بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ابن خزيمة –رحمه الله تعالى-:
جمَّاعُ أَبْوَابِ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ فِي الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ، وَمَسْأَلَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يُضَاهِي هَذَا وَيُقَارِبُهُ
يعني سؤال الرب عزَّ وجل.
بَابُ إِبَاحَةِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قال: حدثَنَا أَبِي وَشُعَيْبٌ قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي.
أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي وَفِي بَيْتِي.
قَالَ: «قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
وفي هذا فضل هذا الدعاء، فهذا يعلمه الصديق لصديق الأمة الأكبر: (اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا -وفي لفظٍ: كبيرًا- وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
قال: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، وفي بيتي، يدعو في الصلاة في آخر التشهد، يدعو في البيت.
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِي اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ إِلَى آخِرِهَا، مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى صَلَاةً إِلَّا قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي».
في اللفظ الآخر: «يتأوَّل الْقُرْآن» يعني يعمل بالقرآن، لأن الله أمره إذا دخل الناس في دين الله أفواجًا أن يُسبح، وأن يستغفر، ويختم حياته بالاستغفار والتسبيح، لأنها ....الجنة[00:03:10] فهي أجَلُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذه السورة أخبرت بقرب أجل النبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ۞ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾[النصر:1-2] يعني انتهت مهمتك من الدنيا، أديت الرسالة، وبلغت الأمانة فاستعد للقائنا ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾[النصر:3] كما فهم ذلك ابن عباس، وأقره عُمر رضي الله عنه.
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ آدَمَ، قال: حدثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَغْدُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَجِيءُ الرَّجُلُ وَتَجِيءُ الْمَرْأَةُ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ أَقُولُ إِذَا صَلَّيْتُ؟ قَالَ: «قُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي، فَقَدْ جُمِعَ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ».
يعني في هذه الدعوات: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، واجبرني.
بَابُ مَسْأَلَةِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا فِي الصَّلَاةِ مُحَاسَبَةً يَسِيرَةً، إِذِ الْمُحَاسَبَةُ بِجَمِيعِ ذُنُوبِهِ وَالْمُنَاقَشَةُ بِهَا تُهْلِكُ صَاحِبَهَا
ويدل على ذلك الحديث: «مَن نُوقِش الحساب عُذِّب»، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۞ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾[الانشقاق:7-8]، في الترجمة أن النبي يسأل ربه الحساب اليسير، أما مناقشة الحساب فإن من نُوقش الحساب عُذب.
ولهذا سألت عائشة –رضي الله عنها- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن نُوقِش الحساب عُذِّب، قَالَتْ: فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾[الانشقاق: ٨]؟ قَالَتْ: فَقَالَ: ذَلِكِ العَرْضُ، فإن من نُوقش الحساب عُذب».
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قال: حدثنَا ابْنُ عُلَيَّةَ؛ ح وَحدثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ، قال: حدثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا». فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ؟ قَالَ: «يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ، وَيَتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهُ. إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَئِذٍ يَا عَائِشَةُ هَلَكَ. وَكُلُّ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةُ تَشُوكُهُ». جَمِيعُهُمَا لَفْظًا وَاحِدًا.
الحمد لله، تكلم عن السند؟
القارئ: قال: هذا الحديث بهذا التمام تَفَرد به ابن إسحاق، وجزؤه الأخير صحيح، أما أوله وهو قوله: «اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا» فهذه لفظة لا أعلم أحدًا تابع فيها محمد ابن إسحاق، وهي مُنكرة، ولا تُحتمل منه.
قال ابن عدي في (الكامل): وقد فتشت أحاديثه الكثيرة، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ ووهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره.
وقال الذهبي في (الميزان): الذي يظهر لي أن ابن إسحاق حَسن الحديث، صالح الحال، صدوق، وما انفرد به إذا فيه نكارة، فإن في حفظهِ شيئًا.
الشيخ: نعم، وهذا مما انفرد فيه، «اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا»، الذي يظهر أنها ليست من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.
بَابُ إِبَاحَةِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْمَرْءِ مَسْأَلَةَ حَاجَةٍ يَسْأَلُهَا رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا يُرْجَى فِي ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِجَابَةِ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، قال: حدثَنَا وَكِيعٌ، حدثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْيَمَامِيُّ؛ وَحدثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قال: حدثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَدْعُو بِهِنَّ فِي صَلَاتِي. قَالَ: «سَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا، وَاحْمَدِيهِ عَشْرًا، وَكَبِّرِيهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلِيهِ حَاجَتَكِ، يُقَلْ: نَعَمْ نَعَمْ».
الشيخ: تكلم عن الإسناد؟
القارئ: إسناده حَسن من أجل عكرمة بن عمار.
بَابُ إِبَاحَةِ الِاسْتِعَاذَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قال: حدثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنِّي أُرِيتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ» قَالَتْ عَمْرَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».
وهذا ثابت في الصحيحين، أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالاستعاذة من أربع في آخر التشهد: «قُلْ: أعوذ بالله من عذاب جَهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال»، وأوجب بعض العلماء الدعاء بهذه الأربع.
طاووس بن كيسان اليماني، التابعي الجليل، كان يرى الوجوب، ولهذا أمر ابنه مرةً أن يعيد الصلاة لمَّا لم يأتِ بالاستعاذة من هذه الأربع. والجمهور على أنها مستحبة.
بَابُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فِي الصَّلَاةِ
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنَّ أَبَاهُ وَشُعَيْبًا أَخْبَرَاهُمْ، قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ».
قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ».
وفيه مشروعية هذا الدعاء، (الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ)؛ المأثم: ما يُؤثِّم، ما يجلب الإثم، والمغرم: الدَّيْن؛ لأن الإنسان إذا غرم حَدَّث فكذب، ووعد فأخلف، يعني يأتيه صاحب الدَّين ويقول له: اعطيني، وليس عنده شيء، فيقول: سأعطيك كذا غدًا، ويعده ويكذب، هو لا يستطيع، لكن يريد أن يعتذر له فيكذب.
بَابُ إِبَاحَةِ التَّحْمِيدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عِنْدَمَا يَرَى الْمُصَلِّي أَوْ يَسْمَعُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ يُرِيدُ شُكْرَ رَبِّهِ عَلَى ذَلِكَ
قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قال: أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ -يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ- قال: حدثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ ح وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قال: حدثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ ح وَحدثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ السُّلَيْمِيُّ، قال: حدثنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ؛ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قال: حدثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قال: حدثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ- عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
قَالَ: كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَتَاهُمْ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ: «يَا بِلَالُ! إِذَا حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَلَمْ آتِ، فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ».
فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَقَامَ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: تَقَدَّمْ. فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَ يَشُقُّ النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: وَصَفَّحَ الْقَوْمُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَلْتَفِتُ.
فَلَمَّا رَأَى أَبُو بَكْرٍ التَّصْفِيحَ لَا يُمْسَكُ عَنْهُ، الْتَفَتَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيِ امْضِهْ. فَلَمَّا قَالَ، لَبِثَ أَبُو بَكْرٍ هُنَيْهَةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «امْضِهْ»، ثُمَّ مَشَى أَبُو بَكْرٍ الْقَهْقَرَى عَلَى عَقِبَيْهِ فَتَأَخَّرَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ.
فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا مَنَعَكَ إِذْ أَوْمَأْتُ إِلَيْكَ أَلَّا تَكُونَ مَضَيْتَ؟» قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلنَّاسِ: «إِذَا نَابَكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ شَيْءٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ».
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ فِي حَدِيثِهِ: فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَكَذَا، يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى فِي حَدِيثِهِ: فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْ كَمَا أَنْتَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ.
أبو بكر المؤلف، يعني يزيدون في هذه القصة.
وهذا الحديث حديثٌ عظيم، ورواه البخاري في الصحيح، وأقره الشيخان، في قصة ذهاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ليُصلح بين بني عمرو، حصل بينهم نزاع فذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- يُصلح بينهم، ففيه مشروعية الإصلاح، وأنه ينبغي للإمام ولأهل العلم أن يُصلحوا بين الناس اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
الله -تعالى- يقول: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾[النساء:114].
وفيه: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال: إني إذا تأخرت فصلِّ؛ ففيه الدليل على أن الإمام إذا أراد أن يتأخر يُخبر المؤذن، أو يُنيب من يصلي عنه، فلما حضرت الصلاة فأقام بلال، وقَدم أبا بكر، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما دخل أبو بكر في الصلاة، فشق الصفوف حتى وقف خلف أبو بكر، فصار الناس يُصفَّحون –التصفَّيح: التصفيق- مستمر التصفيق، وكان أبو بكر لا يلتفت، فلمَّا رأى التصفيق مستمر لا ينقطع، التفت، فرأى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فيه دليل على أن الالتفات بالعنق عند الحاجة لا يؤثر، وأما الالتفات بالجسم كأن يستدبر القبلة هذا يُبطل الصلاة، لكن إذا التفت بعنقه عند الحاجة فلا بأس، وأما من غير الحاجة فلا، في حديث عائشة: الالتفات «اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِن صَلَاةِ العَبْدِ».
وفيه دليل على: أنَّ الإمام إذا جاء وقد أُقيمت الصلاة، فله أن يتقدم ويصلي بالناس، وله أن يصلي خلف من ناب عنه، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- صلى خلف أبي بكر، وأشار إليه أن امضِ، لكن أبي بكر تأخر، ولما سأله بعد الصلاة: (قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.) وهذا دليل على أنه ما أم النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن مر في حديث أنه أم أبي بكر مرةً أم النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والمعروف أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى خلف عبد الرحمن بن عوف في تبوك في صلاة الفجر، لما تأخر النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمُغيرة بن شُعبة يتوضأ، تأخر عليهم فأقاموا الصلاة فقدموا عبد الرحمن، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- والمُغيرة وقد صلى عبد الرحمن ركعة، فصلى النبي خلف عبد الرحمن والمغيرة، فلمَّا سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- قام النبي -صلى الله عليه وسلم- يقضي الركعة التي فاتته، فشقَّ ذلك على الناس، فقال: «أحسنتم، أو أصبتم»، ثم هذا في قصة أبي بكر ظاهرها ما صلى خلفه.
(فَتَأَخَّرَ) أبو بكر القهقرى، فيه دليل على أنه: لا بأس في التقدم والتأخر عند الحاجة في الصلاة، كما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مرةً على المنبر يُعلم الناس، فإذا أراد أن يسجد نزل، ثم يرقى حتى يعلم الناس.
وفيه دليل على أن التصفيق إنما يكون للنساء، والتسبيح للرجال، كل هذه من فوائد الحديث، وهنا النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أشار إلى أبي بكر ثم تأخر تقدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا تقدم الإمام في الركعة الأولى ما فيه إشكال، لكن لو تقدم في الثانية فإنه يأتي بالصلاة كاملة، والمأمومين ينتظرونه في الركعة الأخيرة.
س: مالتصفيح؟
الشيخ: التصفيح يعني التصفيق، صاروا يصفقون، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: التصفيق للنساء، الرجل يقول: سبحان الله، فيه دليل على أنه الرجل يسبح في الصلاة ولا يصفق، والمرأة تُصفق، ببطن الكف على ظهر الأخرى هكذا، والرجل يُسبح؛ سبحان الله، سبحان الله، ولهذا أنكر عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- التصفيق، إنما التصفيح للنساء.
س: إقامة بلال بناء على أمر؟
الشيخ: تأخر، وحتى لو لم يأمره إذا تأخر يُقيم، لا يحبس الناس إذا تأخر الإمام فإنهم يصلون، لكن في هذا الحديث أنه أمره.
في البخاري ما أذكر أنه أمره؛ لأن في صحيح البخاري ظاهره أنه لم يأمره، وأنه لما حضرت الصلاة جاء بلال يقول: يا أبا بكر، هل لك أن تصلي بالناس، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حُبس؟ فقال: نعم، إن شئت. فأقام، هذا في رواية البخاري.