بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- في صحيحه:
بَابُ ذِكْرِ إِدْرَاكِ الْمَأْمُومِ مَا فَاتَهُ مِنْ سُجُودِ الْإِمَامِ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي خَبَرِ أَبِي مُوسَى: «فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ»، وَفِي خَبَرِ مُعَاوِيَةَ: «وَمَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إِذَا سَجَدْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إِذَا رَفَعْتُ».
الشيخ: ماذا قال عليه؟
القارئ: قال: انظر ما سبق من الأحاديث.
الشيخ: يعني أن الإمام يسبقهم في الركوع وفي السجود، ثم هم يتأخرون عنه في الرفع، فيكون تأخرهم عنه مقابل سبقهم له، فالإمام يسبقهم في الركوع والسجود وهم يتأخرون بعده، حينما يقوم، حينما يرفع رأسه من الركوع يتأخر المأموم بعده، حينما يرفع رأسه من السجود يتأخر المأموم بعده، فتأخر المأموم بعد الإمام يقابل سبق الإمام له، هذا معنى تلك بتلك، (فَتِلْكَ بِتِلْكَ)، يعني فأنا أسبقكم في الركوع والسجود وأنتم تتأخرون عني بعد الرفع من الركوع وبعد القيام من السجود، هذا معنى (فَتِلْكَ بِتِلْكَ).
بَابُ النَّهْيِ عَنْ مُبَادَرَةِ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ بِالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ.
قال: أخبرنا أبو طاهر، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، قال: حدثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ، وَانْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَأَقْبَلَ إِلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالْقُعُودِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي، وَايْمُ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ».
وهذا جاء في حديث الكسوف، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عُرضت علي الجنة و النار»، أو «رأيت الجنة والنار في عرض هذا الحائط»، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من خصائصه أنه يراهم من خلفه، هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وفيه النهي عن مبادرة الإمام في الركوع والسجود والقيام والقعود، لا ينبغي للمأموم أن يبادره، بل ينبغي أن يتأخر بعده، أعد: إني إمامكم.
فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالْقُعُودِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي، وَايْمُ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا».
سبق في الحديث اللي فيه الوعيد الشديد على من رفع رأسه قبل الإمام، «أن يجعل الله رأسه رأس حمار»، في لفظ «أن يجعل صورته صورة كلب»، وهذا وعيدٌ شديد، ماذا قال عليه؟
القارئ: قال الحديث صحيح خرجه أحمد ومسلم وأبو يعلى والبخاري وأحمد وعبد الحميد والدارمي، متفقٌ عليه.
الشيخ: فيه أنه ينبغي للمأموم أن لا يبادر الإمام، بل يتأخر بعده، في الركوع والسجود والخفض والرفع والقيام والقعود.
بَابُ افْتِتَاحِ الْإِمَامِ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ سَكْتٍ قبلها.
أخبرنا أبو طاهر، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا الْحَسَينُ بْنُ نَصْرِ بْنِ الْمُعَارِكِ الْمِصْرِيُّ، قال: حدثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قال: حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قال: حدثنا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، قال: حدثنا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، قال: حدثنا أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا نَهَضَ فِي الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وَلَمْ يَسْكُتْ».
الشيخ: ماذا قال عليه؟
القارئ: قال: حديثٌ صحيح، أخرجه الطحاوي وابن حبان والحاكم، وذكره مسلم معلقًا، ووصله أبو نعيم في مستخرجه.
الشيخ: أعد ترجمة الباب.
بَابُ افْتِتَاحِ الْإِمَامِ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ سَكْتٍ قبلها.
(مِنْ غَيْرِ سَكْتٍ) هذا فيها ملحوظة، في الصحيح كان يستفتح القراءة بـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ولا يعني ذلك أنه كان يسمي، قول المؤلف سكتة، أعد متن الحديث.
قال: حدثنا أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا نَهَضَ فِي الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وَلَمْ يَسْكُتْ».
الشيخ: ماذا قال في تخريجه؟
القارئ: قال: الطحاوي وابن حبان والحاكم وذكره مسلمٌ معلقًا، ووصله أبو نعيم في مستخرجه.
الشيخ: كلمة (وَلَمْ يَسْكُتْ) يعني معناه أنه يبادر بالقراءة ولا يذكر بسملة، لكن في مسلم أنه قال: «صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر، فكانوا يستفتحون القراءة بـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ولا يذكرون "بسم الله الرحمن الرحيم" لا في أول قراءتهم ولافي آخرها» وفي لفظٍ «كانوا يسرون»، وعمومه يدل على أن البسملة تُقرأ في الأولى وفي الثانية، من أخرجه؟
القارئ: أخرجه الطحاوي وابن حبان والحاكم وذكره مسلمٌ معلقًا، ووصله أبو نعيم في مستخرجه، وهو صحيح.
الشيخ: يراجع المعلق هذا، واستخرجه، ووصله أبو نعيم، هل هو صحيح أو غير صحيح.
بَابُ تَخْفِيفِ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِتْمَامِ.
أخبرنا أبو طاهر، قال: حدثنا أبو بكرٍ، قال: حدثنا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قال: حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَفَّ النَّاسِ صَلَاةً فِي تَمَامٍ».
فيه مشروعية تخفيف الصلاة مع الإتمام، يعني إتمام الركوع والسجود مع الطمأنينة، الإتمام جزء من الطمأنينة، فكانت صلاته -صلى الله عليه وسلم- قليلة مع إتمام.
والتخفيف هذا يرجع إلى السنة، وإلى فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا يرجع إلى رغبة الإمام ولا رغبة المأمومين، وإنما يُرجع فيه إلى السنة، والسنة كما ذكر أنس كان النبي يحزرون له إذا ركع عشر تسبيحات مع التدبر، وإذا سجد عشر تسبيحات مع التدبر، هذا هو التخفيف، التخفيف مع الإتمام، وكان إذا رفع من الركوع وقف حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع من السجود جلس حتى يقول القائل: قد نسي، هذه صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا الإيجاز، إيجاز مع التخفيف، التخفيف مع الإتمام، وليس المراد بالإيجاز الإخلال بالطمأنينة، أو يرجع إلى تفسيره بتفسيرٍ يخالف ما دلت عليه النصوص من فعله -صلى الله عليه وسلم-.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَطْوِيلِ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ مَخَافَةَ تَنْفِيرِ الْمَأْمُومِينَ، وَقُنُوتِهِمْ.
الترجمة السابقة؟
بَابُ تَخْفِيفِ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِتْمَامِ.
والتالي:
بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَطْوِيلِ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ مَخَافَةَ تَنْفِيرِ الْمَأْمُومِينَ، وَقُنُوتِهِمْ.
لعلنا نقف على الترجمتين، نقرأها إن شاء الله في الدرس القادم.
طالب: ذكر هنا في الحديث السابق قال حديث صحيح على شرط الشيخين: «إذا نهض من الثانية استفتح بـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وَلَمْ يَسْكُتْ».
الشيخ: قال الحاكم؟
طالب: قال الحاكم: حيثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يُخرِّجاه هكذا.
الشيخ: والذهبي وافقه ولا تعقبه؟
طالب: ما ذكره.
الشيخ: أحيانًا يسكت الذهبي، وأحيانًا يتعقبه، وأحيانًا يوافقه، والحاكم -رحمه الله تعالى- قال على شرط الشيخين، لكنه ذكر العلماء أنه متساهل -رحمه الله-، لأنه قيل: أنه سوَّدها ولم يبيض، حصل له بعض الأوهام -رحمه الله تعالى-، نص على قوله: «ولم يسكت» هذا الإشكال، في صحيح مسلم أنهم كانوا يسرون، قال: «صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... وكانوا يسرون»، في لفظ لا يذكرون: بسم الله الرحمن الرحيم، لا في أول قراءتهم ولا في آخرها وفي لفظٍ: «كانوا يسرون»، يعني يسرون بالبسملة، فلا يمنع أنه إذا قام للركعة الثانية يُبسمل سرًا ثم يستفتح، وهي سكتة خفيفة، البسملة ما تحتاج إلى وقت طويل.
طالب: هنا قال: قال الطيبي: "لكن ظاهر الحديث أنه كان يُسرها ولم يسكت"، أي بالثناء هكذا في صحيح مسلم، وذكره الحميدي في أفراده.
الشيخ: هذا التعليق على ماذا؟
طالب: على نفس الحديث.
الشيخ: ابن خزيمة؟
الطالب: لا، في [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح].
الشيخ: قال الطيبي ماذا؟
الطالب: قال الطيبي: لكن ظاهر الحديث أنه كان يسرها ولم يسكت، أي بالثناء هكذا في صحيح مسلم، وذكره الحميدي في أفراده.
الشيخ: كيف بالثناء؟
الطالب: لا أعرف، قال أي بالثناء.
الشيخ: هو ظاهر الحديث كانوا يسرون، وحديث أنس: «صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفه أبو بكر وعمر ...»، في لفظ «كانوا يسرون»، «لا يذكرون "بسم الله الرحمن الرحيم" لا في أول قراءتهم...» وفي لفظٍ «كانوا يسرون»، يعني يسرون بها، ما يمنعهم من هذا ، لكن نص «ولم يسكت» هذا هو الذي فيه إشكال، قد يكون «ولم يسكت» يعني سكتةً طويلة، يبادر بالبسملة من حين وقوفه، ثم يشرع في القراءة، فالبسملة سنة قبل قراءة الفاتحة في كل ركعة، أما التعوذ يكون في الركعة الأولى.
نقف على الترجمتين.
وفقكم الله الجميع.