريق الفلسفة, أو عن طريق الصبو, أو عن طريق العقل والخيال.
- فالتوحيد لا يكون إِلَّا بهذه الأمور الثلاثة:
الإخلاص: وهو توحيد المراد.
الصدق: وهو توحيد الإرادة.
توحيد الطريق: وهو اتباع الكتاب والسنة.
ثُمَّ أجمل هَذِهِ الثلاثة قَالَ:
فلواحد كن واحدًا في واحد |
|
أعني سبيل الحق والإيمان |
فلواحد: هُوَ الله وحده, وهذا هُوَ الإخلاص, أخلص العبادة لواحد, (كن واحدًا) هَذَا الصدق المشتمل عَلَى الإرادة والقصد والعمل وهذا هُوَ الصدق, (في واحدٍ) هَذَا هو الطريق, (في واحدٍ) فسرها بقوله: (أعني سبيل الحق والإيمان) هَذِهِ الأمور الثلاثة
فلواحد: لله, اخلص العبادة لله، (كن واحدًا) هَذَا الصدق المشتمل عَلَى الإرادة والقصد، (في واحدٍ) هذا المتابعة.
(المتن)
قَالَ رحمه الله: يَعْنِي أن التوحيد لا يتم إِلَّا بثلاثة أمور:
توحيد المراد: وهو الإخلاص كما تقدم.
وتوحيد الإرادة: وهو ألا تكون الإرادة منقسمة, بأن يبذل العبد جهده ومقدوره في القيام بما أمر الله بِهِ علمًا وعملًا ووصفًا من غير كسلٍ ولا توانٍ ولا انحلال عزيمةٍ فهذا حقيقة الصدق.
وتوحيد الطريق: وهو اتباع السنة ظاهرًا وباطنًا.
ثُمَّ أجمل الثلاثة في قوله: (فلواحدٍ) أيْ الله وحده وهو الإخلاص, (كن واحدًا) أيْ مجتمع الإرادة والقصد والعمل وهو الصدق, (في واحدٍ) وهي المتابعة فسره بقوله: (أعني سبيل الحق والإيمان) أي وما سواها من الطرق فإنها طرق الغي والضلال والكفر والوبال.
قال رحمه الله:
هذي ثلاث مسعدات للذي |
|
قد نالها والفضل للمنان |
فإذا هي اجتمعت لنفس حرة |
|
بلغت من العلياء كل مكان |
(الشرح)
يَقُولُ المؤلف: هَذِهِ الأمور الثلاثة تُسعد العبد, إذا اجتمعت هَذِهِ الأمور الثلاثة فإنها الغاية الَّتِي لا غاية فوقها والكمال الَّذِي لا كمال فوقه, من اجتمعت فِيه هَذِهِ الأمور حصل عَلَى السعادة وهي؛ الإخلاص والصدق والمتابعة, يَعْنِي: يكون الإخلاص خُلقًا له ووصفًا له, وتكون أعماله كلها مقرونة بالإخلاص, وَكَذَلِكَ الصدق والاجتهاد يكون حليفه بأن يجتهد في القيام بما أمر الله بِهِ علمًا وعملاً ويصدق مَعَ الله, وَكَذَلِكَ يكون طريقه إتباع الرسول r إتباع الكتاب والسنة, إذا اجتمعت هَذِهِ الثلاث هَذَا هُوَ السابق حقًا, وهو الَّذِي حصل له السعادة والفلاح والفوز والربح.
وكمال العبد ما يتخلف إِلَّا إذا تخلفت هَذِهِ الأمور الثلاثة أو واحدًا منها أو اثنين منها, إذا تخلفت تخلف الربح والكمال, وإذا توفرت توفر الربح والكمال.
(المتن)
قَالَ رحمه الله: يَعْنِي: أن من اجتمعت له هَذِهِ الأمور الثلاثة بأن يكون الإخلاص خُلقه ووصفه وأعماله مقرونة بِهِ والصدق والاجتهاد قرينه وحامله, وإتباع الرسول طريقه فهو السابق حقًا المستولي عَلَى الغاية الَّتِي لا غاية فوقها, والكمال الَّذِي لا كمال فوقه, وحصلت له السعادة والفلاح والفوز والأرباح, فَإِن تخلف كمال العبد وحرمانِه مداره عَلَى فقد واحدٍ من هَذِهِ الثلاثة أو اثنين أو كلها.
قَالَ رحمه الله:
لله قلب شام هاتيك البروق |
|
من الْخيام فهم بالطيران
|
لَوْلَا التعلل بالرجاء تصدعت |
|
أعشاره كتصدع الحيران |
وتراه يبسطه الرَّجَاء فينثني |
|
متمايلًا كتمايل النشوان |
وَيعود يقبضهُ الاياس لكَونه |
|
مُتَخَلِّفًا عَن رفْقَة الْإِحْسَان |
فتراه بَين الْقَبْض والبسط |
|
اللذان هما لأفق سمائه قطبان
|
وبدا لَهُ سعد السُّعُود فَصَارَ |
|
مسراه عَلَيْهِ لا على الدبران |
لله ذياك الْفَرِيق فإنهم |
|
خصوا بخالصة من الرَّحْمَن |
شُدت ركائبهم إِلَى معبودهم |
|
وَرَسُوله يَا خيبة الكسلان |
(الشرح)
هَذِهِ الأبيات يبين المؤلف رحمه الله يصور حاله ويتعجب من حال مَن مَنَّ الله عليه بالتحقيق والصدق والإخلاص والمتابعة, صار وصفا له وكلما حصلت منزلة من منازل السائرين بادر إليها بمنزلة من طال البروق من خيام الأحبة عَلَى بَعْدَ, صار قلبه ينازعه حَتَّى يكاد يهم يطير إِلَى أحبابه ويتمتع بلقائهم, لَكِنْ لولا أن المحب يتعلل بقرب اللقاء ويحدث نفسه باجتماعه بالأحبة, لولا أَنَّهُ يعلل لنفسه بهذا لتصدعت أعشار قلبه.
فهو يعلل نفسه بالرجاء يرجو أن يصل المحبين, فهو يتعلل بقرب اللقاء ويحدث نفسه بالاجتماع بالأحبة لولا ذلك لتصدعت أعشار قلبه, يَعْنِي: جوانبه, كما يتصدع الحيران الَّذِي حيره الحب, وذهب بشعوره, فكذلك المحب لله يجتهد في مراضي الرب سبحانه وتعالى ويحضره الشوق والقلق, وهو يلاطف نفسه برجاء اللقاء ولولا أَنَّهُ يلاطف نفسه برجاء اللقاء والاجتماع لذابت نفسه واحترق قلبه, لكنه إذا نظر إِلَى تقصيره وأنه متخلف عن رفقة السابقين وأن عمله مقصر لا يصل إليهم يصير عنده قبض ويقبضه اليأس فيكون بين الخوف والرجاء, بين الخوف والرجاء الذين هما لعبادته وأعماله كالقطبين للنجوم, فتراه بين القبض وبين البسط, البسط إذا تعلل بالرجاء والقبض إذا نظر إِلَى تقصيره صار عنده قبض, وإذا نظر لشوقه ومحبته صار عنده بسط, ويتعلل بين القبض والبسط, فهو يعبد ربه بالخوف والرجاء والعبادة كلها تدور على الخوف والرجاء, العبادة مبنية عَلَى المحبة والخوف والرجاء.
فهذه أركان العبادة: الحب, والخوف, والرجاء.
من عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد, ومن عبد الله بواحدٍ منها لَمْ يعبد الله حَقّ عبادته, ومن عبد الله بالحب وحده دون الخوف والرجاء هَذِهِ طريقة الصوفية والزنادقة, ولهذا يُذكر في كتب الوعظ عن رابعة العدوية أنها قالت: ما عبدت الله خوفًا من ناره ولا طمعًا في جنته فأكون كأسير السوء وَلَكِن عبدته حبًا لذاته وشوقًا إليه, يَعْنِي تقول: أنا ما أعبد الله بالخوف والرجاء, الواحد إذا كَانَ يعبد من أجل الخوف والرجاء معناه نفعي خائف نفعي, لا أنا أعبده لذاته, حب لذاته وهذا باطل من أبطل الباطل.
الله تعالى أخبر عن أنبياءه ورسله لما ذكر أنبياءه إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليما وأيوب وذا النون وذا الكفل وزكريا قَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}[الأنبياء/90]؛ خوفًا ورجاءًا وهؤلاء الأنبياء.
وقال تعالى عن وصف الْمُؤْمِنِين: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}[السجدة/16]؛ فكيف يَقُولُ الصوفية أَنَّهُمْ لا يعبدونه خوفًا ورجاءًا, يَقُولُ: هَذَا نفعي لما يعبد إلا خوفا ورجاءا لنفعي ما يظن إِلَّا منفعة نفسه, لَكِنْ أنا أعبده حبًا لذاته وشوقًا إليه, هذا باطل, عبادة الله بالحب وحده طريقة الزنادقة, وعبادة الله بالخوف وحده طريقة الخوارج الحرورية, وعبادة الله بالرجاء وحده طريقة المرجئة.
ولهذا يَقُولُ العلماء: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق, من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري أو خارجي, ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ, ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمنٌ موحد, العبادة كلها تدور عَلَى هَذَا, وهذه المراتب الثلاثة: المحبة, الخوف, الرجاء؛ هِيَ أصل أعمال القلوب وبها تستقيم الأعمال الظاهرة والباطنة.
وقول المؤلف:
وبدا لَهُ سعد السُّعُود فَصَارَ |
|
مسراه عَلَيْهِ لا على الدبران |
ذكر الشارح رحمه الله أن هَذَا يحتمل أن مراده أن سير هَذَا الفريق لما كَانَ مصاحبًا للخوف والرجاء وكانت روحه المحبة كَانَ سيرًا محمودًا مآله إِلَى العز والفلاح, بخلاف من كَانَ سيره سير البطالين أهل الكسل فَإِن سيره إِلَى الوراء, ويحتمل أَنَّهُ أراد: (بسعد السعود) السير عَلَى متابعة الرسول r والاقتداء بهديه, وتجنب السير عَلَى الدبران كالسير خلف, كُلّ من كَانَ خلف الرسول.
قوله: (لله ذياك الْفَرِيق) يَعْنِي: موصوف بتلك الصفات الحميدة, وهذا التوصيف المراد منه التعظيم والتعجب من حسن حالهم وعلو قدرهم, ولهذا قَالَ: (فإنهم خصوا بخالصة من الرَّحْمَن) يَعْنِي: أخلصهم الله من كُلّ كدر, واختصهم بولايته كما قَالَ تعالى: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ}[ص/46].
ثم وصفهم وقَالَ:
شُدت ركائبهم إِلَى معبودهم |
|
وَرَسُوله يَا خيبة الكسلان |
يَعْنِي: هم شدوا ركائبهم إِلَى معبودهم, يَعْنِي: يسيروا إِلَى الله معبودهم بالإخلاص والعبادة, وإلى الرسول بالإتباع والسير عَلَى منهاج النَّبِيِّ r.
(المتن)
قَالَ رحمه الله:
يتعجب المؤلف رحمه الله ويستعظم من قلبٍ مَنَّ الله عليه بالتحقق بالصدق والإخلاص والمتابعة؛ حَتَّى صارت له نعتًا وصارت رغبته كلها في مراضي ربه في كُلّ وقت, فكلما بدا له منزلة من منازل السائرين وخصلة من خصال العاملين بادر إليها شوقًا ومحبةً وانقاد لها طوعًا واختيارًا, بمنزلة من طالع البروق من خيام الأحبة على بُعد فصار قلبه ينازعه حَتَّى يكاد يهم أن يطير إِلَى أحبابه ويتمتع بلقائهم الَّذِي هُوَ ألذ للمحبين يمر عليه من أرواحهم, فلولا أن المحب يتعلل بقرب اللقاء ويحدث نفسه باجتماعه بأحبته لتصدعت أعشار قلبه؛ أي جوانبه, (كتصدع الحيران) الَّذِي حيره الحب وذهب بشعوره.
كذلك المحب لله تعالى يجهد نفسه في مراضيه حَتَّى تنمو محبة الله في قلبه ويُحدث له الشوق والقلق, فلولا أَنَّهُ يلاطف نفسه برجاء اللقاء لذابت نفسه واحترق لُبه, ثُمَّ إذا نظر إِلَى نفسه وتقصيره وتخلفه عن رفقة السابقين قبضه اليأس فتجده بين الخوف والرجاء الذين هما لعبادته وأعماله كالقطبين في النجوم, فالعبادات كلها تدور عَلَى الخوف والرجاء, فيرجو العبد قبولها وتقريبها لربه, ويخاف من ردها وعدم القيام بها وبحقوقها.
إن نظر إِلَى رحمة الله ولطفه انفتح له باب الرجاء والطمع, وإن نظر إِلَى تقصيره وما يستحقه الله من العبودية الَّتِي لا يمكن لعبد القيام بها أحدث لها القبض وباعتدال الخوف والرجاء يعتدل سير العبد, فَإِذَا رُجح جانب الرجاء خِيف الأمن من مكر الله وحصل الإدلال والشطح الَّذِي لا يليق بالمخلوق وإن رُجح جانب الخوف خِيف منه اليأس والقنوت من رحمة الله.
وهذه المراتب الثلاثُ: المحبة, الخوف, والرجاء؛ أصل أعمال القلوب وبها تستقيم الأعمال الظاهرة والباطنة كما جمعها الله تعالى في قوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[الإسراء/57].
(الشرح)
يبتغون: يطلبون إِلَى ربهم الوسيلة أيهم أقرب, هَذِهِ المحبة, ويرجون ويخافون, جمع بين الثلاث, يبتغون: هَذِهِ المحبة, ويرجون: هَذَا الرجاء, ويخافون: هَذَا الخوف.
(المتن)
وقول المصنف: (وبدا له سعد السعود) البيت يحتمل أن مراده بهذا التشبيه أن سير هَذَا الفريق لما كَانَ مصاحبًا للخوف والرجاء وكانت روح المحبة كَانَ سيرًا محمودًا مآله إِلَى العز والفلاح والعلو وحصول الأرباح بخلاف من كَانَ سيره سير الباطلين أهل الكسل فَإِن سيرهم إِلَى وراء, قَالَ تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}[المدثر/37].
ويحتمل أَنَّهُ أراد بسعد السعود: السير عَلَى متابعة الرسول والاقتداء بهديه وتجنب السير عَلَى الدبران كالسير خلف كُلّ من خالف الرسول, وقوله: (لله ذياك الفريق) أيْ الموصوف بتلك الصفات الحميدة.
قَالَ: وهذا التصغير المراد بِهِ التعظيم والتعجب من حُسن حالهم وعلو قدرهم, ولهذا قَالَ: (فإنهم خُصوا بخالصةً من الرحمن) أيْ أخلصهم الله من كُلّ كدرٍ واختصهم بولايته.
قَالَ تعالى عن خيار أنبياءه: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ}[ص/46]؛ أيْ جعلنا ذكر الدار الآخرة في قلوبهم والعمل لها صفوة وقتهم, والإخلاص والمراقبة لله وصفهم الدائم, وجعلناهم ذكر الدار يتذكر بأحوالهم المتذكر ويعتبر بهم المعتبر ويُذكرون بأحسن الذكر.
وقوله: (شُدت ركائبهم إِلَى معبودهم) هَذَا هُوَ الإخلاص لله ورسوله بالمتابعة.
(الشرح)
(شُدت ركائبهم إِلَى معبودهم) هَذَا هو الإخلاص, (ورسوله) هَذَا المتابعة.
(المتن)
قَالَ: (يا خيبة الكسلان) الَّذِي تخلف عن فريقهم ولم يسلك مسلكهم في طريقهم.
قَالَ رحمه الله: فصلٌ في بيان ما يناقض هَذَا التوحيد من الشِّرْك الأكبر والأصغر ووسائل ذلك.
والشركَ فاحذره فشركٌ ظاهر |
|
ذا القسم ليس بقابل الغفران |
وهو اتخاذ الند للرحمــن |
|
أيًا كان من حجر ومن إنسان
|
يدعوه أو يرجوه ثم يخافه |
|
ويحبه كمحبة الرحمن |
(الشرح)
هَذَا الفصل عقده المؤلف لبيان ما يناقض التوحيد من الشِّرْك الأكبر والأصغر, والشرك الأكبر يناقضه بالكلية والشرك الأصغر يدخل تحته الموازنة بين الحسنات والسيئات, قَالَ:
(والشركَ فاحذره) الشركَ مفعول مقدم المراد الاختصاص يَعْني بمعنى احذر الشِّرْك:
والشركَ فاحذره فشركٌ ظاهر |
|
ذا القسم ليس بقابل الغفران |
الشِّرْك الظاهر وهو الشِّرْك الأكبر ليس بقابل الغفران يَعْنِي: لا يغفره الله, يَقُولُ الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء/48]؛ وصاحبه متوعدٌ بالنار, قَالَ تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}[المائدة/72].
قَالَ: هَذَا القسم المخرج من الْمِلَّة تعريفه: (وهو اتخاذ الند للرحمــن) أن يتخذ ندًا لله سواءٌ كَانَ من هَذَا الند الذي جعله لله سواءٌ كَانَ ملكًا أو نبيًا أو جمادًا, ولهذا قَالَ: (أيًا كان من حجر ومن إنسان) من إنسان يدعوه أو يرجوه ثُمَّ يخافه ويحبه كمحبة الرحمن, هَذَا هُوَ الشِّرْك وهو أن يتخذ ندًا لله تعالى يدعوه كما يدعو الله, ويرجوه كما يرجو الله, ويخافه كما يخاف الله, ويحبه كما يحب الله؛ هَذَا هُوَ الشِّرْك الأكبر الَّذِي لا يغفره الله, قَالَ الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة/22]؛ جعل ند لله, أن يتخذ ندًا لله ويجعله مساويًا لله في الدعاء, والرجاء, والخوف, والمحبة.
(المتن)
قَالَ رحمه الله:
يَعْنِي: أن الشِّرْك نوعان:
ظاهرٌ: وهو الشِّرْك الأكبر المخرج من دائرة الإسلام إِلَى دائرة الكفران الَّذِي لا يغفره الله ولا يُدخل صاحبه الْجَنَّة بَلْ هُوَ من أصحاب النَّارِ, وحده اتخاذ الند للرحمن من الملائكة, أو الرسل, أو الأولياء, أو الحيوانات, أو الجمادات, يتقرب أليه كما يتقرب إِلَى الرحمن بالدعاء والخوف والرجاء والمحبة وسائر أنواع العبادة؛ فحقيقته: أن يصرف العبد نوعًا من أنواع العبادة لغير الله تعالى, وسواءٌ سمى من تقرب إليه بِذَلِكَ إلهًا أم لا.
(الشرح)
هَذَا حقيقته, (حقيقته الشرك: أن يصرف العبد نوعًا من أنواع العبادة لغير الله) يصرف الدعاء يدعو غير الله, يَقُولُ: يا فلان, يا رسول الله يدعو الرسول, أو يابن علوان يا سيد البدوي, يا نفيسة, يا حسين, يا علي, يدعوهم من دون الله أو يذبح له أو ينذر له, أو يطوف بقبره تقربًا إليه, أو يركع له أو يسجد له, هَذَا اتخاذ الند.
(المتن)
قَالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء/48].
وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون/117].
وقال تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ}[يونس/106].
وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن/18].
وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}[المائدة/72].
إِلَى غير ذلك من الآيات الدالة عَلَى كفر من عبد مَعَ الله غيره.
(الشرح)
هَذَا الشِّرْك الأكبر وهو: أن يعبد مَعَ الله غيره, يدعو مَعَ الله غيره, يذبح له, ينذر له, يصرف له نوعًا من أنواع العبادة, يركع له يسجد له, هَذَا كفرٌ أكبر مخرج من الْمِلَّة وصاحبه مخلد في النَّارِ كما سمعنا في هَذِهِ الآيات.
(المتن)
وخلوده في النار قال: وأما الشِّرْك الأصغر؛ فهو كُلّ وسيلة قريبة موصلة إِلَى الشِّرْك الأكبر إذا لَمْ تصل إِلَى رتبة العبادة كالحلف بغير الله, والرياء, والتصنع للمخلوقين, والغلو في الأموات, ونحو ذلك, فلا يتم للعبد التوحيد حَتَّى يتبرأ من الشِّرْك كله ظاهره وباطنه ويُخلص لله أعماله كلها.
(الشرح)
هَذَا الشِّرْك الأصغر: كُلّ وسيلة قريبة موصلة إِلَى الشِّرْك الأكبر إذا لَمْ تصل إِلَى رتبة العبادة فهو شرك أصغر, أو تقول: الشِّرْك الأصغر؛ كُلّ ما ورد من الذنوب تسميته شركًا ولم يصل إِلَى حد الشرك الأكبر, لَمْ يكن ناقضًا من نواقض الإسلام ولا شركًا في العبادة؛ هَذَا هُوَ الشِّرْك الأصغر وهو وسيلة إِلَى الشِّرْك الأكبر, كل وسيلة قريبة توصل إلى الشرك الاكبر اذا لم تصل إلى رتبة العبادة او كل ذنب سماه الشارع اي شئ كان وهو لم يصل إِلَى حد الشرك لكونه ليس شركا في العبادة وناقضًا من نواقض الإسلام مثال ذلك: الحلف بغير الله, الحلف بالنبي وحياتك وشرفك و بلحيتك, مثال ذلك: الرياء والتصنع للخلق, في الحديث: «من صلى يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك».
وفي الحديث القدسي يَقُولُ الله تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشِّرْك مَن عمل عملًا أشرك معي فِيه غيري تركته وشركه».
الشِّرْك الأصغر: كُلّ ذنبٍ ومعصية سمي شركًا ولم يصل إِلَى الشِّرْك الأكبر, مثل: الحلف بغير الله, كالحلف بالأمانه، الحلف بلحيتك، بشرفك, بحياتك, ومثل التشريك بين الخالق والمخلوق في المشيئة, ما شاء الله وشئت, يَقُولُ: ما شاء الله ثُمَّ شئت, والأكمل أن يَقُولُ: ما شاء الله وحده, ولما سمع النَّبِيِّ رجلًا يَقُولُ: «ما شاء الله وشئت, قَالَ: أجعلتني لله ندًا, قَلَ: ما شاء الله وحده».
وفي اللفظ الآخر قَالَ: «لا تقولوا: ما شاء الله وشئت وَلَكِن قولوا: ما شاء الله ثُمَّ شئت».
في الحديث قصة الطفيل قَالَ: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد».
إذًا هَذَا من أنواع الشِّرْك؛ التشريك بين الخالق والمخلوق بالمشيئة, ما شاء الله وشئت, مثل لو لا الله وأنت, مالي إِلَّا الله وأنت, ومثله أَيْضًا تعليق التمائم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله عليه» تميمية يعلقها في رقبته, رقبة الأطفال أو النساء أو الكبار, أو يضعها في ساعده خيط يضعه في ساعده, أو غير ذلك كُلّ هَذَا من التمائم, ولم رأى النَّبِيِّ r رجلًا في عضده حلقة من صِفر قَالَ: «ما هَذَا؟ قَالَ: من الواهنة» يَعْنِي جعلتها في عضدي تُزيل الواهنة وهي المرض, فَقَالَ النَّبِيِّ r: «انزعها فإنها لا تُزدك إِلَّا وهنًا».
فَإِذَا الشِّرْك الأصغر؛ كُلّ وسيلة موصلة إِلَى الشِّرْك الأكبر إذا لَمْ يكن تصل إِلَى رتبة العبادة, مثل: الحلف بغير الله, قول: ما شاء الله وشئت, لولا الله وأنت, وما أشبه ذلك.
(المتن)
قَالَ رحمه الله: وهذا التوحيد الَّذِي هُوَ عبادة الله وحده هُوَ الَّذِي أنكره المشركون عَلَى رسول الله r, وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص/5].
وهم مقرون بتوحيد الربوبية وأنه المالك وما سواه ملوك ولهذا قَالَ المصنف:
والله ما ساووهم بالله في |
|
خلق ولا رَزق ولا إحسان |
فالله عندهم هو الخلاق |
|
والرزاق مولى الفضل والإحسان
|
لكنهم ساووهم بالله في |
|
حب وتعظيم وفي إيمان |
جعلوا محبتهم مع الرحمن |
|
ما جعلوا المحبة قط للرحمن
|
لو كان حبهم لأجل الله ما |
|
عادوا أحبته على الإيمان |
ولما أحبوا سخطه وتجنبوا |
|
محبوبه ومواقع الرضوان |
شرط المحبة أن توافق من |
|
تحب على محبته بلا عصيان |
فإذا ادعيت له المحبة مع خلافك |
|
ما يحب فأنت ذو بهتان
|
أتحب أعداء الحبيب وتدعي |
|
حبًا له ما ذاك ذو إمكان |
وكذا تعادي جاهدا أحبابه |
|
أين المحبة يا أخا الشيطان
|
(الشرح)
يبين المؤلف رحمه الله أن الشِّرْك الَّذِي وقع من المشركين إِنَّمَا هُوَ شرك في العبادة والألوهية وليس شركًا في الربوبية, يَعْنِي: ما أحد قَالَ: أن هناك خالق مَعَ الله يخلق ويرزق ويحي ويميت؛ لا, إذًا الشِّرْك في العبادة, إنما قال جعلوا لله شريكًا في العبادة يصرفون له نوعا من أنواعًا من العبادة: يدعوه, يذبح له, ينذر له, ولم يسوي أحدٌ بالله, في خلقه وفي رزقه, ولهذا قَالَ:
والله ما ساووهم بالله في |
|
خلق ولا رَزق ولا إحسان |
يَعْنِي: إن المشركين الذين أشركوا يشركون في العبادة, يصرفون العبادة لغير الله, يذبحون لغير الله, ينذرون لغير الله, يعبدون الأصنام, يشركون في العبادة, ولم يشركوا في الربوبية في الأسماء والصفات؛ لِأَنَّ توحيد الربوبية توحيدٌ فطري, ولهذا قَالَ:
والله ما ساووهم بالله في |
|
خلق ولا رَزق ولا إحسان |
ما سووا آلهتهم بالله في الخلق, ما قالوا: أَنَّهَا تخلق مَعَ الله, وأنها ترزق, وأنها تُحسن, قَالَ:
فالله عندهم هو الخلاق |
|
والرزاق مولى الفضل والإحسان
|
يَعْنِي: نفى المساواة بالله في الخلق والرزق والإحسان, وما ساووهم بالله في الخلق والرزق, ما أحد قَالَ من عباد الأصنام: إن الأصنام تخلق مَعَ الله وترزق أو تُحي او تُميت, حتي يسووها بالله، لَكِنْ سووها بالله في العبادة, دعوها من دون الله, ذبحوا لها, نذروا لها, ولهذا يبين المؤلف رحمه الله أَنَّهُمْ أن توحيد الربوبية توحيدٌ فطري, ولهذا قَالَ:
والله ما ساووهم بالله في |
|
خلق ولا رَزق ولا إحسان |
فالذي يخلق ويرزق ويولي النعم هُوَ الله سبحانه وتعالى:
فالله عندهم هو الخلاق |
|
والرزاق مولى الفضل والإحسان
|
لكنهم ساووهم بالله في |
|
حب وتعظيم وفي إيمان |
هَذَا اللي ساووهم بِهِ؛ ساووهم بالله في الحب والتعظيم, ولم يشبهوهم بالله في الخلق والرزق, لو ساووهم بالله في الخلق والرزق لأشركوا بالربوبية, لَكِنْ ساووهم بِهِ في المحبة والتعظيم فصار شركًا في الألوهية والعبادة, ولهذا قَالَ المؤلف:
|
والله ما ساووهم بالله في |
|
خلق ولا رَزق ولا إحسان |
|||
|
فالله عندهم هو الخلاق |
|
والرزاق مولى الفضل والإحسان
|
|||
لكنهم ساووهم بالله في |
|
حب وتعظيم وفي إيمان |
|
|||
قَالَ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}[البقرة/165].
إذًا المشركون سووا آلهتهم بالله في الخلق والرزق, والإماتة والإحياء, أو في العبادة؟ في العبادة, ولهذا أخبر الله تعالى عن أهل النَّارِ أنهم يتلاومون فيما بينهم, ويقولون: نحن ضالون حينما نسويكم برب العالمين، قال تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97)إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء/94-98].
كنا ضالين حيث سويناكم بالله, بأي شيء ساووهم بالله؟ بالمحبة والتعظيم لا في الخلق والرزق والإماتة, ما قالوا أَنَّهُمْ يخلقون ويرزقون؛ لا, بالمحبة والتعظيم: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء/99-102].
قَالَ المؤلف: جعلوا محبتهم مَعَ الرحمن, ما جعلوا المحبة للرحمن, جعلوا المحبة مَعَ الرحمن.
المحبة ثلاثة أنواع:
- محبة الله؛ هَذِهِ هِيَ أساس الدين وأساس الْمِلَّة, وهذه روح التوحيد وأصل العبادات والتقرب إلى الله.
- محبة في الله؛ وهي محبة ما يحبه الله من أولياءه والرسل, محبة في الله ولأجل الله, ان تحب الأنبياء والرسل لأجل الله, وَكَذَلِكَ تحب الأعمال المقربة إِلَى الله, وهذا من تمام محبة الله, وإذا قويت محبة الله في العبد قويت هَذِهِ المحبة.
- المحبة مَعَ الله؛ هَذِهِ محبة المشركين, محبة المشركين لآلهتهم مَعَ الله محبة عبودية هذه المحبة الشركية هذه منافية للتوحيد من كُلّ وجه, قَالَ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ }[البقرة/165].
وهناك محبة طبيعية لا تدخل في هَذَا: محبة الطعام, محبة الشراب, محبة الصديق, محبة الوالد, بعض العلماء يقسمها أقسام المحبة الطبيعية.
- المحبة الطبيعية:
- مثل محبة الجائع للطعام, محبة الظمآن للماء.
- ومحبة أنس وألف كمحبة المشتركين في العمل في صناعة أو تجارة أو دراسة.
- محبة تقدير وإجلال: كمحبة الولد لوالده.
- محبة رحمة وإشفاق؛ كمحبة الوالد لولده.
وكل هَذِهِ محبة طبيعية من أنواعها وليست داخلة فيها هَذَا تسمى محبة طبيعية.
يَقُولُ: إنهم ساووهم بالله في الحب والتعظيم ولم يساووهم بالله في الخلق والرزق, (جعلوا محبتهم مَعَ الرحمن) هَذِهِ المحبة مَعَ الله, هذه محبة المشركين، (ما جعلوا المحبة قط للرحمن).
لو كان حبهم لأجل الله ما |
|
عادوا أحبته على الإيمان |
لو كَانَ حبهم لأجل الله ما عادوا أحبة الله في الإيمان, ولما أحبوا ما يسخط الله ولما تجنبوا محبوبه ومواقع الرضوان:
ولما أحبوا سخطه وتجنبوا |
|
محبوبه ومواقع الرضوان |
ثُمَّ ذكر المؤلف شرط المحبة؛ شرط المحبة موافقة المحبوب فيما يحب, إذا كنت تدعي أنك تحب هَذَا المحبوب فلابد أن توافقه فيما يحبه وتحب ما يحبه وتكره ما يكرهه, أَمَّا إذا كنت تخالفه يحب شَيْئًا وأنت تكرهه, ويكره شَيْئًا وأنت تحبه ما صار موافقة, هَذَا باطل, إذًا شرط المحبة أن توافق المحبوب عَلَى محبته, فَإِذَا ادعيت محبةً خلاف محبته فهذا من البطلان هذا باطل, ولهذا قَالَ:
أتحب أعداء الحبيب وتدعي |
|
حبًا له ما ذاك في إمكان |
تحب أعداء الحبيب وتدعي حبه هَذَا ما يمكن, هَذَا حبيبك وله أعداء وتحب أعداءه هَلْ يمكن هَذَا؟ لا، وكذلك تعادي جاهدا أحبابه هل هذه محبة تحب أعداء الحبيب وتعادي أحبابه.
وكذا تعادي جاهدا أحبابه |
|
أين المحبة يا أخا الشيطان
|
هَلْ هَذِهِ محبة؟ تحب أعداء الحبيب وتعادي أحبابه, قَالَ: (أين المحبة يا أخا الشيطان) ما في محبة.
(المتن)
قَالَ رحمه الله: يريد المؤلف رحمه الله قول الله تعالى عن أهل النَّارِ حين رأوا بطلان عبادتهم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97)إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء/97-98]؛ أيْ أَنَّهُمْ ما ساووهم بالله بالخلق والرزق والإحسان, فَإِن المشركين كما تقدم مقرون بأن الله هُوَ الخالق الرازق المتفضل بالنعم الظاهرة والباطنة, وَإِنَّمَا ساووهم بالله في الحب والتعظيم والعبادة, فأحبوهم مَعَ الرحمن وشَرِكوهم فِيهَا كما قَالَ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ }[البقرة/165].
فهذا الحب مَعَ الله الَّذِي يقدح في التوحيد فلو كانت محبتهم لهم لله أو لأجله لأحبوا ما يحبه الله من الأعمال والأشخاص فَإِن هَذَا علامة المحبة لله, وأما من زعم أَنَّهُ يحب الله ثُمَّ عادى أولياء الله وعادى ما يحبه الله من الأعمال ووالى أعداء الله وما يُبغضه الله من أنواع المعاصي فهذا كاذبٌ في دعواه, فَإِن شرط المحبة موافقة المحبوب في محابه.
(الشرح)
شرط المحبة موافقة المحبوب في محابه.
(المتن)
فَإِن شرط المحبة موافقة المحبوب في محابة, قَالَ تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران/31].
(الشرح)
وهذه الآية تسمى آية المحنة, آية الامتحان والاختبار لما ادعى قومه محبة الله أنزل الله هَذِهِ الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي }[آل عمران/31]؛ ادعي قوم يحبون الله قَالَ الله هناك دليل: هناك شرط من تحقق فِيه فهو صادق في دعوى المحبة ومن فُقد منه فهو كاذب؛ وهو اتباع الرسول, هَذَا الَّذِي يَعْنِي أن يحب الله ينظر إن كَانَ متبعًا للرسول فهو صادقٌ في دعواه وإن كَانَ مخالفًا للرسول فهو كاذب, هَذِهِ تسمى آية المحنة وآية الاختبار, ادعى قومٌ محبة الله فامتحنهم الله بهذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[آل عمران/31].
هَذَا الشرط (.....) ودليل واضح, ما يحتاج, تقول: أنا أحب الله, إن انطبق عليك الشرط فأنت صادق, وإن لَمْ ينطبق فأنت كاذب.
(المتن)
وكما قَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}[المائدة/54].
ومن صفات المحبين لله: أنهم: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[التوبة/112].
فالمحبة ثلاثة أنواع:
- محبة الله؛ وهي روح التوحيد وأصل العبادات والتقربات كلها.
(الشرح)
أصل العبادات كلها والتقرب إلى الله هَذَا ناشئ عن محبة الله.
(المتن)
- ومحبة في الله؛ وهي محبة ما يحبه الله من أنبياءه وأولياءه والأعمال المقربة إِلَى الله, وهذه من تمام محبة الله, وبحسب قوة محبة الله تقوى هَذِهِ المحبة.
(الشرح)
هَذِهِ المحبة تابعة لمحبة الله, محبة ما يحبه الله من الأنبياء والأولياء والملائكة والأعمال المقربة إِلَى الله, محبة ما يحبه الله من شخصٍ أو فعلٍ أو حكم, وبغض ما يُبغضه الله من شخصٍ أو فعلٍ أو حكم, محبة ما يحبه الله من شخص: كالأنبياء والصالحين, أو حكم: محبة الصلاة, محبة الزَّكَاة, محبة الحج, محبة بر الوالدين, أو فعل: كفعل الصلاة.
(المتن)
ولهذا ورد في الدعاء المشهور: «اللَّهُمَّ إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الَّذِي يقرب إِلَى حبك».
(الشرح)
هَذَا رواه الترمذي عن أبي الدرداء دعاء: «اللَّهُمَّ إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الَّذِي يقرب إِلَى حبك».
(المتن)
- المحبة مَعَ الله؛ وهي محبة المشركين لآلهتهم مَعَ الله محبة عبودية وهذه منافية للتوحيد من كُلّ وجه.
(الشرح)
هَذِهِ المحبة الشركية, المحبة الشركية: المحبة مَعَ الله, مثالها: محبة المشركين لأصنامهم مَعَ الله, قَالَ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}[البقرة/165]؛ هَذِهِ محبة مَعَ الله محبة شركية, وهذه منافية للتوحيد من جميع الوجوه.
(المتن)
وثَم محبة طبيعة لا تُحمد ولا تُذم إِلَّا لآثارها كمحبة الطعام والشراب, ومحبة الأليف والوطن, ونحو ذلك.
(الشرح)
- وهذه قلت أَنَّهَا تقسم إِلَى أقسام:
- مثل محبة الجائع للطعام, محبة الظمآن للماء.
- ومحبة أنس وألف كمحبة المشتركين في العمل في صناعة أو تجارة.
- محبة رحمة وإشفاق؛ كمحبة الوالد لولده.
- محبة تقدير وإجلال: كمحبة الولد لوالده.
كلها الأنواع الأربعة كلها محبة طبيعية
(المتن)
قَالَ رحمه الله:
ليس العبادة غير توحيد المحبة |
|
مع خضوع القلب والأركان |
(الشرح)
حقيقة العبادة: هِيَ توحيد المحبة, توحيد المحبة والذل والخضوع والتعظيم لله عز وجل فَإِن العبادة حبٌ كامل وذلٌ تام.
(المتن)
يَعْنِي: أن حقيقة المحبة هِيَ توحيد المحبة والذل والتعظيم لله تعالى فَإِن العبادة حبٌ كامل وذلٌ تام للمحبوب.
(الشرح)
إذًا العبادة هِيَ توحيد المحبة, والحب وهو موافقة المحبوب فيما يحب, وبغض ما يُبغض, فَإِذَا كَانَ الإنسان يحب الله فَإِنَّهُ يوافق ربه في محبة من يحبه, الله تعالى يحب الأولياء والصالحين, ويُبغض الكفار والفساق, فلابد أن توافق ربك في هَذَا, ولهذا قَالَ المؤلف:
ليس العبادة غير توحيد المحبة |
|
مع خضوع القلب والأركان |
يَعْنِي: أن حقيقة التوحيد؛ هِيَ توحيد المحبة والذل والتعظيم, فَإِن العبادة حبٌ كامل وذلٌ تام.
(المتن)
ثُمَّ قَالَ رحمه الله:
ليس العبادة غير توحيد المحبة |
|
مع خضوع القلب والأركان |
والحب نفس وفاقه فيما يحبــه |
|
وبغض ما لا يرتضي بجنان
|
ووفاقه نفس اتباعك أمره |
|
والقصد وجه الله ذي الإحسان |
هذا هو الإحسان شرط في |
|
قبول السعي فافهمه من القرآن
|
والاتباع بدون شرع رسوله |
|
عين المحال وأبطل البطلان |
فإذا نبذت كتابه ورسوله |
|
وتبعت أمر النفس والشيطان |
وتخذت أندادا تحبهم كحــب |
|
الله كنت مجانب الإيمان
|
(الشرح)
المؤلف يَقُولُ: المحبة في الحقيقة هِيَ نفس موافقة الله فيما يحب ويُبغض, فَإِذَا كنت تحب الله فلابد أن توافق ربك فيما يحب وفيما يُبغض, والله تعالى يحب الْمُؤْمِنِين والأبرار, ويحب الأعمال الصالحة, فلا بد أن تحب ذلك، والله تعالى يُبغض الكفار والمنافقين والفساق فلابد أن توافق ربك وتبغضهم.
الحب نفس وفاق المحبوب فيما يحب ويُبغض؛ هَذَا هُوَ الحب موافقة المحبوب, أَمَّا من يدعي أَنَّهُ يحب وهو مخالف للمحبوب فهذا كاذب, والموافقة ما هِيَ؟ هِيَ اتباع الأوامر وإخلاص العمل لله عز وجل, إذًا من يدعي محبة الله تقول له: الحب هُوَ موافقة المحبوب فيما يُحب ويُبغض, فَإِذَا كنت تدعي محبة الله فلابد أن توافق محبوبك فيما يحب وفيما يُبغض.
ما معنى موافقة المحبوب لمحبوبه؟ معناها: هِيَ امتثال الأوامر واجتناب النواهي, موافقة المحبوب في أيْ شيء؟ المراد بها؟ امتثال الأوامر واجتناب النواهي, والاتباع معناه بدون شرع الرسول محال, من يدعي أَنَّهُ يتبع الرسول وهو لا يتبع شرعه هَذَا محال, الاتباع يكون اتباع الشرع, أَمَّا الَّذِي ينبذ كتاب الله وراءه ويتبع أمر الشيطان ويتخذ أندادًا لله يحبهم كحب الله فهذا مجانب الإيمان خارج عن الإيمان.
(المتن)
يريد رحمه الله أن المحبة في الحقيقة نفس موافقة الله في محبة ما يحبه وبغض ما يبغضه, وذلك يتحقق باتباع أمر الله الَّذِي شرعه عَلَى لسان رسوله محمدٍ r في أصول الدين وفروعه في ظاهره وباطنه مَعَ الإخلاص لله تعالى وإرادة وجهه الأعلى, وهذه الموافقة المشتملة عَلَى المتابعة والإخلاص هِيَ الإحسان الَّذِي قَالَ الله فِيه: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[هود/7]؛ أيْ أخلصه وأصوبه.
وفي قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس/26].
وفي قوله: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}[الكهف/30].
والمتابعة لا تمكن إِلَّا باتباع الرسول r فمن نبذ كتاب الله وسنة رسوله وتبع أوامر النفس الأمارة بالسوء والشيطان الَّذِي لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء واتخذ من دون الله أندادًا يحبهم كحب الله؛ خرج من الإيمان من حيث يظن أَنَّهُ مؤمن.
(الشرح)
يَعْنِي: المتابعة يَقُولُ: لا تمكن إِلَّا باتباع الرسول r, والذي نبذ كتاب الله وراء ظهره ولم يتمسك بسنة الرسول r واتبع أوامر النفس الأمارة بالسوء وأوامر الشيطان فَإِن النفس أمارة بالسوء, والشيطان لا يأمر إِلَّا بالسوء والفحشاء.
(المتن)
قَالَ: فَإِن اتخاذ الأنداد من دون الله مناقضٌ لقول: لا إله إِلَّا الله, وإن الخروج عن الاهتداء بالكتاب والسنة مناقض لشهادة محمد رسول الله.
(الشرح)
المتابعة لا تمكن إِلَّا باتباع الرسول r, والذي ينبذ كتاب الله وراء ظهره ظهريا وسنة الرسول r ويتبع أوامر النفس الأمارة بالسوء ويتبع الشيطان الَّذِي لا يأمر إِلَّا بالسوء والفحشاء ويتخذ من دون الله أندادًا يحبهم كحب الله؛ هَذَا خرج من الإيمان خلع ربقة الإسلام من عنقه من حيث يظن أَنَّهُ مؤمن, لماذا؟ قَالَ: لِأَنَّ اتخاذ الأنداد من دون الله مناقض لقول: لا إله إِلَّا الله, والخروج عن الاهتداء بالكتاب والسنة مناقض لشهادة أن محمد رسول الله.
(المتن)
قَالَ رحمه الله: فَإِن اتخاذ الأنداد من دون الله مناقضٌ لقول: لا إله إِلَّا الله, وإن الخروج عن الاهتداء بالكتاب والسنة مناقض لشهادة محمد رسول الله, وما أكثر من هُوَ بهذا الوصف ممن ينتسب إِلَى الإيمان والتحقيق كما قَالَ المصنف.
(الشرح)
إذًا اتخاذ الأنداد من دون الله مناقضٌ لكلمة التوحيد: لا إله إِلَّا الله, وهذه معناها: لا معبود بحق إِلَّا الله, والذي يتخذ أنداد جعلهم ندًا إلى الله جعلهم مثيلًا لله ومساويًا له, وهذا باطل, إذا اتخذ الأنداد من دون الله وساواهم بالله خرج من الإيمان, فَإِن اتخاذ الأنداد من دون الله مناقضٌ لقول: لا إله إِلَّا الله, والخروج عن الاهتداء بالكتاب والسنة مناقض لشهادة أن محمد رسول الله, إذًا اتخاذ الأنداد لله وجعل الأنداد مثيل وشبيه لله يساويه بالله في العبادة والتعظيم وكذا.
فمن اتخذ أندادًا من دون الله وتبع أوامر النفس الأمارة بالسوء واتخذ من دون الله أندادًا يحبهم كحب الله خرج من الإيمان من حيث يظن أنه مؤمن, فَإِن اتخاذ الأنداد من دون الله مناقضٌ لقول: لا إله إِلَّا الله, يبطل كلمة التوحيد, وإن الخروج عن الاهتداء بالكتاب والسنة مناقض لشهادة أن محمد رسول الله.
(وما أكثر من هُوَ بهذا الوصف ممن ينتسب إِلَى الإيمان والتعظيم) يَعْنِي: هَذَا الوصف كثير ينتسبون إِلَى الإسلام ولكنه لا يُحسن القراءة.
(المتن)
قَالَ المصنف:
ولقد رأينا من فريق يدعي |
|
الإسلام شركًا ظاهر التبيان
|
جعلوا له شركاء والوهم |
|
وساووهم به في الحب لا السلطان
|
والله ما ساووهم بالله بل |
|
زادوا لهم حبًا بلا كتمان |
والله ما غضبوا إذا انتهكت |
|
محارم ربهم في السر والإعلان
|
حتى إذا ما قيل في الوثن الذي |
|
يدعونه ما فيه من نقصان |
فأجارك الرحمن من غضب ومن |
|
حرب ومن شتم ومن عدوان |
وأجارك الرحمن من ضرب |
|
وتعــزير ومن سب ومن سجان
|
والله لو عطلت كل صفاته |
|
ما قابلوك ببعض ذا العدوان |
والله لو خالفت نص رسوله |
|
نصًا صريحًا واضح التبيان |
وتبعت قول شيوخهم أو غيرهم |
|
كنت المحقق صاحب العرفان |
حتى إذا خالفت آراء |
|
الرجال لسنة المبعوث بالفرقان
|
نادوا عليك ببدعة وضلالة |
|
قالوا وفي تكفيره قولان |
قالوا تنقصت الكبار وسائر |
|
الــعلماء بل جاهرت بالبهتان
|
هذا ولم تسلبهم حقا لهم |
|
ليكون ذاب كذب وذا عدوان |
وإذا سلبت صفاتِه وعلوه |
|
وكلامه جهرًا بلا كتمان |
لم يغضبوا بل كان ذلك عندهم |
|
عين الصواب ومقتضى الإحسان |
والأمر والله العظيم يزيد فوق |
|
الوصف لا يخفى على العميان
|
وإذا ذكرت الله توحيد رأيــت |
|
وجوههم مكسوفة الألوان
|
بل ينظرون إليك شزرًا مثل ما |
|
نظر التيوس إلى عصا الجوبان |
وإذا ذكرت بمدحه شركاءهم |
|
يستشرون تباشر الفرحان |
والله ما شموا روائح دينه |
|
يا زكمة أعيت طبيب زمان |
(الشرح)
هَذِهِ الأبيات يبين رحمه الله هَذَا الفريق الَّذِي ينتسب إِلَى الإسلام, والذي يقتضي منه دينه أن يعظم ربه وأن يقوم بحقه بالعبودية, ويقوم بحق الرسالة, لَكِنْ هؤلاء عكسوا القضية اتخذوا أندادًا من دون الله يعبدونهم ويضرمون لهم أكثر ما يضرمون لله, والدليل عَلَى هَذَا أَنَّهُ لو اُنتهكت محارم الله ما غضبوا, وَلَكِن لو تُنقص هَذَا الوثن ثاروا عليك ثورة الأسد, واشتد غضبهم, وإذا مدحت شركاءهم تباشروا, وإذا ذكرت توحيد الله تغيرت وجوههم واشمئزوا.
وَكَذَلِكَ جعلوا لهم رؤساء يطيعونهم في كُلّ وقت, ولذلك تجدهم إذا اُنتهكت محارم الله ما يغضبون, وإذا تنقصت الوثن غضبوا وثاروا عليك, وإذا مدحت شركاءهم تباشروا, وإذا ذكر الله وحده اشمئزت قلوبهم, وَكَذَلِكَ جعلوا لهم رؤساء يطيعونهم وجعلوهم بمنزلة الرسول المعصوم الَّذِي عُصم من أقواله وأفعاله r .
رؤساءهم يطيعونهم وجعلوهم بمنزلة الرسول المعصوم أقوالهم وأفعالهم يقدمونها عَلَى طاعة الله وطاعة الرسول, ومن خالفهم وأخذ بقول الرسول رموه بأنه متنقصٌ لهم مبغض لهم, وهذا واقع, يَقُولُ المؤلف:
والله لقد رأينا من فريق يدعي |
|
الإسلام شركًا ظاهر التبيان
|
فريق يدعي الإسلام رأينا منه الشِّرْك.
جعلوا له شركاء والوهم |
|
وساووهم به في الحب لا السلطان
|
جعلوا لله شريكًا مثيلًا ساووهم بالله في الحب, ولكنهم لَمْ يساووهم بالله في السلطان والقوة والقدرة, فقط المحبة, اذ قَالَ: ساووهم به في الحب لا السلطان، قال:
والله ما ساووهم بالله بل |
|
زادوا لهم حبًا بلا كتمان |
بَلْ صاروا يحبون أوثانهم أكثر من حبهم لله.
والله ما غضبوا إذا انتهكت |
|
محارم ربهم في السر والإعلان
|
إذا اُنتهكت محارم الله سرًا وإعلانًا ما يغضبون ويكون الواحد بارد القلب ما يبالي لضعف إيمانه، وإذا قِيلَ في الوثن الَّذِي يعبدونه ويدعونه تنقص, ماذا يعمل؟ قَالَ:
فأجارك الرحمن من غضب ومن |
|
حرب ومن شتم ومن عدوان |
إذا تنقصت الصنم والوثن خذ الشتائم والسب والغضب.
وأجارك الرحمن من ضرب |
|
وتعــزير ومن سب ومن سجان
|
تُسجن وتُضرب بَلْ قَد تُقتل؛ لأنك تنقصت الوثن وَلَكِن لو اُنتهكت محارم الله ما أحد يتحرك.
لو عطلت كُلّ صفات الله ما قابلك حد بعدوان, ولو خالفت نص الرسول صلى الله عليه وسلم صريحًا واتبعت قول شيوخهم قالوا: هَذَا هُوَ المحقق وهو العارف, أما إذا خالفت آراء الرجال وتركت آراء الرجال لسنة الرسول الثابتة فإنهم ينادون عليك بالبدعة والضلالة, قالوا: هَذَا مبتدع وهذا ضال, وفي تكفيره قولان: يكفر ويمكن لا يكفر, لَكِنْ هُوَ مبتدع ضال, أَمَّا الكفر محتمل أَنَّهُ يكفر, لماذا؟ لأنك خالفت آراء الرجال لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
(وقالوا تنقصت الكبار وسائر الــعلماء وجاهرت بالبهتان), قَالَ المؤلف:
هذا ولم تسلبهم حقًا لهم |
|
ليكون ذا كذب وذا عدوان |
يَعْنِي: ما سلبناهم حقًا لهم حَتَّى يكون هَذَا كذلك, هَذَا هُوَ الواقع, أَمَّا من سلب صفات الله ونفى الصفات عن الله ونفى علوه ونفى كلام الله فهؤلاء لن يغضبوا بَلْ يكون هَذَا عين الصواب عندهم ومقتضى الإحسان, قَالَ المؤلف رحمه الله:
والأمر والله العظيم يزيد فوق |
|
الوصف لا يخفى على العميان
|
الْأَمْرِ أشد من هَذَا ولا يخفى عن من له بصيرة.
أَمَّا إذا ذكرت الله وحده ووحدت الله ترى وجوههم مكسوفة, ومتغيرة, مشمئزة, قَالَ تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[الزمر/45]؛ الْأَمْرِ قديم.
إذا ذكرت من دون الله استبشروا وفرحوا, وإذا ذكرت الله اشمأزوا واقفهرت وجوههم, ولهذا قَالَ المؤلف رحمه الله:
وإذا ذكرت الله توحيد رأيــت |
|
وجوههم مكسوفة الألوان
|
بل ينظرون إليك شزرًا مثل ما |
|
نظر التيوس إلى عصا الجوبان |
ينظرون إليك مثلما تنظر التيوس إلى لعصا اللي مَعَ الراعي, الجوبان اللي يرعى في البر معه عصى إذا رأتها التيوس تخاف, وهؤلاء كذلك إذا ذكرت الله نظروا إليك ووجوهم مقفهرة وينظرون إليك نظر شزرًا.
أَمَّا إذا مدحت شركائهم وأصنامهم وأوثانهم فإنهم يستبشرون تباشر الفرحان, كما قَالَ تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[الزمر/45].
ثُمَّ قَالَ حكم عَلَيْهِمْ اِبْن القيم:
والله ما شموا روائح دينه |
|
يا زكمة أعيت طبيب زمان |
ما شموا رائحة الدين هؤلاء, ما شموا ولا يستطيعوا أن يشمون عندهم زَكمة لا يستطيعون أن يشموا رائحة الدين أعيت علاجها طبيب زمانهم.
(المتن)
قَالَ رحمه الله: وهذه الأبيات واضحة المعنى, والأمر كما قَالَ المصنف عن هَذَا الفريق المنتسب للإسلام الَّذِي يقتضي منهم دينهم تعظيم ربهم والقيام له بحق العبودية, ولرسوله بحق الرسالة فعكسوا القضية فاتخذوا لهم أندادًا من دون الله يعبدونها ويغضبون لها أعظم مما يغضبون لله, والدليل عَلَى هَذَا أَنَّهُ لو اُنتهكت محارم الله لَمْ يغضبوا, وإذا قِيلَ فيما ينتحلونه من ذلك الوثن بعض ما فِيه من النقص اشتد غضبهم ويتباشرون إذا مُدحت شركاءهم, وإذا ذُكر توحيد الله تغيرت وجوههم واشمئزوا.
وَكَذَلِكَ جعلوا لهم رؤساء يطيعونهم في كُلّ حال, وجعلوهم بمنزلة الرسول المعصومة أقواله وأفعاله, فيقدمون طاعتهم عَلَى طاعة الرسول.
(الشرح)
رؤسائهم يطيعونهم في كُلّ حال, ويجعلونهم بمنزلة الرسول المعصومة أقواله وأفعاله, فيقدمون طاعة الرؤساء عَلَى طاعة الرسول, ومن خالفهم لقول الرسول رموه بالعظائم.
(المتن)
ومن خالفهم لقول الرسول رموه بأنه متنقصٌ لهم مبغض فهل بقي بَعْدَ هَذَا إيمان! وَلَكِن لكثرة الإمساس قل الإحساس فإنا لله وإنا إله راجعون.
قَالَ رحمه الله: فنسألك اللَّهُمَّ العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة, وأن تحفظ لنا ديننا من كُلّ شرك وشبهة وبدعة وضلالة ومعصية إنك عَلَى كُلّ شيءٍ قدير.
تم ما أردت تعليقه ولله الحمد والمنة والفضل والإحسان وصلى الله عَلَى محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا, فرغت من تسويده في الثالث والعشرين من شعبان سنة 1344 وأنا الفقير إِلَى الله عبد الرحمن بْنِ ناصر بْنِ سعدي.