شرح صحيح ابن خزيمة [5]
الأمر بالسواك عند كل صلاة أمر ندب وفضيلة لا أمر وجوب وفريضة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالسواك عند كل صلاة أمر ندب وفضيلة لا أمر وجوب وفريضة.
أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا أحمد بن خالد الواهبي، أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: (قلت: توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهراً أو غير طاهر عمن ذاك؟ قال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة، فكان ابن عمر يرى أن به قوة على ذلك، فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة)].
قال الألباني رحمه الله: [رجال إسناده ثقات، وابن إسحاق مدلس كما ذكرت آنفا، ولكن قد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد والحاكم فالسند حسن، ولذلك خرجته في صحيح أبي داود].
إنما فعل ابن عمر ذلك اجتهاداً منه واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، وقال له عمر: فعلت شيئاً لم تكن تفعله! فقال: عمداً فعلته يا عمر.
يعني: لبيان الجواز.
ذكر الدليل على أن الأمر بالسواك أمر فضيلة لا أمر فريضة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الأمر بالسواك أمر فضيلة لا أمر فريضة إذ لو كان السواك فرضاً أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته شق ذلك عليهم أو لم يشق].
يعني: يشير إلى الحديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، يعني: أمرتهم أمر إيجاب؛ لأنه أمرهم أمر استحباب، لكن الذي نفاه هو أمر الإيجاب: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)، يعني: أمر إيجاب؛ لأن أمر الاستحباب هذا جاء في أحاديث.
قال: [وقد أعلم صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر به أمته عند كل صلاة، لولا أن ذلك يشق عليهم، فدل هذا القول منه صلى الله عليه وسلم أن أمره بالسواك أمر فضيلة، وأنه إنما أمر به من يخف ذلك عليه دون من يشق ذلك عليه.
قال: أخبرنا علي بن خشرم، أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزناد - وهو عبد الله بن ذكوان - عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، وحدثنا عبد الجبار بن العلاء وسعيد بن عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان - وهو ابن عيينة - بهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن يشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء، والسواك عند كل صلاة)، لم يؤكد المخزومي تأخير العشاء].
قال في تخريجه: [أخرجه أبو داود وأحمد ومسلم].
قوله: (تأخير العشاء) هذه ليست معروفة في الأحاديث، إنما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تأخر في صلاة العشاء وناداه عمر نام النساء والصبيان خرج يقطر رأسه ماء قال: (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) هذا المعروف في الحديث، يعني: لوقتها الأفضل؛ ولهذا قال العلماء: وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أفضل من تقديمها، أما هذا الحديث فيه تأخير السواك والعشاء، لم يؤكد المخزومي ذلك، وهو راوي السند.
قال: [أخبرنا علي بن معبد، أخبرنا روح بن عبادة، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء).
قال أبو بكر: هذا الخبر في الموطأ عن أبي هريرة: لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك عند كل وضوء، ورواه الشافعي وبشر بن عمر كراوية روح].
قال في تخريجه: [قال مالك في الموطأ: إسناده صحيح وهو مخرج في الإرواء].
والحديث ثابت، والمقصود: أن السواك مستحب، وفيه فوائد عظيمة، حتى إن بعض العلماء ذكر له أكثر من مائة فائدة، ومنها: أنه يذكر الشهادة عند الموت، ويطهر الفم، ويرضي الرب، وهو متأكد في أحوال: عند الصلاة، وعند الوضوء، وعند دخول البيت، وعند تغير الفم.
صفة استياك النبي صلى الله عليه وسلم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صفة استياك النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا حماد - يعني ابن زيد - عن غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستن وطرف السواك على لسانه وهو يقول: عا عا)].
المعروف في الحديث: (أع أع) المعروف في الحديث يتهوع، كأنه ذهب شيء من فتات السواك غلى حلقه فهو يتهوع.
قال في تخريجه: [أخرجه البخاري من طريق أبي نعمان الحماد].
إيجاب إحداث النية للوضوء والغسل
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب الوضوء وسننه.
باب إيجاب إحداث النية للوضوء والغسل.
أخبرنا يحيى بن حبيب الحارثي وأحمد بن عبدة الضبي قالا: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص الليثي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)].
وهذا الحديث عظيم رواه الشيخان وغيرهم، وفيه: وجوب النية لكل العبادة، ومن ذلك وضوء الغسل إذ لا تصح العبادة إلا بالنية: (إنما الأعمال بالنيات).
قال: [لم يقل أحمد: (وإنما لامرئ ما نوى).
قال: أخبرنا محمد بن الوليد، أخبرنا عبد الوهاب -يعني: ابن عبد المجيد الثقفي - قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني محمد بن إبراهيم أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى)].
ذكر تسمية الله عز وجل عند الوضوء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر تسمية الله عز وجل عند الوضوء: قال: أخبرنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ثابت وقتادة عن أنس رضي الله عنه قال: (طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءاً فلم يجدوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هاهنا ماء؟ فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده في الإناء الذي فيه الماء، ثم قال: توضئوا باسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، والقوم يتوضئون حتى توضئوا من آخرهم، قال ثابت: فقلت لـ أنس: كم تراهم كانوا؟ قال: نحواً من سبعين)].
وهذا ثابت في الصحيح، لكن بدون: (توضئوا باسم الله).
قال في تخريجه: [إسناده صحيح ورواه النسائي].
وهذا الدليل ليس بظاهر، إذ إنه يحتمل أنه: (توضئوا باسم الله) يعني: تبركاً باسم الله، وليس المراد يعني: أنها تكون قبل الوضوء، والأحاديث في تسمية الوضوء كلها ضعيفة، ساقها الحافظ ابن كثير رحمه الله في آية المائدة؛ ولهذا ذهب الجمهور إلى أن التسمية مستحبة؛ لأن الأحاديث التي فيها الأمر بالتسمية كلها ضعيفة، وذهب الإمام أحمد في رواية إلى أنه يشد بعضها بعضاً؛ ولهذا ذهب الحنابلة إلى وجوب التسمية عند التذكر إذا كان متذكراً، وإذا نسي سقطت، أما الجمهور فإنهم ذهبوا إلى الاستحباب.
فثبوته أيضاً في هذه الأحاديث فيه نظر، إذ إن الحديث في تكثير الماء، وأنه دليل على البركة، وهو في الصحيح ليس فيه: (توضئوا باسم الله).
مسألة الصلاة بالسواك على سبعين صلاة بغيرها
قال: [المسألة الأولى: الصلاة بالسواك على سبعين صلاة بغيرها، هذا الحديث قد روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث لم يرو في الصحيحين ولا في الكتب الستة، ولكن رواه الإمام أحمد وابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما والبزار في مسنده وقال البيهقي: إسناده غير قوي، وذلك أن مداره على محمد بن إسحاق عن الزهري ولم يصرح بسماعه منه، بل قال: ذكر الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: وذكر الحديث، هكذا رواه الإمام أحمد وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: إن صح الخبر، قال: وإنما استثنيت صحة هذا الخبر؛ لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع الحديث من الزهري وإنما دلسه عنه، وقد قال عبد الله بن أحمد قال أبي: إذا قال ابن إسحاق: وذكر فلان فلم يسمعه، وقد أخرجه الحاكم في صحيحه، وقال: هو صحيح على شرط مسلماً، ولم يصنع الحاكم شيئاً، فإن مسلم لم يرو في كتابه بهذا الإسناد حديثاً واحداً، ولا احتج بـ ابن إسحاق، وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد، وأما أن يكون ذكر ابن إسحاق عن الزهري من شرط مسلم فلا.
وهذا وأمثاله هو الذي شأن كتابه ووضعه، وجعل تصحيحه دون تحسين غيره، قال البيهقي: هذا الحديث أحد ما يخاف أن يكون من تدليسات محمد بن إسحاق، وأنه لم يسمعه من الزهري، ورواه البيهقي من طريق معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري ومعاوية هذا ليس بقوي، وقال في شعب الإيمان: تفرد به معاوية بن يحيى، وقال: إن ابن إسحاق أخذه منه، قال: ويروى نحوه وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها وكلاهما ضعيف، ورواه من حديث الواقدي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي يحيى الأسلمي عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث، ولكن الواقدي لا يحتج به].
لأن الواقدي أخباري ضعيف، وهو ضعيف في الرواية.
قال: [ورواه من حديث حماد بن قيراط قال: حدثنا فرج بن فضالة عن عروة بن روي عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وذكر الحديث، وهذا الإسناد غير قوي، فهذا حال هذا الحديث، وإن ثبت فله وجه حسن وهو: أن الصلاة بالسواك سنة، والسواك مرضاة للرب، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم شأنه وقال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلا)، وأخبر أنه مطهرة للفم مرضاة للرب، وقال صلى الله عليه وسلم: (أكثرت عليكم في السواك)، رواه البخاري، وفي مسند أحمد عن التميمي قال: سألت ابن عباس عن السواك فقال: (ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا به حتى خشينا أن ينزل عليه فيه) وفي لفظ: (أمرت بالسواك حتى خشيت أن ينزل علي به وحي) وقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لي أراكم تأتونني قلحاً، استاكوا! لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما قد فرض عليهم الوضوء) وقال: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك) الحديث.
فجعل السواك من الفطرة، وقال عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمر بالوضوء عن كل صلاة طاهراً أو غير طاهر، فلما شق عليه ذلك أمر بالسواك، وقال: إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي أتاه الملك فقام خلفه يستمع القرآن، ويدنو فلا يزال يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه فلا يقرأ آية إلا كانت في جوف الملك.
وفي هذا يدل على أنه لا يصح الحديث، ظاهره أنه ما ثبت الحديث، لكن الصلاة بالسواك لا شك في فضلها.
الأمر بغسل اليدين ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم قبل إدخالها الإناء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بغسل اليدين ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم قبل إدخالهما الإناء.
قال: أخبرنا نصر بن علي، أخبرنا بشر بن المفضل، أخبرنا خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده)].
قال في تخريجه: [إسناده صحيح].
والحديث ثابت، وفيه: مشروعية غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ثلاثاً، وهذا الأمر للاستحباب عند الجمهور، وهو أمر متأكد، وهو واجب عند الظاهرية وجماعة، والقول بالوجوب قول قوي، والصواب: أنه يجب؛ لأن الأوامر الأصل فيها الوجوب، فيجب غسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء، وإن قال الجمهور بالاستحباب، والصواب: أنه للوجوب، لأن الأصل في الأوامر الوجوب إلا بصارف، ولا صارف، لكن لو غابت يده في الإناء فلا يكون نجساً ولا يكون مستعملاً ما دام أنه لم يتغير، لكن يأثم.
(فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، والبيتوتة لا تكون إلا في الليل، فعند العلماء هذا في الليل، والنهار يكون مستحباً، ومستحب غسل اليدين ثلاثاً قبل كل وضوء مطلقاً في الليل والنهار، لكن في الليل يتأكد؛ لقوله: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) والبيتوتة إنما تكون في الليل.
قال: [أخبرنا بشر بن معاذ بهذا فبلغ، وقال: (من إنائه)].
يعني: في إنائه، إذا كان إناءً، أما مثل البرك والأشياء الكبيرة فإنه يغترف، فإن وجد شيء يغترف منه كان أحسن.
كراهية معارضة خبر النبي صلى الله عليه وسلم بالقياس والرأي والأدلة على ذلك
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب كراهية معارضة خبر النبي صلى الله عليه وسلم بالقياس والرأي، والدليل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم يجب قبوله إذا علم المرء به، وإن لم يدرك ذلك عقله ورأيه، قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]].
وإن لم يدرك ذلك عقله ورأيه، وهذه الآية فيها: أنه لا يجوز للإنسان أن يعارض أمر الله وأمر رسوله، بل يجب عليه التسليم والقبول وإن لم يعرف المعنى، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]، ودل على أنه معصية إذا خالف الأمر، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
قال: [أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، أخبرنا عمي، أخبرني ابن لهيعة وجابر بن إسماعيل الحضرمي عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده، أو أين طافت يده، فقال له رجل: أرأيت إن كان حوضاً؟ قال: فحصبه ابن عمر وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: أرأيت إن كان حوضاً!).
وابن لهيعة لا يقبل منه الحديث لضعفه؛ لأنه ضعيف احترقت كتبه لكن قوي بغيره.
[قال أبو بكر: ابن لهيعة ليس ممن أخرج حديثه في هذا الكتاب إذا تفرد برواية، وإنما أخرجت هذا الخبر؛ لأن جابراً بن إسماعيل معه في الإسناد].
وهذا فيه تحذير من الاعتراض على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما اعترض هذا الرجل قال: أرأيت، اعترض عليه.
وفيه: دليل على أن ابن خزيمة يرى وجوب غسل اليدين ثلاثاً إذا استيقظ من منامه، ظاهر هذا: أنه يرى الوجوب، وأنه لا يجوز لإنسان أن يعترض على قول الله وقول رسوله.
قال الألباني: [قلت: لكن التحقيق العلمي يقتضي أن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا كان الراوي عنه أحد العبادلة، ومنهم عبد الله بن وهب، وهذا من روايته عنه كما ترى، وللحديث شاهد مضى].
والصواب: أنه ضعيف حتى في رواية العبادلة، لكن رواية العبادلة أحسن من غيرهم، إذا روى عنه أحد العبادلة، لكن هنا مقرون بغيره، مقرون برواية جابر كما قال ابن خزيمة: أنا لا أخرج عن ابن لهيعة، لكن لأنه قرن بغيره.
قال في التخريج: [إسناده صحيح، أخرجه الدارقطني من طريق أبي بكر وابن ماجة إلى قوله: (حتى يغسلها)].
صفة غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وصفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صفة غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وصفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: أخبرنا محمد بن أبي صفوان الثقفي، أخبرنا عبد الرحمن - يعني: ابن مهدي -، أخبرنا زائدة بن قدامة، عن خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال: (دخل علي الرحبة بعدما صلى الفجر ثم قال لغلام له: ائتوني بطهور، فجاءه الغلام بإناء فيه ماء وطست، قال عبد خير: ونحن جلوس ننظر إليه، فأخذ بيمينه الإناء فأكفأ على يده اليسرى ثم غسل كفيه، ثم أخذ الإناء بيده اليمنى، فأفرغ على يده اليسرى، فعله ثلاث مرات - قال عبد خير: كل ذلك لا يدخل يده الإناء حتى يغسلها مرات- ثم أدخل يده اليمنى الإناء فملأ فمه، فمضمض واستنشق، ونثر بيده اليسرى ثلاث مرات، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم غسل يده اليسرى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء حتى غمرها الماء، ثم رفعها بما حملت من الماء، ثم مسحها بيده اليسرى، ثم مسح رأسه بيديه كلتيهما أو جميعاً، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء، ثم صب على رجله اليمنى فغسلها ثلاث مرات بيده اليسرى، ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليسرى، فغسلها ثلاث مرات بيده اليسرى، ثم أدخل يده اليمنى فملأ من الماء، ثم شرب منه، ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم، فمن أحب أن ينظر إلى طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم فهذا طهوره)].
وهذا الحديث فيه كيفية الوضوء، وفيه: أنه يغسل يديه ثلاثاً؛ لأنه غسل، فقوله: أكفأ بيده اليسرى على يده اليمنى الإناء ثم غسل، ثم أكفأ بيده اليمنى على يده اليسرى، هذه كيفية الغسل، ولكن إذا كان هناك صنبور جعلهما تحته وغسلهما جميعاً، لكن إذا كان إناءً صب وأكفأ من يده اليسرى على اليمنى ثم غسلها وهكذا.
قال: [(فأخذ بيمينه الإناء فأكفأ على يده اليسرى، ثم غسل كفيه، ثم أخذ الإناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى، فعله ثلاث مرات)].
يعني: وأخرج اليمنى وصب على اليسرى، ثم عكس وأخذ الإناء بالأصبع وصب على اليمنى، المهم يغسلهما ثلاثاً.
قال في تخريجه: [إسناده صحيح كما في الفتح].
إباحة المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة والوضوء مرة مرة
قال رحمه الله تعالى: [باب إباحة المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة والوضوء مرة مرة: قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد الأشج، حدثنا ابن إدريس، أخبرنا ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة فمضمض واستنشق، ثم غرف غرفة فغسل وجهه، ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى، وغرف غرفة فغسل يده اليسرى، وغرف غرفة فمسح رأسه وباطن أذنيه وظاهرهما، وأدخل أصبعيه فيهما، وغرف غرفة فغسل رجله اليمنى، وغرفة فغسل رجله اليسرى)].
قال في التخريج: [إسناده حسن].
وهذا الحديث فيه: دليل على استحباب المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة، هذا هو الأفضل كما في الصحيحين وغيرهما، يأخذ غرفة يتمضمض منها ويستنشق، وإن تمضمض بغرفة واستنشق بغرفة فلا حرج، لكن الأفضل أن يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة، يفعل هذا ثلاثاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: دليل أيضاً على الوضوء مرة مرة، وهذا هو الواجب والمجزئ أن يغسل كل عضو مرة، والمراد بالمرة: تعميمه بالغسل، وليس المراد: الغرفة، بل المراد: تعميمه بالغسل، فإذا عمم بالغسل مرة أجزأ، والأفضل ثلاث، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، ومخالفاً بعضها مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاث مرات، كل هذا جائز، وكل هذا ثبت في السنة.
والمضمضة والاستنشاق: أن يتمضمض ثم يمج الماء في فمه، ثم يخرج الماء الذي في فمه، ثم يستنشر بيده الأخرى.
الأمر بالاستنشاق عند الاستيقاظ من النوم، وذكر العلة التي من أجلها أمر به
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالاستنشاق عند الاستيقاظ من النوم، وذكر العلة التي من أجلها أمر به.
قال: أخبرنا صالح بن عبد الرحمن بن عمر بن الحارث المصري وأحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قالا: حدثنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، أخبرنا أبو الهاد - وهو يزيد بن عبد الله - عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه)].
قال في تخريجه: [أخرجه البخاري من طريق ابن أبي حازم].
وفي الحديث: الأمر بالاستنثار والاستنشاق وإدخال الماء في الخياشيم.
واختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: إن هذا الاستنشاق قبل الوضوء يستنشق ويستنثر؛ لأن الشيطان يبيت على خياشيمه، وقال آخرون: إن المراد: الاستنشاق في أثناء الوضوء، يتمضمض ويستنشق، لكن ظاهر الحديث أن المراد الاستنشاق قبل الوضوء؛ لأن الاستنشاق في الوضوء هذا لا بد منه وهو معروف، قال بعضهم: إن هذا الأمر للوجوب، فينبغي له أن يستنشق قبل الوضوء؛ لأن الشيطان يبيت على خيشومه.
الأمر بالمبالغة في الاستنشاق إذا كان المتوضئ مفطراً غير صائم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالمبالغة في الاستنشاق إذا كان المتوضىء مفطراً غير صائم.
قال: أخبرنا الزعفراني وزياد بن يحيى الحساني وإسحاق بن حاتم بن سنان المدائني ورزق الله بن موسى والجماعة قالوا: حدثنا يحيى بن سليم، حدثنا إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: (قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)].
قال في تخريجه: [إسناده صحيح وله متابع عند الحاكم].
والحديث لا بأس بسنده، وفيه: مشروعية المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً).
ودل الحديث على أن الأنف منفذ وأنه كالفم؛ ولهذا يدخل الماء للصائم من الأنف؛ لأنه يصل إلى الحلق بخلاف العين والأذن فليستا منفذين؛ ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه لو اكتحل في عينيه وهو صائم أو قطر في أذنه لا يعتبر مؤثراً؛ لأن العين ليست منفذاً وكذلك الأذن، بخلاف الأنف فإنها منفذ، وقد يأكل عن طريق الأنف، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في الاستنشاق.
وفيه: استحباب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم لكمال التنظيف.
تخليل اللحية في الوضوء عند غسل الوجه
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب تخليل اللحية في الوضوء عند غسل الوجه.
قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق عن شقيق بن سلمة: عن عثمان بن عفان: (أنه توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، ومضمض ثلاثاً، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما ورجليه ثلاثاً، وخلل لحيته وأصابع الرجلين، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ)].
وهذا هو الوضوء الكامل ثلاثاً ثلاثاً، وفيه: مشروعية تخليل اللحية، والتخليل بين الأصابع، أي: أصابع اليدين والرجلين حتى يبلغها الماء، والتخليل إذا كانت اللحية كثيفة مستحب وليس بواجب، والواجب غسل ظاهر اللحية، والكثيفة هي التي تستر البشرة، أما إذا كانت اللحية ضعيفة لا تستر البشرة فيجب إيصال الماء إلى البشرة، أما إذا كانت كثيفة فيكفي غسل ظاهرها، وإن خلل فهو أكمل، والتخليل مستحب.
قال في تخريجه: [إسناده ضعيف، عامر بن شقيق لين الحديث كما في التقريب.
هذا الكلام للألباني، وقال المحقق: وله متابع وشاهد عند الحاكم وقال الحافظ في التلخيص: قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية شيء، وأخرجه ابن ماجة].
قال: [أخبرنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الرحمن - يعني: ابن مهدي -، حدثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق عن شقيق بن سلمة قال: (رأيت عثمان بن عفان توضأ فغسل كفيه ثلاثاً، ومضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً، ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثا، وخلل أصابعه وخلل لحيته حين غسل وجهه ثلاثاً، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت).
قال عبد الرحمن: وذكر يديه إلى المرفقين ولا أدري كيف ذكره.
قال أبو بكر: عامر بن شقيق هذا هو ابن جمزة الأسدي وشقيق بن سلمة هو أبو وائل].
قال في التخريج: [عامر بن شقيق بن جمزة بجيم الأسدي الكوفي عن أبي وائل وعنه إسرائيل، قال: ابن يونس ضعفه ابن معين وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات].
فإن قال قائل: هل الاستنثار واجب؟
الجواب
الصواب: أنه واجب، الاستنشاق والاستنثار والمضمضة كلاهما واجب.
وإن قيل: هل الاستنشاق والمضمضة عند القيام من النوم بالليل فقط؟ الجواب: نعم، هذا في الليل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من منامه)، فالغالب أنه في نوم الليل؛ لأن نوم النهار في الغالب يكون قليلاً.
استحباب صك الوجه بالماء عند غسل الوجه
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب صك الوجه بالماء عند غسل الوجه: قال: أنبأنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، أنبأنا ابن علية، أنبأنا محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس قال: (دخل علي علي بيتي وقد بال، فدعا بوضوء فجئناه بقعب يأخذ المد أو قريبه حتى وضع بين يديه فقال: يا ابن عباس ألا أتوضأ لك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: بلى فداك أبي وأمي، قال فوضع له إناء فغسل يديه، ثم مضمض واستنشق واستنثر، ثم أخذ بيمينه -يعني: الماء- فصك بها وجهه) وذكر الحديث].
والقعب: قدح من خشب أو إناء من خشب.
قال في تخريجه: [إسناده حسن من أجل الخلاف المعروف في ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث].
وإذا صرح بالتحديث زال المحذور؛ لأنه ثقة، وقوله: (صك بها وجهه) يعني: غسل وجهه، يعني: كأنه من بعد، والمقصود: غسل الوجه.
قال في الحاشية: [قال المنذري: في هذا الحديث مقال، وقال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري -فضعفه].
فـ المنذري معروف أنه إمام، وقد ذكر أن فيه مقالاً في أحد الرواة، يعني: استنكر لفظة (فصكه في وجهه) لأن المعروف أنه أخذ ماء فغسل وجهه، فصكه يعني: كأنه ألقاه من بعد.
وفي الترجمة: [باب استحباب صك الوجه بالماء عند غسل الوجه].
فظاهره أن ابن خزيمة يرى أن الحديث صحيح، والمنذري يقول: فيه مقال، والألباني حسنه.
استحباب تجديد حمل الماء لمسح الرأس غير فضل بلل اليدين
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب تجديد حمل الماء لمسح الرأس غير فضل بلل اليدين.
أنبأنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، أنبأنا عمي، حدثني عمرو - وهو ابن الحارث - أن حبان بن واسع حدثه أن أباه حدثه أنه سمع عبد الله بن زيد بن عاصم المازني يذكر: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثم استنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويده اليمنى ثلاثاً والأخرى ثلاثاً، ومسح رأسه بماء غير فضل يده، وغسل رجليه حتى أنقاهما)].
وهذا رواه الشيخان، وفيه: أنه غسل رأسه بماء غير فضل يديه؛ أي: أنه يأخذ ماء للرأس لكن لا يصبه صباً، إنما يأخذ ماء بيديه ثم يمسح رأسه مسحاً، فالرأس له ماء غير فضل اليدين.
قال في التخريج: [وفي الأصل حبان بن واسع حدثه، والتصحيح من صحيح مسلم].
استحباب مسح الرأس باليدين جميعاً
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب مسح الرأس باليدين جميعاً ليكون أوعب لمسح جميع الرأس، وصفة المسح والبدء بمقدم الرأس قبل المؤخر في المسح.
قال: أنبأنا محمد بن رافع، أنبأنا عبد الرزاق، أخبرنا مالك بن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه وأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه)].
هذا هو السنة، هكذا يبدأ من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، هذا هو الأفضل وكيفما مسح وعمم الرأس أجزأ؛ لأن الأفضل هو هذا، يبدأ بمقدم رأسه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، فإذا ردهما يكون أطراف الشعر الذي ما أصابه المسح يصيبه مرة واحدة، لا يكون المسح مرتين.
وإن فعل العكس فلا بأس، لكن هذا الأفضل، وإذا مسح بيد واحدة كفى.
قال: [أنبأنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، أنبأنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن عبد الله بن زيد: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه مرتين، ثم مسح برأسه وبدأ بالمقدم، ثم غسل رجليه)].
وفيه: أنه توضأ مخالفاً غسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين، وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ومرة مرة، ومرتين مرتين وثلاثاً ثلاثاً ومخالفاً، وفيه: أنه بدأ بمقدم رأسه، هذا هو الشاهد.
ذكر الدليل على أن المسح على الرأس يكون بما يبقى من بلل الماء على اليدين
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن المسح على الرأس إنما يكون بما يبقى من بلل الماء على اليدين، لا بنفس الماء كما يكون الغسل بالماء].
يعني: لا يأخذ ماءً ويصبه على الرأس، وإنما يأخذ الماء بيديه يبلهما ثم يمسح، ولا يأخذ ماء يصبه على الرأس مثلما يغسل يديه ووجهه، فالماء لا يصبه على الرأس إنما يبل يديه بالماء ثم يمسح.
فإن قيل: هل يجزئ إذا مسح على بعض الرأس؟ ف
الجواب
بعض العلماء يرى أنه يجزئه إذا مسح على ربع الرأس ونصف الرأس، والصواب: أنه لا بد أن يعمم الرأس؛ لأن الله قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [خبر عبد خير عن علي: (ثم أدخل يده اليمنى في الإناء حتى غمرها الماء، ثم رفعها بما حملت من الماء، ثم مسحها بيده اليسرى، ثم مسح رأسه بيديه كلتيهما أو جميعاً)].
يعني: أخذ الماء وغرف غرفة وصب على يده اليسرى ثم مسح بيديه كلتيهما، وهذا دليل على أنه لا يصب الماء عليه.
مسح جميع الرأس في الوضوء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مسح جميع الرأس في الوضوء قال: أنبأنا محمد بن رافع، أنبأنا إسحاق بن عيسى قال: سألت مالكاً عن الرجل مسح مقدم رأسه في الوضوء أيجزيه ذلك؟ فقال: حدثني عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن عبد الله بن زيد المازني قال: (مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في وضوئه من ناصيته إلى قفاه، ثم رد يديه إلى ناصيته ومسح رأسه كله)].
هذا السائل الذي سأل مالكاً قال: هل يجزئ مسح مقدم رأسه هكذا؟ فاستدل بالحديث الذي فيه أنه لا بد من التعميم من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ودل على أنه لا بد من التعميم.
مسح باطن الأذنين وظاهرهما
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب مسح باطن الأذنين وظاهرهما.
قال أبو بكر: قد أمليت حديث عثمان بن عفان وخبر ابن عباس في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما].
السنة مسح الأذنين باطنهما وظاهرهما، باطنهما بالسباحتين يدخلهما فيهما، وظاهرهما بالإبهامين.
قال الشارح: [انظر الحديث رقم مائة وثمانية وأربعين، ومائة واثنين وخمسين].
قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة فمضمض واستنشق، ثم غرف غرفة فغسل وجهه، ثم غرف غرفة فغسل يده اليمني، وغرف غرفة فغسل يده اليسرى، وغرف غرفة فمسح رأسه وباطن أذنيه وظاهرهما وأدخل أصبعيه فيهما، وغرف غرفة فغسل رجله اليمني، وغرف غرفة فغسل رجله اليسرى).
والأذنان تابعان للرأس يمسحهما بالبلل الذي في يديه للرأس، ولا يأخذ لهما ماء جديداً على الصحيح.
فإن قال قائل: إذا كان في الرأس شجة، فهل يتيمم أو يمسح على الشجة؟ إذا كان لا يضره المسح مسح عليها، فإذا كان عليها جبيرة مسح عليها، وإذا كان يضره تيمم ومسح بقية الرأس.
الأسئلة
حكم الرطوبة التي تخرج من المرأة
السؤال
ما حكم الرطوبة التي تخرج من المرأة هل هي نجسة؟ وهل عليها وضوء لكل صلاة؟
الجواب
إذا كانت الرطوبة تخرج من فرجها فعليها الوضوء، والأصل أن كل خارج من السبيلين يوجب الوضوء، فتستنجي ثم تتوضأ.
حكم ما يبقى من الإرث بعد أخذ البنت النصف
السؤال
في الميراث من يأخذ الباقي بعد أن تأخذ البنت النصف إذا كانت واحدة؟
الجواب
أولى رجل ذكر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)، إذا كان هناك عم، أو ابن عم، أو ابن ابن ابن عم، أو أخ، فأولى رجل ذكر يأخذه، فإن لم يوجد فإنه يرد على البنت، وترث الباقي فرضاً ورداً على الصحيح؛ ولهذا عقد الفرضيون باباً يسمونه: باب الرد، وفيه يرد على جميع الورثة ما عدا الزوجات.
حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً
السؤال
ما القول الفصل في حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً؟
الجواب
الصواب: أن الناسي والجاهل معفو عنه، والمسألة فيها خلاف، وجماعة جمهور العلماء على أنه لا يعفى عن الناسي ولا عن الجاهل؛ قالوا: إن الصحابة لم يفرقوا بين الناسي والجاهل، والقول الثاني: أنه معفو عنه، وهو الصواب.
شرح قول الإمام مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)
السؤال
ما شرح قول الإمام مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)؟
الجواب
هذا كلام الإمام مالك رحمه الله يقول: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، والمعنى: أن أول هذه الأمة صلحوا بالتوحيد والقيام بأمر الله، وأداء حقه والجهاد في سبيله، والإيمان بالله وبرسوله، فهذا الذي صلح به أول هذه الأمة، وآخر هذه الأمة لا يصلحها إلا هذا، إذا استقاموا على أمر الله، ووحدوا الله، وأخلصوا العبادة، وآمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيله صلح حالهم، فإن لم يفعلوا فلن يصلح حالهم، هذا معناه باختصار.
حكم الرجل إذا جامع امرأته على أنها طهرت ثم وجد أثر الدم في ذكره
السؤال
إذا جامع الرجل زوجته على أنها قد طهرت وقد سألها، وقالت: أنا طاهر، فلما جامعها وجد أثر الدم في ذكره فما الحكم؟ وهل عليه صدقة؟
الجواب
ظاهره أنه ما تعمد، فإذا لم يتعمد أرجو ألا يكون عليه شيء؛ لأنه لم يتعمد، وإن تصدق فاحتياط حسن.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الكعبين اللذين أمر المتوضئ بغسل الرجلين إليهما، العظمان الناتئان في جانبي القدم، لا العظم الصغير الناتئ على ظهر القدم على ما يتوهمه من يتحذلق ممن لا يفهم العلم ولا لغة العرب].
وهذه المسألة بينتها النصوص والأحاديث، وقال الله تعالى في آية الوضوء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، فالكعبان هما: العظمان الناتئان عند أهل السنة في جانبي القدم، فكل رجل فيها عظمان، وقال الرافضة: ليس في كل رجل إلا عظم واحد، وهو الذي عند معقد القدم، أي: في ظهر القدم عند مجتمع الساق، وهو شيء خفيف العظم غير واضح، وقالوا: ليس في كل رجل إلا عظم واحد، وقالوا: إن الرجل تمسح إلى العظم، وهذا باطل؛ لأن الله تعالى قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، ولم يقل: إلى الكعاب، فلو كان في كل رجل عظم واحد لقال: إلى الكعاب مثلما قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]؛ لأن القاعدة: أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً.
فإذا قابل اليدين بالمرافق دل على أن في كل يد مرفقاً، ولو كان في كل رجل كعب واحد كما تقول الرافضة لقال: (وأرجلكم إلى الكعاب) ولم يقل: (الكعبين) كما قال: (إلى المرافق)، فلما قال الله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] دل على أن في كل رجل كعبين لا كعب، بخلاف المرافق فإنه في كل يد مرفق لا مرفقان.
هنا قصد ابن خزيمة رحمه الله: أن يرد على الرافضة الذين يقولون: في كل رجل كعب لا كعبان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران أخبره: (أن عثمان رضي الله عنه دعا يوماً وضوءاً فذكر الحديث في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات واليسرى مثل ذلك).
قال أبو بكر: في هذا الخبر دلالة على أن الكعبين هما: العظمان الناتئان في جانبي القدم، إذ لو كان العظم الناتئ على ظهر القدم لكان للرجل اليمنى كعب واحد لا كعبان].
وهما العظمان البارزان، ولأن الكعب من التكعب وهو العلو، فإنما سميت كعباً؛ لأنها بارزة، ومنه تكعب ثدي المرأة لبروزه وهذان بارزان، بخلاف الكعب الذي يقول الرافضة: العظم الذي ليس ببارز عند أصل الساق بين مجتمع القدم والساق، فهذا خفي ليس ببارز، أما الكعب: فمن التكعب، وهو: البروز والظهور.
[أخبرنا أبو عمار، أخبرنا الفضل بن موسى، عن زيد بن زياد - هو ابن أبي الجعد - عن جامع بن شداد عن طارق المحاربي قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في سوق ذي المجاز، وعليه حلة حمراء وهو يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة حتى أدمى كعبيه وعرقوبيه، وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ قالوا: غلام بني عبد المطلب فقلت: من هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب)].
قال في تخريجه: [إسناده صحيح أخرجه البيهقي].
والشاهد قوله: (يرميه بالحجارة حتى أدمى كعبيه) يعني: أثبت أن في كل رجل كعبين، خلافاً للرافضة القائلين: إن في كل رجل كعباً واحداً؛ لأن مذهب الرافضة عدم غسل الرجلين، قالوا: لا يجب غسل الرجلين، فإذا كانت الرجلان مكشوفتين، فإنما تمسحان، فتمسح ظاهر القدم إلى الكعب الذي في أصل الساق، وإذا كان فيهما الخفان وجب خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، فإذاً: الرجلان لا تغسلان ولا تمسحان، فليس هناك مسح ولا غسل، ولهذا يذكر العلماء مسح الخفين في كتب العقائد يقولون: ونرى المسح على الخفين، وإن كانت المسألة فرعية، والأصل أن تذكر في مسائل أبواب الفقه، لكن العلماء يذكرونها في كتب العقائد للرد على الرافضة؛ لأن هذه عقيدة للرافضة، يعتقدون أن الرجلين لا تغسلان في الوضوء، وأن الخفين لا يمسحان، فإن كانت الرجلان مكشوفتين وجب مسح ظهور القدمين بدون غسل، وإن كانت الرجلان عليهما خف وجب خلع الخفين ونزعهما ومسح ظهور القدمين، فالعلماء يردون عليهم في كتب العقائد ويقولون: ونرى المسح على الخفين، يعني: نعتقده خلافاً للرافضة.
قال أبو بكر رحمه الله: [وفي هذا الخبر دلالة أيضاً على أن الكعب هو: العظم الناتئ في جانبي القدم، إذ الرمية إذا جاءت من وراء الماشي لا تكاد تصيب القدم، إذ الساق مانع أن تصيب الرمية ظهر القدم].
يعني: استدلال ابن خزيمة رحمه الله يقول: خلفه رجل يرميه بالحجارة حتى تصيب قدميه، فالقدم هذا بارز تصيبه الحجر، لكن لو كان المراد: العظم الذي في الخلف فإن الساق يمنعه ولا تأتي الضربة في العظم الصغير الذي في مجتمع الساق، أما العظمان الناتئان فالحجر يصيبهما؛ لأنهما بارزان، فهذا استدلال دقيق لـ ابن خزيمة رحمه الله في الرد على الرافضة.
قال: [أخبرنا سلم بن جنادة، أخبرنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة، حدثنا أبو القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنه، وحدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا ابن أبي غنية عن زكريا عن أبي القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: (أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم - ثلاثاً - والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم، قال: فرأيت الرجل يكون كعبه بكعب صاحبه وركبته بركبة صاحبه ومنكبه بمنكب صاحبه).
هذا لفظ حديث وكيع].
والشاهد قوله: يلصق كعبه بكعبه، أي: كعب الإنسان يحاذي كعب من بجواره، وهذا يدل على أن المراد بالكعب العظم الناتئ، فلو كان المراد: العظم الذي في أصل الساق فكيف يلصق كعبه بكعب صاحبه، هذا بعيد جداً، لكن إذا كان الكعب البارز هو الذي يحاذي كعب من بجواره، فهذا وجه الدلالة.
قال أبو بكر رحمه الله: [أبو القاسم الجدلي هذا هو حسين بن الحارث من جديلة قيس، روى عنه زكريا بن أبي زائدة وأبو مالك الأشجعي وحجاج بن أرطاة وعطاء بن السائب، عداده في الكوفيين، وفي هذا الخبر ما نفى الشك والارتياب أن الكعب هو العظم الناتئ الذي في جانب القدم، الذي يمكن القائم في الصلاة أن يلزقه بكعب من هو قائم إلى جنبه في الصلاة، والعلم محيط عند من ركب فيه العقل أن المصلين إذا قاموا في الصف لم يمكن أحد منهم إلصاق ظهر قدمه بظهر قدم غيره، وهذا غير ممكن، وما كونه غير ممكن لم يتوهم عاقل كونه].
قال في تخريجه: [إسناده صحيح أخرجه أبو داود، وأشار الحافظ في التقريب إلى رواية ابن خزيمة هذه].
التغليظ في غسل العقبين في الوضوء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التغليظ في ترك غسل العقبين في الوضوء، والدليل على أن الفرض غسل القدمين لا مسحهما، إذ كانتا باديتين غير مغطيتين بالخف، أو ما يقوم مقام الخف لا على ما زعمت الروافض أن الفرض مسح القدمين لا غسلهما، إذ لو كان الماسح على القدمين مؤدياً للفرض لما جاز أن يقال لتارك فضيلة: ويل له، وقال صلى الله عليه وسلم: (ويل للأعقاب من النار) إذا ترك المتوضئ غسل عقبيه.
قال: أخبرنا يوسف بن موسى، أخبرنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو قال: (رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضئوا وهم عجال)].
وهم عجال، يعني: مسرعين.
قال: [(وهم عجال، فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح، لم يمسها الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء)].
قال في تخريجه: [أخرجه مسلم في الصحيح].
وقال: [أخبرنا أحمد بن عبدة، أخبرنا عبد العزيز الدراوردي، وحدثنا يوسف بن موسى، أخبرنا جرير كلاهما عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للأعقاب من النار)].
التغليظ في ترك غسل بطون الأقدام في الوضوء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التغليظ في ترك غسل بطون الأقدام في الوضوء، فيه أيضاً دلالة على أن الماسح على ظهر القدمين غير مؤد للفرض، لا كما زعمت الروافض أن الفرض مسح ظهورهما لا غسل جميع القدمين.
قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني الليث عن حيوة - وهو ابن شريح - عن عقبة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار)].
وهذا دليل على أنه لابد من غسل الرجل ظاهرها وباطنها، ولو كان الواجب المسح فكيف يتوعد بالويل من ترك بطون الأقدام والعقب؟
الدليل على أن المسح على القدمين غير جائز
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن المسح على القدمين غير جائز، لا كما زعمت الروافض والخوارج.
قال: أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا أصبغ بن الفرج، أخبرني ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم الأزدي، حدثني قتادة بن دعامة، أخبرنا أنس بن مالك قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد توضأ، وترك على ظهر قدمه مثل موضع الظفر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك)].
قال في تخريجه: [إسناده صحيح، وذكره الحافظ في تلخيص الحبير، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة والدارقطني].
وهذا فيه الرد على الرافضة، في قولهم: إن القدم يمسح، فلو كان يمسح ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيده لما ترك لمعة، ومذهب الروافض: أنه لا تغسل الرجلان في الوضوء، ولا يمسح على الخفين، فإذا كانت الرجلان مكشوفتين مسحت ظهور القدمين كمسح الرأس، وإذا كان عليه الخفان وجب خلع الخفين وكشف القدمين ومسح ظهور القدمين، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً على قدمه قدر اللمعة: (ارجع فأحسن وضوءك)، ففيه: رد على الرافضة، فلمجرد لمعة أمره بأن يعيد الوضوء.
قال: [أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، أخبرنا عمي بمثله].
ذكر البيان أن الله عز وجل أمر بغسل القدمين في قوله: (وأرجلكم إلى الكعبين)
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر البيان أن الله عز وجل وعلا أمر بغسل القدمين في قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] الآية، لا بمسحهما على ما زعمت الروافض والخوارج، والدليل على صحة تأويل المطلبي رحمه الله: أن معنى الآية على التقديم والتأخير على معنى: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم، فقدم ذكر المسح على ذكر الرجلين، كما قال ابن مسعود وابن عباس وعروة بن الزبير رضي الله عنهم: وأرجلكم إلى الكعبين، قالوا: رجع الأمر إلى الغسل].
ذكر العلماء: أن الحكمة في إدخال الله عز وجل للممسوح بين المغسولات: هي بيان وجوب الترتيب.
قال: [أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا أبو الوليد، أخبرنا عكرمة بن عمار، أخبرنا شداد بن عبد الله أبو عمار - وكان قد أدرك نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: قال: قال أبو أمامة، أخبرنا عمرو بن عنبسة: فذكر الحديث بطوله في صفة إسلامه وقال: قلت: (يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء، فذكر الحديث بطوله وقال: ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمر الله إلا خرجت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء)].
وهذا فيه الرد على الرافضة أنه إذا غسل قدميه خرجت خطايا قدميه من أطراف أصابعه، وهذا دليل صريح في الغسل.
تغليظ المسح على الرجلين وترك غسلهما في الوضوء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب التغليظ في المسح على الرجلين، وترك غسلهما في الوضوء، والدليل على أن الماسح للقدمين التارك لغسلهما مستوجب للعقاب بالنار إلا أن يعفو الله ويصفح، نعوذ بالله من عقابه.
قال: أخبرنا الحسن بن محمد، أخبرنا عفان بن مسلم وسعيد بن منصور قالا: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال: (تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر سافرناه، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة - صلاة العصر- ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح أرجلنا فنادى بأعلى صوته مرتين أو ثلاثاً: ويل للأعقاب من النار) هذا لفظ حديث عفان بن مسلم].
قال في تخريجه: [أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما].
وهذا صريح في الرد على الرافضة أن النبي نادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب) وفي لفظ: (ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار).
غسل أنامل القدمين في الوضوء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب غسل أنامل القدمين في الوضوء، وفيه ما دل على أن الفرض غسلهما لا مسحهما.
قال: أخبرنا محمد بن الوليد، أخبرنا أبو عامر، أخبرنا إسرائيل عن عامر - وهو ابن شقيق بن حمزة الأسدي - عن شقيق - وهو ابن سلمة أبو وائل - قال: (رأيت عثمان بن عفان يتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل قدميه ثلاثاً ثلاثا، وغسل أنامله وخلل لحيته، وغسل وجهه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كالذي رأيتموني فعلت)].
فقوله: (غسل قدميه، وغسل أنامله)، فيه دليل صريح في غسل الرجلين، وفيه رد على الرافضة.
قال في تخريجه: [إسناده ضعيف، قال الشيخ الألباني رحمه الله: إسناده ضعيف، وأخرجه البيهقي والحاكم في المستدرك].
تخليل أصابع القدمين في الوضوء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب تخليل أصابع القدمين في الوضوء.
قال أبو بكر: قد ذكرنا خبر عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل أصابع القدمين ثلاثاً.
قال: حدثنا الحسن بن محمد وأبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني وإسحاق بن حاتم بن بيان المدائني وجماعة غيرهم قالوا: حدثنا يحيى بن سليم، حدثني إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء قال: (أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)].
وهذا صريح في التخليل بين الأصابع.
قال في تخريجه: [إسناده ضعيف، عامر بن شقيق لين الحديث كما في التقريب].
وله متابع وشواهد عند الحاكم، وقال الحافظ في التلخيص: قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية شيء.
فإن قيل: ما حكم تخليل اللحى؟ ف
الجواب
ورد من فعله عليه الصلاة والسلام، أما الأمر به فما ورد، فهو سنة، وإذا كانت كثيفة تستر البشرة فيكفي غسل الظاهر، وإذا كانت لا تستر البشرة وجب غسلها.
صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثا.
قال: خبر عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثا].
قلت: وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وثبت أنه توضأ مرتين مرتين، ومرة مرة، ومخالفاً، فالصفات الواردة في الوضوء أربع صفات: الصفة الأولى: يتوضأ مرة مرة كل عضو مرة، والصفة الثانية: مرتين مرتين كل عضو مرتين مرتين، الصفة الثالثة: ثلاثاً ثلاثاً كل عضو ثلاثاً، الصفة الرابعة: مخالفاً بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثاً، كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إباحة الوضوء مرتين مرتين
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء مرتين مرتين.
قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن كبير الصوري - بالفسطاط - أخبرنا شريح بن النعمان، حدثنا فليح، وحدثنا أحمد بن الأزهر - وكتبته من أصله - أخبرنا يونس بن محمد، أخبرنا فليح - وهو ابن سليمان - عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين)].
وهذا ثابت في الصحيحين، وهي صفة من صفاته، فمن صفات الوضوء: أن يتوضأ مرتين مرتين كل عضو مرتين.
إباحة الوضوء مرة مرة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة الوضوء مرة مرة، والدليل على أن غاسل أعضاء الوضوء مرة مرة مؤد لفرض الوضوء، إذ غاسل أعضاء الوضوء مرة مرة واقع عليه اسم غاسل، والله عز وجل أمر بغسل أعضاء الوضوء بلا ذكر توقيت].
قال تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، ولم يقل: مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً، فدل على أنه إذا غسله مرة أجزأ عنه ذلك.
قال: [وفي وضوء النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وغسل بعض أعضاء الوضوء شفعاً بعضه وتراً، دلالة على أن هذا كله مباح، وأن كل من فعل في الوضوء ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات مؤد لفرض الوضوء؛ لأن هذا من اختلاف المباح، لا من اختلاف الذي بعضه مباح وبعضه محظور.
قال: أخبرنا نصر بن علي، أخبرنا عبد العزيز الدراوردي، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة)].
وهذا ثابت أيضاً في الصحيحين، كل عضو مرة مرة.
المسح يكون في الرأس خاصة، وهذه مسألة ينبغي التنبيه عليها، وأخبرني بعض الإخوان أنه يرى بعض الناس يأخذ الماء ويمسح وجهه فقط، ويأخذ ماء ويمسح يديه، فصارت الأعضاء كلها ممسوحة، والله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6]، ولم يقل: فامسحوا بوجوهكم، ثم قال: {وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة:6] أي: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ثم قال: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6]، فهذه ثلاثة أعضاء مغسولة، والرابع: ممسوح، لم يقل: امسحوا وجوهكم، بل قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6]، ولما أراد المسح للأعضاء قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6] فلابد من غسل، ولا بد أن يسيل الماء على العضو، لكن لا يلزم من هذا الإسراف، فإذا غسل ولو غسلة خفيفة كفى، أما المسح فلا يجزئ إلا في الرأس.
والغسل يكون بصبه للماء على العضو، لكن المسح أن يبل اليد ثم يمسحها، أما إذا صب الماء على العضو فهذا الغسل، فلا بد من التنبيه على هذا؛ لأن كثيراً من الناس يمسحون.
وإسباغ الوضوء على المكاره، هذا مما يعظم فيه الأجر، فإذا كان الماء حاراً أو بارداً، أو كان الوقت حاراً أو بارداً أسبغ الوضوء.
إباحة غسل بعض أعضاء الوضوء شفعاً وبعضه وتراً
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب إباحة غسل بعض أعضاء الوضوء شفعاً وبعضه وتراً].
يعني: بعضه مرة وبعضه مرتين، وهذه حالة رابعة، فحالات الوضوء أربع حالات: التوضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، أو بعض الوضوء شفع وبعضه وتر، أو بعضه مرتان وبعضه ثلاث.
قال: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيى، عن أبيه عن عبد الله بن زيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه مرتين، ورجليه مرتين، ومسح برأسه، وأراه قال: واستنثر)].
فهذا الوضوء مخالفة، بعضه شفع وبعضه وتر.
قال: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالكاً حدثه عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لـ عبد الله بن زيد بن عاصم - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جد عمرو بن يحيى -: (هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم.
فدعا بوضوء، فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين، ثم مضمض، واستنثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه).
قال مالك: هذا أعم المسح وأحبه إلي].