الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-:
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخِدَاجَ الَّذِي أَعْلَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ النَّقْصُ الَّذِي لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ مَعَهُ. إِذِ النَّقْصُ فِي الصَّلَاةِ يَكُونُ نَقْصَيْنِ، أَحَدُهُمَا لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ مَعَ ذَلِكَ النَّقْصِ، وَالْآخَرُ تَكُونُ الصَّلَاةُ جَائِزَةً مَعَ ذَلِكَ النَّقْصِ لَا يَجِبُ إِعَادَتُهَا، وَلَيْسَ هَذَا النَّقْصُ مِمَّا يُوجِبُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ مَعَ جَوَازِ الصَّلَاةِ
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، قال: حدثنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ؛ ح وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».
هَذَا حَدِيثُ الْمَخْزُومِيِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رِوَايَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ: لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
بَابُ ذِكْرِ لَفْظَةٍ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْكِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ بِلَفْظٍ ادَّعَتْ فِرْقَةٌ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ تَرْكَ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ يَنْقُصُ صَلَاةَ الْمُصَلِّي، لَا تُبْطِلُ صَلَاتَهُ وَلَا يَجِبُ إِعَادَتُهَا
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ،قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قال: حدثنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، أَنَّ أَبَا السَّائِبِ أَخْبَرَهُ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ». فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانَا وَرَاءَ الْإِمَامِ. قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي. وَقَالَ: يَا فَارِسِيُّ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ.
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخِدَاجَ الَّذِي أَعْلَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ النَّقْصُ الَّذِي لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ مَعَهُ.
هذا يعني أن ابن خزيمة -رحمه الله- يرى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم مطلقًا، مثل البخاري -رحمه الله- فيرى وجوب قراءة الفاتحة على الإمام، والمأموم، والمنفرد، في السرية والجهرية في صحيحه، وكذلك له رسالة سماها (جزء القراءة)، جزء خاص بقراءة الفاتحة، حتى الإمام البخاري يرى أيضًا وجماعة أنه إذا جاء والإمام راكعٌ يقضي هذه الركعة؛ لأنه لم يقرأ فيها الفاتحة، لا بُدَّ من قراءة الفاتحة.
والجمهور على أنه تسقط الفاتحة إذا جاء والإمام راكع، لحديث أبي بكرة، وكذلك ابن خزيمة -رحمه الله- في [00:03:17] يرى أنها واجبة؛ لعموم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ». ورد على مَنْ قال: إنها تجب، قال: «فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ». قال بعضهم: إنها تنقص ولكن لا تبطل. ابن خزيمة -رحمه الله- يرى أن هذا النقص يُبطلها.
قال باب الدليل على أن؟
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخِدَاجَ الَّذِي أَعْلَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ النَّقْصُ الَّذِي لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ مَعَهُ.
إِذِ النَّقْصُ فِي الصَّلَاةِ يَكُونُ نَقْصَيْنِ، أَحَدُهُمَا لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ مَعَ ذَلِكَ النَّقْصِ، وَالْآخَرُ تَكُونُ الصَّلَاةُ جَائِزَةً مَعَ ذَلِكَ النَّقْصِ لَا يَجِبُ إِعَادَتُهَا، وَلَيْسَ هَذَا النَّقْصُ مِمَّا يُوجِبُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ مَعَ جَوَازِ الصَّلَاةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قال: حدثنَا شُعْبَةُ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ». قُلْتُ: فَإِنْ كُنْتُ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ.
هذا دليل على أن أبو هريرة يرى أن المأموم يقرأ ولو في الصلاة، قال: "اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ"؛ أي سرًا بينك وبين نفسك.
بَابُ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ بـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيُّ، قال: حدثنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا بُنْدَارٌ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حدثنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
«أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)».
وهذا فيه دليل على أن البسملة ليست من الفاتحة، كانوا يستفتحون القراءة بـ (الحمد لله)، وهو الصواب وأن الفاتحة سبع آيات بدون بسملة، الأولى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، الثانية: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، الثالثة: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، الرابعة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، الخامسة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، السادسة: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾، السابعة: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾.
قال آخرون من أهل العلم: الآية الأولى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ﴾، والثانية: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، جعلوا السادسة والسابعة آية واحدة: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾.
والصواب هذا، [00:06:10] بالحمد لله رب العالمين، ولو كانت البسملة آية لقال: كانوا يستفتحونها بالبسملة. يدل عليه الحديث القدسي، يقول الله -تعالى-: «قسمتُ الصلاةَ -أي: الفاتحة- بيني وبين عبدي نصفينِ، فإذا قالَ العبد: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قالَ اللهُ: حمِدني عبدي». ولم يقل: فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم. فدلَّ على أن البسملة سُنة، وليست آية من الفاتحة، آية في أول كل سورة، فالتعوذ والبسملة سُنة، ولو كانت آية لكان من تركها بطلت صلاته.
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ
هذا القول الثاني، لكن هذا يتنافى مع ما جاء في الحديث: «كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)».
إذا كشفت المصحف الآن لوجدت ﴿بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ﴾ رقم واحد على هذا القول، لو كانت البسملة من الفاتحة لكان كثير من الأئمة صلاتهم باطلة؛ لأنك تسمع بعض الأئمة في الصلاة الجهرية إذا قال: الله أكبر، قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، لم يترك فرصة للبسملة، أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ ما قرأها؛ إذن صلاته باطلة على هذا القول، أنها آية، إذا ترك حرف بطلت، فكيف إذا ترك آية؟ لكن على القول الثاني فصلاته صحيحة، ترك البسملة وهي سُنة.
هنا ابن خزيمة -رحمه الله- يرى أن البسملة آية، باب الدليل على ماذا؟
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغانِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قال: أخبرنَا عُمَرُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَعَدَّهَا آيَةً، وَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) آيَتَيْنِ، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وَجَمَعَ خَمْسَ أَصَابِعِهِ.
بَابُ ذِكْرِ خَبَرٍ غَلِطَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ مَنْ لَمْ يَتَبَحَّرْ بِالْعِلْمِ، فَتَوَهَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَقْرَأُ بِـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي الصَّلَاةِ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا بُنْدَارٌ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ خَرَّجْتُ طُرُقَ هَذَا الْخَبَرِ وَأَلْفَاظَهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، [كِتَابِ الْكَبِيرُ] وَفِي مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَأَمْلَيْتُ مَسْأَلَةً قَدْرَ جُزْأَيْنِ فِي الِاحْتِجَاجِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي أَوَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ.
لا بأس، لكن ليست من الفاتحة، قوله من الفاتحة فيه نظر.
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ أَنَسًا إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: "لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). أَيْ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ جَهْرًا (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي الصَّلَاةِ،
في رواية مسلم قال: "كانوا يسرون"، يسرون بها، لكنها ليست آية على الصحيح، ليست آية من الفاتحة، آية مستقلة.
وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي الصَّلَاةِ، لَا كَمَا تَوَهَّمَ مَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِطَلَبِ الْعِلْمِ مِنْ مَظَانِّهِ، وَطَلَبَ الرِّئَاسَةَ قَبْلَ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ الْقُرَشِيُّ، قال: حدثنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَجْهَرُوا بِـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قال: حدثنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَجْهَرْ بِـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ، وَلَا عُثْمَانُ.
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، قال: حدثنَا أَبُو الْجَوَّابِ، قال: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ فَلَمْ يَجْهَرُوا بِـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ، قال: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قال: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَصِيرُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُسِرُّ بِـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي الصَّلَاةِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا الْخَبَرُ يُصَرِّحُ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمَ مَنْ لَمْ يَتَبَحَّرِ الْعِلْمَ وَادَّعَى أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: (كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) وَبِقَوْلِهِ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَؤونَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) جَهْرًا وَلَا خَفْيًا.
وَهَذَا الْخَبَرُ يُصَرِّحُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ بِهِ وَلَا يَجْهَرُونَ بِهِ عِنْدَ أَنَسٍ.
أَبُو الْجَوَّابِ هُوَ الْأَحْوَصُ بْنُ جَوَّابٍ.
بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ بِـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَالْمُخَافَتَةَ بِهِ جَمِيعًا مُبَاحٌ، لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَحْظُورًا، وَهَذَا مِنِ اخْتِلَافِ الْمُبَاحِ.
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنَا أَبِي وَشُعَيْبٌ -يَعْنِي ابْنَ اللَّيْثِ- قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قال: حدثنَا خَالِدٌ؛ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قال: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قال: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ:
صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى بَلَغَ وَلَا الضَّالِّينَ. فَقَالَ: آمِينَ، وَقَالَ النَّاسُ: آمِينَ. وَيَقُولُ كُلَّمَا سَجَدَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الْجُلُوسِ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. وَيَقُولُ إِذَا سَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، جَمِيعُهَا لَفْظًا وَاحِدًا. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: وَإِذَا قَامَ مِنَ الْجُلُوسِ فِي الِاثْنَيْنِ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدِ اسْتَقْصَيْتُ ذِكْرَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي كِتَابِ "مَعَانِي الْقُرْآنِ"، وَبَيَّنْتُ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ غَيْرِ مُشْكِلٍ عِنْدَ مَنْ يَفْهَمُ صَنَاعَةَ الْعِلْمِ وَيَتَدَبَّرُ مَا بَيَّنْتُهُ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَيَرْزُقُهُ اللَّهُ فَهْمَهُ، وَيُوَفِّقُهُ لِإِدْرَاكِ الصَّوَابِ وَالرَّشَادِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ.
وفق الله الجميع لطاعته.