بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ابن خُزيمة -رَحِمَهُ الله تَعَالَى-:
بَابُ طُولِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: إِنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا.
(لَا آلُو) يعني لا أُقصِّر.
قَالَ ثَابِتٌ: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلَ: قَدْ نَسِيَ.
وهذه الجلسة يُقصِّرها كثيرٌ من الأئمة، يُسرعون فيها، ولا سيما الأحناف، كأنه إذا جلس يقول القائل: قد نسي، وعلى الأقل تكون مناسبة للسجود، تكون طول السجود وطول القيام، وطول الركوع، وطول الوقوف بين السجدتين، كلها تكون متناسبة، كانت صلاة النَّبي متناسبة، سجوده وركوعه وجلسته بين السجدتين وقيامه بعد الركوع متناسبة، أمَّا كون الركوع طويل والسجود طويل والجلسة بين السجدتين قصيرة هذا خلاف السنة.
بَابُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ السُّجُودِ، وَبَيْنَ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، أَوْ مُقَارَبَةُ مَا بَيْنَهُمَا:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْدٍ -يَعْنِي الزُّبَيْرِيَّ- حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ سُجُودُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكُوعُهُ، وَقُعُودُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ.
نعم؛ لأن صلاته متناسبة -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام-، أمَّا حال بعض الناس يُطيل سجوده ويُقصِّر الجلسة بين السجدتين فهذا خلاف السنة.
بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنَ يَزِيدَ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَالْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الْأَحْنَفِ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ: يُرِيدُ الْمِائَةَ، فَجَاوَزَهَا، فَقُلْتُ: يُرِيدُ الْمِائَتَيْنِ، فَجَاوَزَهَا، فَقُلْتُ: يَخْتِمُ، فَخَتَمَ ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ، ثُمَّ رَكَعَ قَرِيبًا مِمَّا قَرَأَ، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ نَحْوًا مِمَّا رَفَعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَالَ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي» نَحْوًا مِمَّا سَجَدَ، ثُمَّ سَجَدَ نَحْوًا مِمَّا رَفَعَ، ثُمَّ قَامَ فِي الثَّانِيَةِ.
قَالَ الْأَعْمَشُ: فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ تَخْوِيفٍ إِلَّا اسْتَعَاذَ أَوِ اسْتَجَارَ، وَلَا آيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا سَأَلَ، وَلَا آيَةٍ -يَعْنِي تَنْزِيهٍ - إِلَّا سَبَّحَ.
وهذه صلاةٌ طويلة، صلاته طويلة -عَلْيه الصَّلاة والسَّلام-، من يستطيع هذا؟ هذا حذيفة صلَّى معه فافتتح البقرة فقلت: إذا قرأ مائة آية يركع، فمضى، قلت إذا قرأ مائتين يركع، فمضى قلت: إذا ختتم البقرة يركع فختمها، ثمَّ افتتح النساء وختمها، ثمَّ آلِ عِمران فافتتحها فختمها، قراءة فيها ترتيل، لا يمرُّ بآيةٍ فيها تسبيحٍ إلا سبَّح، ولا آيةٍ فيها عذاب إلا وقف يتعوَّذ، ولا آية رحمة إلا وقف يسأل، هذه صلاة طويلة -عَلْيه الصَّلاة والسَّلام-.
ثمَّ ركع فكان ركوعه قريبًا من قيامه، انظر، الركوع قريبًا من قيامه، ثمَّ رفع فكان رفوعه قريبًا أيضًا من ركوعه، ثمَّ سجد فكان سجوده قريبًا من قيامه، ثمَّ جلس بين السجدتين فكان جلوسه قريبًا من سجوده، صلاة طويلة؛ ولهذا وصفت عائشة -رَضِي الله عَنْهَا- قالت: «كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر قدماه» يعني تتشقَّق، ما تتشقَّق قدماه إلا من قيامٌ طويل -عَلْيه الصَّلاة والسَّلام-، فقد تقول له عائشة: «يا رسول الله، لم تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك؟ قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟» يفعل هذا -عَلْيه الصَّلاة والسَّلام- شكرًا لله وتعبُّدًا له سبحانه، ولتتأسَّى به أمَّته -عَلْيه الصَّلاة والسَّلام-.
بَابُ الْجُلُوسِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِيَامِ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَإِلَى الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ.
هذه تُسمى جلسة الاستراحة، قف عليها.
س: [00:05:36]
الشيخ: نعم، هذا كان أولًا، قرأ النساء قبل آل عِمران، هذا كان أولًا.