الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن خزيمة في كتابه (مختصر المختصر) من المسند الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
جُمَّاعُ أَبْوَابِ قِيَامِ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَمَا فِيهِ مِنَ السُّنَنِ
بَابُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَإِنْ جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، وَالزَّجْرِ عَنْ أَنْ يَزِيدَ الْمَأْمُومُ عَلَى قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ
هذا تصفيح عن مذهب الشافعية، مذهب الشافعية القراءة خلف الإمام، بخلاف مذهب الجمهور، الجمهور يرون أن المأموم لا يقرأ إذا جهر الإمام، ما ذهب إليه الشافعية، وما ذهب إليه المؤلف هنا، وما ذهب إليه البخاري تجوز القراءة، وذهب إليه أبو هريرة -رضي الله عنه-، الصحابي الجليل، لما سأله، قال: "أقرأ والإمام يقرأ؟"، قال: "اقرأ بها في نفسك يا فارسي".
بَابُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَإِنْ جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، وَالزَّجْرِ عَنْ أَنْ يَزِيدَ الْمَأْمُومُ عَلَى قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ
إذا جهر الإمام بالقراءة لا يزيد، لأنه غير واجب، وأما في الصلاة السرية فيزيد، يقرأ سورة بعد الفاتحة.
أخبرنا أبو طاهر، قال: حدثنا أبو بكر، حدثنا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ الْيَشْكُرِيُّ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، ح وَحدثنا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجَزَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، حدثنا مُحَمَّدٌ، ح وَحدثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، حدثنا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَا: حدثنا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ يَسْكُنُ إِيلِيَاءَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «إِنِّي لَأَرَاكُمْ تَقْرَؤونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ؟» قَالَ: قُلْنَا: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذًّا.
(هَذًّا) يعني قراءة سريعة.
قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا»، هَذَا حَدِيثُ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَعَبْدِ الْأَعْلَى.
نعم، كل مداره على محمد بن إسحاق، فالحديث هذا صريح في أن المأموم يقرأ الفاتحة، مستثنى، لكن الكلام في سنده، ماذا قال عليه؟
القارئ: قال: إسناده صحيح.
الشيخ: محمد بن إسحاق صرح بالسماع؟
القارئ: نعم، قال: أخرجه ابن حبان، وأحمد والبخاري في خلق أفعال العباد، وفي القراءة خلف الإمام، وأبو داود والنسائي في الكبرى له، وابن حبان.
الشيخ: أخرجه البخاري في خلق أقوال العباد، وفيه يجوز القراءة...
طالب: الأعظمي يقول: إسناده ضعيف، فيه علل، منها: عنعنة مكحول، والاضطراب عليه في إسناده، وإنما ثبت من الحديث قوله: «فلا تفعلوا إلا بأم الكتاب».
الشيخ: «فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ»، هذا المقصود، إذا ثبت هذا يكفي، ما الذي لم يثبت؟
طالب: «إِنِّي لَأَرَاكُمْ تَقْرَؤونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ؟».
الشيخ: «فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ»، يقول إنه ضعيف؟
طالب: هو قال: إسناده ضعيف، فيه علل، منها: عنعنة مكحول، والاضطراب عليه في إسناده، وإنما ثبت من الحديث قوله: «فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ»، وبيان هذا كله في كتاب ضعيف أبي داود، والحديث أخرجه الترمذي من طريق ابن إسحاق والآخرون.
الشيخ: الأعظمي؟
طالب: هذا نقل الأعظمي، هو الذي كتب هذا، هو المحرر، لكنه وضع بين قوسين...
الشيخ: يعني الأعظمي نقل عن الألباني؟ الأعظمي ينقل عن الألباني؟
طالب: نعم، كثيرًا.
الشيخ: الأعظمي معاصر، متأخر.
المقصود أن هذا الحديث فيه دليل على أن المأموم يقرأ الفاتحة، ولو في الجهرية، إن كان للإمام سكتات فإنه يقرأ في السكتات، وإلا سردها ولو كان الإمام يقرأ مستثنى، قال: «لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها».
وهذا جائز بين أهل العلم، الشافعية، يراه الإمام البخاري، وجمعٌ من أهل العلم، وهو اختيار جماعة، منهم شيخنا ابن باز رحمه الله، والذي نفتي به الآن أن المأموم يقرأ الفاتحة.
أما الجمهور وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة فذهبوا إلى أن المأموم لا يقرأ الفاتحة، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأعراف:204]، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "إنها نازلةٌ في الصلاة".
ولهم أدلة، منها:
قول الله تعالى عن موسى: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾[يونس:89]، لما دعا موسى، قال: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾[يونس:88]، قال الله: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾[يونس:89]، الضمير يعود إلى موسى وهارون، والداعي موسى، وهارون يؤمِّن، فجعل المؤمِّن داعيًا، فدل على أن المأموم يستمع للإمام، وتكون قراءة الإمام كافية كقراءة المأموم.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية شيء من هذا، فيه أدلة كثيرة في هذا، المقصود أن الجمهور يرون أن المأموم لا يقرأ في الصلاة الجهرية ويكتفي بقراءته، فإذا أمَّن على قراءة الفاتحة فكأنه قرأ، كما أن هارون أمَّن على دعاء موسى، فجعلهما الله داعيين، قال: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾[يونس:89].
كثير من الصحابة كاختيار أبي هريرة -رضي الله عنه- لما سأله قال: "أقول خلف الإمام؟"، قال: "اقرأ بها في نفسك يا فارسي"، وهو مذهب الشافعية عمومًا أن المأموم يقرأ الفاتحة ولو في الجهرية.
بَابُ تَأْمِينِ الْمَأْمُومِ عِنْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ نَسِيَ إِمَامٌ وَجَهِلَ، وَلَمْ يُؤَمِّنْ
وإن جهل، ولو جهل، ولو لم يؤمِّن الإمام، فإن المأموم يؤمِّن، هذا معناه، يعني أن المأموم يؤمِّن ولو جهل الإمام ونسي فلم يؤمِّن، فلا يمنع ذلك المأموم من التأمين، ليس مرتبط بالإمام، يؤمِّن المأموم ولو لم يؤمِّن الإمام.
أخبرنا أبو طاهر، قال: حدثنا أبو بكر، قال حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُنَا يَقُولُ: «إِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ».
وهذا عام، «وَإِذَا قَرَأَ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ»، ولم يقل: إلا ألا يؤمِّن الإمام فلا تأمِّنوا، مطلقة، إذا قال: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة: 7] قُولُوا آمِينَ، سواء قالها الإمام أو لم يقلها.
تعليق: سبق تخريجه.
طالب: أخرجه البخاري.
س: في الحديث المتقدم: «إِنِّي لَأَرَاكُمْ تَقْرَؤونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ؟» في الحديث دليل على أن أفعال العباد مخلوقة من ....[00:13:07]؟
الشيخ: يمكن، ما يمكن الحديث الآن، يمكن في الحديث ألفاظ أخرى ساقها، قال ماذا؟
س: «إِنِّي لَأَرَاكُمْ تَقْرَؤونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ؟» قَالَ: قُلْنَا: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ...
الشيخ: نعم، يمكن ساق بإيجاز لو ساق الحديث من أوله يتبين وجه الاستدلال، إنما هذا جزء منه، يقرأ الحديث من الأول ويتبين له.
بَابُ فَضْلِ تَأْمِينِ الْمَأْمُومِ إِذَا أَمَّنَ إِمَامُهُ رَجَاءَ مَغْفِرَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِ الْمُؤْمِنِ إِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةَ مَعَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ الْجَهْرَ بِالتَّأْمِينِ إِذَا جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومَ تَأْمِينَهُ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَأْمُرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَأْمُومَ بِالتَّأْمِينِ إِذَا أَمَّنَ إِمَامُهُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى مَعْرِفَةِ تَأْمِينِ الْإِمَامِ إِذَا أَخْفَى الْإِمَامُ التَّأْمِينَ
أخبرنا أبو طاهر، قال: حدثنا أبو بكر، قال حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
هذا الحديث صحيح، رواه الشيخان وغيرهما، وهو دليل على مشروعية التأمين للإمام والمأموم والمنفرد، كلهم يؤمِّنون بعد قراءة الفاتحة.
وقوله: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» مفهومه أنه لا يؤمِّن المأموم إلا إذا أمَّن الإمام، لكن هذا المفهوم ألغاه أحاديث أخرى دلت على أن المأموم يؤمِّن ولا ينتظر تأمين الإمام، مثل الحديث السابق: «وَإِذَا قَرَأَ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ يُجِبكم الله».
وقد فهم منه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- أن... أخذ من هذا الحديث أنه لا يجوز للمأموم أن يؤمِّن حتى يؤمِّن الإمام، وهذا ليس بصحيح، الشيخ ناصر -رحمه الله- عنده بعض الآراء الفقهية مرجوحة، وهذا من المرجوح، فإنه قرر -رحمه الله- أن المأموم لا يؤمِّن حتى يؤمِّن الإمام أخذًا من هذا الحديث، والصواب أن النصوص يُضم بعضها إلى بعض، جاءت أحاديث أخرى دلت على أن المأموم يؤمِّن بعد قول الإمام: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة: 7]، ولا ينتظر تأمينه، بل حتى إذا ترك الإمام التأمين، فإن المأموم يؤمِّن، هذا هو الصواب.
والتأمين مستحب، ومعنى (آمين): اللهم استجب، ماذا قال عليه؟
القارئ: قال: إسناده صحيح، أخرجه مالك برواية الليث، وأحمد والدارمي والبخاري ومسلم، وأبو داوود وابن ماجه والترمذي والنسائي، وفي الكبرى له، والبيهقي، والبغوي.
بَابُ ذِكْرِ إِجَابَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ المُؤَمِّنَ عِنْدَ فَرَاغِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ
والترجمة التي بعدها؟
بَابُ ذِكْرِ حَسَدِ الْيَهُودِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى تَأْمِينِهِمْ