بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ابن خزيمة -رحمه الله-:
بَابُ فَضْلِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، مَعَ الْبَيَانِ أَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْقَيْسِيُّ، قال: حدثنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَلَا أُعَلِّمُكَ سُورَةً مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا؟» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «لَعَلَّكَ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ حَتَّى أُحَدِّثَكَ بِهَا». فَقُمْتُ مَعَهُ فَجَعَلَ يُحَدِّثُنِي وَيَدِي فِي يَدِهِ، فَجَعَلْتُ أَتَبَاطَأُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْبِرَنِي بِهَا، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنَ الْبَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي. قَالَ: «كَيْفَ تَبْدَأُ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ؟». قَالَ: فَقَرَأْتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ. فَقَالَ: «هِيَ، هِيَ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾[الحجر: 87] هُوَ الَّذِي أُوتِيتُهُ».
هذا فيه أن الفاتحة هي السبع المثاني، وقوله في الباب: "وإيجاب الفاتحة"، ابن خزيمة -رحمه الله- يرى أن قراءة الفاتحة واجبة كالبخاري، في السرية والجهرية للإمام والمأموم والمنفرد مطلقًا، حتى أن البخاري -رحمه الله- أيضًا يرى أن مَنْ جاء والإمام راكع ولم يقرأ تفوته الركعة؛ لأنه لم يقرأ الفاتحة، لا بُدَّ من قراءة الفاتحة للإمام والمأموم، وألَّف البخاري جزءًا في هذا، سماه (جزء القراءة).
والقول الثاني: أنها واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد، لكن تسقط عن المأمومين إذا جاؤوا والإمام راكع، واستدلوا بقصة أبي بكرة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمره بقضاء الركعة.
والقول الثالث: أنها تسقط عن المأموم في الصلاة الجهرية.
والقول الرابع [00:03:08] أضعفها، أنها تسقط في السرية والجهرية؛ وهذا قولٌ ضعيف.
وأعدل الأقوال أنها واجبة على الصحيح، والجمهور يرون أنها تسقط عن المأموم في الصلاة الجهرية، لكن عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا صلاة لمَنْ لم يقرأ بفاتحة الكتاب» يدلُّ على أنها واجبة على المأموم، لكنها تسقط إذا جاء والإمام راكع، فهي واجب مخفف بالنسبة للمأموم، هي ركن بالنسبة للإمام والمُنفرد، والمأموم تكون واجبٌ في حقه مخفف، تسقط إذا جاء والإمام راكع، أو جاء في آخر القيام ولم يتمكن من قراءتها، أو نسي قراءتها، أو قلَّد مَنْ يقول بعدم وجوبها، فتسقط عنه.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا حَوْثَرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو الْأَزْهَرِ، قال: حدثنَا أَبُو أُسَامَةَ، قال: حدثنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَ أُمِّ الْكِتَابِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي».
ولها أسماء: أم الكتاب، والسبع المثاني، والحمد، ومن أسمائها: الصلاة؛ في الحديث القدسي قال -عزَّ وجلّ-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين».
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَحْمَدِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:«مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ»، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانَا وَرَاءَ الْإِمَامِ، فَغَمَزَ ذِرَاعِي، وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ.
يعني اقرأها سرًّا.
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ،
والصلاة الفاتحة، من أسمائها الصلاة، قسمت الصلاة يعني قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين.
فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)﴾، يَقُولُ اللَّهُ: «حَمِدَنِي عَبْدِي»
هذا دليل على أن البسملة ليست من الفاتحة؛ لأنها لو كانت من الفاتحة لقال: يقول الله: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ﴾، وبدأ الفاتحة، يقول الله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، سيعدها سبع آيات بدون البسملة.
والقول الثاني: أن البسملة آية من الفاتحة.
والصواب أنها ليست آية من الفاتحة، بل آية مستقلة.
يَقُولُ اللَّهُ: «حَمِدَنِي عَبْدِي»، يَقُولُ الْعَبْدُ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)﴾، يَقُولُ اللَّهُ: «أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي»، يَقُولُ الْعَبْدُ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)﴾، يَقُولُ اللَّهُ: «مَجَّدَنِي عَبْدِي»، وَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾، فَهَذِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ) لله، و(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) للعبد.
يَقُولُ الْعَبْدُ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾، فَهُوَ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْهُمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ضِدُّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْهُمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَبَيْنَ أَنْ يُسَبِّحَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْهُمَا، وَخِلَافُ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنْ يُسَبِّحَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا يَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْهُمَا. وَهَذَا الْقَوْلُ خِلَافُ سُنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي وَلَّاهُ اللَّهُ بَيَانَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْفُرْقَانِ، وَأَمَرَهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِتَعْلِيمِ أُمَّتِهِ صَلَاتَهُمْ
هذا لا شك أنه قول غريب، يقول: يقرأ في الأخريين، ويسبح، يُخير بين التسبيح وقراءة الفاتحة، قراءة الفاتحة لا بُدَّ منها في الأوليين وفي الأخريين، لكن في الأوليين يقرأ سورة أو آيات، وفي الأخريين يقتصر على الفاتحة، إلا في الظهر؛ فقد جاء في حديث أبي قتادة أنه قرأ فيه أحيانًا في الأخريين بعض الأحيان، أما في العصر في الأخريين يقتصر على الفاتحة، وكذلك المغرب والعشاء.
س: وعلى قول التسبيح لمن لا يجيد الفاتحة؟
الشيخ: هذا لا بأس، لكن هذا يقول مخير بين التسبيح وبين القراءة، هذا قول غريب، أن يقول يُخير، إن شاء سبَّح، وإن شاء قرأ الفاتحة، هذا خلاف الصواب، الصواب أنه يجب عليه قراءة الفاتحة، الفاتحة واجب قراءتها.
وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قال: حدثنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْكَتَّانِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيَقْرَأُ [فِي] الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُنْتُ أَحْسَبُ زَمَانًا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ فِي ذِكْرِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبَانِ بْنِ يَزِيدَ وَهَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَلَى مَا كُنْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ يَقُولُونَ، فَإِذَا الْأَوْزَاعِيُّ مَعَ جَلَالَتِهِ قَدْ ذَكَرَ فِي خَبَرِهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: كَذَاكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَكِّيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، فَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا.
(وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا) لكي يعلمون أنه يقرأ.
بَابُ الْمُخَافَتَةِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
قف على هذا.