بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-:
بَابُ الْأَمْرِ بِتَعْظِيمِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ فِي الرُّكُوعِ
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ؛ قال: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ».
في هذا الحديث أن الركوع محل تعظيم لله تعالى وتسبيح (سبحان ربي العظيم، سبوحٌ قدوسٌ رب الملائكة والروح)، وأما السجود فهو محل الدعاء مع التعظيم، ولكن يُستثنى من هذا الدعوات اليسيرة التابعة للتعظيم، مثل قوله: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) هذا الذكر يقال في الركوع والسجود، لحديث عائشة عند مسلم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما أُنزل عليه: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾[النصر:1] يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» يتأول القرآن.
فهذا فيه دعاء، لكن دعاء قليل تابع للتعظيم، لكن كونه يدعو دعاءً خاصًا هذا يكون في السجود ما يكون في الركوع، الركوع محل تعظيم وتسبيح (سبحانك الله وبحمدك، سبوحٌ قدوس، سبحان ربي العظيم)، أما السجود فإنه بعد التسبيح يدعو ما شاء.
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، قال: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي إِيَاسَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾[الواقعة:74] قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ».
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: بِمِثْلِهِ.
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ السِّتْرَ فَرَأَى النَّاسَ قِيَامًا وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ يُصَلُّونَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ...
وهذا في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي في بيته، وكشف الستر ثم رأى أصحابه يصلون خلف أبي بكر، فقال لهم: «اللهم هل بلغت، أنه لم يبق من النبوة إلا مبشرات»، وفيه دليل على أن المبشرات شيءٌ من النبوة، وفي اللفظ الاخر قال:(فلم يبقَ من النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له)، هذا من المبشرات، الرؤيا الصالحة جزءٌ من النبوة، جزءٌ من ستٍ وأربعين جزءًا من النبوة كما في الحديث.
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ لِنَفْسِهِ أَوْ تُرَى لَهُ، وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ الدُّعَاءَ، فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».
فيه دليل على النهي عن القراءة في الركوع وفي السجود، وأنه لا يُقرأ في الركوع والسجود، وفيه أن الركوع محل تعظيم، وأما السجود فمحل دعاء بعد التعظيم، ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار فيه، قال: «أكثروا من الذكر في الدعاء، فقمنٌ» يعني حريٌ «أن يُستجاب لكم».
س: [00:05:03]؟
الشيخ: لا تكمل، إذا ركع الإمام اركع، المهم الفاتحة التي تقرأها، وما عداها هذه تتبع الإمام، تكمل السورة وتترك الإمام؟ تكمل السورة ولا تتابع الإمام؟ تترك الإمام؟ لا، عليك أن تتبع الإمام.
س: [00:05:48]؟
الشيخ: بعده إنه [00:06:00]، قال: أنا بلَّغت، إنه لم (يبق) تكون، لأن جاء بعدها جملة أخرى.
طالب: عندنا (أنه).
الشيخ: لا، (إنه لم يبق من النبوة إلا المبشرات)، فهو (إنه).
قَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: قَالَ أَبُو عَاصِمٍ مَرَّةً: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ السِّتْرَ وَالنَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ.
وَخَبَرُ إِسْمَاعِيلَ وَابْنِ عُيَيْنَةَ لَيْسَا هُوَ عَلَى هَذَا التَّمَامِ، وَأَنَا اخْتَصَرْتُهُ.
بَابُ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ الْيَشْكُرِيُّ وَسَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ الْقُرَشِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قال: أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الْأَحْنَفِ، عَنْ صِلَةَ عْنِ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَكَانَ رُكُوعُهُ مِثْلَ قِيَامِهِ، فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ».
قَالَ سَلْمٌ: عَنِ الْأَعْمَشِ.
وهذا في صلاة الليل، كان النبي يطيل صلاته، ذكر حذيفة: صلى صلاةً طويلة، وفيه أنه قرأ في الركعة الأولى البقرة وآل عمران والنساء، ثلاث سور، خمسة أجزاء وربع، لا يمر بآية فيها رحمة إلا ووقف يسأل، ولا آية عذاب إلا وقف يتعوذ، ولا تسبيح إلا وقف يسبح، طمأنينة وترسل في القراءة، قال: ثم ركع فكان ركوعه قريبًا من قيامه، وسجوده كذلك.
من يستطيع هذا! صبر عظيم وقوة -عليه الصلاة والسلام-، قالت عائشة: «كان يقوم حتى تتفطر قدماه»، تتشقق من طول القيام، عليه الصلاة والسلام.
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُوسَى، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قال: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ».
هذا فيه مشروعية التسبيح (سبحان ربي العظيم) في الركوع، وقول (سبحان ربي الأعلى) في السجود، وهو واجب عند الحنابلة وجمع من العلماء، ومستحب عند الجمهور، تسبيحات الركوع والسجود واجب عند الحنابلة وجمع، وعند الجمهور مستحبة، وكذلك تكبيرات الركوع والسجود، ما عدا تكبيرة الإحرام، وكذلك قول: (ربي اغفر لي) بين السجدتين، وقول: (سمع الله لمن حمده)، كل هذه واجبة عند الحنابلة وجماعة، ومستحبة عند الجمهور.
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا بُنْدَارٌ، قال: أَخْبَرَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ؛ ح وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ الْعَسْكَرِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا نَحْوَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ وَسَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» ثَلَاثًا.
نعم، وفيه مشروعية التسبيح في الركوع، والواجب عند العلماء مرة كما قرر العلماء، أنه واجب مرة، وأن الكمال ثلاثة، وينبغي الطمأنينة، وأن النبي يُقدر له في تسبيحاته في الركوع بعشر مع التدبر.
بَابُ التَّحْمِيدِ مَعَ التَّسْبِيحِ، وَمَسْأَلَةِ اللَّهِ الْغُفْرَانَ فِي الرُّكُوعِ
يعني (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، هذا ورد، هذا مستثنى، دعاءٌ قليل، التسبيح والتحميد (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي) لورودها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
قال: وَأَنبأنَا الْفَقِيهُ، قال: حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ.
وهذا بعد نزول السورة: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)﴾[النصر:1-3]، تقول عائشة كان يكثر أن يقول في الركوع والسجود: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي»، (يتأول القرآن) يعني يعمل بالقرآن، أمره الله بالتسبيح، يعني تأويل الأمر امتثاله، وتأويل الخبر وقوعه، هذا أمر، يتأول القرآن.
وفيه مشروعية الإكثار من هذا الذكر في الركوع والسجود ولا سيما عند تقدم السن، (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي).
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قال: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا، وَقَالَ: مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ».
بَابُ التَّقْدِيسِ فِي الرُّكُوعِ
قال: أَنبأنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا الصَّنْعَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ -يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ- حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَنْبَأَنِي قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْقَوْلِ فِي الرُّكُوعِ مِنَ اخْتِلَافِ الْمُبَاحِ، فَجَائِزٌ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ كُلَّ مَا رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ.
ذكرها أبو بكر، وكنية ابن خزيمة، رحمه الله، يعني يُشرع للمصلي أن يقول كل ما ورد، يقول (سبحان ربي العظيم)، (سبوحٌ قدوس رب الملائكة والروح)، (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)، ويقولها أيضًا في السجود: (سبحان ربي الأعلى)، (سبوحٌ قدوس رب الملائكة والروح)، (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)، يقول هذا الاختلاف... سماه اختلافًا، وهو ليس اختلافًا؛ لأنها وردت هذه الأذكار كلها تقال في الركوع وفي السجود.
س: أدعية الإستفتاح تقال جميعها؟
الشيخ: أدعية الاستفتاح (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك) استفتاح هذا يكون بعد تكبيرة الإحرام، وهذه أنواع يعني ما يجمع بينها.
س: ما الفرق بينها وبين الأدعية؟
الشيخ: أدعية الاستفتاح، وكذلك أيضًا أنواع التشهد، يأتي بهذا تارة وبهذا تارة، ما يجمع بين تشهد ابن عباس وتشهد ابن مسعود، كذلك الاستفتاحات ما يجمعها، يأتي بهذا تارة وبهذا تارة؛ لأنها وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال هذه تارة وهذه تارة، أما هذه وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولها في الركوع جميعًا هذا وهذا.
بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى ضِدِّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا دَعَا فِي صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَزَّازُ، قَالَا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَكَعَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، أَنْتَ رَبِّي، خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي، وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمَيَّ، لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، جَمِيعُهُمَا لَفْظًا وَاحِدًا، غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَقَالَ: «وَعِظَامِي».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَخَبَرُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَكَذَلِكَ خَبَرُ مُطَرِّفٍ عَنْ عَائِشَةَ.
وَفِي خَبَرِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ»، مَا بَانَ وَثَبَتَ أَنَّ لِلْمُصَلِّي فَرِيضَةً أَنْ يَدْعُوَ وَيَجْتَهِدَ فِي سُجُودِهِ، وَإِنْ كَانَ مَا يَدْعُو بِهِ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ، إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْأَمْرِ وَهُمْ فِي مَكْتُوبَةٍ يُصَلُّونَهَا خَلْفَ الصِّدِّيقِ، لَا فِي تَطَوُّعٍ.
وَفِي خَبَرِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ».
هذا الدعاء ليس في القرآن، المؤلف يريد أن يرد على من يقول إنه إذا دعا في الصلاة بدعاء لم يرد في القرآن لا تصح صلاته، تفسد، هذا غريب، بل إنه لو دعا بدعاء في القرآن ونوى القراءة لا يجوز له، وإنما ينوي الدعاء، مثل أن يقول: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[البقرة:201]، هذا دعاء يدعو به في السجود بنية الدعاء، لكن بنية القراءة لا، ممنوع، فالسجود ليس محلاً للقراءة.
﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾[آل عمران:8] بنية الدعاء لا بأس، وبنية القراءة لا، وهذا الذي يرد عليه المؤلف يقول إنه لو دعا بدعاء ليس في القرآن فسدت صلاته، من الذي يقول هذا؟ المؤلف يرد على قومٍ يعتقدون هذا الاعتقاد، وهو إذا دعا في الصلاة بدعاء لم يرد في القرآن لم تصح صلاته، وأتى بالرد على قوله بـ «وجهت وجهي للذي فطر السموات ...»، «اللهم لك ركعت ... خشع لك عظمي ومخي» فهذا كله دعاء ليس في القرآن، ومع ذلك ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
حتى إن هذا الداعي يقول لو قلت (لا حول ولا قوة إلا بالله) ما صحت الصلاة؛ لأنها ليست في القرآن، لكن لو قلت (لا قوة إلا بالله) صحت؛ لأنها في القرآن: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾[الكهف:39]، يقول: لو قلت (لا قوة إلا بالله) صحت الصلاة، ولو قلت (لا حول ولا قوة إلا بالله) لم تصح لأنها ليست في القرآن.
فَذَكَرَ الدُّعَاءَ بِتَمَامِهِ، مَا بَانَ وَثَبَتَ أَنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ -وَإِنْ لَيْسَ ذَلِكَ الدُّعَاءُ فِي الْقُرْآنِ- جَائِزٌ، لَا كَمَا قَالَ مَنْ زَعَمَ: أَنَّ مَنْ دَعَا فِي الْمَكْتُوبَةِ بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، حَتَّى زَعَمَ أَنَّ مَنْ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ.
(المكتوبة) يعني في الفريضة، خاصة في صلاة الفريضة.
وَزَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لَا حَوْلَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ إِنِ انْفَرَدَ فَقَالَ: لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ جَازَ، لِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾[الكهف:39].
فَيُقَالُ لَهُ: فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَفِي الرُّكُوعِ.
في افتتاح الصلاة (وجهت وجهي)، وفي الركوع (اللهم لك ركعت ... وخشع لك مخي وعظمي).
وَمَا سَنَذْكُرُهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ عِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ، وَفِي السُّجُودِ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَأَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصَلِّي بِأَنْ يَتَخَيَّرَ مِنَ الدُّعَاءِ مَا أَحَبَّ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ، وَفِي الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ، وَفِي السُّجُودِ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِأَلْفَاظٍ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ فِي الْقُرْآنِ،
(رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني) ليست في القرآن.
فَجَمِيعُ ذَلِكَ يَنُصُّ عَلَى ضِدِّ مَقَالَةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ صَلَاةَ الدَّاعِي بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ تَفْسُدُ.
ولم يذكر من الذي يرى هذا، عجيب هذا.
س: قول الفقهاء من دعا..... بطلت صلاته[00:21:38]؟
الشيخ: الأقرب أنها ما تبطل لقول النبي: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه»، فإذا سأل الله أن يرزقه مالًا، حلالًا وبيتًا فسيحًا، وزوجة صالحة، فلا بأس.
بَابُ الِاعْتِدَالِ وَطُولِ الْقِيَامِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ
قف على هذا، وطول الاعتدال هذا يُخِلُّ به كثيرٌ من الناس، الاعتدال بعد الركوع والإطالة في هذا، هذا مفقود عند الكثير، عند الأحناف أيضًا كذلك يقصرون هذا، وكذلك بين السجدتين، لا يعتدلون؛ لأن الأحناف لا يرونه بأنه واجب، مجرد أنك رفعت من الركوع يسجد، مجرد ما يرفع رأسه من السجدة يسجد، وهذا خطأ، كان النبي يطيل هذين الركنين.