شعار الموقع

شرح كتاب الوضوء من صحيح ابن خزيمة_6

00:00
00:00
تحميل
80

شرح صحيح ابن خزيمة [6]
باب التغليظ في غسل أعضاء الوضوء أكثر من ثلاث، والدليل على أن فاعله مسيء ظالم أو متعدٍ ظالم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا الأشجعي عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن موضوع فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً وقال: من زاد فقد أساء وظلم أو اعتدى وظلم).
وهذا فيه تحذير من الزيادة على ثلاث، وأنه إساءة، وأنه مكروه كراهة شديدة.
وهو حديث إسناده حسن وأخرجه أبو داود.

الأمر بإسباغ الوضوء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بإسباغ الوضوء.
قال: أخبرنا احمد بن عقبة أخبرنا حماد بن زيد عن موسى بن سالم أبي جهضم حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: كنا جلوساً عند ابن عباس فقال: والله ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا ثلاثة أشياء، أمرنا أن نسبغ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمير على الخيل].
وهذا فيه الرد على الرافضة والشيعة الذين يقولون: إن أهل البيت خصوا بشيء دون الناس، قال ابن عباس: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء إلا أن نسبغ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمير على الخيل، فإسباغ الوضوء: هو إكماله وإبلاغه وإتمامه، وإسباغ الوضوء على المكاره في البرد والحر، ولا نأكل الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس، ولا ننزي الحمير على الخيل؛ للضرر الذي فيه، فإنزاء الحمير على الخيل يجعل المولود بغلاً متولداً من حرام وحلال، فتجد البغل أبوه حمار وأمه من الخيل، ولهذا لا ينسب إلى الخيل العربية الأصيلة.
قال في تخريجه: [إسناده صحيح أخرجه النسائي] قال: [أخبرنا يعقوب الدورقي أخبرنا ابن علية أخبرنا موسى بن سالم عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: قال ابن عباس وزاد، قال موسى: فلقيت عبد الله بن حسن فقلت: إن عبد الله بن عبيد الله حدثني بكذا وكذا، فقال: إن الخيل كانت في بني هاشم قليلة فأحب أن يكثر فيهم].
هذا إذا قيل: إن هذا حق لأهل البيت، لكن الأخذ به عام.
قال: [أخبرنا ابن أبي صفوان محمد بن عثمان الثقفي حدثنا أبي أخبرنا سفيان عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله -وهو ابن مسعود - عن أبيه قال: الصفقة بالصفقتين رباً، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء].
الصفقة بالصفقتين ربا هذه تكون مرة واحدة مجملة، وفي الحديث: دراهم بدراهم زائدة.

ما جاء في فضل إسباغ الوضوء على المكاره
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر تكفير الخطايا والزيادة في الحسنات بإسباغ الوضوء على المكاره.
قال: أخبرنا أبو موسى حدثني الضحاك بن مخلد أبو عاصم أخبرنا سفيان حدثني عبد الله بن أبي بكر عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد في الحسنات؟ قالوا بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة)، ثم ذكر الحديث، قال أبو بكر: هذا الخبر لم يروه عن سفيان غير أبي عاصم، فإن كان أبو عاصم قد حفظه فهذا إسناد غريب، وهذا خبر طويل قد خرجته في أبواب ذوات عدد، والمشهور في هذا المتن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد لا عن عبد الله بن أبي بكر].
قال في تخريجه: وأخرجه في المستدرك من طريق أبي موسى.
قال: [أخبرنا موسى وأحمد بن عبدة قال أبو موسى: أخبرنا، وقال أحمد: أخبرنا أبو عامر حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل].
وهذا فيه بعض الضعف.
حديث: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط) ثابت، وفيه: فضل هذه الثلاث، كثرة الخطى إلى المساجد، وإسباغ الوضوء على المكاره، أي: في وقت الكره، في شدة الحر وشدة البرد، شدة حرارة الماء وشدة برودته.
والذهاب والإياب إلى المساجد سبب في رفع درجات العبد يوم القيامة، وكما في قصة ذلك الذي كان أبعد الناس عن المسجد، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء وفي الظلماء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد جمع الله لك ذلك كله).

الأمر بالتيامن في الوضوء أمر استحباب لا أمر إيجاب
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالتيامن في الوضوء أمر استحباب لا أمر إيجاب قال: أخبرنا أبو خيثمة علي بن عمرو بن خالد الحراني حدثني أبي أخبرنا زهير أخبرنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا بأيامنكم)] وهذه السنة في البيان في لبس الثياب باليمين والخلع باليسار، فمن الهدي أن يقدم اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج.
وهذا الأمر كله مستحب، لكن ينبغي على الإنسان أن يهتم به، والترتيب ليس فيه خلاف، لكن تقديم اليمنى على اليسرى من باب الاستحباب.

الدليل على أن الأمر بالبدء بالتيامن في الوضوء أمر استحباب واختيار
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الأمر بالبدء بالتيامن في الوضوء أمر استحباب واختيار لا أمر فرض وإيجاب قال: أخبرنا محمد عبد الأعلى الصنعاني أخبرنا خالد - يعني: ابن الحارث - أخبرنا شعبة قال الأشعث - وهو ابن سليم - قال: سمعت أبي يحدث عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره، ونعله، وترجله)، قال شعبة: ثم سمعت الأشعث بواسط يقول: يحب التيامن ذكر شأنه كله، قال: ثم سمعته بالكوفة يقول: يحب التيامن ما استطاع].
والحديث إسناده صحيح، وأخرجه البخاري وأحمد والنسائي.
والحديث استدل به المؤلف على أن البدء بالتيامن أفضل، لكن بكل حال لا ينبغي للإنسان أن يبدأ بغسل يده اليسار قبل اليمنى والرجل كذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في شأنه كله ما عدا الشيء المستقذر لأنه في الحمام من جهة المعنى.

الرخصة في المسح على العمامة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في المسح على العمامة.
قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد الأشج أخبرنا عبد الله بن نمير أخبرنا الأعمش وحدثنا يوسف بن موسى أخبرنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش، وحدثنا سلم بن جنادة أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار)، وفي حديث أبي معاوية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الكفين والخمار].
قلت: سمي بالخمار؛ لأنه يخمر الرأس ويغطيه، وكذلك خمار المرأة، إذا كان مداراً تحت الحلق، فهذا حكمه حكم العمامة في جواز المسح عليه إذا لبسته على طهارة، وفيه: دليل على مشروعية المسح على الخفين، وهذا ثابت بالأحاديث المتواترة، وكذلك المسح على العمامة إذا كانت محنكة، وهي: التي تدار في الحنك.
قال في تخريجه: [إسناده صحيح أخرجه النسائي].
وقال: [أخبرنا القاسم بن محمد بن عباد بن عباد المهلبي أخبرنا عبد الله بن داود قال: سمعت الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جعفر بن عمر بن أمية الضمري عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على خفيه وعلى عمامته)] قال في تخريجه: [أخرجه البخاري] ووقت مسح العمامة: يوم وليلة ثم يخلعها.

ذكر المسح على الخفين من غير توقيت للمسافر والمقيم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب المسح على الخفين.
باب ذكر المسح على الخفين من غير ذكر توقيت للمسافر والمقيم بذكر أخبار مجملة غير مفسرة.
قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين.
وهذا الحديث متواتر في المسح على الخفين.
قال: [أخبرنا محمد بن العلاء بن كريب الهمداني وعبد الله بن سعيد الأشج قالا: حدثنا أبو أسامة عن زائدة عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب عن بلال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين) قال عبد الله بن سعيد، قال: حدثني زائدة.
قال: [أخبرنا أبو عمرو عمران بن موسى القزاز حدثنا محمد بن سواء بن عنبر السدوسي أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه رأى سعد بن مالك وهو يمسح على الخفين، فقال: إنكم تفعلون ذلك؟! فاجتمعا عند عمر فقال سعد لـ عمر: افت ابن أخي في المسح على الخفين، فقال عمر: كنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم نمسح على خفافنا، لا نرى بذلك بأساً، فقال ابن عمر: ولو جاء من الغائط؟ قال: نعم] كما في حديث صفوان إلا الجنابة لا يمسح على الخفين، أما الغائط والبول فلا بأس أن يمسح عليهما.

مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين في الحضر
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين في الحضر قال أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرني عبد الله بن نافع عن داود وحدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا عبد الله بن نافع أخبرنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال الأسواق فذهب لحاجته، قال: ثم خرجا، قال أسامة: فسألت بلال: ما صنع؟ قال بلال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ومسح على الخفين، زاد يونس في حديثه: ثم صلى قال أبو بكر: الأسواق: حائط بالمدينة.
وأخبر أبو طاهر، أخبرنا أبو بكر قال: سمعت يونس يقول: ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر أنه مسح على الخفين في الحضر غير هذا].

ذكر مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين بعد نزول سورة المائدة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين بعد نزول سورة المائدة ضدَّ قول من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح على الخفين قبل نزول المائدة].
وهذا دليل على أن المسح على الخفين بعد المائدة، فلذلك جرير أسلم بعد نزول سورة المائدة ومع ذلك أخبره عن النبي وصحابته، وقيل له: قبل المائدة أو بعدها؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة.
قال: [أخبرنا محمد بن العلاء بن كريب أخبرنا أبو أسامة وحدثنا سلم بن جنادة أخبرنا وكيع كلاهما عن الأعمش وحدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش وحدثنا الصنعاني حدثنا خالد بن الحارث أخبرنا شعبة عن سليمان -وهو الأعمش - عن إبراهيم عن همام، قال: رأيت جريراً بال، ثم دعا بماء وتوضأ، ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل عن ذلك؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا، هذا حديث الصنعاني، ولم يقل الآخرون: رأيت جريراً.
وفي حديث أبي أسامة قال إبراهيم: وكان أصحابنا يعجبهم حديث جرير لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة].
وهذا فيه رد على من قال: إن آية المائدة نسخت المسح على الخفين، ولهذا كان يعجبهم حديث جرير؛ لأنه فيه أنه رأى النبي يمسح على الخفين بعد نزول المائدة.
قال: [وفي حديث وكيع: كان يعجبهم حديث جرير، لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة.
قال: أخبرنا أبو عمار الحسين بن حريث أخبرنا الفضل بن موسى عن بكير بن عامر البجلي عن أبي زرعة ابن عمر بن جرير: أن جريراً بال وتوضأ ومسح على خفيه فعابوا عليه فقال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين)، فقيل له: ذلك قبل المائدة، قال: إنما كان إسلامي بعد المائدة.
قال: أخبرنا أبو محمد فهد بن سليمان البصري أخبرنا موسى بن داود أخبرنا حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن جرير بن عبد الله قال: أسلمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوماً].
ومع ذلك رأى الرسول يمسح على الخفين، فدل على أن إسلامه بعد نزول المائدة.
تمسح المرأة على الخمار إذا كان الخمار على رأسها، وتديره تحت حلقها مثل العمامة المحنكة، فتمسح على طهارة، ويدار تحت حلقها في الشق العلوي كما قال العلماء: وخمر النساء المدارة تحت حلوقهن.

الرخصة في المسح على الموقين
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في المسح على الموقين قال: أخبرنا نصر بن مرزوق المصري أخبرنا أسد -يعني ابن موسى - أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي إدريس الخولاني عن بلال (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الموقين والخمار)].
والموق يشبه الجورب أو أنه خشم قصير لا إشكال عليه.
قال الشيخ ناصر الألباني: إسناده جيد ورجاله ثقات معروفون.
والخف إذا كان يستر محل الفرض فإنه يمسح عليه سواء كان قصيراً أو جورباً من الجلد أو من القماش والخمار: العمامة تخمر الرأس وتغطيه للرجل، والخمار للمرأة: إذا كان مداراً تحت الحلق.

ذكر الخبر المفسر للألفاظ المجملة التي ذكرت في المسح على الخفين
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المفسر للألفاظ المجملة التي ذكرتها والدليل على أن الرخصة في المسح على الخفين للابسها على طهارة دون لابسها محدثاً غير متطهر.
قال: أخبرنا أبو الأزهر حوثرة بن محمد البصري أخبرنا سفيان بن عيينة عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه، قال: (قلت: يا رسول الله! أتمسح على خفيك؟ قال: نعم، إني أدخلتهما وهما طاهرتان)] وهكذا في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعهما إني أدخلتهما طاهرتين، وكما في غزوة تبوك أنه تبعه المغيرة بعد إسلامه قلما قضى حاجته صب عليه الماء فلما أراد أن ينزع خفيه قال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، وهذا دليل على اشتراط الطهارة في لبس الخفين حتى يمسح عليهما، فلا بد أن يلبسهما على طهارة، ولا بد أن تكون ساترتين للمفروض، أي: ساترتين لقدمي الرجل.
قال: [أخبرنا القاسم بن بشر بن معروف أخبرنا ابن عيينة عن زكريا وحصين ويونس عن الشعبي عن عروة بن المغيرة سمعه من أبيه قال: (قلت: يا رسول الله أتمسح على الخفين؟ قال: إني أدخلت رجلي وهما طاهرتان) قال: أخبرنا بندار وبشر بن معاذ العقدي ومحمد بن أبان قالوا: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد أخبرنا المهاجر - وهو ابن مخلد أبو مخلد - عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما)].
النبي صلى الله عليه وسلم قال: للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة.
يبدأ من الحدث بعد اللبس، وقيل يبدأ من المسح، قولان لأهل العلم، والأقرب من الحدث بعد اللبس، إذا أحدث بعد أن لبسهما ولا يحسب ما قبل ذلك، فلو توضأ العصر ولبس خفيه وصلى بها العصر والمغرب والعشاء ولم يحدث إلا الساعة العاشرة من الليل فإنه يحسب من ذلك الوقت إلى الساعة العاشرة ليلاً من الغد وعلى القول الثاني يبدأ من وقت المسح فإذا لم يمسح إلا في الفجر يبدأ يحسب من الفجر إلى الفجر.

عدم جواز المسح لمن لبس أحد الخفين قبل غسل كلا الرجلين والدليل على ذلك
[باب الدليل على أن لابس أحد الخفين قبل غسل كلا الرجلين إذا لبس الخف الآخر بعد غسل الرجل الأخرى غير جائز له المسح بعد ذلك إذا أحدث، إذ هو لابس أحد الخفين قبل كمال الطهارة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص في المسح على الخفين إذا لبسهما على طهارة، ومن ذكرنا في هذا الباب صفته، هو لابس أحد الخفين على غير طهر، إذ هو غاسل إحدى الرجلين لا كلتيهما عند لبسه أحد الخفين.
قال: أخبرنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال: ما جاء بك؟ قلت: جئت أنبط العلم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من خارج يخرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاءً بما يصنع) قال: قد جئتك أسألك عن المسح على الخفين، قال: نعم، كنا في الجيش الذي بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهور، ثلاثاً إذا سافرنا، وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما من غائط ولا بول، ولا نخلعهما إلا من جنابة، وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بالمغرب باباً مفتوحاً للتوبة مسيرته سبعون سنة، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها نحوه).
قال أبو بكر: ذكرت للمزني خبر عبد الرزاق فقال: حدث بهذا أصحابنا فإنه ليس للشافعي حجة أقوى من هذا].
الحديث لا بأس به، والحديث فيه فوائد منها فضل طلب العلم وأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاءً بما صنع ومنها تمام الطهارة في لبس الخفين وأنه لابد أن تتم الطهارة، فلو غسل رجلاً وألبسها الخف قبل غسل الأخرى فلا يجوز له المسح، لأنه ما تمت الطهارة، فلابد أن يغسل رجليه أولاً ثم يلبس الخفين، وفيه أيضاً تحديد المدة وأن المسافر يمسح ثلاثة أيام، والمقيم يمسح يوماً وليلة، وفيه قبول توبة التائب قبل أن تطلع الشمس من مغربها.

ذكر توقيت المسح على الخفين للمقيم والمسافر
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر توقيت المسح على الخفين للمقيم والمسافر] هذا فيه رد على من قال: إنه ليس هناك توقيت للمسح على الخفين.
قال: [أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني ويوسف بن موسى قال: حدثنا أبو معاوية قال أخبرنا الأعمش عن الحسن عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين، فقالت: ائت علياً فاسأله فإنه أعلم بذلك مني، فأتى علياً فسأله عن المسح على الخفين، فقال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذاك، يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثاً)] قالت: سر إلى علي فإنه أعلم بذلك مني؛ لأنه صاحب النبي في أسفاره أما عائشة كانت تصلح البيوت، فالأحكام التي تتعلق بالبيوت يُسأل عليها نساء النبي، والأحكام التي تتعلق بالسفر يُسأل عنها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال في تخريجه: [أخرجه مسلم] هذا صحيح في التوقيت وأن للمسافر ثلاثة أيام والمقيم يوماً وليلة.

الدليل على أن الأمر بالمسح على الخفين أمر إباحة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الأمر بالمسح على الخفين أمر إباحة، أن المسح يقوم مقام غسل القدمين، إذا كان القدم بادياً غير مغطى بالخف وأن خالع الخف وإن كان لبسه على طهارة، إذا غسل قدميه كان مؤدياً للفرض غير عاصٍ، إلا أن يكون تاركاً للمسح رغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: أخبرنا أبو هاشم زياد بن أيوب أخبرنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية أخبرنا أبي عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ عن علي قال: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للحاضر يعني: في المسح على الخفين)] وهذا الحديث يفيد التوقيت فإذا كان خالع الخف قصده الرغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عاصٍ، والأفضل للإنسان أن يفعل الحال التي هو عليها، إن كانت رجله مكشوفة يغسلها ولا يلبس خفيه حتى يمسح، وإن كان رجله فيها خف يمسح عليها ولا يخلع حتى يغسل.

الدليل على أن الرخصة في المسح على الخفين إنما هي من الحدث الذي يوجب الوضوء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الرخصة في المسح على الخفين إنما هي من الحدث الذي يوجب الوضوء دون الجنابة التي توجب الغسل.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله المخرمي ومحمد بن رافع قالا: حدثنا يحيى بن آدم أخبرنا سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فسألته عن المسح على الخفين فقال: كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام -يعني: في السفر- إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم]

وهذا فيه دليل على أن المسح بالخفين إنما هو من الحدث من البول أو الغائط أو النوم، فإنه يغسل رجليه ثم يمسح، أما إذا كان جنابة فلا يجوز له المسح، بل يجب عليه خلع الخفين ويغسل رجليه ويعمم جسمه بالماء.
قال في تخريجه: [إسناده حسن وأخرجه النسائي ويحيى].

قال المؤلف رحمه الله تعالى في صحيحه: [باب التغليظ في ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة.
قال: أخبرنا محمد بن الوليد أخبرنا محمد - يعني: ابن جعفر - أخبرنا شعبة عن حصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رغب عن سنتي فليس مني)].
هذا الحديث عام لم يذكر فيه ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة.

الرخصة في المسح على الجوربين والنعلين
قال: [باب الرخصة في المسح على الجوربين والنعلين.
قال: حدثنا بندار ومحمد بن الوليد قالا: حدثنا أبو عاصم أخبرنا سفيان أخبرنا سلم بن جنادة أخبرنا وكيع عن سفيان وحدثنا أحمد بن منيع ومحمد بن رافع قالا: حدثنا زيد بن حباب أخبرنا سفيان الثوري عن أبي قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل عن مغيرة بن شعبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين)، قال أبو بكر: ليس في خبر أبي عاصم: (والنعلين) إنما قال: مسح على الجوربين، وقال ابن رافع: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال فتوضأ ومسح على الجوربين والنعلين)].
هذا الحديث فيه دليل على مشروعية المسح على الجوربين والجورب أخف من الخف، وقد يكون من جلد وقد يكون من صوف، مثل الشُرَّاب الآن، فيمسح على الشراب وعلى الجوربين وهو جلد خفيف فإذا مسح على الجوربين والنعلين يصلي بالنعلين، وإذا أراد خلع النعلين يمسح على الجوربين فقط.
قال في تخريجه: [إسناده صحيح وأخرجه الترمذي].

ذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على النعلين مجملاً
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر أخبار رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على النعلين مجملة، غلط في الاحتجاج بها بعض من أجاز المسح على الخفين في الوضوء الواجب من الحدث.
قال أخبرنا عبد الجبار بن العلاء أخبرنا سفيان أخبرنا محمد بن عجلان عن سعيد هو - ابن أبي سعيد المقبري -عن عبيد بن جريج قال: قيل لـ ابن عمر: رأيناك تفعل شيئاً لم نر أحداً يفعله غيرك، قال: وما هو؟ قالوا: رأيناك تلبس هذه النعال السبتية].
السبتية التي لا شعر فيها، من جلد.
[قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها ويمسح عليها.
قال أبو بكر: وحديث ابن عباس وأوس بن أوس من هذا الباب] هذا الحديث ليس فيه النعلان إنما فيه المسح على النعل وإنما تلبس النعال السبتية وتمسح.

الدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على النعلين كان وضوء متطوع به، لا في وضوء واجب عليه
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على النعلين كان في وضوء متطوع به لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب الوضوء.
قال: أخبرنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البزاز أخبرنا إبراهيم بن أبي الليث أخبرنا عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي عن سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي: (أنه سعى بكوز من ماء ثم توضأ وضوءاً خفيفاً، ثم مسح على نعليه، ثم قال: هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث)] لا بأس أن يرش على رجليه ما دام أنه لم يحدث، أما إذا أحدث فلا بد أن يغسل الرجلين، وفي لفظ آخر: أنه توضأ وقال: هذا وضوء من لم يحدث.

ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الرجلين مجملاً
قال المؤلف رحمه الله تعالى في صحيحه: [باب ذكر أخبار رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الرجلين مجملة، غلط في الاحتجاج بها بعض من لم ينعم الروية في الأخبار، وأباح للمحدث المسح على الرجلين.
قال: أخبرنا أبو زهير عبد المجيد بن إبراهيم المصري أخبرنا المقري أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود -وهو محمد بن عبد الرحمن مولى آل نوفل يتيم عروة بن الزبير - عن عباد بن تميم عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويمسح الماء على رجليه)، قال أبو بكر: خبر نافع عن ابن عمر من هذا الباب].
الأخبار المجملة تفسر بالأخبار المبينة والنصوص الكثيرة وكذلك النصوص التي رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم غسلاً ومسحاً أكثر من التي نقلوا لفظ الآية فكيف تترك النصوص الواضحة الصريحة وتتعلق بمجمل فسر بالأحاديث الأخرى؟!

الدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على القدمين كان وهو طاهر لا محدث
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على القدمين كان وهو طاهر لا محدث.
قال: [أخبرنا أبو طاهر، أخبرنا أبو بكر أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا جرير وحدثنا محمد بن رافع حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة كلاهما عن منصور عن عبد الملك بن ميسرة قال: حدثني النزال بن سبرة قال: (صلينا مع علي الظهر ثم خرجنا إلى الرحبة قال: فدعا بإناء فيه شراب فأخذه فمضمض، قال منصور: أُرَاه قال: واستنشق ومسح وجهه وذراعيه ورأسه وقدميه ثم شرب فضله وهو قائم، ثم قال: إن ناساً يكرهون أن يشربوا وهم قيام، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثلما صنعت، وقال: هذا وضوء من لم يحدث) هذا لفظ حديث زائدة].
قال في تخريجه: [أخرجه النسائي والإمام أحمد وقال: وهو في البخاري].
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده وفيه دليل على جواز الشرب قائماً، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أنه جاء إلى ناس وهم يسقون فشرب قائماً، وما جاء من النهي عن الشرب قائماً فهو محمول على التنزيه وذهب بعض العلماء إلى أنه يحرم الشرب قائماً، وشدد ابن القيم في هذا في زاد المعاد وقال: إنه يحرم على الإنسان أن يشرب قائماً للحديث الذي منع الشرب قائماً، والصواب: أنه ليس بحرام، ولكن الشرب قائماً مكروه؛ جمعاً بين الحديثين، وهي قاعدة أن النهي عن شيء ثم فعله يدل على النهي والتنبيه.

الرخصة في استعانة المتوضئ بمن يصب عليه الماء ليطهر
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في استعانة المتوضئ بمن يصب عليه الماء ليطهر، خلاف مذهب من يتوهم من المتصوفة أن هذا من الكبر.
قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن ابن شهاب أخبره عن عباد بن زيد عن عروة بن المغيرة بن شعبة أنه سمع أباه يقول: (سكبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توضأ في غزوة تبوك فمسح على الخفين)] قال في تخريجه: [أخرجه مسلم وأبو داود].
هذا الحديث ثابت في الصحيحين، وفيه دليل على أن الصب على المتوضئ جائز ولا بأس به.
وهذا الحديث فيه أنه لما أخرج ذراعيه ضاقت عليه كمه، فأخرجها وأخذ ذراعيه ثم صب عليه الماء، فالإعانة على الوضوء لا بأس بها وليست من الكبر.
والإعانة لها ثلاثة أنواع: النوع الأول: تقرب الماء إليه وهذا ليس فيه شيء، كأن يأتي بالماء في قدر، الثاني: أن يصب عليه في الأعضاء، وهذا لا بأس به عند الحاجة، الثالثة: أن يباشر غسل الأعضاء وهذا إذا كان مريضاً، كأن يأتي إنسان يغسل له وجهه ثم يديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه فلا بأس به.

الرخصة في وضوء الجماعة من إناء واحد
قال المؤلف رحمه الله في صحيحه: [باب الرخصة في وضوء الجماعة من الإناء الواحد.
قال: أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا أبو حمد الزبيري أخبرنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: (إنكم تعدون الآيات عذاباً، وإنا كنا نعدها بركة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام، قال: وأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء، فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حيَّ على الطهور المبارك والبركة من الله حتى توضأنا كلنا)].
قال في تخريجه: [أخرجه الإمام أحمد، وقال الشيخ شاكر: رواه البخاري من طريق أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل].
هذا الحديث فيه تصريح بالوضوء من إناء واحد، وفيه الآيات، قال: أنتم تعدونها عذاباً، ونحن نعدها بركة وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم عندما نبع الماء من بين أصابعه، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وهذا لا مثيل له، وخوارق العادات تحصل عند الصحابة وغيرهم، وخوارق العادات التي تحصل للساحر كل جنسها مقصور للبشر أو الحيوان أو للطير، فالساحر فرضا يريد أن يطير في الهواء فالطير يطير مثله، وإذا غاص في البحار فالسمكة تغوص مثله، وإذا دخل في النار فهناك بعض الحشرات تدخل النار ولا تضرها، لكن أنى لهم أن يأتوا بمثل آيات الأنبياء، كنبع الماء من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام، وحين عرج به إلى السماوات، وطوفان نوح عليه السلام، وناقة صالح، وعصا موسى، هذه تسمى الآيات، وآيات الأنبياء لا يأتي بمثلها البشر.
وقوله: (حي على الطهور والبركة من الله) هذا ماء شريف بعدما نبع من أصابعه عليه السلام، ثم إنهم توضئوا واستنجوا منه، وهذا دليل على أنه لا بأس بالاستنجاء بماء زمزم، وقول بعض العلماء: إنه يكره؛ لأن ماءه شريف.
ليس بجيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نبع الماء من بين أصابعه ورجل عليه جنابة أمره أن يغتسل ويستنجي.
وقد كان الصحابة يأكلون ويسمعون تسبيح الطعام، والمعجزة في ذلك أنهم سمعوا التسبيح، وإلا فإن الله تعالى يقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44] فهم سمعوا تسبيح الطعام، كذلك حنين الجذع لما بكى، والحجر الذي سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، هذا مما سمعوه، وإلا فإنه يسبح لله ما في السماوات ومافي الأرض، لا نفقهه ولا نعلمه ولا يسمعه إلا الله سبحانه.

الرخصة في وضوء الرجال والنساء من إناء واحد
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في وضوء الرجال والنساء من الإناء الواحد.
قال: أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا حماد بن مسعدة حدثنا عبد الله بن عمر وحدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب وأحمد بن منيع ومؤمل بن هشام قالوا: أخبرنا إسماعيل قال: زياد وأحمد قال أخبرنا أيوب وقال مؤمل عن أيوب وحدثنا عمران بن موسى أخبرنا عبد الوارث عن أيوب وحدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أن مالكاً حدثه، كلهم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت الرجال والنساء يتوضئون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد معاني أحاديثهم سواء، وهذا حديث ابن علية].
وهذا رواه البخاري في الصحيح، وهذا المحمول على الرجال والنساء من المحارم، يتوضأ الرجال مع النساء يعني: مع محارمهم، أو أن هذا كان قبل نزول الحجاب، والمراد بالوضوء: غسل الأطراف والوجه واليدين، وليس الاستنجاء.
قال في تخريجه: [أخرجه البخاري وأبو داود].

الأسئلة

حكم الدعاء على الكفار واليهود والنصارى

السؤال
قال احد الطلبة في محاضرة له: إن الدعاء على الكفار لا يجوز؛ لأن اليهود والنصارى باقين إلى قيام الساعة وهو من الاعتداء في الدعاء؟

الجواب
ليس بصحيح، فإن الله تعالى لعنهم في كتابه، (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) واللعن هو: الدعاء عليهم بالطرد من رحمة الله، ادع عليهم باللعان وأن الله يخذلهم، أما أن يكون المقصود: الدعاء عليهم بأن الله يهلكهم ولا يبقي منهم أحداً فهذا فيه نظر، فكثير من الناس يدعون: اللهم أهلك المنافقين واليهود ولا تبق على الأرض منهم واحداً، وهذا الدعاء فيه نظر؛ لأن الله سبحانه له حكمة بالغة في بقائهم، وفي بقاء المنافقين، لكن ادعُ عليهم بالخذلان، أن الله يخذلهم وينصر المسلمين عليهم، وأن يهلكهم أما في الدعاء بأن لا يبقي منهم أحداً، فالله له حكمة في بقائهم، فإن بقائهم يترتب عليه حكم الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله وإلى غير ذلك، لكن نلعن اليهود والنصارى، وندعوا عليهم بالخذلان وأن الله يخذلهم، ويجعلهم غنيمة للمسلمين، وأن يسلط المسلمين عليهم إلى غير ذلك.

توجيه دعاء نوح عليه السلام على قومه

السؤال
يقول: دعاء نوح على الكفار: لا تبق على الأرض من الكافرين دياراً، قال هذا خاص بنوح والله سبحانه وتعالى عاتب نبيه بقوله ليس لك من الأمر شيء فما هو؟

الجواب
هذا خاص بسيدنا نوح لأن الله أخبره بأنه لن يؤمن إلا من آمن، فلما أخبره الله أنه لن يؤمن أحد، {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:26 - 27]؛ لأنه أخبره بأنه لن يؤمن أحد إلا من قد آمن معه من قبل.

الأصل عدم الشك

السؤال
إذا شك لابس الخف أنه صلى بعد انتهاء مدة المسح هل يعيد صلاته؟

الجواب
الأصل عدم الشك.

مشروعية الدعاء بأن يجمع الله كلمة المسلمين

السؤال
هل الدعاء للمسلمين بأن الله يوحدهم ويجمع كلمتهم يكون مخالفاً لحكمة الله في تفرقهم شيعاً وأحزاباً كما أخبر الله جل وعلا بذلك؟

الجواب
هذا مطلوب أن تدعو أن الله يوحد المسلمين ويجمعهم، فالدعاء بجمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم أمر مطلوب ينبغي لكل مسلم أن يدعو به.

بيان ما دعاء به رسول الله على اليهود والنصارى

السؤال
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود والنصارى أليس يدل على الدعاء عليهم بالعموم ولكن يقول أحد طلاب العلم: لا؟

الجواب
دعاء بالعموم ماهو الدعاء عليهم بالهلاك، إنما الدعاء عليهم بالطرد من رحمة الله، ولم يقل: لا تبق منهم أحداً، ولكن قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ما داموا على كفرهم وعنادهم فهم مطرودون عن رحمة الله لكن هم باقون في الدنيا وليس هنا دعاء بأنهم لا يبقون في الدنيا.

وجوب رد المسروقات لأصحابها

السؤال
إذا سرق المسلم قبل إسلامه فهل يجب عليه رد ما ترك؟

الجواب
نعم، يرد إذا كان يعرف صاحبها يعطيه ولو بعد إسلامه.

إن القرآن أفضل الذكر، ولذلك كان من الأفضل والأكمل أن لا يقرأه المؤمن إلا على طهارة، وإن كان يجوز أن يقرأه على غير طهارة عدا الجنب.

استحباب الوضوء لذكر الله
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب فضول التطهير والاستحباب من غير إيجاز، باب استحباب الوضوء لذكر الله، وإن كان الذكر على غير وضوء مباحاً.
قال: أخبرنا أبو موسى محمد بن المثنى أخبرنا عبد الأعلى أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حصين بن المنذر -قال أبو بكر: هو ابن أبي ساسان - عن المهاجر بن قنفذ بن عمر بن جدعان: (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ، فسلم عليه فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال على طهارة)، وكان الحسن يأخذ به].
قال في تخريجه: [إسناده صحيح، أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجة] والحديث الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى تيمم بالجدار ثم رد عليه، وقال: كرهت أن أذكر الله إلا على طهر، لكن التيمم ليس وضوءاً لكن هذا سلم عليه وهو في أثناء الوضوء ولعله أتم الوضوء ثم رد عليه.

الدليل على كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذكر الله على غير طهر دليلٌ على أن الطهارة عند ذكر الله أفضل
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذكر الله على غير طهر كانت إذ الذكر على طهارة أفضل لا أنه غير جائز أن يذكر الله على غير طهر إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يذكر الله على كل أحيانه] كما في حديث عائشة فقد كان يذكر الله على كل حال، رواه مسلم في الصحيح.
قال: [أخبرنا محمد بن العلاء بن كريب الهمداني ومحمد بن مسلم قالا: حدثنا ابن أبي زائدة عن خالد بن سلمة عن البهي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) هذا لفظ حديث أبي كريب].
قال في تخريجه: [أخرجه مسلم وأبي داود] وهذا الحديث دليل على أنه لا بأس بالذكر على غير طهارة، حتى ولو كان عليه جنابة، ومنه الأذان لو أذن وهو على غير وضوء فلا حرج عليه، لكن الأفضل أن يتوضأ، كما يسبح ويهلل من غير وضوء، كذلك قراءة القرآن على غير وضوء جائز.

الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في قراءة القرآن وهو أفضل الذكر على غير وضوء.
قال: أخبرنا بندار أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن سلمة قال: دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنا ورجلان، رجل منا ورجل من بني أسد، أحسب فبعثهما وجهاً وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما، ثم دخل المخرج ثم خرج، فأخذ حفنة من ماء فتمسح بها، ثم جاء فقرأ القرآن قراءةً فأنكرنا ذلك، فقال علي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الخلاء فيقضي الحاجة، ثم يخرج فيأكل معنا الخبز واللحم ويقرأ القرآن ولا يحجبه عن القرآن شيء، ليس الجنابة أو إلا الجنابة].
قال في تخريجه: [إسناده ضعيف، وعبد الله بن سلمة قال البخاري: لا يتابع على حديثه].
هذا الحديث فيه ضعف، ولكن له شواهد، ففي الصحيح عن عائشة أنه كان يذكر الله على كل أحيانه وهذا عام يستشهد به.
قال أبو بكر: [سمعت أحمد بن المقدام العجلي يقول: حدثنا سعيد بن الربيع عن شعبة بهذا الحديث، قال شعبة: هذا ثلث رأس مالي.
قال أبو بكر: قد كنت بينت في كتاب البيوع أن بين المكروه وبين المحرم فرقاناً، واستدللت على الفرق بينهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم ثلاثاً وحرم عليكم ثلاثاً، كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال وحرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات) ففرق بين المكروه وبين المحرم بقوله في خبر المهاجر بن قنفذ: كرهت أن أذكر الله إلا على طهر، قد يجوز أن يكون إنما كره ذلك إذ الذكر على طهر أفضل، لا أن ذكر الله على غير طهر محرم، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يقرأ القرآن على غير طهر والقرآن أفضل الذكر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه على ما روينا عن عائشة رضي الله عنها، وقد يجوز أن تكون كراهته لذكر الله إلا على طهر ذكر الله الذي هو فرض على المرء دون ما هو متطوع به، فإذا كان ذكر الله فرضاً لم يؤد الفرض على غير طهر حتى يتطهر، ثم يؤدي ذلك الفرض على طهارة؛ لأن رد السلام فرض عند أكثر العلماء، فلم يرد صلى الله عليه وسلم وهو على غير طهر حتى تطهر ثم رد السلام، فأما ما كان المرء متطوعاً به من ذكر الله عز وجل ولو تركه في حالة هو فيها غير طاهر، لم يكن عليه إعادته، فله أن يذكر الله متطوعاً بالذكر وإن كان غير متطهر].
يعني: أنه لا بأس للإنسان أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب ولو لم يتوضأ بدون مس المصحف، فكما أنه يجوز له أن يأكل ويشرب، إلا إذا كان عليه جنابة، فإذا كان عليه جنابة لا يجوز له أن يقرأ القرآن حتى يغتسل، أما إذا لم يكن جنابة فله أن يقرأ القرآن، كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، يقرأ القرآن عن ظهر قلب، وقال العلماء: الجنابة هي التي تمنع من قراءة القرآن، وما عدا ذلك فلا بأس أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب من غير وضوء، أما الذكر فلا بأس به ولو كان عليه جنابة يذكر الله إلا القرآن.
قال في تخريجه: [إسناده ضعيف، وعبد الله بن سلمة قال البخاري لا يتابع على حديثه، وأخرجه أبو داود والنسائي].

استحباب الوضوء للدعاء ومسألة الله
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب الوضوء للدعاء ومسألة الله ليكون المرء طاهراً عند الدعاء والمسألة.
قال: أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا شعيب -يعني ابن الليث - عن سعيد بن أبي سعيد عن عمرو بن سليم الزرقي عن عاصم بن عمرو عن علي بن أبي طالب أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالحرة بالسقيا التي كانت لـ سعد بن أبي وقاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائتوني بوضوء، فلما توضأ قام فاستقبل القبلة، ثم كبر ثم قال: أبي إبراهيم كان عبدك وخليلك، ودعاك لأهل مكة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وفي صاعهم، مثل ما باركت لأهل مكة، مع البركة بركتين).
وقال ابن أبي ذئب في هذه القصة: عن سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم صلى بأرض سعد فذكر القصة.
قال أبو بكر: أخبرنا بندار ومحمد بن يحيى قالا: أخبرنا عثمان بن عمر قال ابن أبي ذئب وقال محمد بن يحيى قال: أخبرنا ابن أبي ذئب].
قال في تخريجه للأول: [إسناده صحيح، وأخرجه الإمام أحمد وقال عن الثاني: هو الحديث المتقدم] لكن هذا أصله صحيح، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأهل المدينة مثل ما دعا إبراهيم لأهل مكة، لكن يكتفي أنه توضأ، فالوضوء للذكر والدعاء مستحب ولا بأس أن يذكر الله ويدعو الله ولو على غير طهارة.
فإذا قصد القراءة فلا وإذا قصد بالدعاء لنفسه والقراءة فلا بأس، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، إن قصد الدعاء فلا بأس وإن قصد قراءة القرآن فلا، أما قراءة المعوذتين وآية الكرسي اقرأها قبل ذلك إذا أحببناه على جنابة، فإن الإنسان يتوضأ ويقرأها قبل، بعد الجنابة يتوضأ ثم يأتي بالذكر غير القرآن.

استحباب الوضوء للجنب إذا أراد النوم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب الوضوء للجنب إذا أراد النوم.
قال: أخبرنا أحمد بن عبدة أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ينام ويتوضأ إن شاء)].
وفي الصحيح: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ، هذا رواه البخاري في الصحيح ولا إشكال عليه في التخريج.
قال في تخريجه: [قال إسناده صحيح وبهامشه ما نصه من خط شيخ الإسلام ابن حسن رحمه الله: هو في صحيح مسلم بمعناه، وقال: هذه الرواية في مسند أحمد بن حنبل ولفظها: يتوضأ وينام إن شاء] أما في الصحيح قال عمر: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ ليس فيه التعليق بالمشيئة، بل ينبغي للإنسان أن يتأكد، فهو مكروه أن ينام وهو جنب بدون وضوء، إما أن يغتسل وإما أن يتوضأ ثم ينام.
وذكر الإمام مسلم في التمهيد أن قوله: (إن شاء) وهم من الراوي، وعلى ذلك في هذا الحديث بعض الضعف.
قال أبو بكر: [أخبرنا به سعيد بن عبد الرحمن المخزومي أخبرنا سفيان بهذا الإسناد فقال: (إن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا أراد أن ينام فليتوضأ)] وهكذا رواه البخاري في صحيحه.

الدليل على أن الوضوء الذي أمر به الجنب للنوم كوضوء الصلاة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الوضوء الذي أُمر به الجنب للنوم كوضوء الصلاة إذ العرب قد تسمي غسل اليدين وضوءاً.
قال: أخبرنا عبد الجبار بن العلاء أخبرنا سفيان قال: حفظناه من الزهري أخبرنا أبو سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة)] المراد توضأ وضوءه للصلاة: ليس المراد الوضوء اللغوي غسل الوجه واليدين، وإنما المراد الوضوء الذي هو شرط الصلاة.

استحباب غسل الذكر مع الوضوء إذا أراد الجنب النوم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب غسل الذكر مع الوضوء إذا أراد الجنب النوم.
قال: أخبرنا أبو موسى حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: (سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصيبني الجنابة بالليل فما أصنع؟ قال: اغسل ذكرك وتوضأ ثم ارقد)].
قال في تخريجه: [أخرجه البخاري ومسلم] يعني: استنج وتوضأ ثم نم.

استحباب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل
قال المؤلف رحمه الله تعالى في صحيحه: [باب استحباب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل قال: أخبرنا سلم بن جنادة أخبرنا وكيع عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ)].
قال في تخريجه: [أخرجه مسلم] وهذا هو السنة، الجنب يتوضأ للأكل والشرب والنوم، كما في حديث عمر في البخاري أنه قال: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ فالسنة للجنب إذا أراد أن ينام يتوضأ ولا ينام على جنابة بدون وضوء؛ لأن ذلك مكروه كراهة شديدة ولأن النبي قال: نعم، إذا توضأ، وكذلك للأكل والشرب يستحب ويسن له أن يتوضأ.

استحباب الوضوء عند النوم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استحباب الوضوء عند النوم، وإن لم يكن المرء جنباً، ليكون مبيته على طهارة.
قال: أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة قال: حدثني البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن) ثم ذكر الحديث.
قال أبو بكر: هذه اللفظة إذا أتيت مضجعك من الجنس الذي نقول: إن العرب تقول: إذا فعلت كذا، تريد إذا أردت فعل ذلك الشيء، كقوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] ومعناه: إذا أردتم القيام إلى الصلاة].
ومثل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل:98] يعني: إذا أردت القراءة، يعني إذا أردت ذلك فأت بهذا، وحديث البراء بن عازب رواه البخاري في الصحيح وفيه استحباب الوضوء قبل النوم، واستحباب الذكر عندما يضع شقه الأيمن ويقول: باسمك ربي وضعت جنبي، وروي عن ابن عمر أنه يقول: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد