بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ابن خزيمة –رحمه الله تعالى-:
بابُ بَسْطِ يَدِ الْيُسْرَى عِنْدَ وَضْعِهِ عَلَى الرُّكْبَةِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ، وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ الْيُمْنَى فَيَدْعُو بِهَا، وَيَدُهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطُهَا عَلَيْهِ.
هذا مستحب، هذه من السُنن؛ كون الإنسان إذا جلس للتشهد بسط يده اليسرى على يده اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، ويُشير بالسبابة، يعقد، يُحلِّق الإبهام مع الوسطى، أو يقبض أصابعه الثلاثة، أو الأربعة ويُشير بالسبابة، هذا مستحب، ولو تركها فلا حرج.
بَابُ النَّظَرِ إِلَى السَّبَّابَةِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ بِهَا فِي التَّشَهُّدِ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا بُنْدَارٌ، قال: حدثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قال: حدثنَا ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا تَشَهَّدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِأُصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ.
نعم، وهذا هو الأفضل أنه: ينظر إلى السبابة في التشهد، وما عداه ينظر إلى موضع سجوده حتى ولو كان يشاهد الكعبة، فالأفضل أن ينظر لموضع سجوده لئلا يتشوش.
قال بعضهم: ينظر إلى الكعبة إذا كان في المسجد الحرام ويشاهد الكعبة، لكن الأفضل أن ينظر إلى موضع سجوده، وفي التشهد ينظر إلى السبابة.
قال: بَابُ الْإِشَارَةِ بِالسَّبَّابَةِ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي التَّشَهُّدِ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قال: حدثنَا إِسْمَاعِيلُ -يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ- قال: حدثنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَاوِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُحَرِّكُ الْحَصَا بِيَدِهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: لَا تُحَرِّكِ الْحَصَا وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلَكِنِ اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ.
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَرَمَى بِبَصَرِهِ إِلَيْهَا أَوْ نَحْوِهَا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ.
اللهم صلى وسلم عليه، هذا هو السُنة.
ثم قال: بَابُ إِبَاحَةِ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ بِمَا أَحَبَّ الْمُصَلِّي، ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُدْعَى فِي الْمَكْتُوبَةِ إِلَّا بِمَا فِي الْقُرْآنِ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: جدثنَا بُنْدَارٌ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حدثنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْأَحْوَصِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَلَا وَإِنَّا كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا أَنْ نُسَبِّحَ وَنُكَبِّرَ، وَنَحْمَدَ رَبَّنَا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلِمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَجَوَامِعَهُ،
الشيخ:عَلَّم أو عُلِّم؟
القارئ: كأنها مشكلة عَلِم.
الشيخ: يعني عَلِمَ من ربه –عزَّ وجل-.
وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلِمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَجَوَامِعَهُ، فَقَالَ: «إِذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ يَتَخَيَّرُ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ، فَلْيَدْعُ بِهِ».
في هذا مشروعية الدعاء في آخر التشهد الأخير، وأنه مستحب، ويبدأ بالدعوات الأربع: يستعيذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم بعد ذلك يتخير من الدعاء أَعجبه إليه هذا هو المستحب، ولو لم يدعُ صَحت صلاته.
وذهب طاووس بن كيسان اليماني التابعي الجليل إلى وجوب الاستعاذة بالله من أربع في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. يستعيذ بالله من هذه الأربع، فاستحبها الجمهور، وطاووس يرى أنها واجبة، ولهذا قال لابنه لمَّا صلى: هل استعذت بالله من أربع في صلاتك؟ قال: لا، قال: أعد صلاتك. والصواب: أنها مستحبة.
ثم يأتي بالدعاء بعده، يتخير من الدعاء أَعْجبه إليه، يسأل الله العلم النافع، والعمل الصالح، يسأل الله رزقًا حلالًا، وزوجةً صالحة، ومسكنًا فسيحًا، لا بأس، يسأل الله خير الدنيا والآخرة، ما لم يكن أمرًا دنيويًا محضًا، حتى الأمر الدنيوي قال بعض العلماء: لا بأس لعموم (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ) إليه.
المقصود: أنَّ هذا المحل محل دعاء آخر التشهد، وكثير من الأئمة يُقصرون التشهد ولا يُمكنونهم من الدعاء، وهذا مكروه في حق الإمام، ولهذا يقول العلماء: يُكره في حق الإمام أن يمنع المأموم من فِعل ما يُسن أو يُستحب، ينبغي على الأئمة أن يُمكنوا المأمومين من الدعاء.
قد عَلم النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر -رضي الله عنه- قال: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال -صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا» وفي لفظٍ: «كبيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» هذا يُستحب، ويُستحب أيضًا: اللهم إني أعوذ بكَ من الجُبن والبخل، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأن أُرد إلى أرذل العُمر، وأعوذ بك من عذاب القبر، هذا مُستحب –أيضًا- أن يُقال في آخر الصلاة.
بَابُ الْأَمْرِ بِالتَّعَوُّذِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى -يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ-؛ ح وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ؛ ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، قال: حدثنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ؛ جَمِيعًا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ. يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَمَنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ». هَذَا حَدِيثُ وَكِيعٍ.
وَفِي حَدِيثِ عِيسَى: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ. قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قال: حدثنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.
ثم قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قال: حدثنَا رَوْحٌ، قال: حدثنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَلِمَاتٍ كَانَ يُعَظِّمُهُنَّ جِدًّا، قُلْتُ فِي الْمَثْنَى كِلَيْهِمَا؟ قَالَ: بَلْ فِي الْمَثْنَى الْأَخِيرِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ.
قَالَ: كَانَ يُعَظِّمُهُنَّ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بَابُ الِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ
توقف.